الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لجنة تفكيك نظام الإنقاذ السودانى: المساءلة القانونية والنقد السياسي

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2021 / 9 / 1
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


المساءلة
في البدء أود التأكيد على ان ما تقوم به لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 المباد هو عمل صغير وتوطئة لإجراء واسع النطاق لإحداث تغيير شامل في أجهزة الدولة لإعادة ترتيب أجهزتها واحداث الإحلال في قطاع الاعمال والاشغال الخاصة لتأمين استمرار الدولة بتوجهها القديم المتسم بعدم الاعتماد على الذات في التنمية والتبعية للدول الكبرى، ومن ثم سياسة استدامة الدين الخارجي والمنح والمعونات. وفى غياب تام للشفافية والانعدام الكامل لنظام مراقبة قانونى وادارى ومالي (المجلس التشريعي، المحكمة الدستورية، الأجهزة العدلية)، بالإضافة الى الفوضى الضاربة التي يعيشها الحكم الانتقالي وافتقاده للقيادة المؤهلة التي تضبط عمل اجهزته ووحداته المختلفة، فان اللجنة ظلت تأخذ القانون بيدها وفى كثير من الأحيان تعمل خارج نطاق اختصاصها (outside its purview). وتمثل هذا التجاوز في تصدى اللجنة لفض الاحتجاجات الشعبية على أداء الحكم الانتقالي والذي أدى في حالة تظاهرات الثلاثين من يونيو 2021 الى قتل بعض الشباب المشاركين فيها. كما قامت اللجنة، خلال فترة عملها، بفصل اعداد هائلة من موظفي الخدمة العامة والجهاز المصرفي بصورة فيها كثير من العشوائية. وللجنة سجل حافل في التغول الإداري الفاضح ويذكر في هذا الخصوص الحملة الشعواء التي شنتها اللجنة على النائب العام السابق والمراجع العام وبمعزل عن رئيس الوزراء (المُغيَّب) أجبرت الأول على الاستقالة بالاتفاق مع نائب رئيس مجلس السيادة (حميدتى).



وتجلت مهزلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 أكثر في مؤتمرها الصحفي المنعقد في 15 يوليو 2021؛ فرغم أن اللجنة نظمت مؤتمرها تحت عنوان " جرد الحساب"، الا أنه لم يكن هناك حساب مقدم من قبل اللجنة!! ففي المؤتمر كانت الأرقام شحيحة والقليل الذي قدم منها كان مغلوطا. فهل يعقل أن يقدم "جرد الحساب" بهذه العفوية اذ لم تكن هناك بيانات مالية مراجعة من قبل جهة خارجية يعتد لها.

وفى كل مخاطباتها الجماهيرية لم تستطع اللجنة الإجابة عن النهج الذي اتبعته (في فترة قصيرة) في تحديد فساد الأموال الكبيرة التي استولت عليها من المنظمات والشركات؛ فلجنة التفكيك باعترافها هي نفسها صادرت اموالا طائلة لمنظمات وشركات وافراد من غير الاثبات القاطع في أن الفساد وراء تكوين وجمع تلك الأموال. كما لا يعرف أحد شيئا عن مصير تلك الأموال. واختفاء هذه الثروات لا يتعلق بالنقد والاصول المتداولة، التي يمكن تسييلها بسهولة مثل الأسهم، التي صادرتها اللجنة فحسب، بل يشمل بعض الأصول الثابتة، للمنظمات والشركات المصادرة، التي يمكن تحويلها لنقد بيسر، كالأثاث والمكيفات واجهزة الكمبيوتر.

ان عمل اللجنة اتسم بغياب تام للشفافية وتدمير لشركات كثيرة من بعد مصادرتها والاخلال بعمل الخدمة المدنية ووظائفها أكثر مما هي عليه من سوء وانحطاط، بالإضافة الى اعتقال المعارضين للنظام وتعذيبهم حتى الموت في بعض الحالات، وكل هذا يعرضها للمساءلة القانونية بشقيها المدنية والجنائية.

كما شمل جرد الحساب المسرحية التي قدمها نصرالدين مفرح، وزير الشئون الدينية والأوقاف، حول ما أورده في مؤتمر " جرد الحساب" حول الأوقاف، اذ ان حديثه عن استرداد الأصول اﻟﻣوﻗوﻓﺔ لا معنى له في ضوء وضعها القانوني المعلوم فيما يتعلق بملكيتها. كما ان الارقام التي قدمها الوزير المتعلقة بالأوقاف تستدعى مزيدا من التقصي.

النقد السياسى
ان النقد السياسي للجنة التفكيك هو المسألة ذات الأهمية قصوى.

ان فشل لجنة التفكيك في تقديم بيانات صحيحه عن الأموال التي صادرتها وخرقها للقانون بالتصرف في تلك الأموال وابتزاز رجال الاعمال (الذي كشفته المبالغ الضخمة التي وجدت في أغسطس الجاري في حسابات متحرين باللجنة)، هو عرض لداء تعاني منه اللجنة يتمثل في فقدان اللجنة للتصور الفكري الذي يعبر عن النظام السياسي والاجتماعي المفترض أن يحل محل النظام الإسلامي البائد وتوجهاته وبالتالي الفشل في وَعَى مطلوبات التغيير المطلوب في هذه المرحلة من تطور الثورة السودانية. والناتج عن عجزها الفكري، فان” التفكيك “الذي تتصدى له اللجنة لم يوضع له المنهج المناسب. وعمل اللجنة اتسم بوضع العربة قبل الحصان؛ فالمفترض قبل تشكيل لجنة التفكيك وممارسة نشاطها، ان يوضع تعريف واضح لل"التفكيك"، بالإضافة لتصور محدد للكيان الإداري (التابع للدولة) الذى تؤول له ملكية الأصول المصادرة. فهل يعقل أن تستولى اللجنة على أصول الشركات المصادرة وتقوم بإدارتها وتودع الأموال المصادرة في حسابات بالداخل والخارج (يشرف عليها عضوا اللجنة: وجدي صالح وصلاح مناع)!!!

وهكذا في محل الأرضية الفكرية والرؤية المنهجية نجد وجدي صالح يفتتح عمل اللجنة بحديث المقاهي مثل "تفكيك نظام الإنقاذ صامولة صامولة". فهذا حديث خلافا لركاكته اللغوية لا يحمل أي سياق قيمي أو مفاهيمي ومنفصل عن حقائق الواقع؛ حديث الخداع لاستثارة مشاعر الناس. وهكذا بهذه اللغة الدارجة المبتذلة يحل مصطلح (التفكيك) المجرد محل المضمون الاجتماعي للتغيير الذي يتطلب وضع مقارَبة منهجية صارمة (rigorous) تدعم جهود تحقيق النظام السياسي والاجتماعي المفترض أن يحل محل النظام الإسلامي البائد المعادي للشعب. مقاربة لا تترك مجالا لإطلاق المفردات المبهمة والأفكار الساذجة الفطيرة، وينعدم فيها التحليل المفاهيمي (الفلسفة). والتحليل المفاهيمي، على عكس الركون الى اللغة العادية، يجنح لاستخدام المفردات اللغوية (المفاهيم) التي تعبر عن الفكر الذي يؤدى لفهم متعمق وصحيح للواقع.

وهذه الحالة الفكرية التي تعيشها اللجنة هي مظهر من مظاهر النظرة السائدة في الساحة السودانية المنغمسة في الذاتية القائمة على الافكار الشخصية المُعبر عنها بالكليشيهات والعبارات العادية التي لا تسمى الأشياء بأسمائها الحقيقية ارتكازا على التحليل المنطلق من الواقع ومكوناته. فتجد ان ميل اللجنة للاهتمام بالتفاصيل في غياب تام للنظرة الكلية، يقف وراء محدودية نظرتها ل (التفكيك). فمثلا، صبت اللجنة جل اهتماها لمصادرة الأراضي السكنية و"بعض المزارع" حول العاصمة القومية وأهملت تماما اتخاذ إجراءات حاسمة تتعلق بقضية الأرض كقضية ترجع لها علاقات الإنتاج المتخلفة في ارياف البلاد وفى النزاع السياسي الدامي في البلاد. وقبل ان نورد كلمة شارحة لهذه المسألة، نشير الى أن حيازة الأرض السكنية توسعت في ظل حكم النميري في نهاية سبعينات وبداية ثمانينيات القرن الماضي حيث صارت حيازة تلك الأراضي شكلا من أشكال الاستثمار فرضها التوجه الاقتصادي السائد الذي لا يشجع النشاط الإنتاجي. ولا ننسى "الانتقائية" التي مارستها اللجنة في مصادرة الأراضي السكنية؛ فأسماء كبيرة داخل وخارج الحكم الانتقالي لم تشملها المصادرة!!!

هناك كثير من الأمثلة المتعلقة بقضية الأرض التي تتطلب ان توليها أي محاولة جادة للتغيير كامل الاهتمام (خلافا لما تقوم به لجنة التفكيك) والتي تتمثل في الاستيلاء على أرضي المجتمعات المحلية وتهجير سكانها. فهناك فقضية المناصير التي تمثل قضية جمهور عريض من المواطنين سلبت منه أرضه وتم تهجيره منها نتيجة لقيام سد مروي، ولم يتم تعويض الأهالي ولم تنفذ مشاريع الإمداد الكهربائي والخدمات التعليمية والصحية التي وعدت السلطات القيام بها في الأراضي التي وطن بها المناصير. قضية المناصير هي قضية تشريد مجتمعات محلية وهضم حقوقها لحساب الشركات الأجنبية وهو التوجه الاقتصادي للحكم منذ عهد حكم مايو ونظام الإنقاذ الإسلامي.

كما تمثل قضية حواكير دارفور قضية أخرى للاستيلاء على اراضي مواطني دارفور لصالح المستترين السودانيين والوافدين للسودان من خلف الحدود؛ والصراع في دارفور رغم تدثره بمختلف الحجب، لا يمكن فهمه وحله الا بوعي هذه الدينامية الاستثمارية التي رعاها نظام الإنقاذ البائد.

ان لجنة التفكيك مُشَكّلة بعناية وبتفويض قواعده غير مبدئية وعضوية غير مؤهلة فكريا وفنيا بهدف القيام بإجراءات توجهها سياسة لا تمس جوهر النظام الاقتصادي -الاجتماعي السائد، بل تعمل على إطالته. ونواصل في مرات قادمات كشف نشاط لجنة التمكين، كذراع من أذرع الحكم الانتقالي العميل، وتسهيلها لعملية إحكام السيطرة الأجنبية على السودان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا