الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكبت الجنسى وفشل مؤسسة الزواج

محمد فُتوح

2021 / 8 / 31
العلاقات الجنسية والاسرية


الكبت الجنسي وفشل مؤسسة الزواج
-------------------------------------------

ما أحوجنا الآن إلى ثورة إجتماعية جذرية ، تنسف أغلب المسلمات والعادات والتقاليد والأفكار ، التي يؤمن بها الغالبية من الناس. فحياتنا مليئة بالمشكلات والآزمات ، التي تحاصرنا منذ الميلاد وحتى الموت.
مشكلات ليست عويصة على الحل . ولكن ظهورها وتضخيمها واستفحالها ، مرجعه أولا وأخيراً إلى أسلوبنا في التفكير ، وطرقنا الجامدة في التعامل مع هذه المشكلات.
ومشكلة الزواج ، من المشكلات المزمنة ، التي تؤرق الأهل والشباب من الجنسين .
منْ يتأمل دوافع الزواج في مجتمعنا ، يجد أنها دوافع غير سوية ناتجة عن الحرمان والكبت الجنسي وانعدام الحرية . في دراسة أجريت بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية مؤخرا فى مصر ، تبين ان الدافع الأول للزواج لدى الشاب ، هي الرغبة الجنسية . أم الفتاة فدافعها الأول للزواج ، هو محاولة الهروب والتخلص من سيطرة الآب أو الأخ الأكبر أو الأصغر ، ثم يلي بعد ذلك الرغبة الجنسية . ومع إنتقال الفتاة إلى بيت الزوجية ، تكون قد استبدلت سيطرة الأب بسيطرة الزوج ، الذي يحاصرها ويحاسبها على كل خطوة تخطوها ، فلا تتحرك إلا بإذنه وبعد موافقته. أما في الجنس ، فغالباً ما يصيبها الإحباط مثلها مثل الزوج.
إن الزواج يتم تحت إلحاح الضغط والحرمان الجنسي ، فإذا أشبعت هذه الرغبة ، نجد أن بريق الجنس بعد الزواج يخبو ويتوارى وينطفئ . فبعد الظمأ الشديد ، يحدث نوع من التخمة الجنسية ، وتتحول العملية الجنسية إلى شئ إعتيادي يتم بشكل روتيني ممل ، حتى تصبح واحباً أو عبئا ثقيلا ، يتملص منه أحد الطرفين أو كلاهما ، بحجة التعب والإرهاق. فقد غابت " البهارات الجنسية" ، وهى الدهشة والغرابة والإشتهاء والترقب والإشتياق ، التى وُجدت قبل الزواج . حينئذ يشعر الزوج بالكبت الجنسي ، ومن ثم يبدأ في البحث عن هذه " البهارات " خارج الزواج . وبالتالى ، تكون الخيانات الزوجية والإزدواجية الأخلاقية. والزوجة أيضا ، تشعر بالمثل ، لكن القيود
والرقابة ، والتربية الأخلاقية ذات المقاييس المزدوجة ، تحول بينها وبين ارتكاب الخيانة الزوجية ، بالمعدل نفسه ، والأريحية ذاتها ، الموجودة بين
الرجال المتزوجين .
إن الكبت الجنسي ، يمثل ظاهرة عامة تكبل الأجساد وتقيدها . ويتساوى في ذلك المتزوج والعازب على حد سواء. فالكبت الجنسي الشديد قد يؤدي الى خلل وإضطراب في الشخصية . فهو يعوق تطورها ، حيث المبالغة في أحلام اليقظة وإستنزاف الوقت . وقد يدفع الكبت الجنسي البعض إلى إرتكاب أبشع الجرائم ومنها الإغتصاب.
إن للكبت الجنسى ، أضرارا كثيرة ، متنوعة ، على صحة الإنسان الجسدية والنفسية ، امرأة ، ورجلا ، والتي لا يتسع المجال هنا إلى حصرها.
إننا نلاحظ فعل الكبت الجنسي ، على وجوه أغلب الرجال ممن يجوبون الشوارع . نجد العيون تفترس المارة من النساء وخاصة الشابات منهن ، في تبجح تارة وفي إستحياء تارة أخرى ، أما في وسائل المواصلات العامة ، فحدث ولا حرج.
إذا أردنا أن نتأمل فعل الكبت الجنسي من ناحية ، والفتور ، والإحباط الجنسي من ناحية أخرى، فعلينا أن نلاحظ الوجوه فى تلك الحالتين . الأولى لحبيبين أو غير حبيبين ، في حالة الخطوبة ، والثانية لزوجين . في الحالة الأولى ، نرى البريق يسكن العيون ، يتلصص للمس الآخر بمناسبة ، وبدون مناسبة وبشكل مبالغ فيه . وفي بعض الأحيان قد يدخلان في حالة من الإنجراف العاطفي والجنسي ، حتى ليبدو الأمر وكأنهما قد إنفصلا عن المكان والزمان . نوع شديد من الكبت الجنسي الشديد ، الذي ليس له متنفساً إلا الشكل الشرعي للزواج. أما في الحالة الثانية ، حالة الزواج ، فنجد أن الزوجين ، كل منهما يتحاشى أن ينظر في عين الآخر . نظراتهما متعبة وزائغة بل ميتة ، على ملامحها شئ من الإنكسار وخيبة الأمل. وهى أعراض بداية الاكتئاب ، فى حالات كثيرة .
إن إستمرار الزواج ، ليس دليلا على نجاحه . مؤسسة الزواج في مصر ، وفى كل البلاد العربية الاسلامية ، ينخر بداخلها السوس . والغالبية تفضل جحيم الإستمرار في هذه المؤسسة ، عن أن تُجلد إجتماعياً ، بحجة عدم هدم البيت وتشريد الأطفال وتفكيك الأسرة . والمرأة ، تخاف من النظرة المتدنية للنساء المطلقات ، فتظل بقية حياتها ، تتجرع الكآبة ، والذل ، وخيبات الأمل ، والاحباط ، والتعاسة ، مقابل الإنفاق عليها هي وأولادها . إن مثل هذه الحالات ، ليست إلا نوعا فجا ، من الطلاق الصامت.
إن تزايد معدل الطلاق في مصر ، يشير إلى الدوافع المريضة ، التى أنتجت الزواج . ومن هنا ، لابد أن نعيد صياغة أفكارنا ، بما يتوافق مع إحتياجاتنا ورغباتنا الحقيقة . فلا يجب أن نسلك كالنعام وندفن رؤوسنا في الرمال . بل يجب أن نواجه أنفسنا بصراحة ووضوح وشجاعة ، وبدون
" لف و دوران" ، واستخدام مبررات واهية .
وأتساءل هل الحل الإسلامي ، وهو الصوم فى حالة الكبت الجنسى ، يصلح ؟؟. هل يستطيع الشباب والشابات ، مع إرتفاع سن الزواج الى الثلاثين أو الأربعين عاماً ، أن يظل كل منهما ، بلا علاقة جنسية ، حتى هذا العمر المتقدم ؟؟ .
إن الزواج حسب الشريعة الإسلامية ، يقوم في أساسه على مبدأ الطاعة مقابل الإنفاق . فالزوجة واجب عليها طاعة الزوج الذى ينفق عليها ، حتى لو أراد العلاقة الجنسية ، وهى لا تريد . وهذا يفسد أكثر العلاقة بينهما ، فالزوج
يمعن فى اهانة جسد زوجته . والزوجة ، ترسخ بداخلها كراهية ، وربما
" قرفا " من هذا الزوج . والزوج بدوره ، يرى هذه الكراهية التى تتراكم يوما بعد يوم ، ويشعر بها ، لكنه لا يريد الاعتراف بها ، لأنه " حقه الشرعى " ،
يأخذه كما يشاء ، ومتى أراد .
ان الطاعة في حقيقة الأمر ، ليست فضيلة كما يظن البعض . بل هي رذيلة كبرى ، من مخلفات الميراث العبودي . السيد يأمر" الطرف المالك " ، والعبد يطيع " الطرف المملوك " .
في الأنظمة الديكتاتورية ، المبدأ المهيمن هو الطاعة ، على كل المستويات ، كل منْ يقع تحت قمة الهرم المستبد .
الطاعة مبدأ غير إنساني ، لأنه يسود بين أعلى وأدنى . وهنا إذا أردنا أن نطبق هذا المبدأ في علاقة الزواج ، تفسد العلاقة ، لأنها ستبني على التسلط والهيمنة والتسيد من جانب الزوج ، والخضوع والاستكانة والخنوع من جانب الزوجة ، وباسم الدين ، الذى لا يمكن المساس به ، أو مناقشته .
إن أسس الزواج ، والتي تؤدي إلى فشله ، تتمثل في الصورة التي استدمجها كل من الشاب والشابة ، كل منهما عن الآخر ، بشكل راسخ ، نتيجة أسلوب التربية الخاطئة المغلوطة والمشوشة ، والتي تفسد العلاقة بينهما فى كل أمور الحياة ، وخاصة في عملية الزواج. فالشاب المسلم فى بلادنا ، ينظر الى الفتاة على أنها خُلقت لهدف واحد ، هو أن تصبح زوجة مطيعة ، وأما تلد الأطفال وتحسن تربيتهم. والفتاة تنظر الى نفسها ، على أن وظيفتها الكبرى ،
مهما كانت درجة تعليمها الرفيع ، أن تكون " ست بيت " ، فى " ذمة " رجل.
إن الثورة الإجتماعية التي نطمح الى تحقيقها ، تحتاج إلى خطوات تتسم بالجرأة والإقتحام . فعندما تحصل المرأة ، على إستقلالها الإقتصادي ، والنفسي ، وتبني العلاقة بينها وبين الرجل على تساوى الحقوق والواجبات ، عندما تتوارى وتختفى الإزدواجية الأخلاقية ، ويحل محلها قيم الصدق والمواجهة ، عندما يكف الأهل عن بيع المرأة في سوق الزواج ، لمنْ يدفع أكثر ، عندما تنتفي رذيلة الطاعة من حياتنا ، عندما يتحول الزواج من دينى الى مدنى أساسه المواطنة ، وعندما يمتلك الرجال والنساء أجسادهم ، وعقولهم بدون أوصياء ، حينئذ سيفرز المجتمع رجالاً ونساء ، أسوياء ، وأحرارا ، وسعداء .
وهذه هى البداية الحقيقية لثورة ، تشمل كل حياتنا ، بما فيها مؤسسة الزواج .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحامية انتصار السعيد


.. في يومه الثاني ملتقى العنف الرقمي يناقش الوقاية والاستجاب




.. اليمنيات بين التحديات والإنجازات المسيرة مستمرة


.. الحروب والكوارث الطبيعية تُعرض الأطفال للإصابة بالاكتئاب




.. الشهباء تكتسي ثوبها الأخضر بقدوم فصل الربيع