الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التذبذب الحاد في مزاج الناس: من النقيض إلى النقيض

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 9 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تكشف بعض الأحداث السياسية الكبرى مدى حدة المزاج الشعبي العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص، فهذا المزاج يتذبذب بين قطبين حادين متطرفين: فإما التفاؤل المفرط وما يصاحبه من شعور بالزهو والفخر والرضا عن الذات والوطن وبعض رموزه، فتكون الأشياء وردية وجميلة والمشاعر جياشة، وإما التشاؤم الحاد واليأس إلى درجة يغدو معها كل ما في الحياة سلبيا وقاتما، الأمل معدوم والرجاء غائب والهزيمة محققة.
شاهدنا هذه الحالة التي تنتقل بسرعة من النقيض إلى النقيض كما قال الشاعر " فنحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر" في عدد من المحطات النضالية للشعب الفلسطيني، خلال الانتفاضة وصعودها وتراجعها، ومع كل عملية بطولة فردية مثل عمليات الشهداء أحمد جرار وصالح البرغوثي وأشرف نعالوة وعمر أبو ليلى والأسير منتصر الشلبي، ترتفع المعنويات إلى عنان السماء عند تنفيذ العملية واختفاء الفدائي، ثم تنحدر عند استشهاده وتبدأ اللطميات التي تلوم الشعب كله وتتهم الناس بالخيانة، وتعتبر أن الشرف والبطولة والكرامة غابت مع غياب هذا البطل.
ها هو السيناريو يتكرر مرة اخرى مع ماثرة الأسرى الستة الذين انتزعوا حريتهم من سجن جلبوع، ثم أعيد اعتقال أربعة منهم بعد ايام قليلة، اللافت في الواقعة الأخيرة أننا لم نسمع شهادة الأسرى الأبطال ولم نعرف بالضبط ما الذي جرى معهم، شاهدنا صورهم فقط وهي صور متفرقة توحي بالصلابة والثبات والشموخ، بينما الرواية الإسرائيلية التي انتشرت وجرى تعميمها بمختلف الوسائل تحدثت عن وشاية مواطنين عرب بهم، وأنهم كانوا يبحثون عن الطعام في صناديق القمامة.
من المفهوم أن الأسرى الأبطال واجهوا مشكلات كبيرة في التخفي ومسح آثارهم وتضليل الشرطة وخاصة في غياب اي مساعدة من اي طرف خارجي، والسيطرة المطلقة لقوات الاحتلال على البر والجو واستعانتها بآلاف العناصر الشرطية والاستخبارية من وحدات سلاح البحر (شييتت) ووحدة النخبة التابعة لرئاسة الأركان ( سييرت متكال) ووحدة (شلداغ) التابعة للاستخبارات، فضلا عن وحدات الشرطة العادية والجيش ومصلحة السجون وعشرات آلاف المستوطنين، ومعظمهم مسلحون، الذين كانوا مستعديم للإبلاغ عن اية حركة غير عادية، فضلا عن السيطرة الجوية المطلقة، والحوامات والطائرات المسيرة والأسلاك الشائكة ، كانت المواجهة بين دولة مدججة بكل أدوات القمع والتكنولوجيا مقابل ستة افراد لا يملكون سوى إرادتهم وقدراتهم الفردية البسيطة والتي اسعفتهم في الانقسام لثلاث مجموعات والنثائي الاخير انقسم إلى فردين.
هذه الحالة المشار لها تؤكد وجود خيبات متراكمة لدى الناس وخذلان متراكم من اداء السياسيين، بحيث أنهم باتوا يتطلعون إلى البطولات الفردية وينتظرون منها المعجزات والتي لن تتحقق بالطبع ويالتالي يحلقون في سماوات الحلم والخيال ثم يهوون بسرعة إلى ارض الواقع المزري، يزيد أثر هذه الحالة انتشار الجهل والثقافة السطحية والغيبية، وتحكم الدوائر المعادية في توجيه وسائل التواصل الاجتماعي بحجب نوعية معينة من المعلومات وترويج المعلومات التي تخدم أجندات هذه الجهات، وهو ما ينطبق ايضا على الفضائيات ووسائل الإعلام التقليدية.
يضاف إلى ما سبق عدم الثقة في القيادات بما في ذلك قيادات الأحزاب والقوى المعارضة والقيادات الدينية والمجتمعية والنقابية والعائلية فضلا عن السلطوية والرسمية، بالإضافة إلى ضعف الثقة في الذات. انعدام الثقة يؤدي إلى غياب الثقة ايضا في العمل المنظم والمؤسسي وانتظار المعجزات والركون إلى الخرافة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد


.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض




.. Britain & Arabs - To Your Left: Palestine | الاستعمار الكلاس


.. الفصائل الفلسطينية تسيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية بخان يونس




.. مسيرة في نيويورك لدعم غزة والشرطة الأمريكية تعتقل المتظاهرين