الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الاستراتيجيا والتكتيك (3 حلقات)

محمد علي الماوي

2021 / 8 / 29
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


حول الاستراتيجيا والتكتيك( 3 حلقات)

مقدمة

"إن خطيئة الأممية الثانية ، خطيئتها المميتة ، ليست في أنها انتهجت في عهدها ، خطة استخدام أشكال النضال البرلمانية ، بل في أنها قدرت أهمية هذه الأشكال بأكثر مما هي ، وكادت تعتبرها الأشكال الوحيدة ، فلما جاءت مرحلة المعارك الثورية المباشرة واحتلت مسألة أشكال النضال غير البرلمانية المكان الأول،أدارت أحزاب الأممية الثانية ظهرها للمهمات الجديدة ، ورفضتها."(إفلاس الاممية الثانية- لينين)-
تعددت الدعوات للحوار من أجل الوحدة بعد 25-7 صلب الاطراف التي تتحرك تحت يافطة "الوطنية الديمقراطية" ولم تطرح هذه الدعوات ارضية سياسية للمرحلة الحالية وكيفية توحيد القوى وفق برمجة عملية واكتفت ببعض المطالب في علاقة بإجراءات مؤسسة الرئاسة فاقترح البعض "تشكيل ائتلاف القوى الوطنية الديمقراطية دون تأخير"(1)اما البعض الاخر المحسوب على اليسار من ضمنه حزب في البرلمان اصدروا بيانا ورد فيه ما يلي" تثميننا لكل نضالات شعبنا ضد منظومة الانتقال الديمقراطي و اعتبارنا إجراءات 25 جويلية استجابة جزئية لمطالبه تقتضي درجة كبيرة من اليقظة ونضالا دؤوبا من أجل المضي قدما نحو تصحيح جذري وفعلي للمسار الثوري"(2) هذا دون التعرض الى الاحزاب والقوى الداعمة لقيس سعيد او المتأرجحة .
فأين كانت هذه القوى المزايدة بالوحدة الان اثر انتفاضة 17 ديسمبر ولماذا لم تفعل شيئا في هذا الاتجاه طوال 10 سنوات من حكم النهضة واتباعها ولماذا لم تتفاعل ايجابا عندما اقترحنا ارضية سياسية لتوحيد الوطنيين الديمقراطيين وارضية اخرى لوحدة الشيوعيين؟
ان الجواب واضح هناك اطراف تتقمص جبة الوطنية الديمقراطية او الشيوعية لكنها في الممارسة العملية تنظر للتحول السلمي أي للوفاق الطبقي وللمصالحة الوطنية والتواجد جنبا الى جنب اعداء الشعب بتعلّة اصلاح النظام الفاسد من الداخل وهي تعلة تخفي انتهازية هذه العناصر التي تساهم في تبييض وجه الانظمة العميلة وترميمها وهي رغم المزايدة اللفظية بالشعارات التي يرفعها ابناء الشعب تكرّس مقولة الانتقال الديمقراطي او "استكمال المسار الثوري" او" المقاومة لاستنهاض المسار الثوري"
فما هي استراتيجية هذه القوى وهل لها برنامج سياسي واضح المعالم يطرح كيفية انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية؟
لم تعد الاحزاب القانونية معنية بما في ذلك مكونات الجبهة "الشعبية"بقضية التحرر الوطني وإن ادعت الوطنية فهي
ترفع شعار "الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية"أي "بناء نظام جمهوري مدني ديمقراطي في خدمة الشعب" كما ورد ذلك في الارضية السياسية للجبهة الشعبية بمكوناتها (التروتسكية والوطدية والقومية) وهي توهم البعض بإمكانية تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي في ظل الاستعمار الجديد والتحق بهذا الركب الانتهازي مجموعة البيان المشترك كل من حزب النهج "الشيوعي" مخترق ومنحدر من منظمة العمل "الشيوعي"(3) التي انسلخت عن التصفويين وحزب الوطد الاشتراكي الذي شارك في الانتخابات السابقة ولم يحصل على اي مقعد وشبكة المناضلين الجبهويين ومناضلون يساريون مستقلون وحزب الكادحين.
لقد ساهمت اجراءات 25 جويلية في فرز القوى من جديد واتضحت الصورة أكثر مما كانت عليه بعيد الانتفاضة فقد اصطفت مجموعات اليسار "الجديد" الى جانب اليسار الليبرالي وأمضت معه بيانات مشتركة وهو ما يعني انها في نفس الخندق =خندق المصالحة "الوطنية" والوفاق الطبقي مع اعداء الشعب واصبح اليسار الثوري المتمسك بانجاز المهام الوطنية الديمقراطية يقتصر على بعض المجموعات التي لا يتجاوز عددها ال3 ورغم ذلك فهي غير قادرة على التوحّد لفضح اطروحات اليسار الانتهازي المنخرط فعليا فيما سمي باستكمال المسار الثوري الذي يخفي في الحقيقة دعم اجراءات سعيد ضمنيا والقبول بما يجود به النظام لهثا وراء المواقع.
فما ابعد هذا اليسار الانتهازي عن قضية التحرر الوطني ورغم اللف والدوران والمزايدات اللفظية بالثورة والوطنية والمقاومة فانه يظل في تناقض صارخ مع استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية التي لا يمكن لها أن تنجز عبر الانتخابات المزورة او التداول السلمي على السلطة في ظل دولة الاستعمار الجديد التي لن تقبل التنحي بل ستستعمل كل الوسائل بما في ذلك عنف الدولة للحفاظ على السلطة.ان هذا اليسار لا يعترف فعليا بالصراع الطبقي الذي حسب ماركس-انجلس-وحسب كل تجارب التحرر- يؤدي حتما الى العنف الثوري والى ديكتاتورية السلطة الديمقراطية الشعبية المتحولة الى الاشتراكية في اشباه المستعمرات والى ديكتاتورية البروليتارية في البلدان الرأسمالية(بما في ذلك الصين وكوريا الشمالية وكوبا...)

ان الاستراتيجيا الثورية في مرحلة التحرر الوطني تهدف الى التخلص نهائيا من واقع الاستعمار الجديد (الهيمنة الامبريالية ومن يمثلها وواقع التخلف)ان هذه الاستراتيجية ليست رغبة ذاتية او حلم طوباوي بل انها استجابة لواقع ملموس وللتناقضات التي تحكمه وطالما لم يقع حل هذه التناقضات فانه لا يمكن الحديث عن تحرر وطني :" أ- التناقض بين الامبريالية وعملائها من جهة والشعب العربي المضطهد من جهة ثانية.
ب- التناقض بين الفلاحين الفقراء وباقي الجماهير الشعبية الغفيرة من جهة وملاكي الأراضي الإقطاعيين المتحالفين مع الامبريالية من جهة ثانية.
يلعب التناقض الأول المتعلق رئيسيا بالمسالة الوطنية دورا هاما رغم علاقة التداخل الموجودة بين هذين التناقضين. فإذا لم يقع دحر الامبريالية يستحيل اضعاف سلطة ملاكي الاراضي الكبار كما انه بدون النضال ضد مالكي الأراضي الكبار و بدون تجنيد جماهير الفلاحين بقيادة حزب الطبقة العاملة لا يمكن وضع حد للسيطرة الامبريالية و لا يمكن أن يتم التحرر الوطني الديمقراطي "(من برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية)

مراجع:
1- الوطنيون الديمقراطيون(نص31 جويلية 2021)

2- بيان مشترك
حزب النهج الشيوعي
حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد
حزب الوطد الاشتراكي
شبكة المناضلين الجبهويين
مناضلون يساريون مستقلون

3-منظمةالعمل "الشيوعي"=حزب النهج "الشيوعي"
(انظر: م العمل "الشيوعي" دون استراتيجيا لايمكن للتكتيك ان يكون صائبا
الارث التصفوي لدى م الع "الشيوعي"(او حزب النهج "الشيوعي")
م ع الماي: الحوار المتمدن)
تونس 18 جويلية 2021

(1) استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية وأشكال النضال والتنظيم
لقد وقع تشويه استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية التي وضعت لبناتها "الشعلة" بداية السبعينات كما وقع اختصار التكتيك في الطرق البرلمانية التي اعتمدتها اطراف وطد(وطني ديمقراطي) كأسلوب اساسي للنضال (الحزب الوطد الموحد-الحزب الوطد الاشتراكي-حزب العمل الوطد المندثر الى جانب حزب النهج "الشيوعي" وكل من امضى معه على البيانات الاخيرة الخ...)
تعتبر هذه الاحزاب الاصلاحية قضية التمسك بالتحليل المادي الجدلي للأوضاع وللتناقضات التي تحكم المجتمع ضربا من الانعزالية والدغمائية وحلما لا علاقة له بالواقع وتشنّ حملة شعواء بالاعتماد على العناصر البوليسية والانتهازية ضد كل من يتمسك ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية وذلك لتغطية تنكّرها للطرح وتمرير تكتيكاتها المنخرطة في التحول السلمي ومعزوفة بناء حركة جماهيرية واسعة يقع استعمالها في الانتخابات.
ان مثل هذه التكتيكات وإستراتيجية الجمهورية المدنية لن تخلّص الشعب من الهيمنة الامبريالية والتخلف بل ستعمل على تأبيد واقع الاستعمار الجديد كما اثبتت التجربة ذلك.
الثورة الوطنية الديمقراطية (او الديمقراطية الجديدة)
ان واقع اشباه المستعمرات ومن ضمها تونس يبيّن دون لبس - وإن تطلب ذلك تحيين ألمعطيات-حتمية الثورة الوطنية الديمقراطية كحلّ جذري لطبيعة المرحلة وطبيعة المجتمع التي تفرض مثل هذا الحلّ ونذكر فيما يلي بما ورد في برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية المطروح للنقاش والتحيين منذ سنوات
"ألطابع شبه المستعمر فيبرز في:
- -سيطرة الاحتكارات الامبريالية على أهم دواليب الاقتصاد في الصناعة والزراعة ويلعب صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة دورا محددا في رسم الخطوط العامة لهذه السيطرة و تكبيل الأقطار بالديون و فتح الأبواب للرأسمال الامبريالي.
- عدم وجود صناعة وطنية قادرة على توفير وسائل الإنتاج وضمان الاستقلال الاقتصادي. فالامبريالية تعمد إلى التقسيم العالمي للعمل فتستأثر بالصناعات الثقيلة التي تصنع وسائل الإنتاج وتدفع الدول المستعمرة وشبه المستعمرة إلى الاكتفاء بتركيز الصناعات الخفيفة والاستهلاكية والملوثة مثل الصناعات الصغيرة التحويلية والتركيبية هذا بالإضافة إلى أن الجزء الهام من هذه الصناعات نفسها موجه لخدمة السوق الامبريالية.
- ضعف مساهمة الصناعة في الدخل الوطني وتطور قطاع الخدمات على حساب الصناعة المعملية.
- تشغيل الصناعة الغذائية والنسيجية نسبة هامة من العمال الصناعيين.
- تحويل الأقطار العربية إلى ملحق للسوق الامبريالية وضرب الحرف والصناعة الوطنية والإبقاء عليها ضعيفة للغاية غير قادرة على الصمود أمام المنافسة العالمية.
- نهب خيرات الوطن والمواد الأولية والإنتاج الزراعي من قبل القوى الامبريالية التي تتمتع بكل التسهيلات المقننة بواسطة العديد من قوانين الاستثمار النهابة الخادمة للامبريالية (النفط و الغاز والفسفاط والحديد والقطن والحبوب والتمور والقوارص...)
- تركيز المناطق الحرة و المؤسسات الاحتكارية المعفاة من الأداء.
-فرض تبادل تجاري غير عادل وعقد اتفاقيات شراكة متعددة وخادمة للامبريالية تكبل الأقطار بالديون وتثقل كاهل الطبقات الشعبية.
- استغلال اليد العاملة بأجور منخفضة جدا .
- فتح القواعد العسكرية لمختلف الامبرياليات بالوطن العربي و منحها التسهيلات العسكرية البرية و البحرية والجوية و تنظيم المناورات المشتركة معها.
- العمالة السياسية و العسكرية و الثقافية للامبريالية.
- التخطيط باعتماد كل الوسائل لإبقاء الهيمنة عن طريق النظم الكمبرادورية الإقطاعية لقمع الجماهير و حركات التحرر الوطني.
3) الطابع شبه الإقطاعي .
يرتبط الطابع شبه الإقطاعي بالطابع شبه المستعمر و يبرز ذلك من خلال:
- المحافظة على أشكال الاستغلال الإقطاعي في المدينة و الريف.
- تشتت الملكية وسيطرة الإنتاج الصغير المعد للاكتفاء الذاتي مقابل احتكار الملاكين الكبار للأراضي الواسعة والخصبة.
-عدم انفصال المنتجين الصغار عن وسائل الإنتاج وبالتالي عدم تطور عدد السكان الصناعيين على حساب السكان الزراعيين رغم ارتفاع نسبة الحضر في بعض الأقطار.
- حجم السكان المرتبطين بالريف و العاملين في الزراعة يتجاوز %50 في اغلب الأقطار.
- تخلف أدوات الإنتاج ومحدودية المكننة وضعف استعمال الأسمدة.
- تدهور الإنتاج والإنتاجية وعرقلة القوى المنتجة بسبب العلاقات الإقطاعية .
- سيطرة الفكر الديني الاسطوري في المدينة والريف وتشجيع الأحزاب الظلامية إلى جانب المظاهر العشائرية والطائفية والقبلية وانتشار الأمية و تفشي الأمراض الاجتماعية.
- منع الجماهير الشعبية من ممارسة الحريات الديمقراطية كحق التعبير والنشر والتنظيم والتظاهر وحق الإضراب وفرض واقع الحصار العسكري والبوليسي.
- الاضطهاد المضاعف للمرأة فإلى جانب الاضطهاد الامبريالي تخضع المرأة إلى الاضطهاد الإقطاعي المقنن في العديد من التشريعات.
ثالثا : طبيعة الثورة : وطنية ديمقراطية.
1) التناقضان الأساسيان:
أ- التناقض بين الامبريالية وعملائها من جهة والأمة العربية المضطهدة من جهة ثانية.
ب- التناقض بين الفلاحين الفقراء وباقي الجماهير الشعبية الغفيرة من جهة وملاكي الأراضي الإقطاعيين المتحالفين مع الامبريالية من جهة ثانية.
يلعب التناقض الأول المتعلق رئيسيا بالمسالة الوطنية دورا هاما رغم علاقة التداخل الموجودة بين هذين التناقضين. فإذا لم يقع دحر الامبريالية يستحيل القضاء على الإقطاعية كما انه بدون النضال ضد مالكي الأراضي الكبار و بدون تجنيد جماهير الفلاحين بقيادة حزب الطبقة العاملة لا يمكن وضع حد للسيطرة الامبريالية و لا يمكن أن يتم التحرر الوطني الديمقراطي"
يحوصل المقتطف اعلاه جوهر مفهوم شبه مستعمر-شبه قطاعي وهو مقتطف من برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الذي وقع تنقيحه عدة مرات من قبل التنظيم الماركسي اللينيني والمنظمة الم الل والحركة الشيوعية الماوية وهو لازال مطروحا للنقاش والاثراء خاصة بعد كل ما حصل منذ انتفاضة ديسمبر 2010
ويعتبر هذا البرنامج نتاجا لتحقيقات ميدانية ودراسات نظرية شارك فيها العديد من المناضلين وهو يعكس جلّ الصراعات التي وقع خوضها منذ اواخر الستينات ضد التروتسكية والتحريفية آنذاك (الحزب "الشيوعي" التونسي والعامل التونسي)
ثم ضد اطروحات حزب العمال واتباعه والتيار التصفوي وضد الشرعوية والنقابوية المتقمصة جبة "الوطني الديمقراطي"
تحدد اذا طبيعة المجتمع طبيعة الثورة ومرحلة التحرر الوطني الديمقراطية والمهام الموضوعية المطروحة على القوى الثورية عامة المدعوة الى ايجاد اشكال النضال والتنظيم الملائمة للسير في طريق الثورة وفضح كل التيارات الانتهازية التي تنظر للانتقال الديمقراطي السلمي ولا ترى ان التناقضات التي تحكم المرحلة هي تناقضات عدائية لا يمكن حسمها من خلال اصلاح النظام الفاسد من الداخل والتطبيع مع العملاء وكلاء الامبريالية بل المفروض عزل لنظام وإضعافه ثم التخلص منه نهائيا تطبيقا لشعار الانتفاضة"الشعب يريد اسقاط النظام"
ان الاهتداء الى استراتيجيا صحيحة إن صحّ التعبير من خلال دراسة الاوضاع المادية لا يعني البتة ان الثورة على الابواب لان الامر يتعلق بموازين قوى تحكم حركة الصراع الطبقي والنضال الوطني في علاقة بالوضع العربي والاقليمي والعالمي فقد تمكنت الامبريالية مثلا من اجهاض الثورة في البيرو وتفكيك الحزب الشيوعي بالاعتماد على القمع والاختراق وترويض البعض كما تمكنت من احتواء الحزب الشيوعي النيبالي المسيطر آنذاك على ما يقارب 80 بالمائة من الاراضي وجرّ براشندى الى سياسة التحول السلمي والمشاركة في انتخابات تتحكم فيها الرجعية .
لذلك الى جانب وجود استراتيجيا واضحة لابد من صياغة تكتيكات صائبة طوال مرحلة التحرر وفق مد وجزر الحركة الشعبية وهي مسالة معقدة تتطلب اولا وجود قوى ثورية منظمة احسن تنظيما وحركة شعبية عالية التجربة في مواجهة السلطة العميلة وتكتيك يخدم الاهداف الاستراتيجية ويعمل على اضعاف السلطة الحاكمة باستمرار وتأسيس سلطة شعبية مضادة ملتزمة بشعارات المرحلة وبالخط الاستراتيجي وما يتطلبه من اشكال كفاحية
تونس 25 اوت 2021
التكتيك(1):أشكال النضال والتنظيم(الحلقة 3)

إن المحدد في أشكال النضال هو مدى مساهمتها في دفع الحركة الشعبية والارتقاء بوعيها وبتجربتها خدمة للأهداف الثورية فإن كان الشكل يقرّب ساعة الخلاص ويتماشى والهدف الإستراتيجي ويراعي استعدادات الجماهير بعد تحليل مادي جدلي للأوضاع فهو شكل ثوري.
لكن إن كان الهدف الاستراتيجي اصلاحي فمن الطبيعي ان يكون التكتيك اصلاحي يساهم في إطالة عمر النظام الفاسد وذلك ما تفعله الاحزاب الانتهازية
التي تنخرط في سياسة الوفاق الطبقي و"الحوار الوطني"أي المصالحة الوطنية مع اعداء الشعب.
يتسم التكتيك الثوري عادة بطابع كفاحي في حالة مد الحركة الشعبية ويعتمد الاشكال التي تفرزها نضالات الجماهير ويعمل على تطويرها وتقنينها لتصبح مكاسب ثورية تتشبث بها الجماهير المنتفضة.
ان رسم أي تكتيك يفترض وجود استراتيجية واضحة كما يفترض اولا وقبل كل شيء قوى ثورية عالية التنظيم قادرة حسب الاوضاع على تطبيق هذا التكتيك وهو امر غائب حاليا نظرا لواقع تشرذم القوى الشيوعية خاصة.
لذلك سنكتفي بتقييم موجز لبعض التكتيكات التي اعتمدتها القوى الشيوعية منذ
السبعينات وطرح افاق عمل في هذا الاتجاه من اجل فتح حوار جدي مع من يتبنى استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية عمليا وليس لفظيا.
يجب على التكتيك ان ينطلق من ثوابت الاهداف الاستراتيجية ومن واقع القوى الذاتية والقوى الاجتماعية الاساسية المحركة للثورة أي العمال والفلاحين الفقراء وبدرجة ثانية شرائح البرجوازية الصغيرة وبعض شرائح البرجوازية الوطنية المتضررة من الهيمنة الامبريالية والمنخرطة في النضال ضد الامبريالية.
وفي هذا الاطار صاغ التنظيم الماركسي اللينيني ثم المنظمة الم الل عدة تكتيكات نذكر منها خطة "الانصهار والبلترة" التي ركزت على توزيع المناشير في الاحياء الشعبية وبعض المعامل والكتابة على الجدران وانتهت بحجز موقع الطباعة واختفاء بعض الرفاق وخطة التواجد في الاتحاد العام التونسي للشغل وبعث النوادي والنشاط في الجمعيات من اجل الانصهار في مواقع الانتاج والاحياء الشعبية غير ان الانحرافات الشرعوية حالت دون ذلك واكتفى الرفاق المشرفين على هذا النشاط بالعمل القانوني بل رفض العديد منهم ترويج جريدة التنظيم حتى في شكل نصوص "طائرة" واتسمت هذه الفترة بالنقابوية والحياد وهو ما يتعارض كليا مع مضمون الخطة واهدافها –خطة مناهضة مخيم داوود والتي لم تدم طويلا نظرا لواقع القوى الذاتية واقتصرت على الدعاية في المنابر القانونية والتحاق بعض الرفاق بلبنان والمشاركة في المقاومة الفلسطينية واستشهاد البعض منهم وبفعل تنامي الطاقات وانتشار الطرح الوطني الديمقراطي وقع صياغة خطة "التمركز والانتشار" التمركز في اهم المعامل والاحياء الشعبية والبؤر الثورية والانتشار في الارياف المهمشة واساسا الشمال الغربي والوسط والجنوب الغربي وقد تحققت بعض المكاسب في هذا المجال لكن انتهت هذه الخطة اثر اندلاع الصراع ضد التصفوية سنة 1987 وحصول انشقاق اثر انقلاب التصفويين وطرحهم لخط اسلاموي قومجي للتهرب من المؤتمر التأسيسي لحزب الطبقة العاملة الذي كان على الابواب.
ان المهم في سرد هذه التجارب هو استخلاص الدروس وتسليح الحركة الشعبية باسلوب نضال يمكنها من تجاوز العفوية ويحثها على التنظم ومزيد من التنظم فالدرس الاول يكمن في ضرورة وجود تنظيم شيوعي بالتحديدات اللينينية وشروط الحزب الواردة في نص ستالين حول الحزب وبما ان وضع القوى الثورية لم يبلغ هذا النضج فلا بد من العمل على توحيد ما امكن من القوى المتبنية لبرنامج التحرر الوطني- ثانيا صياغة خطط هدفها التواجد في البؤر الثورية واهم المصانع والاحياء الشعبية والارياف المنسية حيث يتواجد الشباب المهمش.ثالثا
وهو اهم درس :ان العناصر الشيوعية المسؤولة عن تنفيذ الخطط المذكورة اعلاه انحرف جلهم عن الاهداف واستغلوا الموقع للتمعش والتفسخ وهم الان في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل وفي مواقع قيادية لمنظمات المجتمع المدني
او التحقوا بأحزاب انتهازية بعد ان كانوا يعتبرونها انتهازية لابد من فضحها وتعرية استراتيجيتها الداعية للوفاق الطبقي.لذلك من الضروري الانضباط للاهداف المرسومة فيما يخص النشاط القانوني واستغلال كل الامكانيات الشرعية لدعم الحركة الشعبية .
اصبحت اشكال النضال واضحة نسبيا منذ الانتفاضة وجسدت الشعارات حقيقة ما يريده الشعب:"اسقاط النظام" وليست المنظومة كما يخال للبعض أي تحقيق السيادة الوطنية والتخلص من العملاء مهما كانت مشاربهم.
اتسمت هذه الاشكال في حالة المد(ولن نتناول هنا الاشكال الخاصة بحالة الجزر) اتسمت بمهاجمة مقرات البوليس والمساحات التجارية والبنوك ومقرات الاحزاب الحاكمة أي رموز العمالة والقمع المتسببة في تجويع الشعب ونهب خيراته وتشكلت لجان الدفاع عن الاحياء فاختفى البوليس تخوفا من ردة فعل الجماهير المنتفضة وهرب تجنبا لرشقه بالحجارة وكان من المفروض تطوير مثل هذه الاشكال وتشكيل لجان الدفاع الشعبي وضمان استمراريتها لمزيد تنظيم الجماهير غير ان ضعف القوى الشيوعية وغيابها تقريبا من الاحياء الشعبية جعل من مثل هذه التجارب العفوية تندثر وقتيا.
لقد أكدنا على ان اشكال التنظيم تعكس بالضرورة طبيعة الاستراتيجيا وبما ان استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية لايمكن لها ان تنجز من خلال التحول السلمي نظرا لطبيعة التناقضات العدائية فمن المنطقي ان تتخذ اشكال النضال طابعا كفاحيا يتحدى القانون السائد محليا رغم اقرار الدستور بحرية التنظم والتعبير الخ .فمن حق الشعب والقوى الثورية توزيع المناشير في المصانع والاحياء والارياف ومن حقها استعمال الجدار للقيام بالدعاية الى شعاراتها ومن حقها اصدار الجرائد دون المرور بوزارة الداخلية ففي البلدان الراسمالية تنشط المنظمات الشيوعية بصفة طبيعية بل ان تجربة التنظيم الم الل والمنظمة الم الل كانت تصدر جريدة الكادح والعلم الاحمر ومجلة دليل الممارسة في باريس ولها صندوق بريد بسعر رمزي اذ يكفي تقديم اشعار لمكتب وزارة العدل .
غير ان الاحزاب القانونية يقتصر نشاطها الموسمي بمناسبة احاث معينة على اشكال قانونية فوقية في النزل والقاعات المغلقة في قطيعة تامة مع اشكال التنظيم التي افرزتها التحركات الشعبية ويهدف عمل هذه الاحزاب اساسا الى ايجاد قاعدة انتخابية تساهم في ترميم الانظمة الفاسدة بتعلة التغيير من الداخل.
ان المطلوب اذا من القوى الشيوعية اولا نقاش عملية التوحيد وتجاوز التشتت ويتم هذا النقاش حول ضرورة البرنامج السياسي للمرحلة الحالية كحد ادنى وابقاء النقاط الخلافية للنقاش الداخلي الى حين تطور الممارسة المشتركة التي ستساهم في حسم الخلافات وتوطيد وحدة الارادة.
تونس 27 اوت 2021

المراجع
(1)الستراتيجية هي تحديد اتجاه الضربة الرئيسية للبروليتاريا على أساس مرحلة معينة من الثورة، ووضع برنامج مناسب لترتيب القوى الثورية (الاحتياطات الرئيسية والثانوية)، والنضال في سبيل تحقيق هذا البرنامج طوال تلك المرحلة المعينة من الثورة.
التكتيك هو تعيين خطة سلوك البروليتاريا خلال مرحلة قصيرة نسبياً، مرحلة مد الحركة أو جزرها، نهوض الثورة أو هبوطها، والنضال من أجل تطبيق هذه الخطة بابدال أشكال النضال والتنظيم القديمة بأشكال جديدة، والشعارات القديمة بشعارات جديدة، وبالتوفيق بين هذه الأشكال، الخ... فإذا كان هدف الاستر
(أسس الينينية- الاستراجية والتكتيك –ستالين)

وكيف يكون الاستخدام الصحيح لأشكال نضال البروليتاريا وأشكال تنظيمها؟
يكون بإتمام بعض الشروط الضرورية، التي يجب اعتبار التالية منها رئيسية:
أولاً: أن توضع، في المقام الأول، أشكال النضال والتنظيم التي من شأنها، لكونها ملائمة أحسن من غيرها لشروط المد أو الجزر في الحركة، أن تسهل وتؤمن تسيير الجماهير نحو المواقف الثورية، تسيير الجماهير الغفيرة نحو جبهة الثورة، وتوزيعها على جبهة الثورة.
فليست القضية أن تدرك الطليعة استحالة الاحتفاظ بالنظم القديمة وضرورة قبلها والقضاء عليها. القضية هي أن تدرك الجماهير، الجماهير الغفيرة، هذه الضرورة وأن تبدي استعدادها لتأييد الطليعة. ولكن ذلك شيء لا يمكن أن تدركه الجماهير إلا بتجربتها الخاصة. فإعطاء الجماهير الغفيرة إمكان الاقتناع بتجربتها الخاصة بأن القضاء على السلطة القديمة شيء لا مفر منه، وتقديم وسائل نضال وأشكال تنظيم تسمح للجماهير بأن تدرك، بصورة أسهل، وبالتجربة، صحة الشعارات الثورية: تلك هي المهمة
(نفس المصدر)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا