الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجع الفصائل الفلسطينية وحضور لافت للحراكات

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تراجع الفصائل الفلسطينية وحضور لافت للحراكات
أخيرا وبعد طول تردد، نظمت القوى الديمقراطية اليسارية الفلسطينية الخمس ( الجبهة الشعبية، والديمقراطية، وحزب الشعب، وحزب فدا، وحركة المبادرة ) مظاهرة جماهيرية وسط مدينة رام الله في الخامس والعشرين من آب الجاري، شارك فيها مئات المواطنين من كوادر هذه القوى والمستقلين، للاحتجاج على حملات القمع الوحشي التي شنتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وتخللها اعتقال اكثر من عشرين ناشطا بارزا، وللمطالبة بحماية الحريات العامة بما فيها حرية التعبير والتجمع السلمي، التي يكفلها القانون الأساسي الفلسطيني فضلا عن تقاليد الحركة الوطنية العريقة القائمة على التعددية والاختلاف والتنوع.
المظاهرة مرّت بهدوء وسلام، فلم تتعرض إلى أي من إجراءات القمع والتعسف من قبل الأجهزة الأمنية التي أحاطت بالمتظاهرين، بل إن قائد شرطة محافظة رام الله وضباطه وقادة الأجهزة الأمنية الأخرى كانوا متواجدين وسط المشاركين من دون أي احتكاك، وهذه النهاية السلمية خلافا لما جرى في عديد المظاهرات منذ اغتيال وتصفية الناشط نزار بنات، يمكن تفسيرها بأن منظمي الفعالية حصلوا على ترخيص من الأجهزة الرسمية (وهو عبارة عن إشعار مكتوب يُعبّأ وفق نموذج جاهز عن توقيت التجمع وغاياته وشعاراته وطبيعة المشاركين فيه)، وكان لافتا أن الشعارات والهتافات التي جرى ترديدها قُرئت من أوراق موزعة على الناشطين، وتجنّبت الشعارات والهتافات الإشكالية من نوع "إرحل"، وركزت على المطالبة بالحريات العامة والدعوة للوحدة الوطنية.
من الجدير ذكره أن هذه الفعالية جاءت عقب سلسلة من عمليات القمع والتنكيل التي طالت عشرات الناشطين والمحتجين على تصفية نزار بنات في حزيران الماضي، وشملت الاعتقالات عددا من الناشطين البارزين والفعاليات الثقافية والأكاديمية والوطنية المعروفة، ومن بينهم الشاعر زكريا محمد، والبروفيسور عماد البرغوثي، والمعماري خلدون بشارة، والمخرج محمد العطار، والأسيران المحرران اللذان شارفا على الموت وتحولا إلى أيقونتين اثناء إضرابهما عن الطعام الشيخ خضر عدنان وماهر الأخرس، بالإضافة إلى الشخصيات القيادية والوطنية المعروفة تيسير الزبري ( شقيق القائد الشهيد أبو علي مصطفى) وعمر عساف وأُبيّ العابودي ويوسف عمرو والناشط الشبابي فادي القرعان. وهذه الاحتجاجات ولّدت موجات متلاحقة من الرفض والاستنكار التي لم تتوقف عند حدود فلسطين، بل شارك فيها كتاب ومثقفون عرب كثر، وعضوا الكونغرس الأميركي عن الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي رشيدة طليب وإلهان عمر، وجهات دولية لها ممثلياتها المؤثرة في فلسطين، واحتلت مساحات واسعة في الصحافة العالمية، وذهبت ردود الفعل إلى أن أجهزة السلطة الفلسطينية تجاوزت كل الخطوط الحمر وفقدت صوابها فلم تعد تحسب حسابا لشيء.
حملات القمع وجّهت رسائل خطيرة للمجتمع الفلسطيني وللعالم، فهي أظهرت أن السلطة ضعيفة وهشة لا تحتمل اي معارضة، وأن أجهزتها الأمنية لا تراعي أي اعتبار، وليس لديها خطوط حمر ويمكنها أن تمضي إلى ابعد مدى يمكن تخيله في البطش بمعارضيها وبالتالي فإن تصفية نزار بنات ليست مجرد خطأ تنفيذي، أما الرسالة الأخطر فمفادها أن السلطة جاهزة للقيام بوظائفها الأمنية، وتحديدا في مجال التنسيق الأمني مع الاحتلال، من دون أية مراعاة للاعتبارات الوطنية والشعبية الداخلية.
وعلى الرغم من محدودية فعالية القوى الخمس وطابعها الرمزي، إلا أن عدة أطراف اتفقت على أهمية هذه الخطوة التي قد تضع حدا لمسلسل الانحدار الذي يعيشه النظام السياسي الفلسطيني، فهذه القوى التي عانت طويلا من خلافاتها وانقساماتها الحادة أعادت تذكير المجتمع وتذكير منتسبيها بأنها ما تزال حاضرة، وليست تابعة للسلطة وملحقة بها، بل إنها تستطيع أن تقول "لا " للسلطة في الوقت المناسب، والحراكات الشعبية ومجموعات المتظاهرين الذين تحملوا القمع وحدهم على امتداد الأسابيع الماضية وجدوا في مشاركة القوى اليسارية نوعا من الغطاء والشرعية والحماية لتحركاتهم التي كانت تتهمهم السلطة بسببها بأنهم "أصحاب أجندات"، لا بل إن السلطة نفسها من المستفيدين من هذه الفعالية إذ تظهرها بأنها قادرة على استيعاب المعارضة، وليست نزقة أو هشة وضعيفة لتحارب أي حراك مخالف وكأنه يتهدد مصيرها ووجودها.
غياب القوى السياسية المنظمة – وليس اليسارية وحدها- عن الشارع طيلة الفترة الماضية، ساهم في عزل الحراكات الشعبية، وتجريدها من أية حماية ممكنة، وترك هذه الحراكات عرضة لقمع وتنكيل شديدين، وربما ساهم كذلك في إضفاء مزيد من الغُلوّ والتطرف على الحراكات وشعاراتها التي تبدأ من مطالبة الرئيس محمود عباس بالرحيل، ولا تتوقف عند اتهام كل مؤسسات السلطة وقيادتها بالعمالة للاحتلال.
ينطبق هذا الغياب بالطبع على حركة فتح وكوادرها الذين ساءهم وأذهلهم رؤية حركتهم التاريخية المناضلة، والعمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية، تنخرط في حملات قمع محمومة، ويُزجّ بها في مواجهة شعبها، عبّر عن هذا الموقف علنا عدد من مثقفي الحركة وإعلامييها، وعدد قليل جدا من قيادييها، لكن هذه المواقف والإعلانات ظلت حبيسة الغرف والصالونات، وبعيدة عن التأثير في القرار الرسمي للحركة التي تقود السلطة وأجهزتها.
كان يمكن لحضور وازن من قبل قيادات القوى، وبينهم أعضاء في أعلى الهيئات القيادية الفلسطينية، أن يُجنّب المجتمع الفلسطيني تلك المشاهد الفظيعة لقمع الناشطين والوطنيين والمثقفين من قبل أبناء جلدتهم، وربما ساهم هذا الحضور، لو تحقق، في عقلنة المطالب والشعارات، وإثبات أن المطالبة بحماية الحريات العامة ومحاسبة المسؤولين عن جريمة قتل بنات، ورفض الاعتقال السياسي وتجريم التعذيب، هي مطالب تحظى بأوسع إجماع شعبي، وليست مجرد شعارات لفئة محدودة ومعزولة.
غياب القوى السياسية لم يكن ناشئا عن خلل إداري بالطبع، بل عن ضعفها وأزمة علاقاتها بالسلطة، فهي تكتفي بإعلان اعتراضاتها اللفظية تجاه هذا الموقف أو ذاك، لكنها تظل عاجزة عن تحويل هذا الرفض أو الاعتراض إلى موقف عملي ضاغط ومؤثر. وليس سرا أن هذه القوى تتلقى دعما ماليا ثابتا من الموازنة العامة، وهذا الدعم كان وما يزال خاضعا لتقديرات جزافية من قبل قيادة السلطة، فهو قد ينتظم لشهور ثم ينقطع فجأة. بعض هذه القوى تشارك من موقع هامشي في حكومات السلطة، وجميعها من دون استثناء ارتضت نظام المحاصصة (الكوتا) في المؤسسات القيادة لمنظمة التحرير وكذلك في النقابات والاتحادات الشعبية، فضلا عمّا يعتوِر بناها الداخلية وهياكلها من جمود وتكلّس وغياب للحياة الديمقراطية، ما ساهم في تراجع دورها وإخلاء ساحة الفعل الميداني للحراكات الشعبية التي تشكلت في الأصل من أجل قضايا محدودة وعارضة، ولكنها تحولت مع الوقت إلى قوى وأدوات ضغط جدية وفاعلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق