الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس أفغانستان... لمن يعتبر! (الجزء 2 من 3 )

آلان م نوري
(Alan M Noory)

2021 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


ملخص دروس الجزء الأول
الدرس الأول: حرب العشرين عاما الأفغانية ما كان لها أن تستمر كل هذه المدة لولا انخفاض الكلفة البشرية التي تكبدتها قوات التحالف الدولي و الوفرة المالية الهائلة التي رافقت إنفاق هذه القوات و غذت توظيف أكثر من 300 ألف أفغاني (اغلبهم فضائيون، والعبارة مستعارة من التندر الشعبي العراقي) في الجيش و القوى الأمنية، و عقود كبرى لشركات القطاع الخاص الأجنبي اللوجستية و الأمنية في أفغانستان و الشركات المصنعة للأسلحة و المعدات في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي و الأوروبي.
الدرس الثاني: التشدد و القسوة و "العدالة" في توزيع الظلم، و مزج التعصب القبلي و العرقي و الجنسي بالتدين، رغم كونه شرا اهون من أمراء الحرب المتقاتلين قبل سيطرة طالبان، فإنه في جوهره اعتداء على المجتمع و الدين معا.
الدرس الثالث: وهم عداء طالبان لأمريكا على أسس عقائدية، هو تحميل الواقع ما لا يحتمل. طالبان كغيرها من حركات بلدان العالم الثالث المتشبهة بالفاشية، و العنيفة منهجا لا اضطرارا، يحرك بوصلتها العقائدية و السياسة التعطش للسلطة لا غير.
الدرس الرابع: طالبان المتشبهة بالفاشية و العنيفة منهجا، كانت شريكا تجاريا مقبولا لقوى متنفذة في الولايات المتحدة، شريطة أثباتها القدرة على السيطرة على البلاد… و يبدو أن هذا بالضبط هو عنوان التوجه الأمريكي مستقبلا أيضا.


الانزلاق الأمريكي نحو الحرب كان يمكن تفاديه
نجحت الماكينة الإعلامية للمؤسسة الصناعية العسكرية الأمريكية، وحلفائها من "صقور" الحزبين الجمهوري و الديمقراطي، خلال العشرين سنة الماضية، في فرض سردية عن بَدْء الحرب في أفغانستان تصور اجتياحها كحرب عادلة ما كان منها بد، بسبب رفض طالبان تسليم بن لادن ليحاكم في الولايات المتحدة. لكن هذه السردية تتجاهل أن الطالبان رضخت لتسليم بن لادن، بل و تخلت عن شرطها بإطلاعها على أدلة إدانته، و اقترحت تسليمه إلى السُّعُودية، كونه مواطنا سعوديا، لتتولى هي أمره حسب التزاماتها الدولية. طالبان التي كانت تخطب ود الولايات المتحدة و تدفع الأموال لسماسرة السياسة الأمريكية لتقريبها من حكومتها، ما كانت يوما ترى نفسها عدوة للولايات المتحدة، بل كانت تبحث عن مخرج لا يعرض صورتها في الداخل الأفغاني للاهتزاز. لكن الولايات المتحدة كانت قد عقدت العزم على الحرب بغض النظر عن مدى انصياع طالبان… لماذا إذا، كان هذا اﻹصرار على الحرب؟

الحرب نفسها كهدف استراتيجي
منذ حرب تحرير الكويت و الإدارات الأمريكية المتعاقبة، خصوصا في عهد الرؤساء الجمهوريين، باتت تنظر الى استعراض القوة التدميرية الفعلية للماكينة الحربية الأمريكية، بذاته، هدفا استراتيجيا للعقيدة العسكرية الأمريكية، ذلك بغض النظر عن مدى استنفاذ وسائل الضغط المتعددة الأخرى لتغيير مسار صراعاتها السياسية بما يخدم هيمنتها.
ففي عملية تحرير الكويت، و قبل بَدْء الهجوم البري بيوم واحد، عرض صدام حسين عن طريق الوسيط السوفيتي، بريماكوف، الانسحاب غير المشروط و الفوري من الكويت مقابل الخروج الآمن للقوات العراقية، لكن إدارة جورج بوش الأب رفضت العرض و فضلت استعراض القوة التدميرية للماكينة الحربية الأمريكية، غير آبهة بالدمار الهائل الذي لحق بالكويت و عشرات آلاف الأرواح العراقية الرخيصة التي زُهقت في العمليات البرية التي لم يكن لها أي مبرر استراتيجي حسب المعايير التقليدية للحروب و دورها في العلاقات الدولية.
و بنفس المنطق كان اجتياح أفغانستان، حيث أن الهدف المعلن للعمليات العسكرية كان يمكن تحقيقه بدون الحاجة إلى الاجتياح. و الأدهى أن حجم استعراض القوة التدميرية في أفغانستان لم يكن مرضيا لمخططي البيت الأبيض بسبب خلو أفغانستان من أهداف قابلة للتدمير بشكل استعراضي، و لم يتحقق لهم هذا الرضا إلا بعد سنتين في اجتياح العراق! و قد تحدث عن هذا بمنتهى الصراحة فؤاد عجمي خبير شؤون الشرق الأوسط و العالم الإسلامي المقرب من إدارة بوش الأبن أثناء حرب احتلال العراق، في جلسة استماع أيلول - 2006 في الكونغرس الأمريكي عن الحرب الأهلية في العراق، فقال بأنه بغض النظر عن الأسباب التي سوقناها للحرب في العراق، كنا بحاجة إلى عمل عسكري كبير في المنطقة، لأن ما فعلناه في أفغانستان لم يكن كافيا!

عصر الاجتياح الاستعراضي و التباهي بعدم بناء الدول
رغم الطابع الإمبريالي التقليدي للحروب الخارجية الأمريكية ما بعد أستقلالها، كتوسعها الاستيطاني على حساب المكسيك و تدخلها في سائر أمريكا الوسطى في ما تسمى بحروب الموز في العشرينيات من القرن الماضي، فإنها سعت إلى تقديم صورة مغايرة في الحربين العالميتين، فقد ربطت جهدها الحربي فيهما ببناء الدول و الديمقراطيات و قدمت في إدارتها لاحتلال اليابان والجزء الغربي من ألمانيا، نموذجا مغايرا عن النمط الإمبريالي التقليدي. ساهم ذلك في استعادة البلدين لعافيتهما الاقتصادية و التحرر من ماضيهما الفاشي بسرعة قياسية. و راجت في الأوساط الأكاديمية الأمريكية فكرة تفرد الولايات المتحدة بكونها دولة عظمى حميدة و غير توسعية، التي حتى و أن احتلت، فهي تبني الدول و تعزز الديمقراطيات، ثم تغادر!
و جرى كل ذلك في ظل هيمنة الكينزية على الفلسفة الاقتصادية في الإدارة العامة. لكن هذا تغير مع عودة اليمين إلى السلطة في الولايات المتحدة بقوة، مع انتخاب رونالد ريغان منذ 1981، فأصبح أي جهد بأدوات السياسة العامة لتقنين أو إعادة هندسة الاقتصاد من الموبقات السبع و بات الاعتماد، حصرا،على قدرات سحرية مزعومة لآليات السوق، مع الاستمرار في إرضاع الاحتكارات الكبرى من ثدي الإعفاءات الضريبية و الإنفاق الحكومي المباشر و بسخاء، بات هذا من السمات البارزة لسياسة الحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ 1981... تخف حدتها مع فوز الديمقراطيين و تشتد مع استعادة الجمهوريين مقاليد السلطة… على الصعيد الخارجي صار "بناء الدول" من الأعمال الغبية التي على السياسيين تجنب الوقوع في مصيدتها...فبات كل ما تحتاج الولايات المتحدة في أي بلد تحتله، هو "إطلاق" سراح القطاع الخاص من سجن القوانين المقيدة ثم تركه يعمل عمايله! و طبقت الإدارات الأمريكية هذه الخرافات حتى على مجهودها العسكري في البلدان التي احتلتها، فصارت إدارة الاحتلال و حاجات القوات المحتلة نفسها سوقا مفتوحة للقطاع الخاص و تجار الحروب، أينما حلت القوات الأمريكية.
في أفغانستان، رحب المجمع الصناعي العسكري الأمريكي بمبدأ الاحتلال الذي لا يبني الدول، الذي قلص الأموال المخصصة لإعادة إعمار البلد إلى دولار واحد من كل 20 دولار أنفقت على الاحتلال. كما رحب بخصخصة مفاصل متعددة من المجهود اللوجستي والأمني العسكري في أفغانستان لدوره في خفض أعداد القتلى في صفوف القوات المسلحة الرسمية الأمريكية إلى النصف، الأمر الذي أدى إلى تحول الحرب الطويلة في أفغانستان إلى أخبار الصفحات الخلفية للجرائد الكبرى الأمريكية. فمقتل الجنود بمعدل شهري لا يتجاوز الـ 12 جنديا أتاح تخدير الرأي العام الأمريكي لمدة 20 عاما! حتى أصبحت وعود الرؤساء المتعاقبين بتخفيض القوات و الانسحاب التام من أفغانستان مثار تندر، سرعان ما كانوا يتراجعون عنها بدعوى الحاجة إلى زيادة عدد القوات ليتسنى "لاحقا" تخفيضها أو تقريب موعد الانسحاب النهائي.
نتاج هذا الحال كان معكوس اثر الاحتلال في بلد كاليابان مثلا؛ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان لم ينتج دولة أو ديمقراطية بل انتج واحدة من أسوأ بؤر الفساد في العالم.
لم يتعرف الجمهور الأمريكي على ما جرى في العشرين سنة الماضية لأن أفغانستان وهمومها غابت عن شاشات التلفزيون، إلا عند مقتل أعداد من الجنود الأمريكان تفوق المعدل الشهري، عندها كان هذا الجمهور يُخدّر ب زيادة عدد القوات "من اجل تقليلها" أو من اجل "عودة اسرع إلى الوطن"...كل مرة!
جهل الجمهور العادي لا ينفي المسؤولية عن الادارات المتتالية و أعضاء الكونغرس الذين كانوا يتلقون تقارير ربع سنوية من المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان التي كانت تتحدث عن هشاشة و فساد الإدارة الأفغانية و الهدر الهائل للموارد في عقود سلطات الاحتلال. فالساسة المتحكمون في مفاصل القرار الأمريكي، كانوا يدركون عبثية واقع بنى الحكم التي نصبوها في أفغانستان، لكن مصلحة المجمع الصناعي العسكري كانت تقتضي التغابي. إذ أن رضا هذا المجمع هو الفصل بين سياسي ناجح و آخر فاشل بائس.

ملخص الدروس مما سبق
الدرس الخامس: اجتياح أفغانستان، كان عملا عسكريا يمكن تفاديه دون الكلفة البشرية و الاقتصادية التي تكلفها الشعبين الأفغاني و الأمريكي، من دون أي تضحية بالأهداف المعلنة للاجتياح، حتى وإن أضفنا إليها تصديق قلق الإدارة الأمريكية من انتهاكات حقوق الإنسان عموما و حقوق المرأة خصوصا و هدف رفع هذه المظالم. فلم يكن صعبا أمام طالبان التي كانت تريد فعل كل شيء في سبيل إرضاء الولايات المتحدة، أن تكتشف أن مذهبها الرسمي الحنفي لا يتفق مع اغلب الأعراف القبلية التي ألبستها رداء القدسية الدينية.
الدرس السادس: الاحتلال الأمريكي لأفغانستان و من بعدها العراق، يشكل قطيعة خطيرة مع منهجها و تصورها مسؤولياتها كقوة احتلال في الحربين العالميتين الأولى والثانية. فالقطيعة هذه مبنية على وهم الآليات السحرية لما يسمى بالحرية الاقتصادية في مجتمعات تتحكم بها تنظيمات هرمية مسلحة معادية لفكرة القانون الساري على كل المواطنين بالتساوي.
الدرس السابع: رفض فكرة الاحتلال المسؤول عن بناء الدولة في الجغرافيا المحتلة، مربوط بالانقلاب الفكري في الفلسفة الاقتصادية للإدارة الأمريكية منذ رئاسة رونالد ريغان، التي اعتبرت الدولة نفسها مشكلة، وعملها هدرا لموارد الاقتصاد، إلا إذا تخلت عن مهامها المجتمعية و التوجيهية للاقتصاد الوطني لصالح إغناء الاحتكارات المالية و تحريرها من قيود الديمقراطية!
الدرس الثامن: هذا التوجه السائد منذ الثمانينات، يلقى ترحيبا كبيرا من المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي به يضمن هذا المجمع أن أغلب ميزانيات الحرب والاحتلال العسكري يذهب إلى ما يحقق لها أرباحا طائلة، و كل ما يحتاجه هذا المجمع لتحقيق المزيد من الأرباح، هو ضمان قلة الخسائر البشرية في معسكرها لاستمرار تدفق نفقات الاحتلال، الذي كلما طال كان أفيد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان