الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعادة سيزيف

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 9 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٧٦ - سيزيف السعيد

أفكار ألبير كامو النظرية لخصها في كتابين هما - أسطورة سيزيف - Le Mythe de Sisyphe-1942 بخصوص العبث، والمتمرد - L Homme révolté-1951، الذي انتقذ فيه بشدة فكرة الثورة والنضال الطبقي والذي يدعو فيه إلى الحل الوسط، وهو التمرد الميتافيزيقي أو الفكري. ويتخذ كامو من أسطورة سيزيف رمزاً لوضع الإنسان في الحياة ويعتبره ممثلا للبطل العبثي. وسيزيف هو هذا اللامنتمي الإغريقي الأسطوري الذي استخف بالآلهة فعاقبته بأن يتعذب إلى الأبد.
سيزيف Sisyphe أو سيسيفوس باليونانية Σίσυφος - Sísuphos كان أحد أكثر الشخصيات مكراً بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمز العذاب البشري الأبدي وأصبح رمزا للعبث ولعبثية الوجود.
سيزيف هو ابن الملك أيولوس Éole ملك ثيساليا وزوجته إيناريتي Énarété، وأول ملك ومؤسس مملكة إيفيرا - كورينثة Corinthe. وتقول مصادر متأخرة بأن سيزيف هو والد أوديسيوس Ulysse من أنتيكلي Anticlée التي أغتصبها سيزيف، قبل أن تتزوج بزوجها ليرتيس Laërte الذي يعتبر والد أوليس الحقيقي. اشتغل سيزيف بالتجارة والإبحار، لكنه كان مخادعا وجشعا، وخرق قوانين وأعراف الضيافة بأن قتل المسافرين والضيوف النزلاء. وقد صوره هوميروس ومن تلاه من الكتاب، مثل أرسطوAristote وهوراسHorace في صورة بطل شرير ومخادع واشتهر لديهم بأنه أمكر وأخبث البشر على وجه الأرض قاطبة وأكثرهم لؤما. أغرى ابنة أخيه، واغتصب عرش أخيه وأفشى أسرار زيوس خصوصا اختطاف زيوس لإيجينا، ابنة إله النهر أسوبوس، وفي روايات أخرى ابنة والده أيولوس، وبالتالي تكون أخت سيزيف الشقيقة أو نصف الشقيقة.
اشتهر سيزيف بالسخرية من الموت وتمكنه من خداعه، وهو الإله ثاناتوس Thanatos. في مقابل نهر يجري إلى الأبد ولا يجف أبدًا، كشف سيزيف لإله النهر أسوبوس Asopos المكان الذي يمكن العثور فيه على ابنته إيجينا Égine، التي اختطفها الإله زيوس متخذا شكل نسر، والذي كان يشتهيها ويرغب فيها. تمكن أسوبوس من إسترجاع إبنته وجعل زيوس يهرب، لكن هذا الأخير كان غاضبا على سيزيف؛ فأرسل الموت ثاناتوس لمعاقبته. وعندما جاء الموت ليقبض عليه، عرض عليه سيزيف بخبث أن يريه أحد اختراعاته الأخيرة، نوع من الأصفاد الحديدية قد تساعد الموت في تنفيذ عمله. واقترح عليه أن يجرب هذه الأصفاد ليعرف مدى فاعليتها، وقام بتقييد ثاناتوس بالسلاسل، واذلك لم يتمكن ثاناتوس من حمله إلى العالم السفلي وتنفيد المهمة التي جاء من أجلها. وأصبح الموت سجينا ووظيفته شاغرة، وأحدث ذلك ذعرا وهياجا في مجتمع الآلهة حيث يعد أحد من البشر يموت، حتى انزعج آريس لأنه فقد المتعة من معاركه لأن خصومه لا يموتون، لذلك تدخل لإطلق سراح وفك أسر ثاناتوس. ولاحظ زيوس بدوره وبقية الآلهة أنه لم يعد أحد يموت منذ ذلك الوقت، وأصاب الذعر زيوس أيضا وقبيلته الإلهية، فلم يكن في برنامجهم إختفاء الموت من العالم وخلود البشر، فأرسلوا آريس Arès لتحرير ثاناتوس من قيوده وسلاسله وأخذ سيزيف إلى العالم السفلي.
لكن سيزيف الماكر الذي لا تنقصه الحيل كان قد أقنع زوجته في السابق بعدم منحه جنازة مناسبة وعدم تنفيذ طقوس الدفن كما ينبغي وأن تمتنع عن تقديم أضحيتها المعتادة. وعندما وصل العالم السفلي تمكن ببساطة من إقناع هاديس Hadès بالسماح له بالعودة إلى عالم الأحياء لحل هذه المشكلة المتعلقة بمراسم الدفن الغير مكتملة. شاكيا من أن زوجته تهجره وتهمله وتتجاهله وأقنع برسيفوني، ملكة العالم السفلي، بالسماح له بالصعود للعالم العلوي ويطلب من زوجته أن تؤدي واجبها وتقدم أضحيتها. عندما عاد إلى كورنثوس، رفض بطبيعة الحال العودة إلى عالم الموتى، وكان على ثاناتوس - أو حتى هيرميس، وفقًا لبعض الروايات - أن يقودوه ويحملوه بالقوة إلى الجحيم. لكونه تجرأ على تحدي الآلهة، حُكم على سيزيف، في تارتاروس le Tartare، أن يحمل صخرة إلى قمة الجبل إلى الأبد، والتي تتدحرج في كل مرة قبل أن يصل إلى القمة وعليه أن يعاود الصعود في كل مرة. هذه العقوبة الغريبة المثيرة للجنون التي عوقب بها سيزيف هي جزاء لاعتقاده المتعجرف كبشر بأن ذكاءه وخبثه يمكن أن يغلب ويفوق ذكاء زيوس ومكره. لقد اتخذ سيزيف حقا الخطوة الجريئة بالإبلاغ عن فضائح ونزوات زيوس الغرامية، وأخبر إله النهر أسوبوس بكل ما يتعلق من ظروف وملابسات ابنته إيجينا، ولذلك فإن سيزيف تجاوز وخرق بشكل فاضح الحدود والقوانين التي وضعتها الآلهة، لأنه اعتبر نفسه ندا للآلهة حتى يٌبلغ عن حماقاتهم وطيشهم ونزقهم. وكنتيجة لذلك، أظهر زيوس ذكاءه الخاص بأن ربط سيزيف بعقوبة وحيرة أبدية، لذلك فإن الأنشطة والأعمال الإنسانية عديمة الهدف عادة ما توصف بأنها عبثية وسيزيفية.
وكامو يرى فيه الإنسان الذي حكم عليه بالشقاء بلا جدوى، وقُدّرت عليه الحياة بلا طائل، وليس أمامه سوى الهروب من قدره فيلجأ إما إلى موقف شوبنهاور المتشائم : فطالما أن الحياة بلا معنى فلنقض عليها بالموت الإرادي أو بالانتحار،غير أن أبطال اليونان نادرا ما يلجأون للإنتحار، وإما إلى موقف المثاليين الشاخصين بأبصارهم إلى حياة أخرى أعلى من الحياة، وهذا هو الانتحار الفلسفي ويقصد به الحركة التي ينكر بها الفكر نفسه ويحاول أن يتجاوز حدوده في نطاق ما يؤدي إلى نفيه. والحل الآخر هو موقف التمرد على اللامعقول في الحياة مع بقائنا فيها غائصين في الأعماق ومعانقين للعدم لأننا "نتعلم الحياة قبل أن نتعلم التفكير". وهذا التمرد - الفكري - هو الذي يضفي على الحياة قيمتها ومعناها الحقيقي. غير أن هذين الحلين ينخرهما نوع من التناقض الأصلي، ذلك أنه في مواجهة العالم الذي لا معنى له، تتجاذبه فكرتين متناقضتين، التمرد أو القبول. على عكس سيزيف الذي يتم تقديمه عادةً في الأساطير بكونه بطلا تراجيديا، يرى كامو أنه "يجب أن نتخيل سيزيف سعيدًا"، حيث يجد سيزيف سعادته في "قبول" وإنجاز المهمة التي يقوم بها وليس في "معنى" هذه المهمة .. " سيزيف يعلمنا الأمانة المثلى التي تنكر الآلهة وتزحزح الصخور. وهو الآخر يحكم بأن كل شيء حسن، فهذا العالم الذي يغدو منذئذ بلا سيد له : لا يبدو يبابا في نظره أو سرابا. إن كل ذرة من ذرات تلك الصخرة، كل بريق معدني في ذلك الجبل الغارق في الظلام، إنما يشكل في حد ذاته عالما. وأن النضال نفسه لبلوغ القمة يكفي لكي يفعم قلب إنسان. وهكذا ينبغي تصور سيزيف سعيدا" هكذا تنتهي أسطورة العبث عند كامو، فهو لا يدعي للتمرد كما أنه لا يعتقد بـ"أمانة" بعبثية الحياة، لأنه يدعو لقبول العالم كما هو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا