الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشتعال -7-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 12
الادب والفن


عملية تعذيب تبدأ في اليوم السّابق للعملية حيث التصوير ، و إعطاء الدّم ، ولا تنتهي. في هذا اليوم بالذات أردت أن أغفو في الصّباح ، لكنّ الممرضة أتت في الخامسة ، بعد الحمام علّقت لي السيروم ، وبقيت تروح وتجيء حتى السابعة حيث قادتني مع زميلتها عبر الدهاليز إلى غرفة العمليات حيث الطاقم كلّه موجود إلا الطبيب الذي يجري العملية فإنه يأتي في الموعد المحدد. هنا تشعر بالرّاحة معهم حيث يبعدونك عن جوّ العملية ، يناقشون معك قضايا" تافهة" كقضية الطقس ، وعندما يأتي الطبيب يكونون قد ضربوا الضربة القاضية وجعلوك تغط في نوم عميق ، ربما تذكر لا حقاً عندما تستيقظ و تكون في الرّعاية المشدّدة آخر حرف قلته قبل أن تغفو .
العملية لا تنتهي بعد العملية ، بل تستمرّ حتى بعد أن تكون جاهزاً تماماً لتلقي الباندول ، أو الطعام، فهناك آلات في جسدك يجب أن تزال .
لم أكن أستطع الحديث بعد . رن هاتفي ، نظرت فرأيت أن ابنتي سيناء تهاتفني من كندا:
ماذا قال الطبيب؟
متى تستطيعين السفر؟
هل سوف تشفين؟
قلت لها أنني بخير ، لكنني سوف أجيبك لاحقاً ، لا أستطيع الآن .
لم أكن أعلم أنها اعتقدت أنني في وضع حرج . بعد عدة ساعات تواصلت معها ، ردت على الفور: هل هناك خطر ؟
هل هذه آخر مرة سوف نتحدث بها؟
أحسد إخوتي لأنهم يستطيعون زيارتك ورؤيتك.
هل سوف نرى بعضنا البعض؟
أجبتها و أنا أضحك:
لن تفلت مني زيارة كندا و أمريكا . أنا بخير، الورم في تراجع، و الموضوع يحتاج إلى وقت.
أجابت: أشعر أنّك تكذبين عليّ!
لا أكذب عليك . هل تذكرين عندما بدأ وباء الكورونا ماذا قال بعض أصحاب الديانات الطبيعية في كندا و أمريكا؟ لقد وصفوا الكورونا بالأخ الأكبر ، يبدو لكلّ إنسان أخ أكبر ، وهذا السرطان هو الأخ الأكبر يعطيني ، ويعطيكم الدروس . إنها أقل هجمة من أخ أكبر أتعرّض لها. الأمر بسيط جداً.
ابنتي تهدأ عندما أحدثها، وتثق بكلامي ، فقد قلت لها: لن أموت بالسرطان، ربما أموت بسبب آخر ، أخذت كلامي على محمل الجد ، لأنّ لغة الجسد لا تكذب .
أسميها سياحة المرض، هي حقيقة سياحة قد لا تتاح لك كثيراً في الحياة، فعندما تحضر السيارة لتقلك في صباح ما تحلم بالحريّة . تلك الحرية التي فاتك أن تلتقي بها، تبتسم للدنيا، تمتلئ بحبّ الحياة، أو حبّ الموت حسب درجة الألم في تلك اللحظة .
طالما حلمت برحلة يقودها سائق ، ولا تنتهي. صحيح أن رحلاتي تنتهي إلى المستشفى ، لكنني أتخيل في كلّ مرة أنها هي تلك الرحلة التي حلمت بها .
أفكّر بحريّة ، لا أهتم لموقف الأخر منّي ، لا أعاتبني على فعل أو قول . هي حرية ولدت حديثاً لدي.
كانت رحلة العلاج الكيماوي هي التي بدأت في تلقيني دروس الحريّة ، فعلى سريري في المستشفى، ولمدة ست ساعات متواصلة عليّ أن أتأمّل الحياة ، ولا يقاطع جلسة تأمّلي سوى حديث الممرضة المشرفة على العلاج وهي تسألني : هل ترغبين بالقهوة ، بالعصير ، أم أي شيء آخر؟
الممرضة التي تشرف على علاجي قاربت على الثمانين من عمرها ، لا أعرف إن كان العمر يرتسم على وحهها ، لكن قناع الفم، و اللباس الموحد جعلني لا أفرق بينها وبين ممرضة في الثلاثين .

في مرّة جلست الممرضة قربي ، سألتني ماذا أفعل ، قلت لها بأنني جالسة على الفيس بوك ، قالت أنها لا تجلس على الفيس إلا كل عدة لأيام، و أصدقاؤها حوالي خمسين شخصاً غير افتراضيين .
في الحقيقة لا يلزم أحياناً أن يكون لدينا أصدقاء افتراضيين ، فبعضهم قد يكون مصدر إزعاج لنا ، ومع هذا فإن لدي عدد كبير من الأصدقاء العاديين الذين تحوّلوا إلى افتراضيين ، و عندما أجلس إلى الفيس أحمل درعي لصد الهجمات ، حيث تصلني رسائل لئيمة . بعضهم يظهر فجأة يلدغك ، ويعود إلى نافذة التّلصص ، ثم يطالبك بأن تستمع للرأي الآخر!
عندما أفكّر في الدّخول إلى الفيس بوك يجب أن أكون طبيعية ، لأنّني لن أجد فيه ما أطلب. كل ما نقوله على الفيس أننا لا زلنا هنا ، رغم ذلك دخلت على الفيس لأنني لا أستطيع التركيز في أمر آخر.
يا للهول! أغلب أصدقائي ينعون نفس الشخص ، ويضعون إنتاجاته العظيمة مكتوبة تحت صورته. توّحد أصدقائي حول موقفهم من الشخص، هو سينمائي سوري، كنت أرى أنه ثقيل الظل، لن أتعرف إلى أعماله ، لكنني سمعته يتحث أمام التلفزيون .
اليوم يوم التعازي ، سوف أخرج من الفيس ، ولا أعزي رغم أن بعض الأشخاص يستحقون، لكن الأمر خرج عن الواقع.
صديقتي الحقيقية و الافتراضية تعلّق علي بكلمات رقيقة ، كنت أعتقد أنّ المودة التي جمعتنا يوماُ لم تذهب هباء ، لكنّني رأيتها تكتب نفس العبارة، و تضع نفس الورود على منشورات الجميع . سألتها: من أين تأتي بالوقت المناسب لكل هؤلاء ، ومتى تستطيع فعل كل ذلك؟ قالت : كلّه بسبب الفقر -أدامه الله نعمة .


لم أعد أحبّ النّقاش ، و لا أهتمّ للرأي الآخر، لذا أزيل اللدغة وصاحبها . ماذا يلزمني وجع القلب ، و أنا أمارس طقوس المرض؟ سميت الرأي الآخر : " اللدغ الآخر" ، ونحن ماهرون في اللدغ عندما تكون ضعيفاً، وماهرون في نفخك حتى تشعر بأنك سوف تنفجر عندما نشم رائحة السّلطة ، أو المال .
وصلتني رسالة من صديق اسمه : المؤمن بالله يقول فيها :" استغفري ربك ، وتوبي إليه ، أليس من الممكن أن يكون الله ابتلاك بالمرض لتعرفي طريق الإيمان ؟". المؤمن بالله هذا امرأة تتشفى بي ، أعرفها من طريقة كتابتها سميتها: " اللداغة" ، وبينما كنت غارقة في تسمية المؤمنين " اللداغين" أتت الممرضة ومعها فنجان قهوة . قالت لي: إنني سعيدة لأنك تبتسمين . قلت لها فعلاً نسيت أنني في جلسة علاج كيماوي ، فأنا أعالج آثار اللدغات على جسدي . لم تفهم، و سألتني إن كان يوجد حشرات . طمأنتها ، لم أشرح لها الأمر فهي في النهاية لن تفهم ثقافة اللدغ تلك.
من ضمن أصدقائي اللداغين رجل خمسيني كان يعيش في تركيا ، ويكتب أشياء ضد النساء، ثم يرسل لي رسالة أنني فهمته خطأ . هذا لم يكن لدّاغاً. كان حنوناً ، رغم أنه غير بروفايله إلى :" إلا أنت يارسول الله" إلا أنّه مجامل للنساء ، أراد أن يشركني في مشروع ثقافي سوف يقيمه -فقط للجلسة- ، وفي إحدى المرات رن الهاتف بعد منتصف الليل، وكنت أتألم ، رددت على الهاتف ، قال : أنه يرغب أن تتعلم النساء فن العناق، وبدأ صوته يرّق لدرجة أنني حذفته على الفور، بعدها بعدة أيام قرأت نعوته على الفيس . . .
كثيرون هم الرجال الذين تواصلوا معي كي ننجز مشاريع نسوية ز هم يعتقدون انني املك المال ، و أنا تركت الأمر يجري بشكل طبيعي فانسحبوا . أراهم اليم على صفحات نساء أخريات ، وهم يعبرون لهن عن الإعجاب. بعض هؤلاء النّسوة ليس لديهن شيء سوى ما كتبنه على الفيس ، لكن البعض وتحت شعار النسوية يبيع الجنس من خلال الهاتف -أي عن بعد، أو قرب-وألكثير من أصدقائي متابعين لهنّ.
في الحقيقة كنت خلال فترة علاجي الكيماوي أتفهم دعوات الرجل المؤمن حقيقة ، و أرفض أفكار المؤمنة ، لأنني أشمّ منها رائحة الكذب عندما تعبر عن إيمانها ، وهي زوجة ثالثة على سبيل المثال.
أصبحت جلسات الكيماوي من الماضي ، لأن ما بعدها كان أقسى ، لكنني بعد تلك المرحلة أصبحت أصدّق مع نفسي ، أصبحت لا أخجل مما أقوم به في العالم الافتراضي ، و الحقيقي، فالرأي الآخر لدي يعني اللدغ !
بعد جلسات الكيماوي الستة تعلّمت فنّ حبّ الحياة ، أشعلني الحبّ ، حافظت على لهبه كالشعلة، لا أرغب أن تطفأ ، لا زلت أشتعل حبّاً .
لا أفكر في الموت ، فهو يأتي في غفلة، أما الحياة فهي فرصة ثمينة علينا أن نسعد بها، ونبتكر وسائل تمكننا من الاستمرارفيها حتى النهاية.
تعلّمت من جلسات الكيماوي التمسك بالحياة ، ولا زلت أسير على نفس الخط في الإشعاعي، وما بعده ، فلا يوجد شيء اسمه مرض خبيث. إنه مرض صديق!
أفكّر بمن اخترع المرحاض. لا شكّ أنّه يمثّل الرّفاه في المجتمع ، فلو تخيلنا أننا نعيش قبل مئتي عام ، و أصيب أحدنا بالسّرطان ، أو خضع للعلاج الإشعاعي أو الكيماوي. ماذا سوف يكون حاله ؟ تلك الآلام في أمعاءك تجعلك تقيم بين غرفتك و التواليت. يقال أنها أعراض جانبية للعلاج ، كيف يكون الأمر لو كان هناك أعراض أساسية أقوى من تلك؟
. . .
تردني الرسائل المتعاطفة من الأصدقاء الذين قضيت معهم سنوات طويلة من عمري، وبخاصة رفيقاتي في الحزب الشيوعي سابقاً . أقدّر تعاطفهن، وفي مرة طلبت صديقتي أن نتحدث صوت وصورة، وافقت ، فتحنا حديثاً طويلاً ، ذكّرتني ببعض المواقف من الماضي البعيد ، أعادت لي بعضاً من التوازن ، نظرت إلى نفسي: لم أكن صفراً، بل كنت سعيدة بالعمل مع هؤلاء النسوة ، وجميع الرّفاق، كنا نطرح أفكاراً ثورية حقيقية يمكن أن تغيّر العالم دون أن ندري أننا في تنظيم مؤدلج، و أن من يشرفون عليه لا يرحبون بالفكر الجديد ، لم نكن نهتم، كان حديثنا الصّاخب يمنحنا الشعور بالحياة .
قبل موضوع السّرطان هذا كان لديّ انتكاسة في تقدير الذات ، حيث اعتبرت نفسي مذنبة فيما آلت إليه البشرية ، أو على الأقل في ضيق ذات اليد، وبخاصة بعدما وصلت إلى خيمة اللجوء التي كانت تضم حوالي مئتي سوري ، ربما أغلبهم مع نظام الأسد ، يملكون المال، يذهبون إلى المدينة، يشترون ما يرغبون به من الطّعام، ويسهرون على شكل تجمعات في مبنى اللجوء. فوضى، جنس، أزمة منتصف العمر بين النساء اللواتي قدمن دون أزواجهن، وعلاقات حميمية في الغرف ، يمكنني القول أنّ لا أحد بين من كانوا قد نكب في ذلك المكان، ربما لأنّ ذلك كان في بداية " الثورة".
المرض أعادني إلى نفسي ، أصبحت مقتنعة أنّني فعلت ما في وسعي لإنقاذ عائلتي ، كما أنني أكتب كما أرغب ، لم أعد أسعى للنشر في المواقع و الصحف بعد أن وصل عدد الكتّاب و المنصات إلى حدّ التّخمة .
قد يقول أحدكم أن هذا لا علاقة له بيومياتك حول المرض، لكن في الحقيقة كان أهم يومياتي، فعندما يأتيك الخبر الصّاعق ، وتفكّر أنّك سوف تموت في القريب العاجل تبحث عن نفسك في دهاليز الماضي ، وتتساءل : ألم يكن بالإمكان أن أصل إلى ما أستحقّ؟ ثم تتذكّر آلاف الشّباب الذين قتلوا، أو سجنوا، فتهدأ وتقول: كانوا يستحقون الحياة.
عندما فكّرت بالموت كان المرض في بدايته ، ولم أكن قد خضعت للعلاج بعد، وكانت فكرة عبرت خلال دقائق لأتمسك بعدها بفكرة الحياة. لن أموت بالسّرطان على كل حال. هذا ماقلته لنفسي .
بعد الأسبوع الثالث من العلاج بالأشعة كنت أسأل نفسي: أليس الموت أفضل من هذا العذاب ؟ لكنّني أرفض الفكرة، أخرج من غرفتي ، أنزل من الفندق ، أجلس في الهواء الطّلق ، ينضمّ إليّ بعض المرضى ، نتحدّث في أغلب الأحيان عن الطّعام، ونشرب القهوة معاً ، يتبرع البعض بجلب المعجنات من مطعم الفندق ، نسهر إلى وقت متأخر ، فلا أحد يستطيع النوم.
أكثر الأشياء التي أحزنتني هي عندما أرى أمّاً تحضن طفلها ، وتدخله إلى غرفة العلاج ، ومن بين أولئك الأطفال طفلة في العاشرة ، كانت تتمسّك بوالدتها، كأنّها سوف تمنحها الحياة. كان يتملكني الحزن ، ثم أواسي نفسي، و أقول: سوف تنجو تلك الطفلة، ويصبح هذا الأمر من ماضيها.
في مرّة خرجت في الخامسة صباحاً إلى الغابة، كان الجوّ رائعاً، والأشجار نائمة ، وكذلك الطيور، فقط أنا أسير ، سألت الغابة: هل المكان كلّه غاب هنا؟
أردت أن أقطع الصّمت ، شعرت أنّني أغني على مسرح ، وبدأت أدندن بكلمات :" ياحبيبي ياحبيبي أيه . أجمل من ليل واتنين جايين عاشقين. "
جميل ذلك الطّرب . كيف كان مطربو ذلك الزمان يحفظون تلك القصائد ؟ بل كيف كانوا يقفون على المسرح لمدة ساعة دون أن يتعبوا؟
كان صباحي غناء ، جلست على مقعد بعيد عن الفندق، حوله أشجار، في السّادسة بدأت أوراق الأشجار بالاهتزاز، بدأت الطيور بالغناء، بدأت أشعر بالإعياء، كنت أردّد بعض الكلمات و التعابير ، وكأنني حفظتها عن ظهر قلب . جلست قرب شجرة ضخمة ، حاورتها ، سألتني عن سيرتي ، لم أعرف الجواب ،
استعرضت تواريخ مضت علّني أطلّ على فرح، عندما
قرأت ألف مقالة في النّدب ،
عشر روايات عن الحبّ ،
لم أجد فيها شيئاً مختلفاً . كلّه ندب
ثرت عليّ
إلى متى أبقى قارئة للغير؟
أيقظي من حلمي عظيم
كان يردح بالباطل ، يصفق له النّاس
و أنظر إلى نفسي غريبة بينهم
كلهم كانوا هناك، و اليوم كلّهم هنا
حضورهم طاغ في كل وقت
يقول عظيمهم: كنت وكان المجد
وقفت مع الحق
سخرت منّي
كيف أقنع نفسي به ؟
قبل ساعة كان يعتلي منصبه هناك
و اليوم نصفق له هنا
ما شأني ؟
فأنا لست مع التّيار
ولا عكس التيار
أقف في الظلّ
أسجل حضوراً على هامش الدّفتر
أطوي صفحة تاريخ لستُ فيه
أنصرف إلى حكاية لم تبدأ بعد
قد أبدأها اليوم، أو في الغد
سمعت الشّجرة تقول لي: هل لديك شيفرة كي أفك طلاسمك؟ عليك أن تكوني واضحة صريحة لا تتحدثي بالألغاز . لكنّني لو كنت واضحة وكشفت الحقيقة سوف أنبذ أيتها الشجرة. وبينما الألم يحاصرني سمعتها تقول : أنت منبوذة على كلّ حال ، لأنّك حقيقيّة، وتتكتمين على سوء الحال.

أصبت بالغثيان، بالمغص، عدت مسرعة ، تناولت الحبوب المسكنة، وحبوب الغثيان، جلبت قطعة خبز دهنتها بالزبدة مع كأس شاي، لكنني لم أتمكن من أكلها، انتظرت وجبة الإفطار في السابعة صباحاً ، و الوجبة فيها كلّ شيء بدءاً من العسل، و انتهاء بالكافيار ، خطرت لي فكرة تعظيم الكافيار، فقد كنا في الماضي نتغزل به ولا نعرفه، حذوت حذو بعض المرضى، دهنت قليلاً منه على قطعة خبز ، لكن بمجرد أن وضعت لقمة بفمي شعرت بغليان في معدتي ، غادرت المطعم إلى التواليت و أفرغت محتويات معدتي . . . إنّه الكافيار!
الحياة رحلة مع الزمن . أحياناً تقودك إلى الماضي ، تركب آلة الزّمن تتجه إلى حيث عاش أجدادك علّك تقبض على الفرح، ثم تعود بنفس الآله لتتجه نحو الحاضر، ترى الفرح يسافر، ولا تستطيع اللحاق به، فتغادر إلى المستقبل، تقرّر أنّك سوف تقبض على الفرح.
في كل يوم كنت أستقل آلة الزمن لتعيدني إلى الماضي، ثم أعود فيها إلى الحاضر، و أغفو بينما تقودني إلى المستقبل .
قلبي ضعيف أمام كلمات المحبّة
أنتظرها كما تنتظر الأرض المطر
لم يكن المطر كريماً في مرّة
كان شتائي صيفاً قائظ اً
وقعت بين يبابين
وقفت فوق صخرة أرسم فيها ملامح جديدة
المشاعر موجودة ، يخجلون من البوح . . . هكذا كان تفسيري
تلك الوجوه المنحوتة من القساوة تحيّرني
أغادر إلى عرشي
ملكة أنا ، أعيش في قطب بارد
وحيدة ،أمام قصري ألف متربص
هي خرابة سميتها قصراً ، وبدأت
يريدون أن أعلن هزيمتي
أن أجثو على ركبتي
كي يقولوا: تستحقين ما جرى
ماذا جرى ؟
أدافع عن عرشي ، و أدفع ثمناً
أدفع عمراً
قلباً
. . .
أستمرّ ، وتستمرّ الحياة ، وسوف أبقى كما أنا لا أسمع ، ولا أرى.
أستعيد كلمات شجرة عتيقة في غابة : أنت حقيقيّة ، لكنك تتكتمين. أحدّث نفسي، ولا أتجرأ حتى على ذكر اسم واحد ممن أتحدث عنهم، لكن أليس السبب أنني أشكّ في معرفة الحقيقة؟ ربما، لكنّني أحاول تفسير الأمور على محمل حسن كي لا يرهقني الموقف.
الرحلة الأخيرة إلى بيتي جعلتني أشعر أنّني بخير، علي أن أذهب للاسبوع الرابع من العلاج .
ودعت بيتي في هذه المرة: لست الأوّل الذي يلفظني .
بنيت الكثير من البيوت
بعضها تهدّم، بعضها نبذني
سوف ألقي عليك نظرتي الآخيرة
أوه! ما أسخفني !
لم أطمح يوماً بجدران وسقف
أستحق أن أشتري جزيرة
لا. لا أستحق !
أنا سليلة التّخلف
سليلة تمجيد الفقر
لا بأس. وداعاً . لدي شعور أنني لن أعود.
في هذه المرة لدي شعور بأنّني ذاهبة إلى الموت . جسدي يشتعل من الخارج ، وقد اسودّ الجلد الخارجي ، فكيف سوف يكون الدّاخل ؟ لا شكّ أنه حريق يأكل جسدي ، و لكن ليس بيدي حيلة سوى ركوب السيارة و الذهاب إلى الآسبوع الرابع ، وفي هذه الجلسة عندما وضعوني على الطاولة الصلبة، ووضعوا بين يدي الدركسيون شعرت بعظامي تحترق، تمنيت أن تنتهي الجلسة، أغمضت عينيّ ، و أنا أعدّ ، خرجت من الجلسة، كانت في انتظاري الممرضة المسؤولة عن الملف ، أخبرتني أنّه علي أن أذهب إلى القسم الثاني في الغد كي يعطوني الدم لأن قيم الدّم عندي منخفضة . ثم سألتني : ما بك؟ قلت لها: تعبانة. تعبانة جداً، أتمنى أن أموت . قالت: لا تقولي ذلك. سوف تتعافين ، كوني قوية . ألا تريدين أن تتعافي؟ تأبطت كتفي وقادتني إلى السيارة، وأخبرت فندق المرضى كي يتابعون حالتي.
وصلت إلى الفندق ، رأيت المسؤولة بانتظاري ، قادتني إلى غرفتي، وجلست تواسيني. لم يعجبني موقف الشّفقة. قلت لها : أنا بخير ، يمكنك الذهاب إن احتجتك سوف أخبرك .
بعد أن هدأت خرجت لأجلس في الهواء الطّلق ، ثم قرّرت أن أمشي مشواري العادي ، فتعثرت رجلي، وكدت أن أسقط ، لكنني تمسكت بجدار ، ثم أكملت طريقي.
فكرت في الأشياء التي أعطيتها في حياتي ، وكانت بطتان تسبحان في بركة ماء . سألتهما عن المشاعر ، وسمعت صوتاً يأتي من مكان بعيد: هل تعتقدين أن البشر تولد مع المشاعر؟ ليس جميع الناس يولدون بمشاعر ، لكن يا من تحدثني كنت أخاف عليهم ، لماذا هذا الفتور؟
لو تحدّثت لك عن أيامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا