الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت الضوء رجال ذئاب للشاعرة العراقية حياة الشمري

فطنة بن ضالي
كاتبة، شاعرة

(Fatna Bendali)

2021 / 8 / 30
الادب والفن


تنم القصيدة " تحت الضوء رجال ذئاب " عن وعي الشاعرة حياة الشمري بما يجري في الوطن وما يعانيه الإنسان العراقي، فهي مؤطرة بقولها:( فالمحمول عراقي والعراقي محمول) (على الخرائط الممزقة ) حيث تضعنا الشاعرة هنا في ظروف النص تبعا لظروف الوطن، و تستنكر في البداية التشتت والتفكك والانقسام الذي عبرت عنه بقولها : ( الفصول تفككت ) و(عرى التكوين ...لا تعاد ) فالولادة تكون مرة واحدة وتعني الوجود والحرية والكرامة التي يجب المحافظة عليها، إشارة إلى الواقع المعيش في هذا الإبان، وهو واقع الحرب عبرت عنه بجمل اسمية تدل على الثبوت ، وتزيد تأكيد هذا الواقع المزري ، في آخر الفقرة الأولى بجملة إنشائية استفهامية متسائلة عن الحال (كيف نصعد ؟) وهكذا تتوالى الجمل الحكائية واصفة الواقع تنتظمها بنية السؤال والتساؤل، وبنية الواقع والتحول ؛ لقد اكتوت الشاعرة بطرح الأسئلة الكبرى وبالتساؤل، حول الواقع والمصير، تقول : (فمن ولماذا ولم...أجساد الفقراء هكذا؟) معبرة عن المعاناة ، مستفسرة عن المصير : (هل ستفتح كعيون الزمن؟) و (ودع الأشعار إلى أين ...إلى أين ؟.) هكذا، تتساءل حول واقع مثخن بالجراح وما جرته ويلات الحروب على الشعب العراقي وما أفرزته من تناقضات على جميع المستويات سياسيا واجتماعيا وثقافيا ، ووصفت القصيدة هذا الزمن ب : (الزمن المثقل بالجراح ) و (وجع لصخور ... سيجت بالمذابح)، هذا الواقع المرير الذي عاني منه المدنيون، وما حصل فيه من تغييرات ، جعل الشاعرة تصف معاناة المرأة ومعانا ة الوطن بين واقع متأزم ، وبين ما ترجو أن يصبح عليه الوطن ، تقول: (الرواد أمهات) إشارة منها إلى ما تعانيه المرأة الأم من توديع أبنائها والزوجة من توديع الزوج، و قساوة الحياة في ظروف مليئة بالتقلبات والصراعات ، في وطن تغيرت فيه الأحوال وسمته بقولها (الجراح أصفاد تكبلك)، وفي ظل هذا الواقع وهذا التحول؛ الوطن لا يستسلم - كما لا تستسلم الشاعرة - ، رغم الظروف المحيطة به ورغم تحديق الآخر، فهو ينهض يمضي نحو الحرية التطور، مستعملة الفعل (تمضي) أنت الوطن بصيغة المضارع الدال على الحال والمستقبل وتكرار الفعل أكثر من مرة دلالة على القوة والثبات على الخطى من أجل مستقبل يرضاه الشعب وترضاه الشاعرة ، هو التطور في جميع المجالات في ظل التحول السياسي والاجتماعي والثقافي تقول : ( لكنك تمضي ، ممتشقا ...ونبوءة قلمك تعلن الرسالة ) إذ يحضر العراق عند الشاعرة في القصيدة قويا يخط مستقبله ومستقبل العراقيين .
متجاوزا كل الأحداث السلبية المؤسف لها، التي قالت عنها ( الاحتراق وارد..والاختراق وارد.)، بمثل هده الجمل القصيرة جدا، مستنكرة ما جرى وما عاشه الإنسان العراقي من تبعات الحرب ، باستفهام استنكاري ، وغيره ، وبالنداء( يا من روحك الوطن ) ( يا هذا الجافي )، معلنة رفضها هذا الواقع (سأنكسر ) باستعمال فعل يتساوى فيه الفاعل والمفعول، وتقول ( أنا المتصدعة ) أنا الشاعرة المرأة الأم في الواقع التي تقاسي وتودع ، والرمز الأرض التي تقاسي من النهب والسلب والتمزيق ، ومخلفات الدمار الشامل، تقول :( يا دموعا شمسا...أرضا ) (قتلت بأفكار حبلى بالدنايا )،أي عدوانا على المآثر الحضارية والثقافية، لكن الوطن يمضي رغبة من الشاعرة في تثبيت نهوض العراق وتطوره بأهله وثقافته (عيناك المتقدتان تغيظان الليل .. كشمعتين بعناد) هو العزم الذي يجعله يتخطى تلك الظروف الحالكة المشبهة بالليل والحرجة.
لجأت الشاعرة في التعبير، عن إحساساتها وأفكارها حول الوطن وإدراكها ما يجري فيه وموقفها من ذلك ، لصور أدبية بلاغية، وذلك لما للصور من تأثير على المتلقي وتوضيح وتعميق المعنى بأساليب مختلفة كما يقول: يقول وهب رومية "تعد الصورة ركيزة أساسية من ركائز الشعر ، وبها تتجلى حيوية "التخييل" وعمقه ، بيد أننا ينبغي ألا ننسى- ونحن نؤكد أهمية الصورة - أن النص الشعري كل عضوي متكامل ، وأن خصائصه ، تفوق مجموع خصائص عناصره ولذا قد يكون ضروريا أن نشير بين الوقت والآخر إلى تآزر هده العناصر لإنتاج الدلالة " الشعر والناقد عالم الفكر ع 33، سبتمبر 2006 ص 308 . وهي لدى الشاعرة إما صور تشبيهية مثل : (عرى التكوين كالولادة لا تعاد) ، في عزة و صون الكرامة، وكذلك ، (عيون تنتظر كعيون الزمن المثقل بالجراح)...لكن عينا الوطن شمعتان تهديان بالأمل.أو صور مجازية إستعارية، تحقق فيها الإنزياحات تعميق المعاني، مثل:( الأحداق رماح تغرس في لحمك ) و ( الوقت يغزو القبور)، إذ أصبح الزمن غالب يفتك بالإنسان، كما استعملت الكناية في قولها : صلاة الأمس غير صلاة اليوم كناية عن الأمانة والأمن والتباين بين الحالتين، ويحيل الذئب والقميص في قوليها :( رجالها تحت الضوء ذئاب) على الآية الكريمة : أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون الآية 13 سورة يوسف ، حكاية عن أبيه عليه السلام ، ويعزز هذا إحالة القميص في قولها: ( وأختبئ تحت قميصك وما تبقى من عطرك ) على الآية : فلما جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا، يوسف 96.
فقد وظفت الشاعرة الذئب رمزا إلى القوة والشراسة كما وظفت الرائحة و القميص الذي رد لأبي يوسف عليهما السلام الرؤية ، كناية منها عن الأمل في العمار والبناء والتطور الذي تصبو إليه والوضوح في الرؤية والرؤيا . القصيدة مؤتلفة الأوصال بصورها الأدبية العميقة ،والتي يعطي تراصها إيقاعا معنوي مهما جدا، يزيده بعض التقابلات ، بين التراكيب، وتكرار بعض الألفاظ مثل : المحمول عراقي / العراقي محمول ، صلاة الأمس / صلاة اليوم تكرار الفعل: تمضي أكثر من مرة .
ذلك أن "هدف قصيدة النثر الشكلية هو التحكم في الزمن، وإخضاعه للانتظام الإيقاعي، والإقامة داخل زمن"موسيقي"، وعقلي، منسحب من التدفق اللامتناهي للمصير، من ثمة يريد شعراء هذه القصيدة، بواسطة طرق مختلفة عن طرق العروض، (...)، أن يضعونا من جديد فيما هو خالد." كما يقول: عبد العاطي بانوارفي تحاور الأنواع الأدبية في الأدب العربي الحديث، أطروحة دكتوراه الدولة، جامعة القاضي عياض،2002-2003 ص136.
وهكذا اعتمدت الشاعرة في التعبير عن المعاناة ، على التراكيب والأساليب والصور الفنية المتناسقة والمنسجمة ، والتي تدل على قدرتها في الإفصاح عن التجربة الشعورية والفكرية وميزت رؤيتها الشعرية في هذه القصيدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و