الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنويعات على لحن الصمت العربى

محمد فُتوح

2021 / 9 / 10
حقوق الانسان


-----------------------------------
دائماً كنت أتساءل ، عن لا مبالاة الغالبية فى مجتمعاتنا ، أو عزوفها عن المشاركة الفعلية فى الحياة السياسية . ومن ناحية أخرى ، نجد أن المجتمع بجميع مؤسساته خاصة الإعلام المقروء ، والمرئى ، والمسموع ، يتنافس فى إبراز ضرورة وأهمية هذه المشاركة للرجال والنساء والشباب .
كلام كثير يُقال دائما ، عن دلالات المشاركة فى تجديد مسار الحياة السياسية ، فـ " صوت المواطن أمانة " ، فى أى عملية انتخابية . وهو ليس مجرد حقاً من الحقوق يتمتع به كل مواطن ، وإنما هو أيضاً " واجب وطنى " ، أو " واجب قومى " .
المشاركة الانتخابية ، تأكيد للإنتماء للوطن، وتدعيم للحقوق المدنية ،وترسيخ لمبدأ الديمقراطية. وهى أيضا ، مشاركة فعالة لتشكيل المستقبل ، وتغيير الحاضر ، وتحقيق الأمنيات ، والأحلام.
وأصبح الحديث عن امتلاك بطاقة انتخابية ، كالحديث عن امتلاك بطاقة شخصية تثبت الوجود ، وتؤكد الهوية ، وترسم خريطة الحقوق والواجبات . وتمادى البعض ووصف موقف السلبية من الانتخابات ، بأنه " تقصير قومى " ، و " خيانة وطنية " ، و " إضرار بالديمقراطية " ، و " إفساد للتنمية " ، و " ضرب للإنتماء " ،
و " لا مبالاة بمصير الأمة والشعب ".
لا أحد بالطبع يمكنه أن ينكر الأهمية العظيمة ، والدلالات الإيجابية ، لمشاركة الناس ، فى الحياة السياسية ، هذا من الناحية النظرية . ولكن للواقع دائماً ، خاصة فى مجتمعاتنا العربية ، وضعاً آخر ، بل مناقضاً فى أغلب الأحيان.
تتصور مجتمعاتنا العربية ، أن المواطن العربى الذى يعيش حالة مزمنة ، ممتدة المفعول من القهر والسلبية ، سوف يستيقظ صباح يوم الانتخابات ، يوم المشاركة السياسية ، وقد امتلأ فجأة بروح الحرية والإيجابية.
تتصور مجتمعاتنا العربية ، أن المشاركة السياسية هى كالعضو الشيطانى ، الذى ينبت فجأة ، عضو شيطانى لا أصل له ، ولا جذور ، يهاجم الجسد العربى .
ولأنه " شيطانى " ، فلابد أن يكون غريباً ، عن كل ما تربى عليه المواطن العربى ، ومنفصلاً عن التربة الأم.
منذ الميلاد ، وحتى الموت ، يعيش المواطن العربى حالات متنوعة ، متدرجة من
" الصمت " الفكرى والسياسى والاجتماعى .
تعتمد التنشئة الاجتماعية العربية ، على مبدأ " الطاعة " ، و " الموافقة " ،
و " الاستسلام " . توضع بذور هذه الأسس ، فى البيت الذى يضمن خلق المواطن المشابه للآخرين ، المطيع لأوامر ونواهى الكبار فى الأسرة والعائلة والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة والعمل والحزب والبرلمان والنشاط العام.
إن " عدم المشاركة " ، وليس المشاركة ، هو المبدأ الذى تستهدفه آليات ، وقيم التنشئة فى البيت العربى الصغير ، ألا وهو الأسرة ، والتى هى نواة البيت العربى الكبير ألا وهى الدولة.
إن الطاعة ، وعدم التساؤل ، وعدم النقاش ، والتقليد ، هى " الفضائل " الكبرى التى يجب أن يتمتع بها الأطفال فى الأسرة ، وكذلك المواطنون فى الدولة. والعكس هو الصحيح ؛ إن التمرد والتساؤل والنقاش والإبداع ، هى " الرذائل " الكبرى التى لا يجب أن يتصف بها الأطفال فى الأسرة ، وكذلك المواطنون فى الدولة ، بالطبع هناك ، مكافأة للفضائل ، وهناك عقاب للرذائل .
تنسى مجتمعاتنا العربية ، أن المشاركة السياسية التى تطلبها من المواطنين هى عملية مستمرة متجددة ، لابد أن تبدأ منذ الطفولة فى الأسرة . و تنسى مجتمعاتنا العربية أن المشاركة السياسية فى أى مجتمع ديمقراطى ، هى امتداد طبيعى لجميع أنواع المشاركات الفكرية ، بدءاً بالبيت وعلى جميع المستويات وفى كل مراحل العمر.
كيف يمكن للمواطن العربى الذى منذ ولادته ، لا يقول رأيه فى أى شىء ، يتحول فى يوم وليلة ، إلى مشارك بالرأى ؟ . كيف للمواطن العربى الذى يعيش فى مجتمعات تحجب الآراء الحرة ، المستقلة ، أو تهمشها ، أو تنبذها ، أن يتمتع برأى حر مستقل ؟.
كيف فى موسم الانتخابات فقط ، يتنافس الإعلام بكل وسائله ، وتتبارى الأقلام ، فى مدح الحرية ، بينما يقول لنا الواقع ، أن الإنسان الحر فى المجتمع العربى ، إنسان هو بالضرورة فريد من نوعه ، لا يشكل ظاهرة ، ومحكوم عليه بالبقاء فى الظل ، لا يؤثر فى مجريات الأمور العامة ، وصنع القرار على جميع المستويات.
إن الواقع العربى الذى نعيشه جميعاً ، منذ سنوات طويلة ، ومنذ الميلاد وحتى الموت ، رواية مكتوبة لنا سلفاً ، و" الخروج عن النص " مكروه ومحظور.
ان المشاركة السياسية التى نطلبها ، كبداية للإصلاح السياسى فى مجتمعاتنا ، هى نتيجة تلقائية ، طبيعية ، للمواطن والمواطنة التى تربت و تشجعت وكوفئت على
" الخروج عن النص " فى كل مراحل العمر ، وعلى جميع مستويات العمل ، والنشاط والحركة.
إذا كنا حقاً نتطلع إلى الإصلاح السياسى ، حيث الكثير من التحديات الداخلية والخارخية ، فعلينا أن نبدأ البداية السليمة ، وبدونها تتعثر التجربة الديمقراطية.
علينا أن نكسر منظومة القهر التى تصاحبنا منذ الميلاد وحتى الموت ، علينا أن نعيد صياغة علاقتنا بالحرية .
فمازلنا رغم كلامنا الجميل عن الحرية ، لا نحولها إلى ثقافة حياتية معاشة . علينا أن نعى أن المشاركة السياسية ، ليست فقط فرصة عابرة ، لتشكيل حياة سياسية جديدة . ولكنها أيضاً فرصة ، لتشكيل عقل عربى جديد ينبذ ميراث الكبت ، والقهر والخوف ، والصمت .
إن كسر منظومة القهر ، وخلق مناخ الحرية الحقيقية ، هو الضمان الأوحد الراسخ لديمقراطية ممتدة فى جميع أمور الحياة ، وليس فقط فى المشاركة السياسية.
السماء ، لا تمطر مواطناً حراً له ، رأى حر فى موسم الانتخابات . المواطن ذو الرأى الحر ، ثمرة تجنيها الشعوب التى تتنفس الحرية ، مثل الهواء . هواء يتنفسه الجميع دون تفرقة ، وليس مجرد شعار أو لافتة ، من لافتات الدعاية السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التشجيع على الديمقراطية والنتائج
عبد الفادي ( 2021 / 9 / 9 - 23:19 )
الأنتخابات الديمقراطية يجب التأكيد على تطبيقها حين تكون نسبة كبيرة من الشعب متعلم ويعرف من هو الذي يفيد الوطن من المرشحين ، عندما تكون نسبة الأمية عالية جدا بين الشعب حينها سيتساوى في الأنتخابات صوت عالم في الأقتصاد مثلاً مع صوت شخص لا يعرف القراءة والكتابة وطبعا الفوز سيكون للأكثرية الأمية وتكون النتيجة كارثية على الوطن ، إذن ليست كل الشعوب تنفعها او تنجح فيها الأنتخابات الديمقراطية خاصة ان النظام الديمقراطي يقف عاجز امام تسلل الأحزاب غير الوطنية التي تستغل الديمقراطية بالتصويت للوصول الى مآربها المنفعية ، فالدول النامية التي معظم سكانها من الأميين فهؤلاء الأميين هم الذين يصوتون عادة للأحزاب الدينية لأنهم لا يفهمون بالتنمية وبناء الأقتصاد للبلد ، فالديمقراطية لا تنجح بدون مكافحة الأمية اولاُ وإلا ستكون نتائجها كارثية على الشعب نفسه ، اما الفئة التي لا ترغب بالتصويت ، غالبا ما تكون هذه الفئة قد يأست من اكاذيب المسؤولين الحكوميين وشعاراتهم المخادعة والغش في صناديق الأقتراع ، تحياتي استاذ فُتوح

اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال