الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الطبقة الوسطى و واقع ما بعد الثورة

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2021 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


البشير لم يسقط لإنه اباد اهل دارفور و لا لإنه منع ندوة فكرية، البشير سقط لسبب وحيد و كبير و هو "توقف السيولة النقدية في البنوك"، و هنا إصطدم البشير بمصالح الطبقة الوسطى التي يعمل أغلبها في التجاره و الزراعه و المقاولات و الخدمات الفنية إضافة إلى المغتربين منها و هم لا يستهان بعديدهم،حينما احسوا ان النظام اراد سرقة مدخراتهم بعد توقف النفط و انغلاق ماسورة القروض هنا اراد النظام ان يطيل أمده بهم فأصطدم النظام ب ابناء قياداته انفسهم.
هذه الطبقة البرغماتيه الصبورة التي تجيد إمتصاص "الصدمات الإقتصادية" و تسيير قوارب معاملاتها و تدابيرها على نهرها شريطة الا يتوقف ذلك النهر، بمعنى اوضح فهم لا يبالون كثيرا بتغير سعر الدولار لإن اي زيادة ستتلوها زيادة تمتص الفارق، هذه الطبقة التي رأينا ابناءها يخرجون من النسيان فيستشهدون في الشوارع و يموتون بحب في مجزرة الإعتصام، الطبقة التي تعبر عن نفسها في الميديا و يظهر نجومها هكذا بكل تلقائية من دون كبير تفكير في "مشروعية" ما يفعلون،هم ابطال هذه الموجة من الحرية التي ينعم بها الشعب اليوم، الطبقة لم تنتفض من أجل الحسين او من اجل مظلومية ايديلوجية سياسية متوهمة، هي الطبقة الواضحة و الا متوقعه، الطبقة التي حينما بلغت قلوبنا الحناجر نسينا أمرها ففاجأتنا بالثورة و بإدارتها لمرحلة ما بعد الثورة.
هي طبقة وسطى ليست "بياقات بيضاء" ليست الطبقة الوسطى في تصور لينين و عبد الخالق محجوب بل هي طبقة وسطى خرجت من رحم الإنقاذ نفسها، هي طبقة وسطى تجارية و ليست صناعية، قائمة على علاقات المنفعة الرأسمالية و السيولة النقدية، ف الإنقاذ صفت كامل الطبقة الوسطى القديمة التي وجدت في المشاريع الصناعية و الزراعية القومية الكبرى و شردت الموظفين فيها و عائلاتهم بسياسة الصالح العام و التمكين التي طردت من البلاد كل من قد يقاوم مشروع الجبهة الإسلامية و هو في موقف قوة مادية، لذلك خصخصت كل المشاريع القومية، و إن لم تبعها خردة فقد سلمتها لشركات خاص يقف الإسلاميون و الأمنيون على سدتها بينما يديرها لهم و يعمل بها موظفون خرجوا من رحم جامعات "ثورة التعليم العالي" و "المناهج المعربة"،
و بذلك ضمنت غياب منافس قومي ذو توجهات وطنية عبر بيع مؤسسات القطاع العام و ايللة اداراته و ملكياته لشركات تابعة لرجال اعمال الجبهة الإسلامية ف تمكنت من الدولة و اطمأنت ان من يدير تلك الدولة من كوادر هم خريجوها و ربيبوا جماعاتها الطلابية.
عزز هذا الأمر نجاحات الجبهة الاسلامية في إستخراج النفط و هو الحلم الإقتصادي الذي قام على اكتافه المشروع الإسلامي،فتضاعفت الطبقة الوسطى "الجديدة" بتضاعف الثروات الإستهلاكية الجديدة، هذه الثروات التي تحتاج من يؤمنها و يحميها فتعددت الجيوش و المليشيات و فتح جهاز الأمن زراعيه لإستقبال اكبر عدد من المجندين و بأي مؤهلات لكي يحموا مكتسبات الجبهة النفطية، و تضاعف عدد الجامعات حتى اصبح لكل ولاية جامعة تخرج الموالين و توظفهم في مرافقها.
إنهار هذا الحلم بسبب إنفصال الجنوب الذي يحوي ما نسبته 70% من احتياطيات النفط في العام 2010 و لم يشعر النظام بهذا الإنفصال مباشرة لإن الإنفصال ما زال وليدا ولإن الأوضاع تأخذ وقتها في الإنتقال حتى تتمكن الحركة الشعبية من "فهم" واقعها الجديد، و سرعان ما توترت العلاقات بين الجنوب و الشمال و توقف النفط.
هنا تسارعت الاوضاع في الشمال الذي بنت فيه الجبهة الإسلامية طبقة وسطى مستهلكة لا منتجه، طبقة وسطى تدير و تحمي لا تنتج و تفكر، فبدأت قيمة الجنيه في التراجع مما قاد لإحتجاجات شعبية في عام 2013 قمعها البشير بالحديد و النار، احتجاجات و ببساطة شديدة سببها هو رفع الدعم عن البترول لإن الحكومة باتت تستورده من الخارج عبر ميناء بورتسودان و ليس إستخراجه من الجنوب، مما جعل رأسمالييها و مديروا شركاتها بدلا عن ان يستثمروا في "انتاج النفط"، باتوا يستثمرون في استيراده و الإتجار فيه،و في المقابل "تسوء" العلاقات بين الشمال و الجنوب..بين الحركة الشعبية و الحركة الإسلامية..بين حركة تحرير تقف امريكا خلفها و بين نظام معزول توهم نفسه "قطبا عالميا" ينافس امريكا هيمنتها على العالم.
تسارعت الأحداث في الشمال و زاد التضخم و وجدت الإنقاذ نفسها تدفع "اوراقا" نقدية بلا قيمة لطبقتها الوسطى المستهلكة الجديدة، و بلغت الأمور ذروتها في ثورة سبتمبر حيث تخلى عن الإنقاذ جهاز أمنها الجائع و جيشها الذي تضررت مصالحه مع جيوش العالم و تقادمت ترسانته من الأسلحة، الجيش الذي ارهقته الإنقاذ في حرب الجنوب و جنى قادة الحركة الاسلامية ثمار البترول، فكان ان ازاحها عن طريقه و "تخلى عنها".
خلاصة الأمر ان ثورة سبتمبر كانت ثورة طبقة وسطى جديدة إستفادت من سياسات الإنقاذ في تصفية القطاع العام في من جهة و طرد قيادات الجيش الذين كان يمكن ان يهددوها و تصفيتهم في حوادث طائرات حرب الجنوب من جهة أخرى.
طبقة وسطى ترعرعت في شركاتها و جامعاتها و "سوقها"و احتكاراتها و امتيازاتها، طبقة وسطى تحالفت مع النظام او هادنته حتى إذا قرر النظام "الأستيلاء على مدخراتها" اسقطته، و هي اليوم تعاني في إدارة البلاد لإنها بلا منطق إنتاجي لإنها اساسا لا تعرف الإنتاج و لا تمتلك خبرته و في المقابل هي محاصرة بالشق العسكري و الأمني الذي تغلغل في الدولة و سيطر على مؤسساتها "التي فيها روح انتاج".
واقع ما بعد الثورة واقع معقد للغاية تعقيد فترة الإنقاذ نفسها و تركيبتها في السلطة اي تركيبة العسكر و الإسلاميين، عسكر اقصوا قيادات الإسلاميين الكبيرة في مفاصلة 99 قبل ان يتموا اقصاءهم تماما في ثورة سبتمبر، عسكر تمكنوا من مفاصل الدولة الإنتاجيه مسلمين اداراتها و مناصبها الشكلية ل "قوى الحرية و التغيير"، ذلك و ان احد اهم ابعاد هذه الفرضية انه كان للحكم بعدين بعد مدني يتكون من طبقة وسطى هي صنيعة علاقات اقتصادية استهلاكية تجارية و شق عسكري ضمنت الإنقاذ لقياداته "اقطاعات" اقتصادية كبرى يديرها رجال اعمال و موظفون بعيدون تماما عن الأضواء.
لذلك فمن ثار هم الطبقة الوسطى الجديدة و من جنى الثمار هي الطبقة الوسطى العسكرية الجديدة و التي كان و ما زال وضعها افضل من المدنيين.
الشاهد انه في خضم هذا التدافع الذي يتفوق فيه العساكر بخلق الأزمات الأمنية و قمع الشارع من جهة و يتفوق فيه المدنيون بكونهم الشعب المحكوم فإننا نجد انفسنا إزاء احداث بطلتها هي الطبقة الوسطى و بأمتياز.
هي الرابحة و هي الخاسرة..هي التي كبرت و هللت و هي التي "ثارت" و اسقطت.
لذلك فأي نهضة جديدة او فرصة لإستثمار و انقاذ الثورة عليها ان تتجه و تخاطب تلك الطبقة الوسطى بهمومها و تستنهضها لتفكر بمنطق إنتاجي بدلا عن هبات صندوق النقد الدولي، فتحرر مدخراتها و مضارباتها التجارية و استثماراتها في الأصول الثابته من بيوت و منازل و اراضي فتسيلها لأصل انتاجي، و هنا ستجابه بواقع فرضه العساكر عليهم من نهب و سرقات و اغتيال و تصفيات لكل من ينافس من يحمونهم من رجال اعمال.
اذا هو تحدي ذو بعدين اولهما بعد شخصي بتحويل عقليتها من عقلية استهلاك لعقلية انتاج و تحدي مع العساكر و دولتهم العميقة و الأهم تحدي مع التركيبة الإجتماعية القبلية المتنازعه و الملتقية في دولة وطنية هشة انشأها الإنجليز لتدير "حواشات القطن" لمصانع لانكشير.
و هنا نقترب اكثر فأكثر من ملامح تلك الطبقة الوسطى التي ليست متحدة او متطابقة بقدر ما هي متعددة و متنافسه و تواجه مشاكلها الخاصة المرتبطة بعقلياتها و قومياتها و تفسيراتها للحياة و تفاوتاتها الداخلية، هي ليست طبقة منزهة بل امامها اسئلة صعبة عليها مواجهتها.
و بالتالي فأي حزب سياسي يفكر بعمق و تروي عليه ان يتجه لتلك الطبقة الوسطى الحرة من اي ايديلوجيا و يستطيع العمل معها عبر فهمها اولا و فهم "عقلها" و "بنية وعيها" ليقودها في درب إستكمال الدولة الوطنية الحديثة، محققا ذلك التكامل بين الاصالة و الحداثة و بين معنى الرزق و معنى السعي و الكد و الابتكار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر