الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الألم وعبث الإنتظار في قصة -جسدي بين صبرا وبسمة- مجموعة رسائل حب إلى ميلينا محمود شاهي

رائد الحواري

2021 / 8 / 31
الادب والفن


الألم وعبث الإنتظار في قصة "جسدي بين صبرا وبسمة"
مجموعة رسائل حب إلى ميلينا
محمود شاهين

هذه المجموعة تضم قصصا كانت قد نشرت في السابق ضمن مجموعة "الخطار" مثل قصة "الخطار، العبد سعيد" وهناك روايات قصيرة نشرت بشكل منفصل: "موتي وقط لوسيان، النهر المقدس، نار البراءة" من هنا نجد الكتاب يتضمن أنواع متعددة من فنون الأدب.
سأتناول الأعمال التي لم أطلع عليها، ونبدأ بقصة "جسدي بين صبرا وبسمة" العنوان يأخذنا إلى حدث مأساوي مؤلم، "صبرا" وإلى حالة فرح/نشوة "بسمة"، من هنا يتحدث القاص عما يعانيه كفلسطيني وكعربي: " ثمة شرخ في جسدي من عام 1948 وحتى عام 1986، عام 1948 هو العام الذي احتل فيه موطني، أما عام 1986 فالجميع يعرفونه جيدا، فقد بات فيه معظم زعماء قومي أصدقاء لمن احتلوا موطني" ص151، البدايات مؤلمة وقاسية، ولم يقتصر الغضب على ما هو ماض فحسب، بل نجده مستمر الآن: "الكهرباء مقطوعة، وجسدي يتصبب عرقا... مع أن الوقت ما يزال صباحا... في الخارج تضج أصوات المنادين على الخضار وأبواق باعة المازوت التي تضرب على أعصابي، تشل تفكيري" ص152، من هنا كان لا بد من البحث عن فرح، عن شيء يخفف عنه هذا الألم المتراكم والمتواصل، فكانت "بسمة" هي الملاذ: "في الحادية عشرة ستأتي بسمة، لتنقذني من وحدتي وشروخي" ص152، فحضور المرأة يعد أحد عناصر الفرح/التخفيف، التي يلجأ إليها الأدباء وقت الشدة والضيق.
يتذكر القاص فتاة عابرة مرت عليه، وما أن تدخل بيته حتى تتفاجأ: "ملصقات صبرا وشاتيلا ويوم الأرض وتل الزعتر و(الأياليل) السود التي تعج بها جدران بيتي" ص152، جعلها تنفر من المكان: " يا ألله كم انت مليء بالموت، كيف تنام وكل هذه الدماء تحيط بسريرك؟" ص152، ثم تعود أدراجها عائدة دون أن يأخذ حاجته منها: "آسفة أنا لا أستطيع أن أشاركك سريرك ضمن هذه الأجواء، بيوت قادتكم ليست هكذا، ألا يوجد مكان آخر لديك" ص152، بهذا الطريقة تم ترك القاص وحيدا يصارع عالمه وما فيه من الألم والقسوة.
وإذا ما توقفنا عند ما قالته الفتاة سنجده زاد الطين بلة، فقد ذكرته ببيوت الآخرين/(قادتكم)، وهذا نبه إلى أنهم يمارسون ما يمارس من (فحش)، وأنهم لا يأبهون بالشهداء ولا بالشعب الذي ضحى من أجل قضيته وقضيتهم، لهذا بيوتهم لا يوجد فيها ما يوحي/يشير إلى أنهم ابناء وطن محتل وشعب مشرد، بينما كان القاص غارقا في ألمه ووجعه، ولا يستطيع أن يخرج من ثوب السواد: " لا للأسف لا يوجد، حتى لو وجد، فلن أستطيع أن أعيش فرحي خارج هذا الحزن، فالحزن أصبح حقيقتي" ص152، وهنا تظهر الهوة السحيقة بين سلوك وتفكير ونهج الشعب/القاص وبين القادة.
إذن القاص يعيش حالات ضغط متعددة ومتنوعة ومستمرة ومتراكمة، وحين حاول أن يفرغ ما به، من خلال "الفتاة العابرة"، التي عادت أدراجها، زاد ألمه، حيث شعر أنه سيتخلص من بؤسه لكنه ـ بمغادرتها ـ بقى غارقا فيه، كما أنها ذكرته بواقعه/بواقع قيادته التي تعيش في نعيم وفحش، من هنا كان لا بد من البحث/إيجاد شيء حقيقي يخفف ألمه/وجعه، فكانت "بسمة" هي المخلص والمنقذ له.
من هنا يدخلنا القاص إلى حالة أخرى، فتاة من نوع آخر، فيأخذنا إلى تفاصيل انتظاره "لبسمة" وكيف مر عليه الوقت: "..أغتسلت تعطرت، احتسيت القهوة، الزمن يسير بطيئا جدا.. يقتلني الإنتظار، قتلني العد التنازلي نحو الحادية عشرة، بقي عشر دقائق وتصبح الحادية..." ص153، فتركيز القاص على الوقت يشير إلى لهفته للقاء من سيخلصه من ألمه ووجعه، لهذا جعل القارئ يشعر بثقل الوقت عليه من خلال: "خمس دقائق وتأتي بسمة، خمس دقائق فقط، هي في الغالب تأتي في الحادية عشرة، إذا لم تأتي ستتصل
... ثلاث دقائق وتأتي، هي في الطريق الآن.
...تلك فتاة قادمة من أول الشارع,, إنها هي حتما، يتبدد كل الصمت المحيط بي، لن أعود إلى الوحدة إلى الأبد، يقترب شبح الفتاة.. رباه يا يسوع المعذب، إنها ليست هي.
...ألمح طرف رداء امرأة ترتدي ثوبا أصفر، تجلس في المقعد الخلفي (إنه أحد أثوابها) أرى رأس الفتاة، شعر أسود كحلكة الليل، إنه شعرها، ثم إن الفتاة سمراء مثلها تماما، يهبط قلبي فرحا، تقترب السيارة وتمر من تحت النافذة وتنعطف متابعة طريقها.
..دقيقة واحدة وتصبح الحادية عشرة، ستأتي الآن أو يرن جرس الهاتف" ص154، بهذا الشكل يتماثل انتظار القاص مع انتظار غودو، وبما أن كلاهما ذهب انتظاره أدراج الرياح، فهذا مؤشر على الألم الإضافي الذي يمر القاص به، فالإنتظار/الوقت يشكل عامل ضغط عليه.
القاص لم يتوقف عن الحديث عن الوقت حتى بعد أن وصلت الساعة الحادية عشرة، فهو متعلق بالفرح الذي سيحصل عليه من "بسمة" والذي سيخفف عنه شيئا مما هو به، لهذا يستمر في الأنتظار بعين الطريقة السابقة: "أوه إنها الحادية عشرة ودقيقتان... إذن بدأ العد التصاعدي سيقتلني العد التصاعدي
..مرت عشر دقائق... عشرون دقيقة.. نصف ساعة. لم تمر دقيقة دون أن أقف على النافذة" ص155، نلاحظ أن تركيز القاص على الإنتظار لم يأت من باب تفريغ شهوته الجنسية، بل جاء بسبب الضغط المتراكم والمتصاعد الذي يعيشه، فحاجته للجنس ليس للجنس بحد ذاته، بل يحتاجه كوسيلة يخفف بها ألمه، من هنا، رغم أنه يمارس مع "بسمة" ما يمارسه القادة، إلا أن دوافعه مختلفة، فهم يبحثون/يرغبون بالمتعة الجنسية، وهو يريدها كوسيلة يخفف بها الألم ويزيل الضغط الذي هو فيه.
انتظار "بسمة" هاجس القاص، حتى بعد أن يخرج إلى التسوق، يبقى متعلقا بها: "نزلت... لم استطع إلا أن أنظر إلى الإتجاه الذي ستأتي منه... وظللت أنظر إلى أن طواني الزقاق المؤدي إلى حانة الخمور... لقد أمضيت من الوقت في إنتقاء الخضار أكثر مما امضيته في ترقب الشارع، إذن ساجدها تنتظرني أمام الباب، ...لم تكن أمام الباب.... إنها الثانية والنصف، لم تأت بسمة ومع ذلك تركت الباب مفتوحا" ص157و158، وهنا لا بد من إيجاد مخرج يخفف عليه شيئا من ثقل الوقت، فيستحضر طيفها متذكرا حواره معها:
" لماذا تتأوه إلى هذا الحد، وأنت تلقي رأسك على صدري؟.
(كلما ألقيت رأسي على صدرك أحسست بالحياة تدب في جسدي الميت، إنني اتلذذ بطعم الحياة ونعمة الله" ص158 و159، وهذا ما يبقيه متعلقا بها: "...تنبهت إلى أنني حضرت طعاما لي ولبسمة... ستأتي حتما. حضرت لها صحنا وشوكة، وملأت كأسها بالبيرة. خلتها تجلس معي، حتى أنني قرعت كأسي بكأسها.
لأنتظر قليلا، لا، لأكل على مهل. (بصحتك) نسيت أن أملا صحنك" ص160،وكأن القاص بهذا التذكر يريد أن (يبرر) لنفسه ولنا تشبثه بها، فهو ينتظرها بجنون، (كمدمن) لها ولحضورها، وهذا يشير إلى حجم الضغط الواقع عليه، والمأساة التي يمر بها، فمأساة تأخذ أكثر من بعد، مأساة شخصية، ومأساة وهموم شعب/أمة: "...وانشر حزنك على الملأ، ... عصر البساطير السراويل العباءات، عصر القمامات، عصر التيجان الجمهورية عصر الحماقات الشعبية، والأحزاب الخنفشارية، الثورات المتخمة، ثورات الخيبة، عصر ادعاء الإنتصارات البطولات الفروسية، عصر الهزائم، عصر الشعوب الذبيحة والأرواح القتيلة" ص164، لهذا نجده متعلقا بها ومتخيلا حضورها، فهو لا يستطيع أن يتحمل الواقع أكثر، لهذا أوجد لنفسه مخرج يزيده تشبثا بها، حتى لو كان هذا التشبث أقرب إلى العبث/الجنون.
المجموعة من منشورات دار البيروني للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الاولى 2014.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق




.. شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا