الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 9 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
( د. طلال أبو غزالة – العالم المعرفي المتوقد – صدر عن شركة طلال أبوغزالة للترجمة والتوزيع والنشر- 2019)
تقديم :
رفاقي واصدقائي الاعزاء.. إن الهدف من تلخيصي لهذا الكتاب يتجلى في استعراض الدور الذي لعبته الانترنت وتكنولوجيا المعلومات في المجالات السياسية والمجتمعية، وآثارها الايجابية على تطور الاحزاب عموماً والأحزاب اليسارية بوجه خاص في إطار نضالها على الصعيدين الوطني التحرري كما على الصعيد الاجتماعي الطبقي والديمقراطي ، إلى جانب دور الانترنت والتقدم التكنولوجي (انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والعقود الذكية والاقتصاد الذكي والمدن والمباني الذكية... إلخ ) في تطوير المؤسسات التعليمية والثقافية والصحية والزراعية وغير ذلك من المؤسسات، حيث أننا نتفق أن التقدم التكنولوجي عموماً ، واستخدام الانترنت وتطوره المذهل خصوصاً في القرن الحادي والعشرين ، أتاح لكل شعوب ومجتمعات العالم مزيداً من التطور والتقدم المذهل خاصةً في بلدان المركز الرأسمالي الامبريالي (الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي واليابان ) إلى جانب روسيا والصين والبرازيل وجنوب افريقيا وكوريا الجنوبية وماليزيا وبقية البلدان المنضوية في المنظومة الرأسمالية العالمية .
أما بالنسبة لبلداننا العربية التي ما زالت ترزح تحت نير التخلف والتبعية ، فإن تفاعلها مع متطلبات التقدم التكنولوجي والانترنت لم يتجاوز حتى اللحظة الجانب الاستهلاكي بعيداً عن الجانب المعرفي والعلمي الذي يوفر الخطوات الأولى صوب تجاوز التخلف والتبعية على طريق الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ... إلخ ومجابهة كافة تحديات العولمة الإمبريالية وشريكها الصهيوني في بلادنا بما يمكننا –كعرب- من استخدام التكنولوجيا والانترنت في خدمة أهدافنا الوطنية والقومية، التحررية والديمقراطية.وهنا بالضبط يتجلى في أذهان وعقول رفاقنا السؤال التالي: كيف نفهم ونتفاعل مع مفهوم المعرفة في ظل منظومة العولمة الراهنة..؟
وجوابنا على هذا السؤال يتحدد في أن المعرفة التي ندعو الى امتلاكها ووعيها ، هي المعرفة المشغولة بالعلم والاستكشاف المرتكز الى العقل والتجربة ، وتخليص البحث المعرفي من سلطة السلف وقدسية الأفكار، كمدخل لا بد منه لتحرير الواقع العربي من حالة التخلف والتبعية والخضوع، وتحرير فكرنا العربي من حالة الجمود والانحطاط ، ذلك ان اعتماد العقل كأداة وحيدة للتحليل ، والعقلانية كمفهوم يستند على المنهج العلمي الجدلي ، سيدفع بفكرنا العربي – ولا أقول عقلنا العربي – صوب الدخول في منظومة المفاهيم العقلانية التي تقوم على أن للعقل دوراً أولياً ومركزياً في تحليل الواقع ، والتحكم في سيرورة حركته ، وهو أمر غير ممكن – كما يقول هيجل – ما لم يصبح الواقع في حد ذاته معقولاً ، أو مدركاً ، عبر الممارسة العملية في سياق تطبيقنا لقوانين ومقولات الجدل ، التي لا تكمن أهميتها في كونها قوانين لتطور الواقع فحسب وإنما هي أيضاً، قوانين لتطور التفكير والمعرفة، خاصة في عصرنا الراهن، عصر العولمة ، الذي تتهاوى فيه كثير من النظم والأفكار والقواعد المعرفية السائدة، لحساب "رباعية البيانات والمعلومات والمعارف والحكمة " فكما أفرزت تكنولوجيا الصناعة مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الزراعة ، كذلك أفرزت تكنولوجيا المعلومات مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الصناعة، تمثله الثلاثية التالية : مجتمع المعلومات ، مجتمع المعرفة كأهم مورد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، مجتمع التعلم والذكاء البشري والاصطناعي" فالمعرفة في هذا العصر " هي حصيلة هذا الامتزاج الخفي بين المعلومات والخبرة والمدركات الحسية والقدرة على الحكم ، لتوليد معرفة جديدة ، وصولاً الى الحكمة أو ذروة الهرم المعرفي ، واستخدامها في تقطير المعرفة إلى حكمة صافية ، " وتجاوز " المتاح من المعرفة ، وزعزعة الراسخ ، من أجل فتح آفاق معرفية جديدة لترشيد استغلال الموارد واستخدام الوسائل والموازنة بين تحقيق الغايات وكلفة الوصول إليها " في عالم أصبحت البلدان المتقدمة والمهيمنة فيه ، تتعاطى مع مفهوم العالَم الإدراكي كنظير معرفي للعالَم الفيزيائي ( المادي ) ، فكما حدد أينشتين للفيزيائي معادلته الشهيرة التي تربط بين الكتلة والطاقة ، يقترح بروكز ، في المقابل ، ثنائية " المعلومات – المعرفة " كأساس للعالم الإدراكي ، ومحركاً رئيسياً للاقتصاد الحديث .
 إذن ، نحن أمام مفهوم جديد للمعرفة، زاخر بالحركة الصاعدة صوب المستقبل بلا حدود أو معوقات، اعتماداً على ثورة المعلومات والاتصالات وعلوم الكمبيوتر والتكنترون ، والميكروبيولوجي ، والهندسة الوراثية، الى جانب العلوم الحديثة في اللغة ، والاجتماع ، والانثروبولوجيا والتاريخ والجغرافيا البشرية والاقتصاد ، بحيث أصبح مفهوم المعرفة المعاصر شاملاً لكل العلوم الطبيعية والإنسانية في علاقة عضوية لا انفصام فيها من ناحية ، ومحصوراً في كوكبنا - إلى حد بعيد - في بلدان المركز الرأسمالي القادرة وحدها على إنتاج وتصدير العلوم والمعارف من ناحية أخرى ، بحيث بات من غير الممكن تطبيق هذا المفهوم على أوضاعنا العربية وبلدان الجنوب أو العالم الثالث عموماً دون امتلاك جزءاً هاما من مقوماته والتفاعل مع معطياته ، واستخدام آلياته وقواعده ، كمدخل وحيد لجسر الهوة المعرفية ، بيننا وبين تلك البلدان ، آخذين بعين الاعتبار، أن لكل معرفة خصوصيتها المرتبطة والمحددة من حيث شكلها وجوهرها ، بحركة صعود أو بطء آليات التطور الداخلي في هذا المجتمع أو ذاك من ناحية ، وبالعوامل الخارجية المؤثرة في ذلك التطور من ناحية ثانية.
وبناءً على ما تقدم ، ونظراً لأهمية موضوع العولمة والتقدم التكنولوجي في إطار التطور الهائل للانترنت على الصعيد العالمي ، فقد ارتأينا في الدائرة الثقافية تلخيص كتاب "العالم المعرفي" تأليف أ. طلال أبو غزالة لأهميته القصوى في طرح وتناول العديد من قضايا التقدم التكنولوجي عموماً والانترنت خصوصاً ، وهو كتاب يناقش محاور مفصلية تَهُمّ مستقبل العديد من التكنولوجيات المثيرة لاستباق التحديات واكتشاف الفرص، والكيفية المحتملة التي سيتغير معها العالم نتيجة لكل ذلك، وما ستؤديه تلك المتغيرات على التطور العلمي والمجتمعي العربي من ناحية وعلى أحزاب اليسار العربي من ناحية ثانية.
  إن تاريخ الإنترنت قد تم توثيقه بدقة، حيث أن بذورها الأولى تم زرعها عن طريق ”وكالة مشاريع البحوث المتقدمة للدفاع“ (DARPA) في الولايات المتحدة، ليتم تطويرها تباعا عن طريق بحاثة آخرين كان أولهم ”تيم بيرنرز لي“ الذي أرسى القواعد الأولى للإنترنت العصرية التي نراها بيننا اليوم، والتي سُمَيت في البداية ”شبكة العالم الأوسع“ أو (Web Wide World).
وفي هذا السياق فإن العديد من التساؤلات السلبية تغزو العقل البشري في هذا الزمن: إلى أين نحن ذاهبون مع هذه التكنولوجيا المداهمة؟ وهل سيكون الذكاء الاصطناعي القادم بقوة مؤشرا لنهاية العصر الإنساني؟ ومتى سوف تستسلم ثقافتنا البشرية لهذه التقنيات؟ وهل يعني ظهور هذه التكنولوجيا الترسيم التدريجي لمستقبلنا؟ والأهم من ذلك، هل ستكون هذه نهاية الحلم البشري بأكمله أم؟ بداية لمستقبل أكثر إشراقا؟
والجواب يتلخص في أن البعض منا قارب ثورة الكمبيوتر بالتفاؤل، والبعض الآخر بعين الشك، والكثيرون بحذر مفرط. لكنه، ومنذ عام 1980 حتى اليوم، تحول الكمبيوتر الشخصي من مجرد حب الاستطلاع، إلى تحفة مكلفة وصعبة المنال، وأخيراً إلى ضرورة قريبة ومتاحة في هذه الأيام.
ففي القرن الحادي والعشرين، تنفرد الإنترنت بوصفها القوة الرئيسة للتغيير التي كان من شأنها إحداث ثورة في طرائق عيشنا ولهونا وعملنا، وتتوقع المجتمعات المدنية الآن احتياز جميع المعلومات عبر نقرة بسيطة عن طريق محركات البحث النافذة التي أضحت بوابات لملايين المواقع والخدمات المعلوماتية، ما حول هذا العالم بحق لقرية كونية، وما أتاح لعالمنا المادي التلاقي مع الآخر الرقمي، وتقديم خدمات أفضل وأسرع للمستهلكين الذين يطالبون باستمرار ويتوقعون المزيد.
لقد أصبحت الإنترنت الآن ملازمة لحياة الجماهير، وليست هذه سوى بداية الرحلة التطورية القادمة، فالبيانات الرقمية، وليس التكنولوجيا ستكون المحفز الحقيقي للابتكارات والاختراعات في المستقبل. البيانات تحيط بنا من كل جانب.
التقاط هذه البيانات واستيعابها، وسبر أغوارها، واستخدامها لحل المشاكل الحقيقية، هو التحدي الحالي للعلماء والمهندسين على حد سواء، لقد أصبحت التكنولوجيا أكثر من مجرد أدوات ولعب أطفال، إنها مستقبل البشرية. إنها المصير.
إن تقدم العصر الرقمي خلق نقلة استثنائية في الحضارة الإنسانية، بما يمثله من أفق حافل وشامل، يُمَكِّن البشرية من تحقيق ثروات من الفرص والنجاحات المذهلة، ما يعني أن عصر التقدم التكنولوجي الحالي سيؤدي لتكنولوجيات تغييرية في المستقبل.
هنا نشير إلى الابتكارات التي سوف تتسبب بتغيّرات أساسية في حياة البشرية عموماً، وفي حياة شعوبنا العربية وشعبنا الفلسطيني خصوصاً، من خلال الطرائق التي تنتهجها الحكومات والمؤسسات، والأحزاب والجمعيات، وسبل تقدم الخدمات التنموية الاقتصادية والرعاية الصحية والتعليم... إلخ، نزولاً إلى أنماط الحياة التي يعيشها المواطنون.. والعديد من التداخلات الأخرى، الأمر الذي يفرض على القوى اليسارية العربية مزيداً من الوعي المعرفي الثقافي عموماً ومزيداً من الحرص على امتلاك المعرفة التكنولوجية المرتبطة بكل خصوصيات الانترنت خصوصاً، بما سيضمن بالتأكيد توفير وتزايد عوامل النهوض الحزبي بالمعنى الوطني والديمقراطي ومواصلة نضالنا ضد كافة أنظمة التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد واستعادة الدور الطليعي  لاحزابنا  اليسارية الفلسطينية والعربية على طريق تحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بافاقها الاشتراكية
غازي الصوراني
 
 
 
 
مقدمة الكتاب:
لقد ربطت الإنترنت مجتمعات العالم بوسائل لم تكن ممكنة سابقا، وستشهد نمواً هائلاً في المستقبل مع توفير تكنولوجيات مثل "إنترنت الأشياء" الذي يربط في وقت معا مليارات الأجهزة ، بالإضافة لتزايد "البيانات الضخمة" والإقبال المتزايد لبلدان العالم الثالث على استخدام الأجهزة المختلفة التي تغذيها برامج الإنترنت.
 هذا التوسع يستلزم أن تصبح شبكة الإنترنت أكثر مرونة لتستوعب المزيد من الخوادم المشاركة، والوافر من أجهزة التخزين المتاحة، ما سيؤدي بدوره إلى تزايد الطلب على عناوين IP Internet Protocol  وأسماء المجالات Domain Names لتأمين حاجات المستهلكين، والشركات التجارية والمالية، والمؤسسات الحكومية وخدمات الترفيه.
”انترنت الأشياء“ ستدفع بحدود الإنترنت الحالية لتوسعة متوقعة نظرا لما تستلزمه هذه الأجهزة الذكية من عناوين IP جديدة للتعامل مع الانفجار الهائل الذي سوف يواكبها، باعتبار أن 26 بليون جهاز إضافي سيتم شبكها باستخدام إنترنت الاشياء بحلول عام 2020 ، ما يعني أن مبادرات لتنفيذ برامج التوسعة مثل IPv6 الهادف لتوفير المزيد من مساحة عناوين الإنترنت هو أمر يؤخذ حاليا على محمل الجد أكثر من ذي قبل، حيث أن استخدام تكنولوجيا IPv4  الحالية تغطي حاجات عناوين الانترنت لـ 4.3 بليون مشترك فقط.
تستضيف الإنترنت حاليا ما يقرب من 5 مليون تيرابايت من المعلومات التي تتزايد باطراد، كما تزايدت خدمات الإنترنت التي تكثفت بمقادير هائلة، ومعها المعلومات الشخصية المتعلقة  بهوايات الشعوب وعاداتها.
 وبالرغم من أن ذلك يجلب الكثير من العمل للتجار، إلا أنك تجد المستهلك يُلم بالقليل من العواقب التي تترتب على تقاسم هذه المعلومات. ذلك أن قوانين وشروط خدمات الإنترنت طويلة وشاقة ومعقدة لا يتمكن المستهلكون من فهمها بوضوح ناهيك عن قراءتها بالشكل المناسب. وبالتالي يحتاج المستهلك لأن يستعيد سيطرته على بياناته بأسلوب جديد، سهل وموضوعي.
في الإتحاد الأوروبي استحدث ”قانون حماية البيانات العامة“ (GDPR) ، وهو قانون جديد يضمن حماية البيانات والخصوصية لجميع الأفراد المتواجدين داخل الاتحاد والذي سوف يُمَكنِّ المستهلك من التحكم في بياناته، ومع ذلك.. وبالتأكيد، يبقى الكثير من الإحتياجات الماسة على هذا الصعيد.
وهذا يستدعي إنشاء نمط خامس للتجارة لتنظيم التجارة والخدمات عبر الانترنت، والتفاوض على اتفاقية اقتصاد الإنترنت بهدف إنشاء منطقة تجارة حرة للإنترنت.
لقد تم إنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO) التي تحكم التجارة الدولية في عصر ما قبل الإنترنت ، وتحتاج حالياً إلى طريقة للتعامل مع أشكال جديدة من التجارة على الإنترنت يتم مراجعتها وتحسينها بانتظام.
لقد جلبت الإنترنت معها جنبا إلى جنب أهدافا عالية القيمة يستهدفها المجرمون أكثر من أي وقت مضى وبأساليب متطورة. ومن المتوقع أن تكلف الجرائم السيبرية على وجهً التقريب حوالي 6 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2021 .
الجريمة السيبرية يمكنها إلحاق الضرر بل شل أنشطة الشركات والحكومات على حد سواء، ما يؤثر سلبا على الابتكار، والتجارة والنمو الاقتصادي.
الطريقة الأكثر فعالية للتعامل مع هذا التهديد ستكمن في تطوير أنظمة الأمن السيبري المبنية على الذكاء الاصطناعي، والتي ستقوم بالتحليل والتطور وفقا للتهديدات المحتملة والمتغيرة باستمرار.
ظاهرة الإجرام ضد الإنترنت تتم تغذيتها عن طريق حركة مارقة جديدة تدعى ”شبكة الظالم“، من هنا تستدعي شبكة الظالم هذه تواجد مؤسسات متخصصة لتنفيذ القانون تمتلك من التقنية والدهاء ما يؤهلها لرصد تلك الأنشطة الهدامة، وتوفير حماية أفضل للمصالح الوطنية بطريقة أكثر شمولاً.  بات ضبط الأمن السيبري العالمي ووضعه موضع العمل، واضحاً كل الوضوح .
من الآن فصاعدا، سيتعين اتخاذ خطوات أكبر لتحسين الشبكات التي تشغل الإنترنت. ستعتمد الكثير من الخدمات والتقنيات على بنية تحتية أكثراً أماناً ومرونة وسرعة وذكاء لتلبية احتياجات مستخدمي الإنترنت المتزايدين.
سوف تحتاج تقنيات مثل "إنترنت الأشياء"، السيارات المستقلة، المدن الذكية، الذكاء الاصطناعي (AI) والكثير غيرها الى استخدام الوصل الذكي: حيث تتوافق الشبكات من الناحية الوظيفية وتملك القدرة على التوسع بشكل كبير من أجل توفير تجربة سلسة للمستخدمين النهائيين.
لقد صُممت الإنترنت كمنبر للجميع، وليست فقط لتلبية احتياجات قطاعات معينة، مثل الحكومات، والبيانات المالية، والرعاية الصحية والتعليم.
لكن الشبكات الخاصة المتجددة بدأت فعلاً لملء احتياجات قطاعات محددة، مثل شبكة GÉANT ، المتخصصة والرابطة بين التعليم ومؤسسات البحوث في أوروبا.
 وفي الآونة الأخيرة، انطلقت نظيرتها التي أنشأها طلال أبو غزاله في دوسلدورف،ASREN  أو ”شبكة الدول العربية للبحوث والتعليم“. وهي تهدف إلى ربط التعليم ومعاهد البحوث بسرعة عالية في العالم العربي من خلال الإنترنت المضمونة والمستقلة عن الشبكة العامة، لتزويد الباحثين بالنطاق الترددي والحصول على الموارد التي يحتاجونها لمواصلة بحوثهم العلمية.
ومع كل هذا، لا تزال الإنترنت حقا في طفولتها. وسيكون من المثير بكل تأكيد أن نشهد تطورها نحو النمو والنضوج مع تقدم ”مجتمع الإنترنت“ بيننا لتوفير فرص متجددة لم نكن لها مقرنين.
 
 
إنترنت الأشياء Internet of Things  (IOT)
"إنترنت الأشياء" (IOT) آتية بقوة، وستكون تقنية مؤثرة إلى حد كبير، لقد صممت لتقدم استخدامات للأجهزة المنزلية، وأجهزة الاستشعار وإلكترونيات الحياة اليومية المترابطة معاً كي توفر للمستهلكين والأعمال التجارية قيمة متزايدة ومنتجة أكثر مما في السابق. وتأتي "إنترنت الأشياء" كامتداد طبيعي لشبكة الإنترنت الحالية وتشكل المرحلة التالية من ثورة المعلومات.
ذلك أنها تؤهل أياً من الوسائل والتطبيقات المجهزة بمجسات استشعار من حولنا، مثل التلفزيونات، الثلاجات، أنظمة التدفئة، الغسالات، مراقبة الأطفال، منظمات نبض القلب، معدات الرعاية الصحية، عدادات وقوف السيارات، آلات التحكم المصنعية وسائر الأجهزة الأخرى البكماء، لتكون متواصلة بذكاء وتقدم بالتالي بيانات وأساليب مبرمجة لم تكن ممكنة في السابق.
 نحن نرصد المعرفة البشرية حاليا ونعلم أنها تتضاعف كماً بمرور12 شهراً. لكنه، مع "إنترنت الأشياء"، تتنبأ شركة أي بي أم أن هذه المعرفة ستتضاعف كل 12 ساعة نظراً لحجم البيانات الرقمية التي يتحقق إنتاجها عن طريق "إنترنت الأشياء".
وطبعاً، لا تزال "إنترنت الأشياء" حاليا في مراحلها الأولى، لكنه من المتوقع أن تتحول لاحقا إلى صناعة ببليونات الدولارات بعد قيام قطاعات الأعمال التجارية الجديدة والفرص المتاحة في المستقبل.
وتتنبأ شركات البحوث بأنه سيتم شبك 26 بليون جهاز مختلف بـ "إنترنت الأشياء" بحلول عام 2020 ، وهذا تقدير متحفظ، لكن ذلك له آثار ضخمة على مساحة تخزين العناوين في الإنترنت، ما يستدعي تخصيص أرقام إضافية في بروتوكول إنترنت (IP)، والتي تستخدمها مختلف الأجهزة وتتواصل مع بعضها البعض، بالإضافة لمساحة النطاق الترددي (Bandwidth )المطلوبة لاستيعاب هذه الزيادة.
حاليا، ليس لدينا المتسع المطلوب لملء هذه الإحتياجات وسيصل طريق المعلومات الحالي مع حركة المرور المتوقعة إلى مرحلة الإنسداد.
وباعتماد الرصد عن بعد، نجد أن لدى "إنترنت الأشياء" القدرة على إحداث تغيير كبير في حياة الناس المصابين بأمراض مزمنة وكبار السن الذين يلازمون منازلهم حيث يمكن رصد هذه المؤشرات الحيوية، ما يتيح توفير الرعاية الصحية الإستباقية، المصممة خصيصا والمستندة إلى بيانات حية ومباشرة.
في الصناعات على اختلافها، تتمكن أجهزة "إنترنت الأشياء" من تحسين الكفاءة مع أجهزة الاستشعار المستخدمة لتقديم تحديثات واقعية عن حالة المعدات، مستويات المواد، والمعايير الصحية للآلة؛ ما يقلص أوقات التوقف عن العمل، فضلاً عن تتبع مواقع العمل وتقديم المعلومات الفضلى عن الصحة والسلامة.
أجهزة الاستشعار في الشوارع ونظم المرور الذكية يمكن أن تبلغ "إنترنت الأشياء" بأوضاعها كي تجهّز تلك الشوارع للمركبات الذاتية القيادة لتصبح أمرا ممكنا يتم معه إدخال التكنولوجيا ًلجعل المدن أكثر ذكاء مع سيارات تتلقي معلوماتها من أجهزة الاستشعار في المدينة، ما يجعل القيادة أكثر أمانا ويخفف الازدحام المروري .
وسوف تغزر منازل المستقبل بالوافر من الأجهزة المتصلة بال "إنترنت الأشياء" لتمكين المواطنين من التواصل مع العديد من مصادر المعلومات المتعلقة بمنازلهم والتحكم عن بعد بالعديد من تجهيزاتها، ما سوف يشمل العديد من الأمور مثل فتح/إغلاق الستائر، إغلاق مواسير المياه، والتحكم بالتدفئة وأجهزة التبريد، مراقبة محتويات الثلاجة وتواريخ انتهاء الصلاحية للمواد الغذائية.. بين تطبيقات أخرى كثيرة.
بل ستكون هناك أجهزة استشعار في ملابس يمكن ارتداؤها تتناول مجموعة كبيرة من الخدمات الشخصية لمن يرتدونها طبقاً لمواقعهم، كالصحة والرغبات، وعادات التسوق، والميزانية المالية وبيانات أخرى.
وعلى سبيل المثال، تمكين الفرد من الحصول على المعلومات الصحية ّالشخصية لمن يرتدونها طبقاً لمواقعهم، كالصحة والرغبات، وعادات التسوق، والميزانية المالية وبيانات أخرى.
وعلى سبيل المثال، تمكين الفرد من الحصول على المعلومات الصحية الشخصية، وإخطاره عن مواعيد تناول الأدوية، وتلقي عروض المبيعات المخصصة لدى زيارة مراكز التسوق، والبقاء على علم بمكان تواجد الأطفال، والكثير غيرها.
وستلعب "إنترنت الأشياء" دوراً حيوياً في تغيير الأساليب التي يتم معها تعليم الأجيال القادمة، والتي ستلبي حقاً متطلبات مواطني الرقمية الصغار، أبنائنا الطلاب الذين باتت التكنولوجيا امتدادا طبيعيا لحياتهم ذاتها.
"إنترنت الأشياء" سوف تقلب عملية التعليم رأسا على عقب بالسماح للطلاب أن يحملوا أجهزتهم الرقمية بغاية التواصل من الكتب الإلكترونية والتعلم بشكل تفاعلي عبر أساليب تعليمية تعتمد الأنظمة الذكية.
باستخدام "إنترنت الأشياء"، سيتمكن الطلاب أيضا من الدراسة بسهولة في منازلهم؛ ولهذا أهمية خاصة في البلدان التي تكون فيها طرق الوصول إلى التعليم محدودة بسبب المحاذير مثل النوعية، والطقس، والمسافة، إلخ.
معلمو المستقبل سيكونون قادرين على إعطاء الدروس من أي مكان وبالتالي توفير تعليم أكثر ثراء لقاعدة طلابية أوسع.
العديد من البلدان تعتمد هذا النموذج في الوقت الحاضر وبجدية تامة كونه قابلاً للتطبيق، وكبديل لتسهيل العوائق التعليمية القائمة.
فما لا شك فيه أن "إنترنت الأشياء" سوف تحدث ثورة في الطريقة التي يتفاعل فيها البشر مع بيئاتهم المختلفة وذلك بتوفير المعطيات الحقيقية في أوقاتها الراهنة، ما يتيح لهم اتخاذ قرارات أفضل وأكثر استنارة استناداً إلى معلومات موثوقة وواقعية.
هذا ما سيفتح آفاقا جديدة للتفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا، ويطور الإستشعار الذكي ويعممه ليصبح متاحا على نطاق واسع من خلال التعاون وتبادل المعلومات، ما يُشرع الأبواب لمؤسسات خدماتية جديدة ويوفر قيما هائلة ومتجددة للمجتمعات تمس كافة جوانب الحياة البشرية.
إلى جانب "إنترنت الأشياء" ستصبح الروبوتيات جزءاً من حياتنا اليومية في المستقبل، كما أن التقدم في التكنولوجيا الروبوتية والذكاء الاصطناعي (AI) يعني أن تصبح الروبوتات في مستوى الإنسان بل ربما أكثر ذكاء، مما يتيح علاقة تكافلية أوثق بين اإلنسان والتكنولوجيا.
ومع إمكانية التواصل مع تكنولوجيات مثل "إنترنت الأشياء"، ستكون الروبوتات قادرة على اتخاذ قرارات أكثر وبدقة متزايدة في أوقاتها المناسبة لا سيما في ظروف حرجة وخطيرة حيث تحتاج مجموعات ضخمة من المعلومات إلى تقييم سريع دون أية انفعالات.
فقد باشر الجراحون بالفعل في استخدام الروبوتات وإن بدرجة محدودة لإجراء العمليات التي تتطلب قدرا كبيرا من الدقة والمهارة.
الجراحون الروبوتيون سوف يغيّرون سمة مسرح العمليات التقليدي حيث يتحول الجراحون للمراقبة والتحكم في هذه الروبوتات أثناء إجراء العمليات الجراحية المعقدة وبالتالي تقليل الأخطاء البشرية، ومنع العدوى، وزيادة الدقة، والحد من التدخل البشري في المريض.
وستوضع تكنولوجية ”النانو“[1] الروبوتية على شكل روبوتات مجهرية للاستخدام في العديد من التطبيقات، وبخاصة ً التكنولوجيا الأحيائية.
”النانايت“ كما أصبحت معروفة، سوف تلعب دورا حيويا في تطوير الصحة وستكون ضئيلة الحجم لتمكينها حتى من دخول مجاري الدم البشرية لتنفيذ مجموعة واسعة من المهام، مثل تنظيف الشرايين، ومكافحة الفيروسات، وحتى إجراء جراحات موضعية من الداخل.
علماء الكمبيوتر يعتقدون أن هذه التكنولوجيا ستكون جاهزة وفعالة قبل حلول 2030.  هذا ما سيوقف التدخل البشري في الصناعات التي تتطلب درجة عالية من الدقة المتكررة.
صناعة البناء والتشييد سوف تفيد من التكنولوجيا الروبوتية مع حلول تلك الآلية محل بُناة الماضي. للانطلاق بوتيرة أسرع من مثيلتها القديمة مع قدر أكبر من الدقة والسلامة.
خدمات النقل الروبوتية الحالية سوف تغيّر نماذج النقل والتسليم مع طائرات بدون طيار تُسلم الطرود مستخدمة نظام GPS لعناوينها المحددة.
روبوتات العمليات العسكرية ستغيّر أوضاع ميادين المعركة. فالروبوت المدعوم من المشاة، والمعدات الروبوتية المتكاملة في نهاية المطاف ستكون مصممة لتقديم القدرات الحربية المتقدمة، ”وكالة مشاريع البحوث المتقدمة للدفاع“ الأمريكية (DARPA)-  التي سبق وجلبت الإنترنت- تستثمر حاليا وبكثافة في التكنولوجيا الروبوتية المتقدمة للقوات المسلحة.
هنالك تطبيق روبوتي مثير برز في طرح جديد يشير إلى أن الآلات الروبوتية الفردية يمكن أن تنضم معا لغرض معين في تشكيلة "جماعية" من أجل القيام بمهمة محددة، أو الانضمام معاً لتشكل روبوتاً أكبر للقيام بمهمات أكثر تعقيداً. هذا ما يحاكي سلوك الحشرات في العالم الطبيعي التي تعمل معا لحل المشاكل، مثل جماعات النمل التي تربط بعضها ببعض.
في مجالات التعليم، سوف تغيّر الروبوتات الأساليب التي يتم فيها تعليم الطالب. فمع الوصول إلى مخازن ضخمة من المعلومات والواجهات الذكية للتخاطب مع الحاسوب بالكلام معه، سيتمكن الطلاب من طرح الأسئلة على الروبوت باللغة الطبيعية، وطلب المساعدة في حل المشاكل والمسائل، والإستفادة منه باستخدام أحدث المعلومات المتاحة.
هذا ما سيحدث ثورة في المؤسسات التعليمية بتحويلها إلى مصدر يقدم أحدث المعلومات في جميع المجالات التعليمية، ما يجعل من المعلمين ”رسل تكنولوجيا“، يوجهون طالبهم للإستفادة القصوى من هذه الثقافة.
هذه التكنولوجيا الروبوتية سيتم استغلالها مع التقدم المتنامي داخل حقول "إنترنت الأشياء"، و"البيانات الكبيرة"  وتكنولوجيا النانو، ما يُبرز مشاركة علمية منضبطة عبر دراسات متجددة ستقوم بوضع آلات روبوتية ذات قوة معالجة عالية للوصول إلى كميات هائلة من المعلومات.
إنها التكنولوجيا التي تحمل معها تحديات أخلاقية واجتماعية وسياسية تتطلب الوافر من البحوث الجارية والتطوير المتواصل.
البلدان والشركات التي توفر الأجواء المواتية لمثل هذا العمل، ستجد نفسها قبل كل شيء في المقام الأول للإستفادة من هذا المعترك.
 
الذكاء الاصطناعي[2]
ركز الخيال العلمي منذ فترة طويلة على مواضيع تتناول آلات معززة بالذكاء الاصطناعي (AI)، قادرة على الخلق والتفكير والتصرف بالطريقة نفسها التي يتصرف بها البشر.
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بوصفها وسيلة لتحقيق ازدياد الإنتاجية والتقدم في جميع مجالات الحياة هي موضوع دراسة دؤوبة. وهي دون شك أحد الأسس الرئيسة للتكنولوجيا المستقبلية.
جميع تلك الابتكارات الذكية، "إنترنت الأشياء"، وتكنولوجيا النانو، والمركبات الذاتية القيادة، والعديد من المجالات الأخرى ، تدين بحاضرها ومستقبلها للدماغ الذي كان ولا يزال القوة المحركة لها.
ما يعطي أنظمة الذكاء الاصطناعي مركز الريادة هي تلك القدرة على التحليل والربط بين مقادير ضخمة من المعلومات في لحظة واحدة، واستخدام هذه المعلومات لاتخذا القرارات ، وقبل كل شيء للتعلم.
الفرضيات والأفكار التي تشكلت في العقل البشري بمساندة الذكاء الاصطناعي سوف تتفاعل مع بلايين المعلومات التراكمية العالمية فاتحة للبشر أبواب التوصل إلى نتائج أكثر دقة ومعلوماتية.
دماغ الذكاء الاصطناعي سيتجاوز أدمغتنا البشرية الحالية نظراً لقدراته على تفهم وتوليف ملايين الكتب في موضوع معين خلال ثوان معدودة، ومن ثم تجهيز كافة المعلومات المتاحة أمامنا كما لو كنا نعرفها من قبل.
الذكاء الاصطناعي سيغير بشكل جذري أساليب تعاملنا مع الأحداث الطارئة مثل البحث والإنقاذ بعد وقوع زلزال، أو عمليات التنظيف لدى انتشار السموم الضارة للبشر الناتجة عن انهيار المفاعلات الذرية.
وسوف يتمكن روبوتات الذكاء الاصطناعي من اللحاق المباشر بمسرح حوادث المرور ورفع المركبات بسهولة، والكشف على إصابات ً حتى الركاب بيسر، وسحب الضحايا للعالج، وتعطيل الحرائق وغيرها من الإخطار نزولاً حتى توفير الإسعافات الأولية.
مصانع ومنشآت الصناعة اليدوية ستكون "صناديق سوداء" مغلقة كلياً، تشغلها الروبوتية بالكامل وتسيطر عليها مقومات الذكاء الاصطناعي من البداية إلى النهاية.
ريادة الفضاء سوف تصبح شأنا روبوتياً بامتياز موجهاً كلياً بالذكاء الاصطناعي لتعزيز معرفتنا بالفضاء إلى درجة متقدمة.
الجيل القادم من تجار الأسواق المالية سيكون عبارة عن آلات يحركها هذا الذكاء والتي سوف تتنافس للتنبؤ بالاتجاهات داخل الأسواق وتحديد الاستثمارات المربحة.
 
 
علم النفس والذكاء الاصطناعي
 ”الذكاء الاصطناعي“ في جوهره، هو إذن نسخة ممكننة ومبسطة عن الشبكات العصبية البشرية والمعالجة المعرفية. هنا نلاحظ الترابط الكبير بين علم النفس والذكاء الاصطناعي الذي تتفاعل عوامله وتأثيراته بين الإثنين. وهما يحظيان الآن ببالغ الإهتمام والدراسة المنطقية إلى جانب الوسائل المستخدمة كنماذج لتوسيع استيعابنا لما يتعقد من مبادرات في العلوم والفنون.
هذا الترابط بين أداء علم النفس الإنساني ومجالات التوسع المتسارعة للذكاء الاصطناعي أصبح من الفعالية بمكان.
اكتشاف الشبكات العصبية في الدماغ البشري التي تناهز ال86 بلیونا ً من النورونات أو الخلايا العصبية المترابطة كلياً، مقابل شبكات الكمبيوتر ”العصبية“ التي تقتصر ”الخلايا“ فيها على أعداد قليلة بالمقابل، تزيد من تعقيد هذه المسألة وتشير إلى أنواع مقتصرة من الذكاء معظمها تحليلية، ولغوية وعاطفية ألخ. فمن الطبيعي أن يختلف علماء النفس واختصاصيو الأعصاب ُ في كون هذه الأنواع من الذكاء متشابكة أو ملازمة لشخص معين. ولا يزالون يأملون أن تصل هذه الشبكات العصبية يوما ً إلى تركيبة متطورة تقارب الدماغ البشري.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تلبية مستلزمات هذا الذكاء البشري؟ في أول سلم الأولويات لا بد أن يأتي حصر وإدارة المعطيات والمعلومات. وهذا في الواقع ما يفعله الذكاء الاصطناعي الآن: إنه يحتسب أفضل المعادلات الرقمية الخوارزمية[3] التي تشرح مقاربات الإدخالات والنواتج .
ولعل أفضل ما يقوم به الذكاء الاصطناعي هو التحليل والتصنيف، واستبيان العلاقات بين كميات كبيرة من البيانات أو المعلومات، بسرعة وفعالية للتوصل إلى توقعات دقيقة للغاية: عمليات خوارزمية واضحة ومتقدمة.
ويزداد عمل الذكاء الاصطناعي حاليا، كماً وكيفاً، في السعي لتحقيق هذه الأهداف، بالرغم من أن أياً منها محدد وثابت من قبل مهندسيه الذين يمنهجون عبر علم نفس مَوَجَّه ومستقل، كيفية تحديد هذه المهام.
هنا بالضبط يكمن الذكاء الحقيقي: القدرة على استخدام الموارد لحل المشاكل التي تم تحديدها في بيئة معينة دون اللجوء لإشراف خارجي.
علينا إذن أن نضع في اعتبارنا أن مبرمجي الذكاء الاصطناعي هم أساسا بشر سوف يستمرون متفوقين على ”مخلوقاتهم“ من نواح كثيرة. نحن متفوقون سيكولوجياً بوصفنا نمتلك الغرائز،  والحس السليم، والأهم من ذلك، تجارب حياتنا التراكمية.
سوف تفتقر أجهزة الكمبيوتر دائما ًإلى الإبداع والخيال والإلهام. لن يتوصل أي منها مثالاً لنظم قصيدة، أو الترنم بأغنية، أو الحلم باختراع جديد.
أية مقاربة سيكولوجية لهذا الذكاء تظهر انه صمم ليعكس السلوك البشري بطرق إيجابية وسلبية على حد سواء.
من هنا يأتي علم النفس مناسبا ّللشروع في ترسيخ الأسس السليمة للذكاء الاصطناعي، كونه يتقصى العقل البشري والحياة والسلوك، كما أن فروعه المعرفية والاجتماعية والتنظيمية تضع هذا الذكاء على النهج الصحيح لاكتساب مؤهلات الولوج في صفات بشرية لا غنى عنها لدى تخطيط البرامج وتنقيح البيانات.
لذا يجري حاليا تطعيم هذا الذكاء "بسيكولوجية إصطناعية“ تهدف إلى استخدام قدراته الخاصة لاتخاذ قرارات دون تدخل إنساني. وسيكون هذا خروجاً عن محاكاة سلوك الإنسان إلى سلوك ذاتي مستقل.. وبوابة التطوير القادم مفتوحة على مصراعيها.
هذه التكنولوجيا ستدفع حتما بالعالم إلى مراحل جديدة وغير عادية من التنمية إذا تمت السيطرة عليها واستمر تعهدها بشكل صحيح. كما أنها ستتخلل جميع القطاعات والصناعات ومجالات الحياة البشرية، لقد تم انتشارها في كل مكان، وأصبحت رديفة لشبكة الإنترنت، توفر انطلاق ظاهرة التفرد ”Singularity ”الآتية بقوة في نهاية المطاف.
 
 
الحوسبة السحابية Cloud Computing
في السنوات الأخيرة، أصبحت تكنولوجيا كلاود (الحوسبة السحابية) مركز اهتمام في عالم الانترنت، حيث وفرت للمستخدمين أسرع واقوى الموارد دون الحاجة لامتلاك بنية تحتية تكنولوجية، وقد أتاحت للعديد من المنظمات توسيع مهماتها دون تكلفة في النفقات العامة، مقدمة وسيلة مرنة لتمكينها من إدارة هياكلها الأساسية لتكنولوجيا المعلومات بطريقة فعالة من حيث التكلفة.
تكنولوجيا الحوسبة السحابية جلبت معها قدرات معالجة هائلة للمستخدمين النهائيين، والتي ببساطة لم تكن ممكنة مع تكنولوجيا المعلومات التقليدية، موارد الحوسبة السحابية تسمح للمستخدمين بالعمل عبر الانترنت، والعديد من الخدمات أنشئت الآن من مقدمي الخدمات لمساعدة المنظمات في خفض استثماراتها الحاسوبية المحلية.
تطبيقات الحوسبة السحابية وخدماتها المباشرة مثل معالجة النصوص على النت، والبريد الالكتروني على شبكة الانترنت، وأنظمة إدارة علاقات العملاء (CRM) وما شابه ذلك، أدت إلى انخفاض الإنفاق في أنظمة كهذه حيث تجري الآن فعلياً الاستعانة بمصادر خارجية من مقدمي الخدمات العالمية. وهو ما قلص الحاجة إلى الموارد الحاسوبية المحلية الكبيرة والموظفين المرتهنين بها، فضلا عن الحاجة إلى تثبيت أحدث الإصدارات وتصحيح مثل هذه الأنظمة التي هي الآن موضوع عناية القيمين على خدمات الحوسبة السحابية.
مجرد تحولها لتصبح خدمات الحوسبة السحابية الآن نموذجاً مفضلاً يحتذى في تقديم الخدمات، يعني أنها المفضلة على مستوى القطاعين العام والخاص بالنسبة للمنظمات، ما يسمح لها بإعادة النظر لتطوير الطريقة التي تقدم بها خدمات تكنولوجيا المعلومات إلى المستخدمين.
خدمات الحوسبة السحابية ليست ظاهرة جديدة، بل يمكن أن ترقى جذورها إلى الأيام التي سبقت الانترنت حيث تأسست فيها محطات بسيطة للوصول إلى المعلومات المتوفرة في جهاز كمبيوتر عادي، نفس الفكرة تنطبق على خدمات الحوسبة السحابية، وإن بحجم وتأثير أكبر بكثير.
يمكن استخدام أجهزة بسيطة للوصول إلى الخدمات المشتركة على خوادم الحوسبة السحابية المدمجة عبر أنحاء العالم. الفكرة بسيطة، لكنها تشتمل على خلفيات معقدة إلى حد كبير مع خوادم توفر الموارد حسب الطلاب للمستخدمين وعند الاقتضاء، مع كفالة توفير الموارد لجميع المشتركين بطريقة ديناميكية.
ولدى المنظمات الخيار في اتخاذ خدمات الحوسبة السحابية العامة، كالتطبيقات المتوفرة لجميع الأعمال التجارية، وتبني أساليب الحوسبة السحابية لاحتياجات الحوسبة الخاصة بهم أو اعتماد هيكلية هجينة من خدمات الحوسبة السحابية في القطاعين العام والخاص.
أما إحدى السمات الرئيسة للحوسبة مع الحوسبة السحابية فهي المرونة، أي قدرتها على التقلص والنمو وفقا للمتطلبات التنظيمية، ومدى موثوقية هذه الخدمات عند مقارنتها بنماذج كلاسيكية، تواجد مراكز التوزيع التي يديرها بكل كفاءة منظمو الحوسبة السحابية يتحمل بكل جدارة عبء توفير خدمات التوصيلات، والتجديدات والصيانة، وعليه تنصرف المنظمات إلى التركيز على الأعمال التجارية دون أي داع للقلق حول حجم الموارد لتلبية الطلب أو موثوقية الاتصال، والتي تشكل مصدر قلق كبير على بنية الاجهزة التقليدية الأساسية.
واحد من أكبر العوامل المحركة لتكنولوجيا الحوسبة السحابية هو توافر ما يسمى بالعميل الخفيف (Thin Client)، وهي أجهزة لا تملك أصلاً الكثير من قوة المعالجة مثل الألواح والهواتف الذكية، انتشار الهواتف الذكية، لا سيما في البلدان الأشد فقراً، سيؤدي لازدياد الطلب على خدمات الحوسبة السحابية نظراً لانضمام الكثيرين إلى ثورة الانترنت عبر الأجهزة النقالة، وستملي تكلفة وضرورة اقتناء الهواتف الذكية أن تصبح خدمات الحوسبة السحابية أكبر حجماًو أكثر مرونة للتعامل مع ازدياد الطلب الذي سيتمظهر في المستقبل مع المستخدمين الحريصين على معالجة وتخزين الأجهزة.
ولهذا أيضاً آثار ضخمة على قدرة النطاق الترددي (Bandwidth) المطلوبة للتعامل مع مثل هذه الزيادة التي ستتنامى بأضعاف مضاعفة ، وتنتشر خدمات الحوسبة السحابية كما رأينا من خلال مراكز الرقميات الضخمة مع سعة شبكة كبرى. شبكات الهاتف المحمول سوف تحتاج كذلك إلى العمل الجدي للحافظ على وتيرة الطلب المتزايد للحصول على مثل هذه التكنولوجيا مع ازدياد عدد المشتركين، ما سيفتح المجال لعصر الشبكات الفائقة الاتساع للتعامل مع الطلب والمحتوى المطلوب مثل الدفق العالي الوضوح (High Definition) وما شابه ذلك.
وأيضاً، وكما أي تكنولوجيا جديدة تكمن تحديات كبيرة، الحوسبة السحابية لا تختلف عن سابقاتها، واضعو الأحكام وشركات تكنولوجيا المعلومات المعرفية جادون في إيجاد السبل الفضلى للتعامل مع إمكانية تخزين البيانات في بلدان أخرى بسبب الطابع المرن لحوسبة الحوسبة السحابية وكيفية الوصول لهذا التخزين سيما في بلدان تختلف أنظمتها. هذا هو الحال بصفة خاصة مع الحكومات والمصارف التي تتخوف من تسرب وهجرة بياناتها، والقضايا المحيطة بملكية هذه البيانات والمسؤولية المرتبطة بها.
وبين القضايا الأخرى التي سوف تحتاج إلى المناورة، هي مقاومة أقسام تكنولوجيا المعلومات للانضواء في ظل الحوسبة السحابية. هذا أمر طبيعي عندما تصبح الوظائف معرضة للخطر. جماعات تكنولوجيا المعلومات قد تشعر بانعدام الوزن لدى تسليم جزء من بنيتها التحتية لكيان غير معروف، يعززه فقدان الشعور بالسيطرة. وبدل المغامرة في اعتناق حلول الحوسبة السحابية، ستعتمد تلك الجماعات حلاً وسطاً هو عبارة عن الحوسبة السحابية المختلطة التي تتقبل حلول الحوسبة السحابية الفضلى، فيما تشدد على استضافة التطبيقات الحساسة والبيانات في بيتها. زد عليه أن أقسام تكنولوجيا المعلومات سوف تحتاج أيضاً لاكتساب مهارات متطورة للتعامل مع بيئات الحوسبة السحابية الجديدة.
وعلى العموم، سيكون للحوسبة السحابية تأثير كبير على حياة المستهلكين وستنتج إيرادات أكيدة بتريليونات الدولارات عندما تطور خدمات جديدة ومبتكرة وتدخلها الأسواق. وسيكون هذا وثيق الصلة بوسائل الإعلام ومطوري البرمجيات الذين سيقدمون المزيد من الخدمات عبر تكنولوجيات الحوسبة السحابية بدلاً من الوسائل التقليدية. كما أن هذا سوف يغذيه عصر جديد من اجهزة الهاتف المحمولة الأخف وزناً والأرخص كلفة والأسرع أداء، ما سيسمح للملايين في الدول الفقيرة بالانضمام إلى شبكة الانترنت والاستفادة من المزايا التي توفرها تكنولوجيا الحوسبة السحابية، كما أن منصات الحوسبة السحابية ستستفيد منها بشكل خاص المؤسسات الصغيرة إلى المتوسطة، ما يؤهلها لإنشاء متاجرها بوتيرة أسرع وتغيير حجم مشاركتها الرقمية حسب الحاجة ودون تكبد تكاليف لا لزوم لها.
الحوسبة السحابية سوف تطور الطرق التي بموجبها تصرف الشركات أعمالها التجارية بمعدلات مذهلة، إتاحة الفرصة أمام المنظمات لتصبح خفيفة الموارد هو طرح جذاب حفز الطلب على خدمات الحوسبة السحابية أكثر فأكثر. ترحيل خدمات الحوسبة السحابية ساعد المنظمات على تخفيض نفقاتها المتعلقة بالخوادم والشبكات، والتخزين والتطبيقات المرتبطة بها، ما يؤدي لتحقيق وفورات حقيقية وتقليص النفقات الإدارية العامة.
قابلية خدمات الحوسبة السحابية على الانتشار تعني أن لديها تأثيرات هائلة في الطريقة التي يتم بها تسليم المنتجات والخدمات. ويمكن أن يتلمس المرء خدمات علاقات العملاء عبر الانترنت وتطبيقات الانتاجية مثل Microsoft 365 والنجاح الكبير لتجار التجزئة على الانترنت، وخفض تكلفة الحصول على السلع والخدمات، ومساعدتها في كل ذلك على نحو لم يكن ممكناً في السابق.
 
تقنيات العمل المعرفي
البيانات المتأتية من الأنظمة، وأجهزة الاستشعار، وتكنولوجيا ”الحوسبة السحابية“، والبيانات التاريخية، أضحت تنمو بشكل متسارع مع الزيادة في انتشار الحوسبة هذه المجموعات الكبيرة من البيانات أضحت مسألة معقدة للعلماء، والحكومات، وقطاعات تنفيذ القانون وغيرهم ممن يتعاملون بانتظام مع هذه المقادير الرقمية التي تتطلب التحاليل السريعة والفعالة، وهي تحاليل تساعد إلى حد كبير في اكتشاف التوجهات والأنماط والعالقات المتبادلة، للمساعدة في الحد من الأمراض ومواجهة الجرائم وإجراء المحاكاة الدقيقة، وما إلى ذلك.
وبدعم من هذا التقدم في علوم الذكاء الاصطناعي، تتمكن تكنولوجيا العامل المعرفي الآن من التعرف على، والتصرف بموجب الأوامر التي طرحت إلى قرارات في ظروف صعبة حيث يتقرر الخطأ من الصواب في جزيئة من الثانية لتقديم تصورات ومحاكاة لم تكن ممكنة في السابق.
أما في المستقبل، فسوف تتنامى مقادير ”البيانات الضخمة Big Data   ”وتلعب دوراً أكبر في العمل الآلي المعرفي، موفرة المعلومات والتحليلات اللازمة لبني البشر كي يتخذوا القرارات في ظروف متأرجحة تكتنفها الأعداد الضخمة من البيانات.
هذه البيانات الكبيرة، تستدعي دون شك أجهزة معالجة كبيرة، ولكي تقوم هذه البيانات بما يُتوقع منها، فهي تحتاج إلى معالجات بطرق ذكية، وهذه يمكن أن تتم فقط باستخدام نظم المعرفة الممكننة التي يمكنها تصفية وتحليل وربط هذه المقادير الضخمة من الرقميات لتوفر على نظرائها من بني البشر المعلومات الآيلة لاتخاذ القرارات.
فماذا عن المستقبل؟ البيانات الرقمية الضخمة تعني أننا سوف ننتج بلايين التيرابايت يوميا، وأن تحليلها سيتم بذكاء و”على الطاير“ أي فيما نستمر باستخدامها، ونحن على اتصال بمصادر البيانات ذات الصلة من جميع أنحاء العالم، سيتم هذا التحليل بمعدل ملايين البيتابايت ( Petabytes= مليون تيرابايت) في الثانية الواحدة.
وستندمج هواتف المستقبل الذكية بكل سلاسة مع "إنترنت الأشياء" و ”البيانات الضخمة“ والحوسبة السحابية، لتقدم ثروة من التفاعلات والخدمات التي سوف تضيف قيمة كبيرة للمستهلكين. باستخدام هذه التقنيات، لا ريب أن تصبح الهواتف الذكية أكثر وعياً واستيعاباً لبيئتها المحيطة بها.
وستتمكن الهواتف في المنازل من الوصل المستمر مع الثلاجة مثلاً لتزويد المستهلكين بتفاصيل محتوياتها، وتواريخ انتهاء صلاحية كل منها إلخ. وكذلك من التحكم عن بعد في ”مناخ“  المنزل والتشغيل الدقيق لمختلف الأجهزة المنزلية، مع إمكانية الوصل بكاميرات المراقبة في المنزل.. وغيرها الكثير.
الأجهزة سوف تتغير بحد ذاتها إلى الأفضل من خلال استخدام تقنيات جديدة كالبطاريات الرقيقة والشاشات المرنة، تسمح بطيها في أشكال وأحجام مختلفة، وسوف تكون مطيعة تتم السيطرة على كافة وظائفها من العقل البشري بكل رفق وسلاسة، ومع الإضافات الخاصة بها، وستستجيب لرغبات أصحابها دون لمسها بالإصبع، أو حتى الصوت، ما يجعلها ذات فائدة خاصة للمعاقين.
إن التقبل العالمي للأجهزة النقالة على هذا النطاق الواسع هو بحد ذاته بمثابة انفجار، لكنه يحمل معه أيضاً بعض القضايا المجتمعية السلبية فيما يتعلق بتنمية الطفل وإفراطه في استخدام هذه التكنولوجيا ، ما يؤدي إلى تقلص الأنشطة البدنية ويولد إدماناً جديداً وغير مرغوب.
 
المسح الجيني
سلسلة الجينوم البشري أدت إلى تفهم أعمق لقضايا جسم الإنسان. وتساعد أوجه التقدم التكنولوجي للحوسبة اليوم في سبر أغوار علم الجينوم، ما مكن العلماء من اعتماد نهج جديد للرعاية الصحية والطبابة.
العلوم المساندة للتسلسل الجيني توفر الآن فهماً أعمق لكيفية عمل الجينات وتأثيراتها على الجسم البشري. ما شجع العلماء على العبث بالحمض النووي داخل الخلايا واستنباط علاجات لأمراض لا تزال مستعصية، وتصميم كائنات حية للمساعدة خصيصا في مكافحة الأورام الخبيثة، وتحسين معدلات الكشف ّ المبكر عن المرض، وتطوير عقاقير جديدة تتصدى للأمراض البيولوجية والطفرات الوراثية الحادة.
إن تَفَهُمنا لمضاعفات جسم الإنسان يتنامى مع بناء أجهزة كومبيوترية قوية ومتعددة الأغراض. وكما أن الكشوفات المنزلية على الدم ورصد ضغط الدم متاحة حالياً، سوف تتطور التكنولوجيا كذلك وفي المستقبل القريب لمستويات يمكن معها سلسلة الجينات في المنزل خلال أجهزة الكومبيوتر.
وبالتالي فإن خدمات العلاج الجيني ستكون متوفرة ِعلى الشبكة لتمكين المرضى من استخراج وتحميل خارطة جيناتهم المسلسلة وتلقي البيانات الصحية، فضلا عن العقاقير المخصصة والرخيصة، من جميع أنحاء العالم.
وما استلزم العلماء في الماضي ثلاثة عشر عاما لاستكمال تسلسل الجينوم البشري، سوف يتم خلال دقائق مع تكنولوجيا الحوسبة المستقبلية.
وفيما تتقدم المعرفة، يصبح تعديل الجينات عملية ميسرة، تماما كما يغير المبرمجون برامج الكومبيوتر عن طريق رموزها. وستبرز مستويات لغات برمجية لتمكن العلماء من إنشاء خلايا وكائنات حية بجينات محددة وبنفس السهولة التي يعالجون بها تطبيقات الحاسوب التي يتم تطويرها اليوم بيسر وسهولة.
وفي حين تقدم هذه التقنيات بالتأكيد العديد من الفوائد للمجتمعات، تبرز التحديات المتعددة والمتصدية لهذا العلم. وستشمل هذه قضايا أخلاقية واجتماعية وتنظيمية مختلفة ومرتبطة بتطوير هذه التكنولوجيا. فضلاً عن ذلك، ستحمل الخلايا المعدلة وراثياً مخاطر يمكن أن تؤثر على  النظم الإيكولوجية الطبيعية الراهنة.
 
 
التعليم الذكي
طلاب اليوم هم مواطنو الرقمية الحقيقيون، تلاميذ النت الذين يمكنهم الاستفادة من مستودعات المعلومات الضخمة على الشبكة حيث التكنولوجيا بالنسبة لهم هي طبيعتهم الثانية.
أما المعلمون فقد أصبحوا المهاجرين الجدد إلى الرقمية التي احتضنوها متأخرين في حياتهم المهنية. من هنا، يكمن نجاح التعليم المستقبلي في تقديم الوجبات الرقمية لمواطني الرقمية الناشئين، مع تزويدهم بالأدوات التكنولوجية اللازمة لتسهيل هذه المهمة.
هذا ما سيدفع بالتعليم ليصبح ممنهجا رقمياً بحق، حيث يصبح عبر الانترنت القاعدة وليس الاستثناء. هكذا يمكنه الوصول إلى ملايين الطلاب الذين لديهم مشاكل في الحصول على تعليم ولا بد أن يتحلى هذا النوع من التدريس بجودة فائقة مع الخصائص ذات الصلة: طلاب المستقبل سيكونون أكثر طلباً مع تواجد التكنولوجيا ومساحات التفاعل التي سوف تنفتح أمامهم.
وكلما تقدمت التكنولوجيا في المستقبل، كلما تحولت أجهزة مثل الكمبيوتر المحمول والألواح الذكية من كونها أجهزة التقنية العادية إلى أخرى أكثر ذكاء. وسيتحقق هذا عن طريق ترفيع مجالات مثل الذكاء الاصطناعي حيث تستحدث أجهزة مصممة لتعليم الطلبة استناداً إلى مناهج دراستهم الخاصة عن طريق الواقع الافتراضي، والمحاكاة التفاعلية، واستخدام أجهزة الواقع المعزز لتوفير معلومات أكثر ثراء وتفاعلاً.
فصول الغد الدراسية ستتحول بالكامل من غرف السبّورة الحالية، وستتسلل التكنولوجيا إلى كل جانب من جوانب التعليم، وستجهّز الفصول الدراسية تجهيزا كاملا مع ألواح بيضاء ذكية، وروبوتات الذكاء الاصطناعي، والمواد المتفاعلة، والالواح المحمولة بدلا من كتب الطلاب المدرسية، فضلا عن مرافق للمحاضرات مجهزة بالواقع الافتراضي. هذا ما يهيئ بيئة أكثر ثراء للطلبة وأكثر تحديا للأساتذة الذين لا بد أن يحيطوا بسبل استخدام هذه التقنيات لمساعدة طالبهم في إحراز نتائج تعليمية مميّزة.
سيكون الطلاب مجهزون بالوسائل الرقمية كبديل للكتب والدفاتر المدرسية، وهذه سوف تتضمن سجلا دراسياً آمنا لكل طالب بما في ذلك جميع الكتب والمشاريع، والتقييمات والملاحظات التي ستؤخذ مباشرة على كل جهاز.
ويشارك الطلاب بعضهم البعض بأنشطة مختلفة من خلال المنابر الإعلامية والاجتماعية للفصول، التي سوف تكون بمثابة مستودع للأسئلة والأفكار وغيرها، تمكن الطالب من الوصول إلى مثل هذه القنوات من خلال أجهزتهم الرقمية فيما تستمر الدروس. التفاعل مع المعلمين سيتم من خلال ”الشاشات الذكية“.
وسيكون بمقدور هؤلاء أيضا َ طرح الأسئلة، واستمزاج الآراء، واسترعاء انتباه الطالب للمسائل ذات الصلة. كما ستخدم المنابر الإعلامية والاجتماعية خارج ساعات الدراسة عند إكمال الطلاب واجباتهم كدورات دراسية أو لقاءات، كي يساعدوا بعضهم بعضا مع قدر أكبر من التفاعل.
جميع الحصص يجري تسجيلها وكذلك الطالب الذي يتغيّب عن حصته، ما سيكون بمثابة أرشيف للطالب يمكن الرجوع إليه، وبخاصة في حال لم يفهم الطالب شيئا ًمعيناً، ما يعني أن التحجج بالمسافة أو رداءة الطقس لن يكون عذراً مقبولاً.
وسيؤمن موقع معين على الشبكة لكل حصة، وكذلك لكل فصل دراسي يعكس ما يدور بالفعل في بيئة الدراسة للفصل الأساس، ما يشتمل على الحضور، الجداول الزمنية، والتقويمات، وتسجيلات الفيديو، والواجبات المنزلية، والعمليات، والدرجات، والواجبات الأخرى.
وسيتمكن جميع الطلاب من إشراك ما تظهره مع الآخرين، وسيكمل الطلاب مهام الصفوف وهم يعلمون أنها ستعرض على زملائهم وعلى المعلمين المعنيين، ما يمكنهم من التفكير في عملهم كما في أعمال الآخرين، وتبادل وجهات النظر، وتثمير الآراء المشتركة ، ومساعدة الزملاء.
 
الاقتصاد الذكي
بحلول عام 2019، تقدر قيمة التجارة الرقمية في جميع أنحاء العالم بما يناهز ال 3.5 تريليون دولار، مستأثرة بحوالي 13% من مجموع مشتريات التجزئة . وهو رقم لا غرو أن يرتفع بنمو ملحوظ كلما تزايد تغلغل الإنترنت في بلدان العالم الثالث.
خفض الحواجز أمام دخول التجارة يعني أن العديد من مؤسسي الأعمال الجدد سوف يُقدمون على إنشاء متاجر رقمية دون الحاجة إلى تكبد التكاليف الباهظة المرتبطة بالأعمال التجارية القديمة. وهذه ستكون قادرة على التنافس مع تجارة التجزئة الرقمية الواسعة النطاق اليوم باستخدام الرقمية الإعلامية والتسويق على المنابر الاجتماعية.
لم يعد تقييم الأعمال محصورا َبضخامة عملك، بل بمدى فعالية تسويق منتجاتك الخاصة لجمهورك المستهدف، وكيفية تلبيتك السريعة لاتجاهات السوق، ونوعية ما يمكنك عرضه وتسليمه.
ومن أجل تنشيط مقادير متزايدة عن أي وقت مضى من التجارة الرقمية، تقام حاليا منصات وتقنيات جديدة للإعلان والتسويق لتواجه الزبائن بمنتجات مبتكرة قد تحثهم على الشراء.
لقد أنفقت ”جوجل“، محرك البحث الأكبر في العالم، الملايين لتطوير بوابتها الإعلانية المسمات ”آدوردز“ AdWords  التي تتولى إنتاج تنميط معلومات مفصلة عن المستهلك لتكون في متناول الشركات.
من خلال هذه المنصة الإعلامية، توصلت لإيرادات ناهزت الـ 79 بليون دولار عام 2016 .
التجارة الرقمية اليوم تغير أطياف العالم اللوجيستي بسرعة. تسريع الشحن، مع التتبع الكامل للطرود من المستودع ً إلى المستهلك، أصبح الآن حاجة ماسة مع العديد من المنافذ الجديدة التي تولت بيوتا متخصصة في معالجة التخزين المؤقت، والتعبئة والتغليف والتسليم.
كما أن آليات التسليم تتغير مع العديد من الموزعين الذين بدأوا يخططون لاستخدام الطائرات الصغيرة الموجهة وتقصير أوقات التسليم المحلي. ومع تفعيل الأنظمة اللازمة محليا ًيُتوقع أن تنتشر هذه الآلية وتغيّر وسائل التوصيل بالبريد.
وسوف نرى في المستقبل القريب تناميا هائلاً للتجارة الرقمية في أفريقيا وآسيا كلما نضجت اقتصادات هؤلاء وتم تطوير مواقع التجارة الرقمية المتخصصة لتفي باحتياجات الأسواق المحلية.
المستهلكون سوف يهيمنون على النت عاجلا أم آجلاً، ما يعني أن المخازن الرقمية الحالية ستحتاج إلى التكيّف لتلبية احتياجاتهم عندما ينطلقون لتأمين النجاحات المستقبلية، هذا ما يشجع على تكثيف التعاون بين شركات النقل والإمداد والبريد، الغربية والشرقية، لتقصير أوقات التسليم إلى المستهلكين على الصعيد العالمي.
وبالتأكيد ستأخذ الهواتف الخلوية المزيد من حصة السوق كجهاز أساسي مفضل للعرض والاتجار في مثل هذه المواقع، ما يعني أن شركات التجارة الرقمية ستحتاج لبناء المواقع الخاصة بها مع أخذ قدرات وتحديدات هذه الأجهزة في الاعتبار، من أجل رفع مستويات التحويل إلى المشترين الجادين وليس لمتصفحي الإنترنت الالمبالين.
 
المدن الذكية
مع نمو وانتشار الإنترنت، ليست سوى مسألة وقت كي تصبح مدننا ”ذكية“، آخذة تقريبا بسمت حياة خاص بها.
المدن الذكية ستستفيد من ثورة التكنولوجيا لاستحداث بيئات معززة بتقنية المعلومات والاتصالات تملأ كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، خاضعة ومتصلة بأجهزة الاستشعار والتكنولوجيات التي تتيحها شبكة "إنترنت الأشياء".
هذا ما سيُفسح المجال لاستقبال عالم ذكي يتخلل جميع جوانب الحياة البشرية، ونحن نشهد حاليا دفعاً هائلاً في جميع أنحاء العالم لتطوير الحكومات الإلكترونية كي يتسنى للبلدان تلبية احتياجات المواطنين بطريقة أكثر شفافية وفعالية. وهذا يؤدي إلى عمليات حكومية ً أصغر حجما، وإدارات أكثر تماسكا،ً وخدمات أسرع وافضل تقديماً ما يوصل بدوره إلى انكماش التكاليف، ومكافحة الاحتيال في عمليات أصغر حجما وأجدى مفعولاً.
 
المباني الذكية
في المدن الذكية، ستتم مكننة جميع المباني وإدماجها في شبكة الإنترنت. جميع المرافق الإدارية العائدة للمباني ستصبح أجهزة ذكية عن طريق "إنترنت الأشياء" ، ما يجعل المباني أكثر نظافة وأقل حاجة إلى الموارد.
 
المعيشة الذكية ّ
العيش الذكي ستزكيه التكنولوجيا الذكية التي تتمظهر في حياتنا اليومية وخاصة بيوتنا. هذه البيوت سيتم التحكم فيها بنفس طريقة عمل المباني الذكية، وإن على مستوى أصغر.
جميع الوسائل المنزلية التي تعنينا ستكون ”ذكية“. ثلاجاتنا سوف تعلمنا عندما ينخفض مخزون الحليب وعندها ستطلب المزيد تلقائيا. وأفراننا ستتوقف في الوقت المناسب لدى طهي عشائنا المثالي، بيوتنا سوف  تُكنّس وتنظف بأجهزة التنظيف الآلية، ودرجة الحرارة داخل المنازل ستسيطر عليها أجهزة التحكم الحرارية.. والمعدات الإلكترونية ستوجه بالصوت بعد إيصالها بالنت التي توفر مقومات تفاعلية أكثر ثراء.
المدن الذكية سوف تتمتع بنظام إيكولوجي فريد مكون من أجزاء مختلفة حيث تتم مواءمة التقنيات التي تغطي مجالات العمل المختلفة، وتمكن هذه المدن من حسن تنفيذها.
 
بيانات ضخمة
تخزين البيانات في الماضي شملت محركات الأشرطة، الأقراص المرنة من مختلف الأحجام، والأقراص الصلبة، والأقراص المضغوطة، والمدمجة، ومحركات USB المحمولة التي استبدلت بتكنولوجيا التخزين الحالي استناداً إلى المحركات الإلكترونية أو ”الحالة الصلبة“ SSD التي هي إلكترونية صرف دون أية أجزاء متحركة داخلها.
وارتفعت قدرات التخزين إلى حد كبير منذ زمن الأشرطة الممغنطة لتزيد مقدارا  صغيراً من ”البايت“ لمحركات أقراص SSD التي أصبحت الآن متاحة بسعة  "تيرابايت" (ترليون بايت).
وفقا لأريك شميت، الرئيس التنفيذي لشركة ”Alphabet” ، الشركة الأم لغوغل، فإن شبكة الإنترنت تحوي ما يقارب الـ 5 مليون تيرابايت من المعلومات استضافتها في عام 2017 .
وبالإشارة لما أعلنت شركة IBM من أنها تتوقع أن يتضاعف منسوب المعرفة في العالم الآن كل سنة، يمكننا الإفتراض أن معظم هذا سوف يجد طريقه بشكل أو بآخر إلى شبكة الإنترنت، سواء كان ذلك عن طريق الشبكة المتاحة للجمهور أو عبر قواعد البيانات الخاصة والمغلقة التي تمتلكها.
 وهذا يعني أن الرقم 5 مليون تيرابايت من المعلومات على الإنترنت سوف يتضاعف باستمرار وعلى أساس سنوي منذ عام 2017 ، كما يعني أن طرق تخزين مبتكرة لا بد أن تستحدث لتحوي هذا الطوفان من المعلومات.
وعليه فالمستقبل النهائي لإيداع المعلومات سيكون بلا شك في عالم نانو، حيث تستخدم الهياكل الطبيعية على هذا المستوى لتخزينها.
معالجة مسألة عادية على مستوى النانو هي بالتأكيد أسهل بكثير من استحداث أجهزة نانو للتخزين من الصفر. البحوث حول هذا الموضوع تبدو إيجابية وواعدة.
أحد هذه البحوث يستكشف حالياً مدى إمكانية تخزين المعلومات ضمن هياكل نانو داخل الزجاج. لقد تمكن الباحثون من تخزين مئات التيرابايت في هيكل زجاج ٍبحجم ٍلا يتجاوز حجم عملة معدنية. هذا ما يُسمى بالتخزين الخماسي الأبعاد وله مستقبل واعد في حل مشكلة تخزين المعلومات التي تلوح في الأفق.
وقد ذهبت  ”IBM ” أبعد من ذلك حيث تمكنت من تخزين معلومات داخل ذرة واحدة، كما أن باحثين في جامعات عديدة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تمكنوا من تخزين معلومات في بُنية الحمض النووي.
 
تقنية النانو
تقنية النانو مجال جديد مثير للدراسة الموالفة بين الهندسة والتكنولوجيا والعلوم، والتي ينخفض مجالها إلى مستوى 1 من 100 “ نانومتر“، حيث أن النانومتر هو واحد بالبليون من المتر. ولو وضعنا هذا في المنظور المحسوس، فإن ورقة عادية، تبلغ سماكتها حوالي 100,000 نانومتر! ما يجعل تكنولوجيا النانو هندسة معقدة للغاية.
أول المتحدثين عن مفاهيم تكنولوجيا النانو كان العالم "ريتشارد فاينمان" في عام 1959 حيث أدلى بتوصيفات عن التلاعب المباشر بالذرات.
في العصر الحديث، تعززت تكنولوجيا النانو باختراقات مرموقة في الثمانينات، وبالتحديد مع تطوير المجهر النفقي الماسح في عام 1981 ، ما سمح للعلماء بوضع تصورات للذرات الفردية واكتشاف أنابيب ”الغرافين“ أو الأنابيب النانوية الكربونية في عام 1985 ، واحدة من الحاجيات الأساسية لبحوث تقنية النانو في هذا العصر.
ومع التقنيات الإلكترونية الأصغر حجما ً والأكثر تعقيدا التي يجري تطويرها، ستلعب إلكترونيات النانو دوراً حيوياً في استحداث نماذج إلكترونية أكثر تطوراَ.
هذه التكنولوجيا النافذة تجري دراستها حاليا بعمق واهتمام كبيرين من قبل الباحثين وشركات الكمبيوتر على حد سواء بغية تطوير الجيل التالي من رقائق الكمبيوتر وتكثيف الكم الحوسبي، للإتيان بمجموعة كاملة ومتجددة من التطبيقات والاحتمالات.
تطبيق تقنية النانو في الطب مجال يتجه بخطوات جبّارة في المستقبل. ويتراوح الطب النانوي بين تطبيق المواد النانوية للطب، وتطوير أجهزة الاستشعار النانوي، ثم آلات نانو البيولوجية للمساعدة في تشخيص وعالج مجموعة واسعة من الأمراض التي تتطلب ّ الرعاية الصحية والعلاج.
أحد التحديات الرئيسة التي تتناولها هذه التكنولوجيا هو التصدي للمواد السامة، وتأهيل نظام المناعة لتقبّل مثل هذه العوامل الخارجية في الجسم وعدم اعتبارها تهديدا له.
وعندما يتم التغلب على هذه التحديات، تتحول تفاعليه المواد النانوية إلى أداة تشخيصية قوية للكشف عن العديد من الأمراض، ويمكن استخدامها على وجه التحديد لإيصال عقاقير خاصة لخلايا محددة، ما يجعل علاجاتها للسرطان أكثر فاعلية مع آثار جانبية أقل.
وتستكشف الجامعات في الوقت الحاضر مجسات نانو-المسامية للكشف على الأورام الخبيثة.  ولن يقتصر هذا على تحسس السرطان فحسب، بل العديد أيضا من الأمراض الأخرى.
أجهزة نانو الإستكشافية هذه تبحث عن الأورام عبر المؤشرات الحيوية في دم المريض. وفي المستقبل، لن تكتشف هذه الجسيمات فقط وجود المرض، بل تتولى تركيز العقار بطريقة هادفة للقضاء على الخلايا السرطانية مع تجنب الأنسجة السليمة للمريض.
أجهزة نانو للإستشعار البيولوجي ستجهّز في المستقبل لتطفو في الأوعية الدموية ّوتقدم التقارير للأطباء عن حالة المريض وإجراء التشخيصات الطبية بفعالية أكبر.
تطوير آلات نانو البيولوجية فكرة مثيرة للاهتمام ستشهد هندسة تركيبات عضوية بيولوجية تستخدم في تطبيق العلاج الصحي الذي سوف يُخصص لاستهداف أمراض معينة ويتفاعل رأساً مع الخلايا البشرية.
بعض هذه الخلايا التي تبلغ 10 نانومتر في الحجم، ستتفاعل معها تقنية نانو-الحيوية مباشرة على المستوى الخلوي للمساعدة في إصلاح الخلايا البشرية ودرء الأمراض بالتعاون مع نظام المناعة في الجسم. وهذا من شأنه خلق آليه دفاع متقدمة للغاية ستستفيد من الوقائع الطبيعية كما من التكنولوجيا البيونية بعمل تكافلي موحد.
 
التحديات التي تواجه ”العالم المعرفي المتوقد“
لا شك في أن التقدم التكنولوجي سيكون من شأنه تغيير وتحسين الطريقة التي نعيشها والتفاعل مع العالم من حولنا. لكن هذه التطورات سوف تحمل معها مجموعات خاصة من التحديات.
أولاً، مع التكنولوجيا التي لا تزال تتطور بسرعة هائلة، لا بد أن تواكب هذا التطور كافة الأطر الأخلاقية والقانونية المتعلقة به، كما أن الخصوصية، على سبيل المثال، ستكون على الأرجح موضوع نقاش كبير لسنوات قادمة كلما ازداد اتساع مشاركة البيانات الشخصية على الإنترنت والمخزنة جزئياً بشكل دائم.
ثانياً، الحاجة إلى تفهم واستمرار التطوير للاعتبارات الأخلاقية المحيطة بالتكنولوجيا أحرزت اهتماماً متجددا أيضاً بالإضافة إلى ذلك، واضحة بظهور الذكاء الاصطناعي كتكنولوجيا مواكبة.
بالإضافة إلى ذلك، تتراكم الإنتقادات منذ سنوات حول التكنولوجيا – والروبوتيات بشكل خاص– على أنها مدمرة لفرص العمل. لكن هذه الحجج تفتقر إلى المصداقية بشكل عام وعلى المدى الطويل: الإزدياد السكاني والنمو الاقتصادي، بالإضافة للطلب المتزايد على المنتجات والخدمات الحالية، فضلاً عن الجديد منها، سيؤدي دون شك لتنامي فرص العمل.
لكن ازدياد الاعتماد على التكنولوجيا سيفسح المجال لتحول هيكلي طويل الأجل في طبيعة الوظائف، ما يؤدي إلى تزايد قصير الأجل في البطالة الهيكلية.
على سبيل المثال، في حين أن فرص العمل في القطاع المصرفي من المتوقع أن تستمر في الزيادة، لكنها آيلة إلى التحول لوظائف مصرفية تكنولوجية.
على المقياس الكلي، ستجعلها الروبوتيات مكررة وبالتالي زائدة عن الحاجة ومؤدية إلى بطالة بين طالبي العمل ذوي المهارات غير الملائمة. لكن الوظائف الأخرى الموجهة تكنولوجياً سوف تستمر بزيادة هائلة مع تحول دائم في نوعية الحاجة إلى المهارات.
كيف سيتعامل العالم مع هذا التحول الناجم وتحدياته الواسعة النطاق على الرغم من البطالة المؤقتة والهيكلية؟ لا شك أن القضايا السياسية والاقتصادية والإنسانية الناجمة يمكن أن توفر التحديات لهذا التقدم التكنولوجي، فيما ينصرف القادة السياسيون لتلبية احتياجات ومخاوف العمال غير المؤهلين.
وأخيراً، هناك تخوف بين العديد من العلماء والتقنيين البارزين ربما يصوره على أفضل وجه الفيلم الكلاسيكي لعام 1984 باسم ”الفاصل“. ويتنبأ الفيلم بسيناريو مستقبلي حيث يضطلع ”سكينيت“، عنصر الذكاء الاصطناعي، بدور الحريص والملتزم بالحفاظ على الذات عن طريق تدمير البشرية.
عام 2015 ، وقعت "ايلون مسك" ، وكذلك "ستيفن هوكينج" والعديد من خبراء الذكاء الاصطناعي رسالة مفتوحة عن موضوعه الحساس. الموقعون طالبوا بأبحاث مستفيضة عن الآثار المحتملة لهذا الذكاء، وتنتهي الرسالة كما يلي: ”هل من الممكن أن نفقد السيطرة يوما على نظم الذكاء الاصطناعي مع تصاعد قدرات الفور ذكاء التي لا تعمل بموجب الرغبات البشرية؟ وهل أن هذه النواتج المريرة ممكنة الوقوع؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف تنشأ هذه الحالات؟ ... وكم ينبغي أن نوظف من الاستثمارات لإجراء البحوث الآيلة لفهم ومعالجة إمكانية صعود الفو- ذكاء إلى مراحل خطيرة تؤدي ”لانفجارات معرفية“؟ وفيما يجادل العديد في الدفاع عن الذكاء الاصطناعي وتقليل أهمية التهديد الوجودي للفو- ذكاء، سيكون من الحكمة عدم إسقاط هذه التوقعات بشكل نهائي.
هذه ليست سوى قلة من التحديات العديدة التي نتجت عن وتيرة التقدم التكنولوجي؛ وفيما تواصل التكنولوجيا تسارعها أضعافاً مضاعفة، سوف تستمر القضايا الجديدة الناجمة في الظهور. للوصول إلى نهاية إيجابية لكل هذا، لا بد أن توضع هذه التحديات موضع الاعتبار، دون التعرض بحال من الأحوال، لإعاقة التنمية التكنولوجية في الوقت الذي نواصل تقدمنا نحو الثورة الصناعية الرابعة.
 
 


[1] النانو تكنولوجي هو “العلم الذي يهتم بدراسة ومعالجة المواد على المستوى الذري والجزيئي”. والنانومتر هو جزء من مليار من المتر، ولتوضيح مقياس النانومتر نقارنه قياسا بسمك ورقة الصحيفة الذي يصل إلى 100,000 نانومتر، وفي هذا الجانب تعتبر وحدة قياس النانو تكنولوجي في الذرة والجزيئات هي النانو متر التي تساوي – كوحدة قياس – جزء من المليون من الملليمتر... وفي هذا السياق نشير الى تعدد وتنوع تطبيقات النانو تكنولوجي – كعلم مستقبلي - فى مجالات الحياة المختلفة كالطاقة والطب والزراعة والإلكترونيات والبيئة والصناعات الحديثة ومجال البصريات وتطوير الجزيئات النووية وغير ذلك من علوم التكنولوجيا الالكترونية ، ففى مجال الإلكترونيات كمثال: تساعد النانو تكنولوجي فى زيادة كفاءة الأجهزة الإلكترونية وفى نفس الوقت تصغير حجمها والحد من الطاقة المستهلكة لتشغيل تلك الأجهزة. وما زالت تقنية النانو تكنولوجى في البلدان الصناعية المتقدمة خاصة في اوروبا والولايات المتحدة وروسيا واليابان والصين وبعض دول العام الاخرى ما عدا الدول العربية التي ما زالت غارقة في حالة عميقة من التخلف العلمي والتكنولوجي عموما وتقنية النانو خصوصا ،على الرغم من ان تقتية تكنولوجيا النانو تنتشر في العديد من المجالات المختلفة لتطبيقات تلك التقنية فى مجالات حياة البلدان الصناعية المشار اليها . (من منشورات  غازي الصوراني على الفيس بوك بتاريخ 10/1/2020)
[2] نشأة الذكاء الاصطناعي الحديثة يمكن أن ترجع إلى عام 1956 في كلية دارتموث نيو هامبشاير، حيث نشأ مصطلح الذكاء الاصطناعي.
[3] الكلمة الإنكليزية "الخوارزمية" ترجع أصولاً للعلامة محمد بن موسى الخوارزمي (سنة 850م) عالم الحساب والجغرافيا والفلك، مؤسس علم الجبر وبالتالي "الخوارزمية" التي باتت تعني اليوم الحوسبة المتقدمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي