الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة التحليل في العلاقات الدولية

بوناب كمال

2021 / 9 / 9
السياسة والعلاقات الدولية


باتَ إغراءً شائعًا لبعض محلّلي العلاقات الدولية أنْ يُغلّفوا أنفسهم ضمن "إطارٍ مفاهيمي" مُعتقدينَ بأنّ ذلك سيُمكّنُهم من التعبير عنْ ما يريدونَ بشكلٍ ملائم؛ إنّ في هذا نوعٌ من الالتقاطية أو نظرية قطف الكرز (cherry picking) أيْ الاستمتاع ببناء النماذج واختيار ما يتناسبُ من صفحات التاريخ لإثبات الفرضيات، وكأنّ "القُرونَ متساويةٌ في عين الله". و يُتّهمُ هذا الاتجاه التّحليلي أيضا بأنه "بروكريستي"؛ ففي الميثولوجيا اليونانية كان بروكريست يقوم بمدّ أجساد ضحاياه أو قطع أطرافهم لتتناسب أطوال أجسامهم مع سريره الحديدي؛ و يُشيرُ مصطلح "سرير بروكرست ( Procrustean bed) أو البروكرستية (Procrusteanism) إلى أية نزعة تهدفُ إلى "فرض القوالب" على الأشياء أو الأشخاص أو النصوص، أو ليِّ الحقائق وتشويه المعطيات وتلفيق البيانات لكي تنسجم قسرًا مع مخططٍ ذهني مسبق.

كثيرًا ما يُسيءُ المحلّلون إدراك حقيقةَ منهجِ وتفكيرِ كبار المُنظّرين؛ فعلى سبيل المثال لم يكنْ ثيوسيديدس (Thucydides) مؤيّدا لاستخدام القوة، وكان رأيه أنّ ما جعل الحرب أمرًا لا مفرّ منه هو نموّ قوة أثينا والخوف الذي أحدثهُ ذلك في أسبرطة، وتفسيره للحرب يستند إلى فهم الطبيعة البشرية؛ وبالتالي هو يشرح الحرب ولا يبرّرها.

لتجاوزِ هذه المصْيَدة في التحليل؛ شرع بعض الباحثين في اقتراح اسم فرانشيسكو غويكيارديني (Francesco Guicciardini) الذي عاصر نيكولو مكيافيلي غير أنّه لم يكن اسما مألوفًا وشائعًا؛ ومن أسباب ذلك أنّ كتاب الأمير لـ مكيافيلي نُشرَ خمس سنوات فقط بعد وفاته، في ما أبصر كتاب الذكريات Ricordi لـ غويكيارديني النّور بعد ثلاث قرونٍ من ذلك؛ يُضافُ لذلك أن "الأمير" حاول اكتشاف الجانب المظلم والسيئ في سلوك الإنسان، وهو ما جذبَ خبراء العلاقات الدولية، خصوصًا أولئك الذين يحاولون تبرير سياسة القوة (الواقعية السياسية) والجيوبوليتيك.

خلافًا لذلك؛ يقترحُ غويكيارديني دراسةً خاليةً من الأيديولوجيا وقائمةً على التّدقيق في الوثائق والمستندات؛ بمعنى أنّ المحلّل يتصرّف مثل المحقّق؛ ويطرح في ذلك تساءلاتٍ ليس فقط عن صحّة المستندات، وإنّما عن سبب كتابتها، وهل كانت لإرضاء سيّدٍ سياسي، هل كانت دعاية، هل هي دقيقة، هل حذفت حقائق مهمة، وهل كانت فيها مبالغة؟

يقوم منهج غويكيارديني على الآتي: لكيْ تُفكّر، أنت بحاجةٍ إلى أنْ تكونَ متحرّرا ممّا يدفعك إلى التّفكير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع