الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امريكا: القتل الاستهدافي؛ تحطيم لجدران السيادة

مزهر جبر الساعدي

2021 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تولى اوباما، رئاسة الادارة الامريكية؛ توقع اغلب المتابعين بان السياسة الامريكية في المنطقة العربية وجوارها، والعالم؛ سوف تشهد تغييرات كبيرة. كما ان اوباما اعتبر رجل سلام ومنح على ضوء ذلك جائزة نوبل للسلام. لكن حقائق الامور والاوضاع سواء في منطقتنا العربية أو في جوارها، أو في العالم؛ لم تشهد اي تغيير يذكر في خصوص سياسة الولايات المتحدة في هذه الدول او في الجوار العربي عن سياسة سلفه، بوش الابن؛ فقط ان التغيير كان في شكل واسلوب تحويل هذه السياسة الى واقع، بالطريقتين الخشنة والناعمة؛ طريقتان متضافرتان ومتزامنتان. كان من اهم منصات هذه السياسة؛ هو مكافحة الارهاب في المنطقة العربية وجوارها وفي بقية دول العالم. ان تاريخ الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب، الارهاب الحقيقي، خلال السنوات السابقة والى الآن، يشوبه الكثير من الشكوك والريبة، والمخادعة القصدية؛ بسياسات تعميم وتعمية، باستغلال محاربة الارهاب، والذي هو؛ مفروض رفضا كاملا من المجتمع الدولي، ومن جميع شعوب الارض، بما فيها الشعوب التي تجاهد وتكافح ضد الاستغلال الامريكي والاسرائيلي. لكن في المقابل، وفي طار سياسات التعميم والتعمية هذه؛ هناك نضال وكفاح تمارسه جميع الشعوب التي تقع اوطانها تحت الاحتلال، أو لا تقع بلدانها تحت الاحتلال، ولكنها تحت الهيمنة والنفوذ وفقدان السيادة والآمال والاستقرار كضرورة من ضرورات ونتائج الهيمنة والنفوذ؛ لذا، تعتبره الولايات المتحدة، جزافا، ارهابا، في محاولة منها، للمخادعة، بالالتفاف على معطيات الواقع؛ حين يتعارض مع سياستها، اي يتصدى لها، ولقواتها المحتلة؛ بقوة وبالسلاح، أو يقارع بمختلف الاشكل المتاحة له، أو من يبدع فيها ويبتكر وسائلها؛ لمحاربة أداوت نفوذها الحاكمة. الولايات المتحدة بسياستها هي من اوجدت الارهاب سواء في المنطقة العربية او في بقية دول العالم؛ وهي سياسة مخطط لها سلفا وليست كما يحلوا للبعض؛ اعتبارها اخطاء في السياسة الامريكية، بل هي مخطط سبق التنفيذ، عندما كتب على الورق، الى ان تم تحويله الى اجراءات يتم بها، تحريكه على ارض الواقع. في كتاب؛ حروب قذرة للصحفي الامريكي، جيريمي سكا هيل؛ وهو صحفي امريكي وكاتب سياسي يعمل مراسلا لمجلس الأمن القومي في مجلة ذا نابشن. ان موقعه هذا يعني ان جميع ما اورده في كتابه سابق الذكر في هذه السطور؛ يعكس الواقع الحقيقي للسياسة الامريكية في ادارة اوباما، وبالذات حين يحيل كل ما ورد فيه الى قادة عسكريين او استخباراتيين امريكيين؛ كان لهم مركز قيادي فاعل في هذه السياسة؛ او مقابلات مع ذوي الضحايا، أو ان الكاتب كان قد وقف ميدانيا في ارض المذبحة، أو المذابح؛ بعد وقوعها بفترة قليلة. الولايات المتحدة في تسعينيات القرن السابق؛ كانت قد دعمت بقوة وبالإعلام وبالسلاح امراء الحرب في الصومال، عندما سقط نظام محمد زياد بري الدكتاتوري؛ لتستمر حرب الاخوة الاعداء لسنوات ويكون الضحية في هذه الحرب؛ الناس الابرياء، وتمزيق البلد والإتيان على كل ما فيه من بنية تحتية، ليتحول الى خراب وانقاض ودمار. لكن حين ضعف هؤلاء الامراء، ولم يعد الامر او الاوضاع تحت سيطرتهم كل منهم في المنطقة التي كان يسيطر عليها، وبعد ان تحولت البيئة السياسية في الصومال جاهزة للإرهاب، كما يروق للولايات المتحدة توصيفها؛ تخلت عن هؤلاء الامراء، اي اوقفت دعمها لهم؛ وهي بهذا، وهي ايضا تعرف المآل قبل حدوثه، او قبل تحوله الى واقع. لتسيطر المحاكم الاسلامية على الصومال، والتي وفرت الأمن والامان للصومال، لكن الولايات المتحدة لم تعجبها حكومة المحاكم الاسلامية، لأنها اي المحاكم الاسلامية ناصبت العداء للولايات المتحدة. عليه، لم يكن امام الولايات المتحدة حتى تقوض سيطرة المحاكم الاسلامية؛ الا الضغط على حكام اثيوبيا لغزو واحتلال الصومال لفترة تزيد على الثلاث سنوات. ان هذا الاحتلال قاد المحاكم الاسلامية، او وجدت نفسها مجبرة تحت ضغط الاحتلال الاثيوبي، وثورة الشعب ضدها وضد الاحتلال الاثيوبي؛ ان تلجأ الى فتح الطرق لدخول؛ عناصر من القاعدة، كما ان الشعب الصومالي بحكم العداء التاريخي بين الصومال واثيوبيا؛(0أستيلاء اثيوبيا على اقليم اوغادين الصومالي، في نهاية سبعينيات القرن السابق، ولاتزال) قد تلاحم وتوحد في مواجهة الغزو الاثيوبي، ليصعد نجم حركة الشباب على حساب انحسار مساحة سيطرة المحاكم الاسلامية. ثم لاحقا استعانت الولايات المتحدة بالدول الافريقية، وبالذات كينيا، والقاعدة الامريكية في كينيا. خلال هذه السنوات، واثناء ادارة اوباما؛ قامت الولايات المتحدة بتصفية عناصر سواء من المحاكم الاسلامية او من حركة الشباب، أو من امراء الحرب الذين انحرفت بوصلتهم اما للمحاكم الاسلامية، او لحركة الشباب؛ بالقتل الاستهدافي؛ بواسطة الطائرات غير المأهولة. في كل هذه الضربات، كان يقتل الهدف، هو شخص واحد امام قتل العشرات واحيانا اكثر من ذلك، وفي مرات كثيرة يكون الهدف اصلا غير موجود؛ لأن المعلومات كانت زائفة. ان هذه العمليات تقوم بها عناصر ما يسمى بالقيادة المشتركة للعمليات الخاصة، والتي تحاط عملياتها بالسرية الفائقة، اي ليس لأي كان، حتى من اعضاء مجلسي النواب والكونغرس الحق بالاطلاع على اعمال القتل الاستهدافي او الخطف التي تقوم بها هذه العناصر، بحجة المحافظة على اسرار الامن القومي الامريكي، و عدم تعريض الجنود في مناطق الانتشار العسكري الامريكي، للأخطر؛ وهي سياسة كانت قائمة في ادارة بوش الابن؛ واستمر اوباما بتبنيها، بل اكثر من هذا؛ قام بتوسعتها بشكل كبير؛ حتى شملت العديد من الدول؛ من اليمن الى افغانستان الى باكستان الى غير هذه الدول؛ الكثير من الدول الاخرى، احيانا بإعلام حكومات هذه الدول بعد التنفيذ، وفي احيان كثيرة، بدون علمها او اعلامها. ما قاد حكما الى تحطيم اسوار سيادة هذه الدول، التي نزل حكامها الى حيث تريد امريكا لهم ان يكونوا؛ في ساحة تنفيذ خططها واستهدافاتها لعناصر من شعبهم وهم في وطنهم، سواء من كان منهم له علاقة بالإرهاب، او عضو في منظمة ارهابية، والذي يفترض بأمن دولته؛ هو من يقتله حين يقاوم، او يقبض عليه، لمحاكمته، وليس ان يؤكل الامر اجبارا، بأمر امريكي، الى العمليات الخاصة الامريكية؛ التي تسرح وتمرح في ارجاء وطن ما.. قبلت حكومته وارتضت مصادرة امريكا لسيادة وطنهم، بلاحسيب ولا رقيب؛ تقتل من تقتل وتخطف من تخطف، او من كان ليس له علاقة بالإرهاب بالمطلق، لكنه يقارع سياسة امريكا، او يفضحها بالكلمة. الامر والادهى، تدمير الاسيجة الداخلية للأمن العام في تلك الدول، حتى بات الناس، وان كانوا ابرياء، لا يشعرون بالأمن على حياتهم، وخصوصا من كان بينهم من له اهتمام بطروحات القاعدة او غيرها، او من له انتماء وهم قد يعرفون به، أوقد لا يعرفون به، وبالأخص في اليمن حيث الانتماء الى القبيلة له خصوصية من حيث الحماية والالتزام بها، اي بهذه الحماية؛ في بلد للقبائل مركز فعل وتأثير في الدولة والحكومة على حد سواء. كان الرئيس اليمني على صالح يلعب بذكاء او هكذا يتصور؛ لعبة مزدوجة مع امريكا، من جهة لا يحارب بجدية المنظمات الارهابية، اي يكون في الساحة الوسط. ومن الجهة الثانية، وفي الغرف المغلقة مع المسؤولين الامريكيين؛ يمنحهم الضوء الاخضر وبلا حدود، بالتصرف على الارض اليمنية في الصورة والشكل الذي يرونها مناسبة لهم. المقصود هنا؛ هي القيادة المشتركة للعمليات الخاصة، بما تمتلك من طائرات مسيرة، او صواريخ توما هوك التي تطلق من البحر الاحمر؛ على اهداف يمنية تحددها هذه العلميات الخاصة، وليس للحكومة اليمنية اي دخل فيها، وحتى ليس لها علم بها الابعد التنفيذ. اذ، يطلب من الحكومة اليمنية الاعلان من ان هذه العملية قد قامت بتنفيذها قوات الامن اليمنية، وفي الوقت الذي فيه؛ ان هذه القوات لا علم لها بها لا من القريب ولا من بعيد. ان هذه اللعبة المزدوجة والتي تمس السيادة اليمنية وامن الشعب، مسا عميقا؛ من اجل الحصول على المساعدة المالية سواء من صندوق النقد الدولي او من امريكا كمساعدات عسكرية، لا تتجاوز في احسن الاحوال، 50مليون دولار؛ كي تستخدم في محاربة الاقلية الحوثية او محاربة المتمردون الجنوبيون الانفصاليون. ان هذه اللعبة المزدوجة جعلت القبائل وعموم الشعب تقف بالضد من حكومة صالح. مع تراكم هذه العمليات واتساع دائرتها، ولعدة سنوات؛ ادت ليكون الشعب بالكامل ضد سياسة الرئيس السابق على عبد الله صالح. وفي ذات الوقت، على عكس ما كان الرئيس صالح يتصور ويخطط؛ فقد اشتد عود الحوثيين وصلابتهم وتوسعت دائرة تأثيرهم، وكذلك الحراك الجنوبي. حتى قادت الى ما قادت له من نهاية معروفة لصالح وحكومته ولليمن، الذي يرزح تحت ثقلها جوعا ودمارا وتشظيا حتى اللحظة، وتهديدا جديا ومنتجا لوحدته التي لم يشتد جسدها بعد؛ حتى باتت على موعد من اعادة تقسميها اي تقسيم اليمن. في قرية المعجلة قصفت قوات العمليات الخاصة الامريكية، او بتوجه منها؛ رشقة من صواريخ توما هوك، اطلقت من بارجة امريكية في البحر الاحمر؛ على تجمع من قبائل اليمن وكان من ابرز هذه القبائل هي قبيلة عولق، والذي من ابنائها انور ناصر العولقي، الموضوع على قائمة القتل الاستهدافي من هذه القوات لتي تحاط جميع اعمالها بالسرية التامة، اضافة الى اخرين، لكن اي من هؤلاء لم يكن حاضرا في هذا التجمع. ان هذه العملية هي واحدة من عمليات تعد بالمئات. ان هذه العمليات بتراكمها والزمن الذي استغرقته؛ قادت حكما الى احداث فراغ قاتل بين الحكومة والشعب والقبائل؛ ليكون من نتيجتها تدمير اسيجة السيادة تدميرا كاملا، وجدران الأمن الداخلي حتى كان الناس في قلق وخوف حين يكون لهم مناسبة ما؛ أو تجمع ما او عرس او ما يشبهه، ينطرون الى السماء التي تتجول فيها بحرية، الطائرات الامريكية المسيرة، برعب وخوف، من ان يكون احد الموضوعين على قائمة القتل الاستهدافي ولا يعلمون به، أو لا يستطيعون طرده بفعل الانتماء بالدم والعشيرة. ان هذه السياسة الامريكية التي لا تقيم وزنا لسيادة الدول وللقانون الدولي، للدول التي تربطها معها شراكة، او اي نوع من انواع العلاقة غير المتجانسة والمتساوية بين الدول، مهما كان ما تختفي وراءه من حجج؛ تظل اهانة للكرامة الوطنية للشعب وحكومته، والغاء للسيادة، وكأن هذه الدول ليست بدول، بل ولايات امريكية تخضع للقانون الامريكي، وهي سياسة تدمير لهذه الدول، واكثر تدميرا لحكومات هذه الدول، وتقبيح للوجه الامريكي والذي هو اصلا في غاية القبح. في حفل لأحد قادة الشرطة في احدى الولايات الافغانية، فقد كان الحفل للاحتفاء بمولود جديد، لنائب شرطة هذه الولاية؛ بعد ساعات من بدأ الاحتفال فوجىء المحتفلين بوابل من الرصاص؛ قتل فيه نائب الشرطة وزوجته، وشابة اخرى، وشقيقيه. الجيش الامريكي قدم للعائلة المنكوبة؛ الاعتذار مع مبلغ مالي. القائد الامريكي، قال للعائلة نتأسف ان هناك خطأ في المعلومات. ان هذه العملية قامت بها العمليات الخاصة بالاستناد او الاعتماد على معلومات من افغان، ربما، كما جاء في وصفه للمذبحة، جيريمي سكاهيل؛ بسبب خلاف على الارض او على الماشية او على المناصب ، من دون الرجوع الى قيادة الجيش حسب التفويض الممنوح لها من لائحة قانون اقره او وقعه الرئيس الامريكي السابق، اوباما. ان هذه العملية هي ليست واحدة، بل ان غيرها، وعلى شاكلتها؛ بالآلاف على مدار عقدين. في باكستان، (واشتدت وتوسعت في ادارة اوباما خلال عقد نيف من ولاية الاولى والثانية لهذه الادارة؛ لتكون بعد عدة سنوات، في الوقت الحاضر؛ قاعدة للاستراتيجية الامريكية الجديدة، التي اعلن بايدن قبل ايام عن بداية العمل بها) وايضا الكثير من هذه العمليات اي القتل الاستهدافي من دون علم الحكومة الباكستانية، أو ان علمها بها كان مسبقا؛ اي ان الحكومة الباكستانية تحت الضغط الامريكي سمحت لقوات العمليات الخاصة بممارسة القتل الاستهدافي اي الموضوعيين على قائمة هذا القتل، لقاء المساعدات المالية والتي هي في اغلبها، مساعدات عسكرية. بالإضافة الى هذا؛ ان العناصر الامريكية التي تعمل لصالح المخابرات المركزية الامريكية او لصالح بلاكووتر سيئة الصيت والسمعة، او عناصر العمليات الخاصة؛ تعمل بغطاء دبلوماسي، وبأعداد كبيرة جدا؛ تصل احيانا وحسب الضرورة الملزمة الى الآلاف. اثنان من عناصر الأمن الباكستاني قتلا على يد احد عناصر بلاكووتر؛ الذي يعمل لصالح القيادة المشتركة للعمليات الخاصة، في قلب الاهور ثاني اكبر مدينة باكستانية. اطلق سراحه بعد خمسة اسابيع من اعتقاله من قبل قوات الأمن الباكستاني على اساس صفته الدبلوماسية. اثناء اعتقاله، وعند تفتيشه؛ عثر الامن الباكستاني على جهاز تتبع مرتبط بالأقمار الصناعية، اضافة الى ارقام هواتف او شيء من هذا القبيل مع اشخاص في منطقة القبائل، وتحديدا خلايا لطلبان باكستان، ولفصائل ارهابية اخرى. لكن مع كل وثائق الادانة هذه، التي اطلع عليها الصحفي الامريكي والكاتب السياسي، جيريمي سكاهيل في القاءات اجراها مع قادة امن باكستانيين رفيعي المستوى؛ وبضغط من الادارة الامريكية، وتحديدا الرئيس الامريكي السابق اوباما الذي اصر على ان القاتل، كان دبلوماسيا يعمل في القنصلية الامريكية في الاهور. في نهاية الامر كما بينا في اعلاه؛ رضخت مجبرة الحكومة الباكستانية، للإرادة الامريكية، واخلت سبيله. ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة، هي الاخطر؛ باختفاء الوجه الامريكي القبيح خلف وجوه القبح لوكلاء القتال بالإنابة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي