الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هاملت شكسبير بين التعددية والتأويل

فاضل خليل

2021 / 9 / 12
الادب والفن


( ان لكل منا هاملته ). هكذا بدأ ( لوي آراغون )(1) مقدمته التي كتبها في الكراس الذي حمل اسم ( شكسبير ) والذي صدر في العام 1960 بمناسبة ذكرى ميلاد الشاعر والكاتب المسرحي الكبير( وليم شكسبير ). وذلك يعني ( هاملت ) الذي يحمل وجهة النظر الخاصة جدا بكل منا. لأننا حين نقرأ هاملت، إنما نقرأه بخصوصياتنا التي نفهمه بها، تلك الخصوصيات التي تنبع من فهمنا الخاص، وثقافاتنا وتفاوت الثقافة لكل منا، وبمقدار ما تؤثره فينا شخصية هاملت وفق تلك الأهمية وخصوصياتها. هاملت مسرحية شكسبير الخالدة ، حظيت بمنزلة عالية على صعيد المسرح العالمي. وكاد يكون جمهور المسرح فى عموم العالم يعرفها، لكنها في كل مرة تأخذ شكلا جديدا مختلفا عن كل المرات التي قدمت فيها في اختلاف المكانات واختلاف المخرجين ورؤاهم وافكارهم. فمرة تخلصهم من شكوكهم وأخرى تعمق تلك الشكوك وتؤجلها الى زمن آخر املا في ان يكون لها جوابا في الزمن الآخر الجديد. منذ اللحظة التي كتبت فيها في القرن السادس عشر والى اليوم. لقد قدمها في القرن العشرين فقط، أهم المخرجين من أمثال: كاتشالوف، ميخائيل تشيخوف، جان جليجود، لورانس اوليفيه، جان لوي بارو، سموكتنوفسكي، فلاديمير كتنوتسكي. هذه التجارب التي أضفت عليها مظاهر العصر مع اتسامها بالجدة والجرأة النابعة من الحرية في التأويل والتغيير وهي جملة من الصفات التي حملت أسباب اختيارها التي يقف على رأسها ما قاله فيها ( اراغون ) في ( أن لكل منا هاملته )، لقد بنى المخرجون والرسامون مواقفهم ورؤاهم وفق هذا شاؤوا أم أبو.
نحن ألان بصدد هاملت الذي نعرفها نصا شكسبيريا كبيرا، والذي لا نعرفه فيها لحد الآن أيضا بسبب أننا يوميا نطالع في برامج المسارح في عموم العالم التي تتسابق على تقديمها، بسبب أنها خالدة لاتفاق فكرتها مع كل المجتمعات، واتفاقنا في أن رؤى المخرجين تقدم باستمرر القراءآت الجديدة المتنوعة لهذه المسرحية ـ الارث الكبير في قاموس المثقفين في عموم العالم. مما يجعلها دائمة الحضور على المسرح، ويجعل من شكسبير مؤلفا أبديا لا تزول بصماته مع اختلاف الثقافات والقراءآت. وهكذا نجد أن مؤلفها العظيم يعيش على مر العصور والعقود، بل يقف بلا خجل أمام احدث المنجزات التأليفية لأهم الكتاب المتعاقبين على مر الأزمان. مع الأخذ بنظر الاعتبار أن على من يقدمها، مخرجا كان أو ممثلا تلزمه دروس في الحرية والشجاعة وجرأة الطرح. كالتي كانت عند [ كوردون كريج ](2) و[ بابلو بيكاسو ](3) وكانت كلتا التجربتين مقدمتان رسوما على الورق. لا سيما وقد وصف [اراغون] التجربتين بأنهما ( التقيا مع شكسبير على عتبة الماضي بدون خوف ومن غير حذر ). أي ان الاثنين تعاملا مع الماضي، بروح الحاضر الذي عاشا فيه. فالبطولة التي ابتدعها ( كريج ) مثلا، والتي قدمت في عشرينات القرن التاسع عشر، من خلال الصورة المذهلة التي بين فيها حالة الهرب المخيف للحاشية على المسرح بعد انتهاء عرض الممثلين الذين وضحوا الصورة التي قتل بها الملك الجديد لـ ( أب هاملت )، والذي أطلق عليه كريج [ نار..نار..نار.. ] حيث يبدو فيه الممثلين وهم يهربون الى كل الجهات، أناس تعساء منكمشين على أنفسهم، بينما يظهر هاملت، صامدا لا يهب لأي اتجاه، بل لا يبدي أي حراك، تراه شبه مضطجع لا يفكر في تعقيدات أفكاره التي نفذها الممثلون، شاخصا برأسه الى الأعلى، وريشة قبعته تحركها اندفاعات الناس الهاربين، ويده اليسرى ممتدة فوق هامته. مزهوا بالنصر الذي حققته فكرته في تقديم الصورة التمثيلية التي ارادها أمام الملك ( عمه ) والملكة ( أمه ) الشريكان في التخطيط والتنفيذ للجريمة للجريمة البشعة. في حين يظهر الملك هاربا بشكل مخجل، يغطي وجهه بأطراف ردائه الذي يخفق الجزء الباقي منه مندفعا الى الخلف أشبه باللسان الناري.
والقراءة الثانية الخاصة التي قدمها ( بيكاسو ) والتي تعج بالعديد من الصور ذات الاضافة باتجاه الجدة التي نهضت بالتفكير الجديد كانت بتاريخ 17/4/1964 ثبتت على حواشي تلك الرسوم رسوما بـ ( البوم ) متفرد ونادر، مرسوم بالقلم الأسود، ضم 12 صورة. من الاضافات التي تحسب لبيكاسو في قراءته الجديدة اننا نلاحظ من ملامح وجه شكسبير المرسومة وهو حريص على متابعة تحركات هاملت، التي تظهر الرضا احيانا وعدمها في احيان اخرى او الامتعاض وفقا لنوع الحدث المسرحي وأهميته، أي أن ( شكسبير ) هنا قد دخل ممثلا في قراءة ( بيكاسو ). ففي مشهد [ المقبرة ] على سبيل المثال. فتراه في غاية السعادة، مسرورا متحمسا شاعرا بمسؤولية اللحظة الإبداعية التي عليه اقتناصها قبل أن تفلت منه. لقد تصور هاملت طويلا نحيفا يخطو مثل راقص باليه، وهو يحمل جمجمة [ يوريك ] التي تنظر إليه بعصبية واضحة. كما تبدو العصبية ذاتها واضحة على[ حفاري القبور ] وهما يحملان المعول والجرافة وينظران إلى هاملت بامتعاض. إن قراءة بيكاسو التحليلية انما تكمن من تصوره في ان هاملت عندما يجتمع بالموت المتمثل ب ( الجمجمة ) إنما يريد أن يظهر الماضي، اوحين يصور هاملت بالساقين الطويلتين الدقيقتين، عديمتا الجاذبية، أو في طيات ملابسه غير المعتنى بها، إنما أراد أن يصور، التعبير الغاضب لشكسبير من عدم احترام هاملت للجمجمة، والطلب من هاملت أن يعيد المشهد بتفسير آخر اكثر احتراما.
ولم تتنوع القراءآت الاخراجية بتقديم مسرحية ( هاملت ) وانما كان التمييز في الأداء الذي قدمت فيه بكل مرة من المرات الكثيرة التي قدمت بها. ويحضرني تقرير أوردته جريدة الـ ( هيرالد تربيون ) المكتوب من قبل نقادها الذين اختاروا فيه افضل 10 ممثلين قدموا دور ( هاملت ). فجاء تقريرهم الذي تناول الدور في الاداء التمثيلي بتحليل لا يبتعد عن ما تناولنا به الأهمية في الرؤى الاخراجية التي تعددت قراءآتها، وكما تعددت تلك القراءآت الاخراجية تعددت كذلك قراءآت الاداء التمثيلي للدور. فمثلا: المشهد الكلاسيكي لمناجاة هاملت الذي قدمه ( السير لورنس اولفيه ) عام 1948 او ( ديرك جاكوب ) عام 1980 او ( كيفن كلاين ) عام 1990 أو ( ايثان هوك ) عام 2000. في نهاية ما تم جرده، نستطيع أن نرى حوالي 40 هاملت ابتداء من ( ريتشارد بيرتون ) الذي مازال أداءه المتميز والذي يسكن الذاكرة، بوجهه ( النابض المتجهم ) ـ هكذا وصفوه ـ. أو هاملت ( الفاضل ) الذي اداه ( سيمون روسيل ) او ( الحاني ) الذي اداه ( نيكول ويليامسون ) و ( المجنون ) الذي اداه ( مارك رايلانس ) و ( المفكر بصوت عال ) الذي اداه (توبي ستيفن). لكن من كان الأفضل من اولئك ؟ يبقى من الصعب الاجابة على ذلك، لأن البحث عن ( هاملت الكامل ) ـ حسب نقاد الهيرالد تربيون ـ هو امر في الحقيقة لايمكن أن يكون. لأن مواصفات شخصية كهذه يجب أن تكون فخورة جدا بنفسها ومنتقمة وطموحة. فهو يجب أن يكون عاشقا، وقاسيا من الصعب ارضاؤه، مزدرياً ومتأملاً، حكيما وحقودا، حازما ومترددا، عاجزا وفيلسوفا، عنيفا وسوداويا، متأملا وحساسا، شديدا ومتحررا، فكاهيا وارستقراطيا. والقائمة تقول، في الصفات والقراءآت، والأداء.

الهوامش:
1. لوي اراغون l.Aragon المولود في العام 1897 من أسرة برجوازية في باريس ، درس الطب، أسس مع [ بريتون ] مجلة [ أدبلا] واشترك في الحركة الدادائية، ومن ثم السريالية، من أعماله الروائية [ أنيسية -1921 ] و [ فلاح من باريس- 1926 ]، له في الشعر الكثير، من دواوينه الأولى [ الزا..وعيون الزا ].
2. إدوارد جودون كريج EDWARD GORDON CRAIG (1872-1966)، مخرج ومهندس ديكور مسرحي، إنجليزي، صاحب تنظيرات في الإخراج، هو الذي استعاض عن الممثل الحي بالدمى المتحركة، لاعتقاده بأنها اكثر صدق ومطواعية، ولن تتنازل عن أهدافها بسهولة أمام ديكتاتورية المخرج، التي دعى إليها كريج.
3. بابلو بيكاسوPABLO PICASSO (1881-1973، رسام إسباني-فرنسي شهير، اشتغل بالديكور والأزياء المسرحية، إلى جانب رسم اللوحات الفنية، أهم إسهاماته في المسرح: تصميمه ديكور وملابس وأقنعة مسرحية[ انتجونا ] للكاتب الفرنسي [ جان كوكتو 1889- 1963]. ولمسرحية [ السلام لكل وطن ] لمسرح برتولد بريشت [ البرلينر انسامبل ] في برلين-ألمانيا الديمقراطية. له مسرحية من تأليفه بعنوان [ ذيل الشهوة في المصيدة ]، نشرتها مجلة [ الأقلام ] ، بغداد، العدد 12 السنة الثامنة ، نيسان 1973، ت: صادق الخليلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله