الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الديمقراطية- في المنظور العراقي

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يتسم الشعب العراقي بتركبيته السكانية الفسيفسائية ,من عرب وكرد وتركمان وسواهم ,وأديان وطوائف متعددة , ولجميعها إمتدادات خارجية تتأثربها وتؤثر فيها , وبنزعة عشائرية متجذرة في الروح العراقية, ما زال الكثير من العراقيين حتى يومنا هذا يتفاخر بأنسابه العشائرية , بوصفها مصدر قوته وأصالته ,ودليل إنتمائه الحقيقي للعراق, على الرغم أن الكثير منهم قد نال حظا وافرا من التعليم والثقافة والإطلاع على ثقافات مجتمعات مدنية متحضرة.
ونظام العشيرة كما هو معروف يقوم على سلطة شيخ العشيرة بوصفه الآمر الناهي بكل ما يتعلق بشؤون العشيرة , يساعده بذلك بعض أركان العشيرة ممن يعرفون بشيوخ أفخاذ العشيرة. وقد أعتمد نظام العشيرة هذا في تركيبة العراق السياسية في عصوره المختلفة , فقد خضع العراق لسلطة الأمويين والعباسيين والعثمانيين قرونا طويلة, وهم جميعهم قد حكموا بإسم الخلافة الإسلامية , إلاّ أن سلطتهم الحقيبة كانت مستندة بالدرجة الأساس إلى نفوذ عشائرهم وعشائر أعوانهم من الولاة, وبذلك كان الخليفة الآمر الناهي والمتحكم الأول برقاب البلاد والعباد .
ولا يعرف عن شخصية الفرد العراقي بشكل عام الإعتدال, بل العكس من ذلك تماما حيث يعرف عنها التطرف والمغالاة والإعتداد بالرأي وعدم تقبل الرأي الآخر بسهولة , كما يعرف عنها المزاجية والإنفعال الحاد والغضب المدمر , كما تؤكد ذلك الشواهد التاريخية المختلفة , ومنها أحداث عام 1959 وعام 1963 وما تخللها وأعقبها من مجازر دموية , وما أعقب عام 1968 من صراعات دامية وحروب مدمرة لم يشهدها بلد من البلدان , وعام 2003 الذي ما زالت فصوله الدامية مستمرة حتى يومنا هذا.
وعند تأسيس دولة العراق الحديث عام 1921 ,بعد تخلصه من حقبة السلطة العثمانية , وتنصيب الأمير الهاشمي الحجازي فيصل بن الحسين الذي لم يكن منتميا بطبيعة الحال لأي من العشائر العراقية ,لكنه كان مستمدا شرعية سلطته من مكانة أسرته الدينية المنحدرة من سلالة الرسول الأعظم محمد (ص) , ولكونه أميرا متنورا فقد سعى بحنكته المعروفة لتأسيس دولة مدنية حديثة تساير روح العصر يومذاك قدر المستطاع, حيث إعتمد العراق وبتأثير مباشر من سلطة الحكومة البريطانية المحتلة للعراق يومذاك , دستورا مدنيا يفصل بين السلطات الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية , إلاّ أنه للأسف لم يتمكن من التخلص تماما من النزعة العشائرية حيث إضطرت الحكومة العراقية إصدارقانون خاص بالعشائر, لما لهذه العشائر من نفوذ في المجتمع العراقي , وبخاصة في المدن الصغيرة والقرى والأرياف.
لم يكن نظام الحكم الديمقراطي نظاما سياسيا معروفا لدي العراقيين يومذاك , حيث إعتادوا على نظام الحاكم الفرد المالك لجميع السلطات , يعاونه بإدارة شؤون البلاد بعض أعوانه المقربين . سعى البريطانيون إلى إعتماد نظام الحكم الديمقراطي في العراق خلال فترة إنتدابهم الممتدة من العام 1920 إلى العام 1932, العام الذي نال فيه العراق إستقلاله بدخوله عضوا في عصبة الأمم , وبذلك كان العراق أول دولة عربية تنال عضوية الأمم المتحدة .
لم تمارس الحكومات العراقية خلال حقبة الحكم الملكي وحقب الحكم اللاحقة أي شكل معقول من الديمقراطية أبدا , ولعل من الإنصاف القول أن حقبة نظام الحكم الملكي التي دامت نحو (38) عاما , كانت الأفضل في تاريخ الديمقراطية في العراق , حيث تخللتها فترات مورست فيها الديمقراطية بشكل أو بآخر . ويعتقد كثيرون الآن لو أنه قدر إستمرار نظام الحكم الملكي حتى يومنا هذا , لكان حال العراق اليوم أفضل مئات المرات مما هو عليه الآن , وربما تم تجنبه كل الحروب والفتن والصراعات الدامية التي تعرض لها ,وراح ضحيتها آلاف الأرواح وهدرت فيها ثروات البلاد هباء, دون أن تلوح في الأفق حتى الآن بارقة أمل بخلاص العراق من كابوس التخلف والجهل والفساد ,الذي أدخلوه فيه عام 2003 تحت يافطة الديمقراطية المزيفة شكلا ومضمونا.
كان متوقعا أن يصبح العراق أحد أفضل دول المنطقة وأكثرها أمنا ورخاء وتقدما في جميع المجالات , بحكم موقعه الستراتيجي وما حباه الله من نعم وموارد لا تعد ولا تحصى وإمتداد حضاري عريق , وبداية حقبة حكم رشيد واع ومستنير ومتطلع لبناء عراق مزدهر ينعم فيه العراقيون جميعا بحياة كريمة , لولا عبث العابثين والطائشين ممن أغوتهم الاعيب شياطين السياسة الهوجاء, الذين لعبوا بعقول مراهقين إعتقدوا لبرهة من الزمن ,أنهم قادة عظام لا يشق لهم غبار, وأنهم قادرون على دخول التاريخ من أوسع أبوابه , بإعادة أمجاد غابرة دون إدراك حدود قدراتهم في عالم يمتلك قدرات تفوق قدراتهم, وقادر على إحباط كل مشاريعهم بأقل من لمح البصر, إذ أن كل من هذه القوى يسعى بحق أو بدونه لتحقيق مصالحه , الأمر الذي يعني أن من يريد تحقيق مصالح بلاده , عليه أن يعرف قواعد اللعبة السياسية جيدا, وأن يدرك حدود قدرات بلاده ومكامن ضعفها , وأن يسعى لتوظيف علاقاته الدولية لضمان مصالحها , بدل التأرجح بالحبال البالية وتوريط بلاده بمطبات لا قدرة لها على الخروج منها , أي أن عليه أن يعمل على وفق مقولة الملك الراحل فيصل الأول " خذ وطالب" , ذلك أن السياسة كما هو معروف فن الممكن.
نعود إلى حديثنا عن الديمقراطية في العراق ,ونقول يتوهم من يعتقد أن إجراء الإنتخابات النيابية في فترات منتظمة , حتى وأن كانت نزيهة ( وهي ليست كذلك في العراق ) تعني بالضرورة أنها ممارسة ديمقراطية , ما لم تجر في أجواء آمنة وتفضي إلى نتائج معبرة حقيقة عن أراء الشعب وتطلعاته لتحقيق حياة كريمة . كما أنه ليس من السهل إرساء نظام حكم ديمقراطي دفعة واحدة بجرة قلم , ذلك أن النظام الديمقراطي يقوم على أركان ومقومات أساسية لابد من تحقيها أولا , نوجز هنا بعضا منها :
1. تهيئة البيئة الآمنة والمستقرة لجميع المواطنين التي تمكنهم من ممارسة حياتهم ومعتقداتهم بأمن وآمان ,ودون خوف أو وجل على الإطلاق.
2. إرساء بناء قواعد مجتمع مدني بعيدا عن أشكال الحقد والكراهية والإحتقان الديني أو الطائفي أو الأثني.
3. نشر ثقافية مجتمعية ديمقراطية بين فئات المجتمع المختلفة رجالا ونساء , بحيث تصبح جزء من مفردات حياتهم اليومية.
4. تأمين سيادة القانون في المجتمع , وضمان إستقلالية القضاء وعدم التدخل بشؤونه تحت أية ذريعة أو أي مسوغ.
5.التوزيع العادل للثروات والعمل على الحد من آفة الفقر التي تضرب حاليا قطاعات واسعة من الناس , بتوفير فرص عمل مناسبة لجميع طالبيه.
6.تأمين التعليم المناسب لجميع العراقيين ممن هم في سن التعليم , وتحريم عمل الأطفال ممن هم في هذه السن , والسعي الحثيث للقضاء على آفة الأمية التي باتت ظاهرة للعيان بشكل مخيف , بعد أن كان العراق قد تخلص منها قبل أربعين عاما.
7.تأمين الخدمات الصحية التي يستحقها العراقيون المتردية حاليا بشكل مخيف بات يهدد حياة الملايين من الناس , بعد أن كان العراق يملك نظاما صحيا كان ينظر إليه بكونه الأفضل بين دول المنطقة.
8. السعي الجاد للتخلص من آفة الفساد ونهب المال العام وكل أشكال السمسرة , ومحاسبة الفاسدين والمفسدين وكل من تسبب بهدر المال العام.
9. تحريم كل أشكال النشاط السياسي الطائفي والأثني تحت أي مسمى , ذلك أن العراق وطن الجميع , ويفترض أن حرية الأديان والتدين مضمونة لجميع العراقيين , وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات.
10.تحريم كل أشكال النشاط السياسي ذات الإمتدادات والإرتباطات الخارجية.
11. الكف عن كل أشكال سياسات التهميش والإبعاد والإقصاء والمنع من ممارسة النشاط السياسي لأي فرد, بإستثناء من يثبت قانونا من قبل القضاء , تورطه بقضايا فساد أو إرهاب أو قتل أو تعذيب آخرين.
12.بسط سلطة الدولة وهيبة القانون في جميع أنحاء العراق .
13. حصر السلاح بأيدي القوات المسلحة النظامية الممثلة بالجيش والشرطة والأمن الداخلي.
14.إجتثاث الإرهاب بكل أشكاله العسكرية وتجفيف منابعه الفكرية.
وبذلك تكون قد تهيأت بيئة مناسبة لممارسة الديمقراطية بصورة صحيحة , ولكي لا نغرق أنفسنا بالمثاليات والتنظير, ولكي نقترب أكثر من الواقع , نقول أن أضعف الإيمان لممارسة قدرا معقولا من الديمقراطية في العراق, توفير البيئة الآمنة للمواطنين بحصر السلاح بيد الدولة ومحاربة الفساد كحد أدنى. والعمل على تطوير الممارسة الديمقراطية في ضوء إفرازاتها لاحقا .نحن نشك حقا بإمكانية تحقيق ذلك , في ضوء معطيات المشهد السياسي الراهن المتمثل بنظام المحاصصة الطائفية والأثنية المعتمد حاليا في العراق من جهة , وتشكيلة معظم هذه الأحزاب الدينية والمدنية على حد سواء ,كونها تشكيلة عشائرية يتوارث قيادتها الأبناء عن الأباء وكأنها ملكية خاصة بهم . فهل يعقل أن تمارس هكذا أحزاب لا تعرف الديمقراطية في حياتها الحزبية الداخلية , أن تمارسها في الحياة العامة ؟ , فضلا عن أن الشغل الشاغل لهذه الأحزاب نيل حصتها من واردات الدولة بحسب عدد المقاعد النيابية التي تتمكن من الإستحواذ عليها , ولضمان مصالحها جميعا فقد إبتدعت ديمقراطية عجيبة أطلقت عليها " الديمقراطية التوافقية", وبذلك قطعت الطريق على كل أشكال المعارضة المتعارف عليها في النظم الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير


.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على




.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر


.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص




.. فلسطيني ينقذ قطة عالقة في السياج الفاصل بين غزة ومصر