الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيري منصور: ثورة فن المقالة الصحفية

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 8 / 31
الصحافة والاعلام


بقلم: نهاد أبو غوش
كان العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال، يلتقي عددا محدودا من الصحفيين ( وخاصة كتاب الأعمدة) بين فترة وأخرى، فيستمع إليهم ليحصل على تقدير عما يجري في بلاده من خارج القنوات الرسمية، وليُسمِعهم رأيه، وهذه طريقة لبقة لتوجيه الكتّاب ومن خلالهم الرأي العام، من دون إصدار أوامر وفرمانات صارخة.
اعتاد الملك حسين على سماع كلمات الولاء والتبجيل من الكتاب ومن غير الكتاب، لكنه ذات مرة استمع إلى كلام مختلف: مثقف، ومهذب وموزون ومتماسك يتحدث عن الحريات العامة والديمقراطية وارتباط مشروعية الحكم بالموقف من ثوابت القضية الفلسطينية، وغير ذلك من أفكار وموضوعات لم يألف الملك سماعها من مساعديه. انبهر الملك بالمتحدث وأحب التعرف إليه أكثر، وأشاد به وبأفكاره على الملأ، وأحب كذلك وجود هذا الصوت وهذا النَفَس بين كتاب الصحف الأردنية، ولم يكن صاحب هذا الرأي إلا كاتبنا الذي نحتفي بذكراه العطرة خيري منصور.
ومن تابع أو عرف صحافة الثمانينات والتسعينات في الأردن، يعلم أن خيري منصور ساهم في إحداث ثورة في فن المقالة الصحفية، وبخاصة العمود الصحفي، ومع أن فنون الكتابة الصحفية لا تزدهر إلا في أجواء الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية، إلا أن إسهامات خيري منصور كانت حاضرة ومهمة وبارزة في تطور الكتابة الصحفية حتى في فترة الأحكام العرفية وقبل التحولات الديمقراطية التي شهدها الأردن بدءا من العام 1989 وتحديدا بعد هبّة نيسان.
شملت إسهامات كاتبنا شكل الكتابة الصحفية ومضمونها وكذلك وظيفتها ورسالتها. فما كان شائعا وسائدا هو نمط الكتابة الإنشائي الذي لا يضيف للقارىء شيئا ذا بال، النمط الذي يكتفي بمدح الحاكم وتبرير قراراته، أو تشويه خصومه وذمهم، أي بلغتنا هذه الأيام : إما التسحيج وإما الردح والشتائم، وتفسير المواقف الرسمية وتبسيطها أو شرحها واختراع مدلولات وابعاد ربما لم تخطر على بال قائلها. في مقابل ذلك قدم خيري منصور نمطا للكتابة التحليلية التي تفيد القارىء وتمده بقدر كبير من المعلومات، والبناء للمنطقي للمقالة، واللغة الراقية السلسة، ثم تحفّز ذهن القارىء على اتجاهات جديدة للتفكير.
كما تميزت كتابات المرحوم خيري بغزارتها، وهو بذلك خالف المشكلة الأزلية لمعظم الكتاب، وخاصة كتاب المقالة أو العمود اليومي وهي مشكلة ما الذي ساكتبه اليوم؟ أي مشكلة استنزاف واستهلاك الكاتب الذي يريد الحفاظ على سوية عالية، ومن المؤكد أن ثقافة خيري منصور العميقة، ورؤيته للحياة ساعدته في اختيار مواضيعه اليومية بسهولة فائقة، وكان قادرا كل يوم على تقديم ما هو جديد وما هو جذاب وشيق.
وفي كل كتاباته، كما في سائر أعماله النقدية والإبداعية، ظل الراحل خيري منصور مشدودا لقضيته الأم، قضية العرب المركزية فلسطين، كما كان منحازا للإنسان العربي وحريته وكرامته، كان وطنيا وتقدميا وديمقراطيا لم تغره المناصب، ولم يخش السير في حقول الألغام، فكان من رواد ومؤسسي هذه المدرسة المميزة في الكتابة الصحفية، المدرسة الراقية فنا وأسلوبا والمنحازة لقيم الإنسانية والحرية.
رحمة الله، والمجد والذكرى الطيبة للكاتب الكبير خيري منصور الذي أثّر في أجيال من الكتاب والصحفيين على امتداد العالم العربي، وسيبقى أثره حاضرا ومؤثرا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا