الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كامو الغريب المنتمي

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 9 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٧٧ - كامو الغريب المنتمي

بالإضافة للزوبعة الناتجة عن نشر كتابه "الإنسان المتمرد" سنة ١٩٥١، والذي سنعالجه بالتفصيل لاحقا، تضاف فضيحة أخرى تلطخ سمعة كامو الإنساني صديق الفقراء والمهمشين، وهي موقفه من إستقلال الجزائر. وتصل ذروة المنتقدين أوجّها مع تصريحاته التي تلت نيله جائزة نوبل للأدب (1957)، حيث أجاب على سؤال يتعلّق برؤيته لحرب التحرير التي كانت تدور في الجزائر، بالقول : " أدين الفظاعات الممارسة، وأدين أيضاً العنف الحاصل في شوارع الجزائر. هذا العنف ربما قد يُصيب أمي يوماً ما. أنا أؤمن بالعدالة، لكن بين العدالة وأمي، سأختار أمي ". وبغض النظر عن وضعه على نفس المستوى الأخلاقي، عنف المناضلين من أجل الحرية والإستقلال وعنف وجرائم جيش الإحتلال، فإن إختيار جانب الأم هو إختيار فرنسا في مواجهة الجزائر وهو نفس الخيار الذي واجه "المتمرد" بخصوص الحرية والثورة، أي بين الحرية الفردية والعدالة الإجتماعية. وقد واجه نقدا صارما من السورياليّين وبالذات أندريه بروتون الذي كتبَ يقول: "ما هذا الشبح المسمّى تمرُّداً والذي يُحاول كامو الوثوق به، ويحتمي وراءه، ويُسوِّغ تمرُّداً هو عنده مَدخل "الاعتدال"؟ ما الذي يتبقّى من التمرُّد بعد أن نُفرغه من جوهره الانفعالي.. لا ريب عندي أنّ كثيرين سوف يخدعهم هذا الدهاء. فهذا أسلوب تُبقي فيه على الكلمة بعد أن تُفرغها من مضمونها ذاته". غير أنّ الهجوم الأشدّ شراسة جاء من أحد أصدقاء سيمون دو بوفوار Simone de Beauvoir، الأميركيّ نيلسون Nelson Ahlgren ، الذي كتبَ مقالةً في مجلّة "الأزمنة الحديثة" ينتقد فيها "سلبيّة" كامو، وانسلاخه عن التاريخ، وعدم إدراكه للقيمة الحقيقيّة للبنى التحتيّة كما وضّحها كارل ماركس.
لقد عاش ألبير كامو مثله مثل العديد من المثقفين، حياة المثقف البرجوازي في باريس مندمجا في بيئته الإجتماعية، بين الفنانين والأدباء والشعراء، ولم يكن أحد ينتظر موته المفاجيء بطريقة تراجيدية. فقد قضى ليلة رأس السنة ٣١ ديسمبر ١٩٥٩ مع زوجته وأولاده وأصدقاءه في بيته الكبير الذي اشتراه منذ سنتين في قرية Lourmarin التي تقع في إقليم Le Vaucluse في مقاطعة Provence-Alpes-Côte d Azur في الجنوب الشرقي من فرنسا. وللعودة إلى باريس، ترك زوجته وأطفاله يأخذون القطار، وقرر هو أن يصاحب رفيقه ميشيل غاليمار Michel Gallimard، إبن أخ ناشره المعروف غاستون غاليمار Gaston Gallimard في سيارته Facel-Véga، وكان معهم في السيارة زوجة ميشيل، جانين Jeanine وكذلك آن Anne زوجة إبنه، وكانتا في المقعد الخلفي للسيارة، وميشيل كان في مكان السائق وألبير كامو بجانبه. لقد غادروا للتو قرية سانس Sens، في ٤ يناير ١٩٦٠ حيث توقفوا لتناول طعام الغداء في فندق يسمى هوتيل باريس والبريد l Hôtel de Paris et de la Poste، وكانت الساعة تقارب الثانية بعد الظهر وعند الكيلومتر ٨٨ فقد ميشيل فجأة التحكم في السيارة، ربما نتيجة إنفجار إطار السيارة الخلفي، وبدأت تذهب يمينا ويسارا ثم انقلبت عنما اصطدمت بشجرة أولى ثم بشجرة ثانية، والتي مزقت مقدمة السيارة بالكامل، وقذف بالمحرك لمسافة تزيد عن 30 مترًا ... صدمة مروعة، سرعة بالضرورة مفرطة ... تم قذف جميع الركاب من السيارة لقوة الصدمة باستثناء ألبير كامو الذي قتل على الفور وقضت الشرطة ساعتين لإخراجه من حطام السيارة. وقد وجدوا في جيبه تذكرة القطار الذي كان من المقرر أن يأخذه مع زوجته وأطفاله إلى باريس. ميشيل غاليمار، الذي أصيب بجروح خطيرة، توفي في المستشفى بعد أسبوع. أما جانين وآن، فقد أصيبتا بجروح طفيفة ونجيتا من الحادث، كلب غاليمار الذي كان أيضًا في السيارة من ضمن الركاب فلم يتم العثور عليه ... وعلى الرغم من أن "كامو" لم يكن يقود السيارة وقت وقوع الحادث، فقد كان يفترض أنه يدرك أن السائق، وهو ابن ناشره، كان من المهووسين بالسرعة فى القيادة - التحقيق قدر سرعة السيارة أثناء الحادث بـ١٨٠ كيلومتر في الساعة، ولذلك فقد رأى البعض في الحادث بعض الإشارات والإيحاءات تجعله أشبه بعملية انتحار، أو على الأقل التقرب من الموت ومعاينته عن قرب، وكان من الضروري أن تعود التكهنات، التى أثيرت حول الحادث إلى موضوع الانتحار فى أعمال الكاتب " ليس هناك سوى قضية فلسفية جدية حقا : ألا وهي الإنتحار" كما يقول في بداية أسطورة سيزيف. ومن ناحية أخرى هناك من يدعي بأنه حادث منظم لإغتياله من قبل المخابرات الروسية، نظرا لهجومه الشرس على الإتحاد السوفييتي في ذلك الوقت وتنديده بالمحاكمات الستالينية. وقد دفن في قرية لورماران ورفض إبنه، سنة ٢٠٠٩ أن ينقل جثمانه إلى الـ Panthéon في باريس حيث يرقد أدباء فرنساالرسميين.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل