الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تجديد ألق الراية الحمراء ( 2- 2 )

رضي السماك

2021 / 9 / 11
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لم يأتِ أنهيار الأتحاد السوفييتي عام 1991 مفاجئاً لأي متتبع عن كثب لتطور الأوضاع الداخلية فيه، على الأقل منذ تولي جورباتشوف قيادة الحزب والدولة عام 1985، ومع ذلك جاء دوي أنهياره أشبه بالزلزال الذي أفاقت الأحزاب الشيوعية في العالم فجأة، رغم أن مؤشرات العد العكسي للأنهيار بدأت -كما ذكرنا آنفاً - منذ مطلع الثمانينيات في أواخر عهد بريجنيف، وبالتالي فإنه بعد الأنهيار أصبح النقد الذاتي والمراجعات الفكرية أمراً لا مفر منه، وإن كان بعض الانتقادات للتجارب الاشتراكية نُشرت قُبيل الأنهيار . وعلى أي حال يمكن القول بوجه عام أن المراجعات تمحورت حول ثلاث مسائل على الأقل : الأولى تتمثل في "القضية الديمقراطية"، ويندرج في سياقها تغييب هذه القضية وما ترتب عليها من إشكاليات عديدة داخل الحياة الداخلية للأحزاب الشيوعية، كما يندرج في عدادها نقد الأخطاء الفادحة التي ترقى إلى مستوى الجرائم والتي أرتكبت في الممارسات الاستبدادية داخل الحزب الشيوعي السوفييتي، ولا سيما في الحقبة الستالينية وأستمرت بدرجات أقل في العهود اللاحقة.(ويمكننا النظر على سبيل المثال في هذا الصدد : 1-ماهر الشريف، عن بعض مظاهر أزمة الماركسية، دار الينابيع ، دمشق 1995، 2- د. إبراهيم سعد الدين، أزمة النظام الاشتراكي كتاب الأهالي، القاهرة، مارس 1989، محمد الجندي، ماذا يجري في العالم الاشتراكي، دار الثقافة الجديدة ، القاهرة 1990).
والثانية تتمثل في "المسألة الدينية" وذلك بالتعالي على ثقافة الجماهير الشعبية الدينية ما أدى إلى خلق واحد من الحواجز بينها وبين جماهيرها المفترضين من الطبقات الفقيرة أستطاع أعداء الشيوعية في العالم العربي أستغلاله ببراعة ضدهم. والثالثة تتمثل في "المسألة القومية" التي نظروا إليها باعتبارها شكلاً من أشكال الشوفينية القومية وأيلاء البعد الاُممي أهتماماً أكبر منها، ما ترك هذه المسألة للأحزاب القومية الشوفينية يصولون ويجولون وحدهم فيها وأحتكارهم المزيف لها بدلاً من أن يقدم الشيوعيون بديلاً إنسانياً للمسألة في الفكر والممارسة. بيد أن ثمة نقاط أخرى يمكن إدراجها في سياق الأخطاء الذاتية لم يجرِ في تقديرنا تناولها، منها على سبيل المثال لا الحصر أهتمام ربما أغلب الأحزاب الشيوعية العربية بالكم على حساب فيما يتعلق بفتح الباب للعضوية فيها، مما أدى إلى ضعف الكثيرين منهم أمام العدو ، بل ووقوع العديد منهم في شراك أجهزة المخابرات وأبتعاد أعداد كبيرة اخرى عن أحزابهم وأنقلابهم عليها، وبخاصة في أعقاب أنهيار الأتحاد السوفييتي. وإن كانت الأمانة تقتضي القول أنه في مناخ الهزيمة الذي ولّده زلزال الأنهيار ثمة قيادات تساقطت ولم تتوان عن رفع معاول الهدم ضد أحزابها ولا تعرف سوى لغة النقد الهدام متناسية دورها في خلق ما تعتبره من أخطاء .
وإذا كانت الأحزاب الشيوعية تتفق في مراجعاتها على أهمية إحلال الديموقراطية داخل تنظيماتها، فإنه بات من الأهمية بمكان اليوم ينبغي وضع هذه المسألة موضع التطبيق ليس داخل هذه الأحزاب فحسب، بل وفي مواقفها الخارجية، فلا ينبغي اليوم مجاملة دولة أشتراكية شمولية بلا حدود وهي لا تأخذ بالديمقراطية في سياساتها الداخلية أو ولا تراعي حقوق الإنسان أزاء شعبها ، ولا ينبغي أيضاً ممالئة دولة وصل حكامها اليساريون من خلال أنقلاب عسكري، كما كان الحال خلال الحقبة السوفييتية، فالصدق مع النفس من الأهمية بمكان في ترجمة ما تم من مراجعات فكرية وتصحيحات سياسية. وفي تقديرنا فقد خلت من المراجعات الفكرية أيضاً مسألة رد الأعتبار لما عُرفت ب " الأورو شيوعية " والتي اُتهمت بالتحريفية من قِبل الاتحاد السوفييتي وسارت الأحزاب الشيوعية خلفه في هذا الأتهام !
وإذا كانت الأحزاب الشيوعية العربية ردت الأعتبار لإسهامات رموز ماركسية كبيرة مثل جرامشي وروزا لوكسمبورغ وغيرهما، فقد آن الأوان للإستفادة أيضاً من أسهامات مفكرين وقادة شيوعيين في بلدان أوروبا الغربية باعتبارهم خاضوا نضالات سلمية في بلدانهم الرأسٍمالية وأستلموا السلطة في عدد منها وفق تحالفات جبهوية مع الاشتركيين وغيرهم، ذلك بأنهم من أوائل من تنبهوا مبكراً إلى خطورة تغييب الديمقراطية على الأنظمة الاشتراكية السابقة في الاتحاد السوفييتي واوروبا الشرقية ما يهدد مستقبل تجارب تلك الأنظمة الاشتراكية وهو ما حدث لاحقاً للأسف. ولعل يجدر بنا في هذا السياق أن نشير إلى ندوتين عالميتين عُقدتا في باريس: الأولى بُعيد أنهيار الأنظمة الاشتراكية في أوروبا وقبيل أنهيار الأتحاد السوفييتي بسنة واحدة، وتحديداً بين من 17 إلى 19 أيار / مايو 1990 تحت رعاية كل من مجلة "ماركس الآن "و" المعهد الايطالي للدراسات الفلسفية"، وشارك فيها نخبة من كبار المفكرين اليساريين والديمقراطيين في أوروبا الغربية وغيرها ونشرتها دار المطبوعات الجامعية الفرنسية، والثانية عُقدت أيضاً في باريس في عام 1998، أي بعد بضع سنوات من الأنهيار، بمناسبة مرور 150 عاماً على صدور البيان الشيوعي، وقد شارك فيها أيضاً نخبة من كبار الباحثين والمفكريين الماركسيين والديمقراطيين، ومن بين الذين شاركوا فيها وقدموا أوراق مهمة: نيقولا بادالوني استاذ الفلسفة في جامعة بيزا وهو رئيس مركز جرامشي بروما ومتخصص في تاريخ الفلسفة، ودانيال بن سعيد استاذ الفلسفة بجامعة سان دينيس بباريس، وروسانا روساندا القيادية السابقة في الحزب الشيوعي الإيطالي وذات أهتمام بانتفاضة الطلبة 1968الفرنسية ولوسين سيف القيادي السابق في الحزب الشيوعي الفرنسي وهو أحد مديري مركز الدراسات الماركسية للبحوث في باريس. أما من بين أهم المشاركين في الندوة الثانية والذين شارك بعضهم شارك في الندوة الأولى : جورج لابيكا استاذ الفلسفة في جامعة باريس، والمفكر الماركسي مايكل لووي وكلود ميزوريك وكاترين ساماري ولوسيان سيڤ وهو من أبرز منظري الحزب الشيوعي الفرنسي. وربما ثمة ملتقيات وندوات عالمية اخرى لم أقف عليها في المصادر الإعلامية التي تحت متناول . وللأسف تبدو المشاركات اليسارية العربية في كلتا الندوتين المهمتين ضعيفاً ، وبالمثل فإن تغطية كل منهما في الإعلام اليساري كان محدوداً، رغم أن الأوراق المقدمة فيهما شديدة الأهمية وعظيمة الثراء وجديرة بترجمتها كاملة ( يبلغ مجموعها في الندوة الأولى عشرة مجلدات ) للاستفادة بما يمكن الإستفادة منها في مراجعاتنا داخل الأحزاب الشيوعية، وخلاصاتها أو نتائجها مازالت تحتفظ بقيمتها في حاضرنا بعد مرور زهاء 30 عاماً على الندوتين، ومن ثم فإن أهمية ترجمة أوراق الندوتين ما زالت قائمة.
وإذا كنا قد نوهنا بشجاعة المراجعات التي تناولت بالنقد المتناهي الصراحة التجربة للتجربة السوفييتية المديدة منذ ثورة أكتوبر 1917، فإن ثمة ظاهرة من الظواهر السلبية اللافتة في الإعلام اليساري والشيوعي منذ أنهيار الأتحاد السوفييتي وتتمثل في عدم أيلاء أهمية لترجمة عشرات الكتب التي صدرت لقادة ومسؤولين كبار في الأتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي الحاكم والتي يتحدثون فيها عن حقائق صادمة من الأنحرافات في التطبيق الاشتراكي وأسرار في غاية الخطورة عن سياسات الاتحاد السوفييتي الخارجية والداخلية . وإذا كان من المفهوم أن تكون الظروف المالية التي تمر بها الأحزاب الشيوعية منذ أنهيار الأتحاد السوفييتي لا تسمح كما كانت في زمن بحبوحة الترجمة والنشر قبل الأنهيار، فإنه غير المفهوم أن ينعدم الأهتمام بالترجمة كلياً جملة وتفصيلا تقريبا. كما نعتقد من الأهمية بمكان أن يكون للأحزاب الشيوعية مجلة منبر إعلامية نظرية مشتركة تصدر فصلية كل ثلاثة شهور إن لم يكن بالإمكان إصدارها شهرية أو حتى نصف سنوية .
وبعد، فقد حان الوقت لأن أن تقدم الأحزاب الشيوعية على مراجعة جادة لما تحقق من مراجعات وانتقادات ذاتية بعد مرور ثلاثة عقود من الأنهيار، فهي ما زالت تملك زمام المبادرة بقوة أفكارها شريطة تجديدها لتتلائم مع حاضرنا وتكون أكثر جذابة لشبيبة اليوم التائهة فئات غير قليلة منها عن أختيار الخط الصحيح لنضالاتها، وبخاصة في ضوء إدراكها بأفلاس الحركات الأسلاموية، فهذه الشبيبة هي أمتداد لشبيبة الربيع العربي التي خرجت لوحدها تحت رايات وشعارات بعيدة عن رايات وشعارات تلك الحركات الأسلاموية كما وجدناها في أنتفاضات العراق ولبنان والسودان والجزائر خلال السنتين أو الثلاث الماضية، ولكنها في أنتفاضات ربيع 2011 بمكرها عرفت كيف تندس فيها وتحرف شعاراتها وتخطف نتائجها وتحولها إلى نتائج كارثية فيما نتابعه منذ مطلع العقد الماضي على أكثر من صعيد، وبمثل هذه المراجعات يستطيع الكادر الحالي من قدامى ومخضرمي القيادات في أحزابنا الشيوعية أن يسهم حقاً في تجديد ألق الراية الحمراء وأن يسلمها إلى جيل جديد جدير بالمسؤولية وهي مرتفعة خفاقة في السماء كما كانت في عصور أزدهارها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جوهر الماركسية لم يتغير مطلقا
منير كريم ( 2021 / 9 / 11 - 21:42 )
تحية للاستاذ السماك المحترم
لانقرآ سوى مقالات انشائية وافكار امنياتية عن تطور او تطوير الماركسية لكن الحصاد لاشيء
يجب ان يكون الكلام ملموسا بتبيان ماذا سقط من الماركسية وماذا اضيف لها ؟
اما الكلام عن اساليب التضال السلمية فهذه ليست جديدة فقد ذكرها ماركس وانجلس سابقا
الموضوع هو البنية النظرية للماركسية هل تصمد امام الفلسفة التحليلية الحديثة وهل تصمد امام نظريات الاقتصاد الحديثة وهل تصمد امام النظرية السياسية المعاصرة عن الدولة وهل تصمد الماركسية امام النظرية الانسانية الحديثة في علم النفس
نحن امام تجاوز المعرفة البشرية للماركسية
وهذا امر طبيعي الا اذا اعتبرت الماركسية دينا
شكرا


2 - للسيد رضى السماك
فؤاد النمري ( 2021 / 9 / 12 - 06:25 )
جميع المرجعبات التي رجعت إليها لتعليل انهيار الاتحاد السوفياتي هي لمراجعين ليسوا ماركسيين قرأوا التاريخ السوفياتي كما هو

أنا المراجع الوحيد الذي قدم تفسيراً علميا لانهيار الاتحاد السوفياتي والدلالة القاطعة على ذلك هو قرار الجنة المركزية للحزب في اجتماعها في ايلول 53 القاضي بإلغاء الخطة الخميبة التي كان المؤتمر العام التاسع عشر للحزب في أكتوبر 52 قد أقرها، ذلك القرار المخالف للقانون جسد الإنقلاب الحاسم على الإشتراكية

في حزيران 57 اجتمعت اللجنة المركزية اجنماعا غير شرعي وقررت طرد سبعة أعضاء من المكتب السياسي الذين كانوا قد سحبوا الثقة من خروشتشوف وهو قرار مخالف للشرع وللقانون

في المؤتمر العام الثاني والعشرون في العام 61 قرر الحزب إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا لتحل محلها -دولة الشعب كله- وهو اعتراف صريح برفض الاشتراكية التي كان ماركس قد أكد بأن الاشتراكية لا تكون إلا في ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا

كيف يمكن لحضرتك أن تتجاوز هذه الوقائع التاريخية ؟
لا يمكن تفسير انهيار الاتحاد السوفياتي بغير قراءة التاريخ كما هو

تحياتي

اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي