الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مذكرات أمل

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 1
الادب والفن


عندما تعيد تقييم ذاتك قد تصدمك الحقيقة ، فرغم كونك ضحية العنف ، لكن داخلك لا زال يؤمن بأن الشّخص الذي يقوم بإيذائك طيب القلب ، و يمكن إصلاحه . يمضي العمر و أنت قول : هل سوف يتغيّر الحال؟
تقول أمل:" عشت أغلب حياتي متوجسة مما سوف يحصل بعد قليل ، كنت أنتظر أن يحصل كي أعرف طريقي إلى النّوم ، وكان يحصل فعلاً. كان يراقبني ، وهو يستعدّ لإهانتي ، بينما يأكل ، وهو جالس بكل هدوء إلى الطاولة يأكل ويشرب ، و بينما كان يومي مع الأولاد عنيفاً أيضاً . أنا بشر لا يمكن إلا أن أصرخ عندما يحاصرني الجميع . للأولاد حاجات ، و أنا غير قادرة على تلبيتها في حدودها الدّنيا . سألني ابني البالغ من العمر عشر سنوات من عمره : هل نحن فقراء؟ لم أعرف الإجابة فصمتّ ، لكنّه قال لي أن الأطفال يشترون عرانيس الذّرة، وهو يحبها، كلما طلب مني ثمن عرنوس أقول له: غداً. ليس بيدي نقود اليوم . كان يومي سيئاً ، فكرت خلاله أن أمضي في طريقي لأنّني عاجزة أن أفعل شيء ، لكن إلى أين أذهب؟ أعترف أنّني كنت جبانة لأنّني اعتقدت أن عائلتي هي الملاذ الوحيد ، كنت أتخيّل الذّل الذي سوف أعيش فيه و أنا أعود إليهم . ربما كان زوجي أفضل من عائلتي ، أو على الأقل أكثر شهامة منهم جميعاً فهو لم يقل لي مرة أن أغادر المنزل، فقط كان يقول لي أنه لن يتغيّر ، لم يكن بيننا خلاف سوى على تكاليف الحياة.
اليوم أطلّ على الماضي من بعيد ، أعرف ما يجري تماماً ، فأحد أبناء عائلة صاحبة حسب و نسب تزوج من امرأة ليست محمودة السّيرة في ذلك الوقت. كنت في الماضي أقيّم تلك المرأة ، و أقول : لن أفعل مثلها ، أنسى أن أقيّم زوجها . اليوم عرفت أن زواجهما كان سوف ينجح لأنّ المرأة تعهدت بشكل ضمني بالتّكاليف، وحاسة الشّمّ لدى الرجال قويّة ، آخر ما يهم الرّجل ما يسمّى الأخلاق في عرف المجتمع ، وعندما ينفذ مال المرأة يتركها ، ولا يهتم بأولاده منها ، ليبحث عن أخرى . أتحدّث عن أبناء العائلات ، والنجمات اللواتي كنت لا أحترمهن ، لازلت لا أحترمهن ، فقط تغيّرت نظرتي اليوم لهن حيث أصبحت أحزن عليهن لأنهنّ ضحايا لقمة العيش، و الثمن الذي يقدمنه كبيرفلو لم يتجدّد العقد لأصبحن متسولات ، وتجديد العقد يحتاج لثمن جديد .
أتحدّث عن شيء لا علاقة له بقضيتي .كنت أتحدّث عن انتظاري لدورة التعنيف ، وقلت ان زوجي يأكل طعامه بهدوء، وقف كالديك ، لكنّني مضطرة أن أقول له أن ابننا يرغب في شراء عرنوس ، لم أنهِ الجملة فبدأ يصرخ كالثور : أنت حقيرة ، غيورة ، تعتقدين نفسك شيئاً كبيراً و أنت لا شيء ، كانت حفلة استمرّت لعدة ساعات ، ثم خلد هو إلى النوم العميق بينما بكيت قليلاً ، شعرت براحة ليس لها مثيل. كأنني كنت أحتاج ذلك العنف، أو أنّني تعودت عليه ، أنتظره كي أشعر بالراحة بعده. الجبن ، النذالة هما من العادات الاجتماعية المحمودة لدى المرأة ، مارستهما دون نية إرضاء المجتمع، لكنه -أعني المجتمع -كان يمجدّ" صمودي"
أتى النهار ، بدأت رحلة جديدة من العذاب ، ماهي إلا لحظات حتى قرع الجرس ، و إذ ابنة عمّي تبكي ، قالت لي: لم يعد لدي ملاذ . طلّقني زوجي، ذهبت إلى بيت عائلتي ، أذلوني أكثر منه ، هربت من أبي، من إخوتي، حتى من أمي ، سوف أبقى عندك عدة أيام ثم أسافر إلى العاصمة ، قد أجد عملاً ، لا يهمني نوعه. سألتها : و أولادك ؟ أجابت أنها لن تستطيع أن تفكّر بهم من أين سوف تطعمهم لو طالبت بهم.
أتى زوجي إلى المنزل ، سلّم بحرارة على ابنة عمّي ، وذهب فجلب طعاماً جاهزاً ، عرفت أنّه قد فكربالجنس، فهو يعتقد أن جميع النساء يقبلن الجنس مقابل الطعام. كان في ذلك اليوم حنوناً تحدّث لها عن علاقتنا المثاليه، و عن محبته لي و للأولاد لدرجة أنها قالت لي أحسدك على زوجك!
ذهبت ابنة عمي إلى العاصمة ، بقينا على تواصل . بعد تشرّد استطاعت أن تعمل راقصة في حانة . تحدثت لي عن الذّل في عملها، لكنها تشعر بالحرية ، وسوف تطلب من طليقها أن يسمح لأولادها بزيارتها، سوف ترسل له مصاريف الطريق . كان زوجها إيجابياً ، و أخذ أولاده بنفسه إلى العاصمة ، طلب أن يعودا إلى عشّ الزوجية ، لكنها رفضت، طلبت أن يبقيا أصدقاء، و تتكفل هي بالأولاد ، وهذا ماتمّ فعلاً . تصالحت مع عائلتها . عندما سألتها هل هم موافقون على عملك؟ أجابتني: هم ينتظرون أن أقدّم لهم المال . الشرف يا ابنة عمي هو مبلغ تقدمينه لرجال ونساء العائلة في كلّ مرة تزورينهم ، و إلا فإن السّكين جاهزة، و المجتمع جاهز.
اليوم أفكّر بمفهوم الشّرف عند زوجي ، فلو جلبت له المال لما اهتم، وفي الحقيقة كان يأتي برفاق السّوء إلى منزلي ، لم أكن أفهم أنه يعرضهم كزبائن لي ، طردتهم. يبدو أنني لا أصلح لكسب المال ."
انتهى هذا الجزء من مذكرات أمل ، لكن لم تنته المذكرات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج