الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشرين

ربيع نعيم مهدي

2021 / 9 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


هذه مجرد حكاية.. تروي تفاصيل صغيرة كنت شاهداً عليها، ولا أنكر انها تتسم بنوع من السوداوية، بالرغم من قناعتي بوجود جانب مشرق لا زلت أراه ضحية للفوضى.

"1"
الحكاية بدأت بعيدا عن ساحة التحرير، في شارع المتنبي، الشارع الذي سمح في كل يوم جمعة لمسيرة احتجاجية بالانطلاق من نهايته عند سوق السراي لتنتهي عند مدخله، وفي بعض الأحيان تعود الى المكان الذي بدأت منه، - وبالمناسبة طول الشارع لا يتجاوز ٥٠٠ متر-، كان والدي يستقبل تلك التظاهرة بما يحفظه من ابيات شعرٍ تمجد بالنضال متحدياً ذلك الجندي المتسلح بالعصا ويقف على بعد أمتار منه.
المهم.. تلك المظاهرات لم تكن غريبة بالنسبة لي، فنحن جيل اعتاد على التظاهر في ايام النظام السابق، وكثيراً ما خرجنا نندد بسياسة الرئيس الاحمق (للولايات المتحدة!!) ورفضنا العديد من قرارات مجلس (الأمن!!) بل اننا كنا نمتلك حرية التعبير وابداء الرأي في كل الشؤون (المتعلقة بالأزمات الدولية كالتمييز العنصري في جنوب افريقيا مثلاً)، وليس هذا فقط فالرئيس في الغالب كان شديد الحرص على مشاركة الشعب في رؤيته للأحداث، ولم تكن مهرجاناته الخطابية اليومية سوى رضوخ لرغبة الشعب في ان يرى قائده كل ليلة، فنحن شعب أدمن الرئيس حتى اصبحنا نشاركه فيما يحب ويكره (وكل هذا لا عن جبر والعياذ بالله) بل فقط لأننا شعب طيب ومتسامح بالفطرة.. وفي كل الاحوال كنا نمتلك مساحة من الحرية في الاحتجاج ضد من لا شأن لنا بهم..

"2"
وبالعودة الى تظاهرات ما بعد التغيير وتحديداً ما ترافق مع الربيع العربي، كنت شاهداً كغيري على بعض أحداث الاحتجاجات، لان ظروف العمل وطبعي المتريث غالباً أحجم رغبتي في ان يكون لي حضور فاعل فيما كان يحدث، لكن الاسباب تحمل في طياتها بعض الصدف، وفتحت لي نافذة صغيرة للاطلاع على ما كان يجري، فمكتبة الوالد استقطبت ثُلة من المتظاهرين للجلوس والاستراحة بعد ساعات من التظاهر.
مجموعة من الاصدقاء الذين تشرفت بمعرفتهم وإن كانوا يشكلون تجمعاً غير متجانس، لا في الاهداف ولا في الخطاب، فمنهم فتى قادته الايام للسكن في منطقة الميدان للبحث عن غير المألوف من البشر، وصناعي صغير يحلم بمشاريع كبيرة، وصحفي ربما يرفض حتى الرفض، ويساري قد يميل الى اليمين اذا تطلب الظرف، أما آخرهم فهو (مواطن – وضع تحتها ما شئت من الخطوط-).
كنا نجلس على رصيف المتنبي واستمع لما كان يجري، وفي إحدى الايام فاجأني حديثهم عن المتظاهر (ح) والذي هدد بحرق نفسه في ساحة التحرير، كما فعل الشهيد (بوعزيزي) في تونس، كتمت سخريتي من التهديد، فالمتظاهر (ح) لم يكن سوى ذلك المنتسب في جهاز مخابرات النظام السابق والمواطن الأوربي بعد سقوط نظام صدام، وهو ذاته من سيساهم في اعتقال عدد من الذين اجتمعوا في منظمة (أين حقي) – وهذا الكلام منقول عن احد المعتقلين – .

"3"
وشيئاً فشيئاً بانت ملامح الفوضى، خطوط من الصراعات ترسم طريقها بين خطى المحتجين، تقرأ ملامحهم وتسجل افكارهم وفي بعض الاحيان تنال منهم، فالأمر لا يعدو عن كونه مهنة، تشكلت أسواقها في المقاهي ومكاتب بعض المسؤولين بل وحتى شركات البعض، ونشأ ما يشبه السوق للتظاهر، يجتمع فيه طالبي خدمات الاحتجاج والمتعهدين والايدي العاملة في هذا القطاع – وهم في الغالب من العاطلين عن العمل -، وأغرب ما في أسواق التظاهر ان المتعهدين على استعدادٍ لتقديم خدماتهم لخصمين في ذات الوقت.
وهنا أود التأكيد على ان هذه السوق لا تمثل حقيقة الاحتجاج والمتظاهرين لكنها كانت كفيلة بالتأثير على الاثنين معاً، وجعل المتظاهر الحقيقي يقع في فوضى يصعب معها اتخاذ قرارات سليمة لتحقيق هدف معين، فالاحتجاج ثقافة، الغاية منها تغيير واقع معين، قد يتمثل بإسقاط حكومة أو بإجبارها على إصلاح واقع معين، وهذا ما فشلت في تحقيقه كل الاحتجاجات.

"4"
اما في تشرين 2019، فكنت اتمنى ان يكون الحال غير الحال، وهذا ما بدا في أول ايام التظاهرات، التي انطلقت بشحنة عالية من التعاطف الذي دفع الاهالي الى كسر قرار حضر التجوال لحماية المتظاهرين من الهجوم المحتمل – بحسب ما أُشيع في حينها - .
ومع استمرار الاحتجاجات والاحداث المرتبطة بها من غلق بعض الجسور وقطع الطرق، ذهبت الى ساحة التحرير لأكثر من مرّة، كنت اتجول بعيداً عن جسر الجمهورية لأتجنب تأثير القنابل الدخانية، انظر في الوجوه، اتحدث مع هذا وأسأل ذاك، وفي كل حديث مع أحدهم كانت لي قناعة تزداد، فلا أحد فيهم يعرف ما يريد، ولا أحد فيهم يعرف ما يريد رفيقه.
كنت أسأل، ما الهدف؟، محاربة الفساد!!، من هم المفسدين؟ - لن يجرؤ أحد على تشخيص المتهمين به- ، ماذا بعد عبد اسقاط حكومة عبد المهدي؟، كانت اغلب الإجابات محددة بأن اقالة عبد المهدي ستكون كافية في هذه الجولة، والحال أشبه ما يكون بالدوران في حلقة مفرغة من الشعارات.

"5"
فوضى لا نهاية لها، سال فيها الكثير من الدم، الشيء الوحيد الذي أراه طاهراً ونقياً فيما حدث، عند تجوالي في ساحة التحرير صادفت الكثير من الغرائب التي تُثير ألف علامة استفهام، ربما تساءل عنها كثيرُ غيري، كُنت أريد ان أعرف من الذي سمح لشخص – يدّعي بأنه قادم من الكويت - بإقامة خيمة مقابل نصب الحرية للاحتجاج ضد حكومة عراقية؟!!. ومن الذي كان يدفع للفتى القادم من أطراف بغداد ما يُسمى (مصرف الجيب والذي يتراوح ما بين 25 ألف و50 ألف)؟. كيف تسنى لـ (ك) النقيب السابق في تنظيم فدائيو صدام ان يجول في ساحة التحرير بين الخيم باحثاً عن مؤيدين لترشيحه من ضمن الذين رفعت أسمائهم لتولي رئاسة الوزارة ؟...
القائمة طويلة ولن يكفي المقال لذكر تفاصيلها، تلك التفاصيل التي ساهمت في اغتيال تشرين، وانا اقصد اغتيال الفكرة والمبدأ، وبالرغم من تلاشي اغلب المظاهرات بسبب استسلامها للوعود وتأثيرات جائحة كورونا إلا ان مُسمى تشرين لا زال عُرضة للاستغلال، وكأن الحال يقول دعوا التجارة تقضي على ما تبقى من ايام تشرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي