الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشتعال

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 6
الادب والفن


رواية في حلقات -1-

لا أعرف إلى أين سوف أصل بعد إصابتي بالسّرطان . هل أصل إلى الموت؟ لا بأس . لا يوجد شيء أخسره بالموت ، لم أعد أصلح للحياة . أحاول أن أعيشها كما هي، تهرب منّي ، ترسل لي من يتسلّط على أفكاري ، أتمنى الرّحيل ، أنتهي من تلك المعاناة التي تقبع وحيدة فيّ. أنا مصابة بالسرطان تعبير استفزني، فأبكاني . لم أمت بالسرطان حتى الآن، وليس بأمر آخر أسهل منه؟
مريضة بالسرطان، سوف لن أتحدى المرض، ولن أنتصر عليه بل أقول له أن الموت و الحياة لدي سواء ، وذلك الألم الذي يحني ظهري سوف أتجاهله ، أهم شيء أن لا أطلب الدّعم المعنوي الذي كنت أحتاجه ربما قبل عام. الدعم دائماً ليس معنوياً ، كم مرّة احتجت إلى الدّعم و رأيت خيمتي فارغة. مررت بحالات حسدت فيها النّساء اللواتي لا يتحملن مسؤولية الأسرة. أعاتب نفسي لأنّني لا أحب نفسي. قد أكون أحبّ نفسي، لم أعطها الأولوية، ولا حتى الكفاف .
هناك حقيقة : أنا مصابة بالسّرطان، ولدي ست جلسات كيماوي ، ولا أعرف ماذا بعدها . إنني مستعدّة للكيماوي ، مستعدة لكل احتمال، لكنّني أشعر بالاشتعال، مهما حاولت التّحدي لا أستطيع الاستمرار، أسقط بفعل الوجع الذي لا أعرف من أين يأتي ، ولا من أين يأتي ذلك الغثيان.

أشتعل بالحبّ، بالأمل، بالجمال
أضيء كنجم بعيد
أشمُّ رائحة موقد ، خبز،وعد جديد
يسكنني عطر
تلوح سنابل قمح
يحضنني في الشتاء ربيع
حالات اشتعال تفتّح ذهني
تطاردني ، أثمل بها
تملأ ليلي
تدندن لي
أغفو وسط النّار
أستكين
لا يرحل مني الجنون
أستدعيه
أخبئ بعضه لما بقي من الأيام
عنوان لسيرتي
أوقّع به على النّهايات
ينام معي
لا أفقد ذاتي
و ما مضى من السنين

. . .


منذ أن رأيت ناراً تشتعل في موقد أمي أصابني داء الاشتعال . عندما يشتعل الحطب، يخرج اللهب إلى أعلى ، يضيء ليلك، يمتلئ بالجمال . هنا تكون حدود الحبّ، هي حدّ الاشتعال. أشتعل حبّاً، أشتعل حنيناً، و أشتعل من أجل الإنسان.
في مرّة رأيت نجماً يشتعل، كان يغمز لي بينما كنت أنام على سطح غرفتنا في الصّيف ، لكنّه احترق ، لم أر أين سقط لأنّني غفوت تحت وطأة الجمال .
لم أعد أرى نجوم الليل ، لا أنام فوق السّطح، لا يطل القمر على حديقة بيتنا.
في مرّة أشعلني الحبّ . . . لم أطفئني . . . استمتعت بنشوة الاشتعال .
في مرّة اشتعلت بالحنين ، بالغيرة ، بعناق الحياة .
آخر مرّة اشتعلت فيها كان الأمر ليس بيدي ، أشعلني داء قديم جديد ،
أعيش اليوم حالة اشتعال مستمر، هذه المرة أذوب كقطعة ثلج.
أراقبني، أسخر منّي.
من أنت يا هذه؟ لم تحسبي حساب الدنيا.
ماذا أقول؟ بل ماذا أقول ؟ النار تسري في جسدي،
أراقبها، أستسلم كالمقتول .
أكابر، أستلّ قلمي ، أركض في غابة تقودني إلى المجهول،
أرفض، أقبل ، أتحدّى ،
يوقظني نداء ، يعانقني، نتصالح ، تمضي الأمور كما كانت تمضي ،
يستمرّ الاشتعال ،
يلف جسدي المعلول.
لا. لن أطفئني ، خلقت من نار على مرّ الفصول ، لو خمدت تلك النار سوف لن أكون أنا . ترتجف يداي ، أنحني احتراماً لزائر لم يأت بعد، أنظر إلى المرآة فأراني لست أنا ، أدير ظهري للمرآة . هذه أنا لن أتغيّر ، فقط المرآة هي ظلّ لشيء لا أعرفه ليس إلا!
. . .
إهداء :
إلى مرضى السّرطان .
لم أكن أعتقد أنّني سوف أكون يوماً مريضة سرطان ، عشت حياة قريبة من الحياة النباتية ، مارست التأمّل ، و التمارين الرياضية، لم أحسب حساب المرض، بل لم أحسب أنّني خلقت لأعيش الحياة من أجلي. خلقت من أجل العطاء، أعطيت منذ طفولتي ، ثم نسيت، ونسوا ، لكنّني اليوم مريضة بالسرطان.
يشبه مرض السّرطان الوقوع في الحبّ، يشعلك من رأسك حتى أخمص قدميك ، تكون الفتيلة الأولى لحظة سماع الخبر فتسخر في داخلك من الطبيب، و تقول : أخطأ في التّشخيص! تسير بضع خطوات بعد العيادة ثم تلبس ثوب المرض ، تقتنع أنّك مريض، بل مريض جداً ، كنت تداري فقط دون أن تعلم أنك عليل. اليوم ترتدي الثوب الأبيض على سرير ، لا تكف أحلامك عن العبور، تنسى الألم ، تلملم أطراف ثوبك ، تسير في الطريق كأنّك أنت من اختار الحدث، مع أنّك مجبر على القبول.
لا زال المرض يعيش فيّ ، أحاول أن أقوده فأفشل ، أنجح أحياناً ، نحتفي معاً -أنا و السرطان -بالحبّ الجديد. يداعبني في بعض الليالي ، ويصرخ عندما أحاول إبعاده عني ، أسمع عويله ، أحزن عليه لأنّه لا يحبّ أن يغادرني ، تعوّد عليّ، تعودت عليه .
يحرقون الورم بالأشعة ، أو بالكيماوي، يضيء داخلي كموقد أمي في ليل صيف مليء بالنجوم. عرفت اليوم من أكون. عرفت ذلك السّر في العيش ، بينما كنت أحسبه ظنون.
نحن " مرضى السّرطان" قد نتعافى، قد نموت، و قد نموت بعلّة أخرى، لكن للحياة طعم آخر بعد المرض، الحياة أجمل، النسيم أرّق، وحبّ الذات أكبر. أنت مريض سرطان يعني أنّك وحيد حتى لو كان قرب وسادتك من يقول لك أحبّك. وحيد تتجوّل بين سرير المستشفى ، و الفضاء، تعانق النجوم ، تعاهد الأشباح على الأمل. الموت جزء من الحياة، ماهو الفرق أن نموت اليوم أو في الغد؟ لا يهم!
سوف أكل ما يحلو لي من الطّعام ، أتحدّث بكل ما خبأته في داخلي دون خوف ، لا أحد سوف يعتب علي ، فأنا مريضة سرطان ، ومريض السرطان لا عتب عليه لأنّ موته محتّم. في كل كلمة ، أو إشارة يقولون أنّنا نحزن عليك ، و يصمتون . لن أموت اليوم على أيّة حال . سوف أركض على طريق الغابة وحدي، لا أحتاج للدّعاء. لا تضعوني تحت منظاركم ، الشفقة أصعب من الموت ..
أتحدّث نيابة عنكم زملائي المرضى .نحن العالم الجميل الذي يدوّن آهاته على جدار الحياة، و يمنح العلم فرضة التّجربة على أجسادنا، و تمتلئ قلوبنا بالحبّ.
. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ...
جوان علي ( 2021 / 9 / 6 - 19:37 )
أرجو ان يكون ما قرأته اليوم جزء من رواية .. أَحزنني .. تحياتي


2 - لا يا جوان
ماجدة منصور ( 2021 / 9 / 7 - 10:15 )
لا يا جوان إنه ليس جزء من رواية...لأن الأستاذة نادية أصبحت هي الرواية بحد ذاتها0
إنها رواية إسمها نادية
ليحيا الإنسان
و ليحترق السرطان
لك كل الحب و العافية و طالما قلت لك إن الحياة تليق بك.0
اكتبي وجعك...فأنتي و أنا ...قد تألمنا بما يكفي
أتنفس كتاباتك كتنفسي الهواء...و لكني أعتب عليك قليلا سيدة نادية لأني أتمنى دوما أن تردي على تعليقاتي...و لكنك لا تفعلي و لا أدري لماذا؟؟ فالحوار المتمدن هو نافذتنا الوحيدة التي نتنشق من خلالها هواء الحرية!!0
عندي ظن أكيد بأنك ستنتصري على السرطان..و لندع الأيام بيننا لأني أكيدة بأن معركتك في هذه الحياة...ستبدأ بعد أن تقهري السرطان اللعين
لتحرسك عشتار


3 - لا يا جوان
ماجدة منصور ( 2021 / 9 / 7 - 10:16 )
لا يا جوان إنه ليس جزء من رواية...لأن الأستاذة نادية أصبحت هي الرواية بحد ذاتها0
إنها رواية إسمها نادية
ليحيا الإنسان
و ليحترق السرطان
لك كل الحب و العافية و طالما قلت لك إن الحياة تليق بك.0
اكتبي وجعك...فأنتي و أنا ...قد تألمنا بما يكفي
أتنفس كتاباتك كتنفسي الهواء...و لكني أعتب عليك قليلا سيدة نادية لأني أتمنى دوما أن تردي على تعليقاتي...و لكنك لا تفعلي و لا أدري لماذا؟؟ فالحوار المتمدن هو نافذتنا الوحيدة التي نتنشق من خلالها هواء الحرية!!0
عندي ظن أكيد بأنك ستنتصري على السرطان..و لندع الأيام بيننا لأني أكيدة بأن معركتك في هذه الحياة...ستبدأ بعد أن تقهري السرطان اللعين
لتحرسك عشتار


4 - تحياتي
نادية خلوف ( 2021 / 9 / 7 - 13:42 )
كل الحب لك ماجدة . فعلاً أنا مقصرة . أحياناً أترك الفيس بوك ، ولا أدخل إلى الحوار . أعدك أنني سوف أرد على تعليقاتك بعد اليوم . محبتي


5 - تحية لك
نادية خلوف ( 2021 / 9 / 9 - 14:10 )
. أرجو أن لا تحزن . الحياة مستمرة ياجوان

اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا