الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجارب عربية في التعاون الاجتماعي تعكس صوراً من الاختلاف بعد كوفيد-19

عمر الشيخ
شاعر - كاتب صحفي سوري

(Omar Alshikh)

2021 / 9 / 3
المجتمع المدني


يكاد لا يفارق العام 2020 في شريط أحداثه، ما أصاب العالم من تغيّرات جذريّة في طريقة الحياة ونظام العمل والعلاقات الاجتماعية، بسبب جائحة كوفيد-19.
وكان العالم العربي، على اختلاف أولوياته، وقاسمه المشترك باللغة والجائحة، يسعى لتقديم محاولات إنسانية تعبر ببعض من المجتمعات العربية إلى ضفة استمرارية التنمية، بمختلف أشكالها، المدنيّة، الإنسانية، الفكرية، الإعلامية، الخيريّة، التربوية.. إلخ. وفي طريقها إلى الضوء، أبرزت تلك التجارب، صورة ملهمة للتعاون المشترك، على اختلاف التوّجه والذهنية الإدارية، وآلية التواصل، بوجود مستويات من الاختلاف العقائدي والثقافي والمنهجي، سواء أكان دينياً أو فكريّاً أو فلسفياً وعرقياً.
ومن خلال مبادرة توثيقية لتجارب جرى فيها تعاون مشترك بين منظمات وهيئات وأفراد ومؤسسات، قامت منظمة "شرق" غير الربحية، بدعم من "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات- كايسيد" بتسجيل مجموعة من المقابلات الصوتية من بعض الدول العربية وهي: "لبنان، الأردن، اليمن، مصر، ليبيا، تونس، المغرب، العراق، سوريا" عبر وسائل تواصل إلكترونية عن بُعد، أُدير من خلالها نقاشات وتجاذبات حول أنواع التعاون المشترك وآثاره وأهميته وطبيعته في تجارب تنموية على أرض الواقع، خلال جائحة كوفيد-19، طيلة العام 2020.
ترى كيف نقرأ حالة التناغم المشترك في روح التعاون المتعدّد، ضمن أنشطة تمّت في المجتمع العربي، بناء على مقاربة جديدة، كانت قد طبعت العلاقات والتواصل والنظرة إلى الآخر-المختلف، بين مجتمعات مختلفة متنوعة، في عدد من البلدان العربية؟
أولاً - تنوّع مشاريع التعاون
شكّل الاختلاف في تعدد المجتمعات، فرصة لتلك المشاريع من أجل تقديم صورة واقعية عن جيل الشباب والجامعات مثلاً، وكيفية التفكير والتقارب من أجل تبادل الخبرات، وحشدت المبادرات المشتركة أصواتاً مختلفة في العمل المدني، كنموذج للتعاون، ليكون برنامجاً تدريبياً حول "مواجهة خطاب الكراهية في الإعلام" بحسب "عبد الله الجبور" من "مركز المواطنة في الأردن"، والذي كان جزءاً من هذا النشاط، مع "بيت النجاح اليميني"، وهو أحد الهيئات الطلابية الشابة، النشطة، في اليمن، حيث يؤكد "الجبور" على أن: "البرنامج يتكون من مجموعة مساقات: الأول، مرتبط بالتنوع الديني والثقافي في المنطقة العربية أو الناطقة بالعربية. الثاني، مرتبط بكيفية مواجهة ومعالجة الكراهية في الإعلام الرقمي. الثالث، مرتبط بكيفية إقامة وتنفيذ برامج ونشاطات من قبل مؤسسات المجتمع المدني، تتعلق بالتنوع والتعددية والمواطنة الحاضنة للتنوع والاختلاف في المنطقة الناطقة العربية". وبالمقابل يعتقد "وليد كمال" من بيت النجاح اليميني، أن تلك المبادرة كانت "ثرية ومثمرة" ويضيف: "استطعنا أن نربط أواصر علاقة جيدة رغم الاختلاف الكبير، الاختلاف الجغرافي والهوياتي".
وفي الداخل المصري، كان لتجربة التعاون الثقافي، الديني المشتركة، حصة في تجربة "مؤسسة شباب المتوسط"، والتي عملت على "مشروع وثيقة الإخوة الإنسانية" بالتشارك مع "منظمة السلام أولاً"، الدولية وقيادات روحية ودينية مختلفة.
وبحسب كلام "يوسف عروج" الذي يمثل "شباب المتوسط"، فقط كان هذا النشاط نموذج تعاون ديني متنوع، يقول "كان مشروع الوثيقة عبارة عن مسلسل ورش عمل عن مفاهيم مثل: الإخوة الإنسانية، السلم، الأمن، الصراع، النزاع، تم خلالها تدريب فيها ما يقرب من مائة شاب وشابة في مصر. إضافة إلى زيارات ميدانية لأماكن دينية، اجتماعية، مثل سلسلة زيارات لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف للتعرف على دوره في هذا الأمر، ومواجهة ظاهرة الاسلامفوبيا".
فيما يعتبر "محمد غانم" المسؤول الإقليمي لمنظمة "السلام أولاً" أن هذ النوع من التعاون اعتمد بشكل كبير على الشباب من أكثر من منطقة، ويؤكد: "أحد تدريباتنا في مشيخة الأزهر، ومشيخة الأزهر كيان ديني ونحن في منظمة السلام أولاً جزء من السياسة التي نتبعها ندعم أي شباب، فقط ألا يكون بشكل أساسي يتجه إلى مكان ديني لطائفة معينة أو لدين محدد، ولكن الضمان أن هذا المكان يستضيفنا دون أن يحدد كون الحضور من دين معين أو فئة أو طائفة معينة".
أمّا في المغرب، فقط كان التعاون عبر أنشطة العمل الخيري، نموذجاً ثالثاً أظهرته سلسلة المقابلات التي وثّقتها منظمة "شرق"، كما أسلفنا، حيث لجأت "مندوبة الكشاف المغربي بفاس" إلى التعاون مع "اتحاد مغاربة العالم" لمساعدة عدد من الطلاب الأفارقة، ويؤكد "فوزي فيلالي" من مندوبة الكشافة، تلك، أن هذا "المشروع كان على المستوى الوطني، حيث كانت مشاركات من مراكش والرباط وطنجة والعرائش ثم فاس، كان هدفه المعنوي انسانياً تضامنياً بالدرجة الأولى مع إخواننا الأفارقة المتواجدين بمدينة فاس للدراسة والمنقطعين عن بلدانهم".
وحصلت هذه المندوبة على دعم وتعاون من قبل "اتحاد مغاربة العالم" التي تحدث ممثلها "ياسين جُلال" على أهمية دور كل جهة من جهات التعاون، قائلاً: "كانت لدينا إشكالية كبيرة في ربط أو تمديد المدن والقرى بهذه الحاجيات الغذائية للطلبة الأفارقة" ويؤكد على مدى التفاهم المشترك في "مبدأ التطوع وخدمة الآخر" وفق رؤية تخطيط وتنفيذ حظيت بتفاعل كبير بين جميع الأطراف، يقول: "هناك تدبير مالي قامت به لجنة مغاربة العالم. ولكن عندما نريد أن نفعل هذا المشروع لوجستياً يجب أن نستند على أناس في الميدان، الكشاف المغربي هو حاضر في الميدان يمدنا بيد العون، في إطار أنه يوصل هذه المساعدات لمختلف الطلبة الأفارقة بمختلف المدن المغربية".
أمّا في لبنان، فقد جهدت مجموعة من السيدات السوريات والفلسطينيات واللبنانيات، على العمل في مبادرة "نحن لبعض" في البقاع الأوسط والتي خضعت لمتابعة دعم وتدريب من قبل منظمة "النساء الآن"، حيث تخبرنا "رابعة القادري" كممثلة عن تلك المبادرة أنها إلى جانب عدد من السيدات دخلن في "دورات قيادة، وخرجنا بنتيجة من الدورات التي استمرت لسنة بمبادرة نظراً لظروفنا كسوريات في لبنان، أحسسنا بقيمة التعليم فكانت أول فكرة راودتنا هي القيام بدورة محو أمية، أيضاً أحببنا أن نمكّن السيدات اقتصادياً ولو بشيء بسيط" على حد تعبيرها.
فيما تشير "علا الجندي" إحدى المشاركات من منظمة "النساء الآن" إلى خصوصية هذا التعاون في تعليم المهارات بالقول: "البرنامج هو مجموعة من التدريبات لها علاقة بالمهارات والمعارف السياسية والاجتماعية، مثل مهارات القيادة، التواصل الفعال، التفاوض، معارف حول الديمقراطية، والدستور وأهميته، معارف متنوعة".
وهكذا، يمكن القول إن مقدار التنوع في مشاريع التعاون العربي المشترك، يتركز على نقل الخبرات المشتركة بين الفئات العمرية المختلفة، والخوض في تجارب العمل المدني بين الشباب إضافة إلى حوار الأديان والإخوة الإنسانية وتمكين فتح أبواب مع الآخر-المختلف في سبيل مواجهة الأزمات الكبيرة مثل جائحة كوفيد-19.
ثانياً- الأثر الفكري للتعاون
أجمع معظم من قابلتهم منظمة "شرق" على الإضافات الفكرية التي تركتها تجارب التعاون العربي المشترك، سواء على عليهم كأفراد أو على المؤسسات التي يعملون فيها، على وجه الخصوص في طرق التواصل مع الآخر في مبادرات متنوعة، تحمل قيماً ومفاهيماً (مدنية، اجتماعية، توعوية، خيرية، دينية، تعددية، مهاراتية، تربوية) وأساليب العمل المشترك لمنظمات وأفراد من توجهات مختلفة.
لقد كان لشهادة "سامح ثابت" من "مركز الإبراهيمية للإعلام" تأكيداً على ما سبق، حيث تعاون هذا المركز مع "مؤسسة كنوز النوبية" من أجل مشروع "مصر توبيا" الذي يهدف لتعزيز ثقافة السلام وقبول الآخر بين الأطفال المراهقين بالذات في بداية المراهقة من سن 10 إلى 14 سنة، يقول "ثابت" في ذلك السياق: "نجاح نموذج التعددية أعطانا ثقة جداً بأننا نفتح قلوبنا قبل أن نفتح أبواب التعاون، والممكن أن نكتشف إمكانية التعاون، وليس من الضروري أن تكون المؤسسة التي نتعامل معها إحدى مؤسسات الكنيسة الانجيلية أو إحدى الكنائس الأخرى ضمن الإطار المسيحي، فنحن من الممكن أن نتعاون مع مؤسسات يقودها أشخاص من ديانات أخرى".
من ناحية ثانية، نرى أن "مي جاه الله" من "كنوز النوبية" في مشروع الأطفال ذاك، لم تتطرق لناحية الاختلاف العقائدي في التعاون من قبل، ولم تشترك مع مؤسسة تتبع الكنيسة، ولم تقم بمشروعات خاصة بالأزهر مثلاً، وتؤكد: "أنا أؤمن بحرية العقيدة، هذا شيء خاص بالإنسان ولا يمكن أن أتدخل فيها، لقد كانت مساحة أو بداية، لكن فيما بعد لم يعد لدي مخاوف من أن أتصرف بمساحة جديدة أو بتعاون جديد حتى لو لم أكن قد جربته سابقاً" على حد قولها.
ولم تقتصر التعددية في التشارك على اختبار الآخر القادم من مرجعية دينية وحسب، إنما توجهت المقابلات نحو طرق أبواب التبادل الثقافي القبلي في ليبيا، مثلاً، حيث يخبرنا "عبد الله ملكني" من مركز الدراسات التباوية، في مقابلته عن مهرجان الثقافة التباوية في طرابلس، وأثره الفكري الذي تركه لدى باقي أطياف الشعب الليبي، قائلاً: "التأثير الفكري على الجميع هو بداية التعريف، بأنه يوجد أناس اسمهم تبو، وأنهم ليبيون وأن لديهم عادات وتقاليد، وقد تكونت فرصة من خلال المهرجان لمن ليس لديه فكرة، فهناك من يعرف أن التبو موجودون لكن لا يعرف أن لديهم حضارة قديمة جداً، ولديهم ثقافة خاصة بهم، ولهم لغة خاصة، مما يكون فكرة معرفية" على حد قوله.
ويؤكد كلام "ملكني" أحد المسؤولين في الهيئة العامة للثقافة في حكومة "الوفاق الوطني الليبية" وهو "د.فاروق قلاش" مشيراً إلى أهمية المعرفة الثقافية التي أتاحتها فرصة الاحتفالية مع اثنية ليبية مختلفة وهي "التبو" إذ يقول: كنت أجهل جهلاً كاملاً هذا المكون وهذه الثقافة وهذا الإرث، التبو منذ قديم الزمان لديهم دستور خاص اسمه دستور التبو، هو دستور اجتماعي، يحكم قواعد وأنماط الحياة الاجتماعية التبوية. التبو لديهم لغة جميلة، التبو لديهم مأثورات شعبية جميلة، التبو لديهم عادات وتقاليد جميلة جداً في هذا الصدد من خلال اليوم الوطني والذي استمر لثلاثة أيام تعرفنا فيه على كل ما له علاقة بالمجتمع التباوي".
وفي شكل آخر من التعاون وأثره الفكري، تعيدينا "مايا ديوب" من هيئة "مار أفرام السرياني البطركية للتنمية" في سوريا، إلى سعي المجتمع المحلي رغم الحرب إلى إشراك الأطياف المختلفة والتي عاشت ويلات الأحداث المؤسفة هناك، بمحاولات جديدة للتقارب والتنوير، إذ نشطت تلك الهيئة المسيحية، مؤخراً، في مناطق ذات أغلبية مسلمة في غوطة دمشق، تحديداً منطقة "عربين" لتقيم أنشطة توعوية للنساء، بخصوص "مقاومة العنف ضد المرأة"، وهنا تؤكد "ديوب" في مقابلتها أن الأثر الذي تركه النشاط في الجميع كان واضحاً من خلال "إيصال الفكرة للمستفيدات، اللواتي تم استهدافهن ضمن هذا المشروع، وهؤلاء المستفيدات اللواتي حضرن جلسات توعية، وتم النقاش عن تجارب حياتهن، وطرق تخطي المصاعب واستجابتهن، لأساليب العنف الذي تعرضن له، أو حتى يسمعن عنه، أما بالنسبة للمعلومات، السيدات حصلن على معلومات قد تكون جديدة بالنسبة لهن، وقد تكون أشياء يسمعون عنها بالتلفزيون، لكن أعادوا تقوية هذه المعرفة" ومن هنا يمكن استنتاج أن التعاون المشترك أخذ صورة جديدة بين متلق ومدرب وفي ظرف تاريخي صعب، كما في سوريا، وأثبت ضرورة نمو تلك الإيجابية وتعزيز انتشارها بين المجتمعات المختلفة رغم المصاعب.
أخيراً
كان الهدف الرئيسي من حزمة توثيق مشاريع التعاون العربي المشترك، هو إلقاء الضوء على قدرة المجتمعات العربية المختلفة في طرق حياتها وثقافتها، رغم قربها الجغرافي وقاسمها المشترك باللغة، على تجريب التنوّع وسماع الآخر وتعميم الفائدة، بناءً على التجارب والورش والنتائج، بمختلف مستويات العمل المدني وفي توقيت أربك العالم بسبب انتشار كوفيد-19، وإعادة ترتيب شكل الحياة والتواصل الاجتماعي، الفيزيائي والافتراضي، ومنح العقل مساحة تركيز كبيرة لمناقشة الاختلاف، والسعي للوصول إلى منطقة يترسخ فيها مفهوم "التنوّع والتعدّديّة" واحترام العقائد وتعزيز السلام والتبادل الثقافي لنصل إلى تكاتف إنساني في وجه الأزمات الكبيرة حتى لو كنّا وراء شاشة الحواسب والهواتف في عالمنا العربي.
وفي هذا السياق التوثيقي، يمكن للمهتمين من القرّاء، الاستماع وقراءة كامل تلك المقابلات عبر الدخول إلى موقع "تاريخي" https://www.tarikhi.org ، وهي منصة لنشر وترويج المقابلات والقصص المسجّلة التي رواها أشخاص من جميع أنحاء الوطن العربي، حول مجموعة متنوّعة من المواضيع تتضمّن الثقافة، وسُبُل العيش، والهجرة وحقوق الإنسان، وحزمة توثيق مشاريع التعاون العربي المشترك هي جزء من موقع "تاريخي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة ومجلس أوروبا يدعوان بريطانيا للعودة عن قرار تر


.. بدء ترحيل اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا ينتظر مصادقة الملك




.. الأمم المتحدة تدعو بريطانيا لمراجعة قرار ترحيل المهاجرين إلى


.. هل واشنطن جادة بشأن حل الدولتين بعد رفضها عضوية فلسطين بالأم




.. وزير الخارجية الأيرلندي: 100% من الفلسطينيين بغزة يواجهون شب