الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلبية مشعر إجمالي الدخل القومي

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 9 / 12
الادارة و الاقتصاد


معدل الناتج القومي في أحسن حالاته مشعر لقياس معدلات النمو الاقتصادي بشكل إحصائي إجمالي لا يرتبط بأي شكل كان قليلاً أو كثيراً بالتنمية المطلوبة في المجتمعات، والمتمثلة أساساً في تحسين مستوى حيوات البشر اليومية في مأكلهم ومشربهم وصحتهم وتعليم أولادهم، والخدمات العامة التي يحصلون عليها، والأمان والطمأنينة في تقييمهم لواقع حيواتهم الاجتماعية واحتمالات مآلاتها المستقبلية.
ولزيادة الإيضاح فإن مشعر معدل الناتج القومي من الناحية الحسابية يعني حاصل جمع القيمة السوقية لكل ما تم إنتاجه في مجتمع أو دولة ما خلال فترة محددة من الزمن غالباً ما تكون عاماً كاملاً. وذلك المشعر ينطوي على عوامل إخفاقه البنيوي في أن يكون مشعراً حتى لو بشكل تقريبي لمعدل النمو في المجتمع، متمثلاً في عدم التفاته إلى حقيقتين اقتصاديتين مرتبطتين بواقع الاقتصاد العالمي المعولم. الأولى منهما تتعلق بأن معظم ما يتم احتسابه من ناتج قومي في الدول الصناعية هو في الواقع ناتج عن تبادل لا بد منه خلال مراحل إنتاج الشركات العابرة للقارات بين حدود الدول التي تعمل بها، فمثلاً حينما ترسل شركة لصناعات السيارات مقرها الرئيسي في دولة صناعية متقدمة محركات لسيارات سوف يتم تجميعها في معمل مملوك لتلك الشركة في دولة نامية، ومن ثم بيعها في مجتمع تلك الدولة النامية، والاحتفاظ بشكل مؤقت فقط بعوائد ذلك البيع في الشركة الفرعية القائمة في الدولة النامية والمملوكة من قبل نفس الشركة العابرة للقارات، ليتم بعد ذلك إعادة تلك العوائد إلى حسابات الشركة الأم على شكل قروض من الشركة الفرعية إلى الشركة الأم، لا تستوجب أي جبايات ضريبية واجبة تمكن الدولة الصناعية التي يقع فيها المقر الرئيسي للشركة العابرة للقارات من توسيع إنفاقها على الخدمات العامة لتحسين مستوى حيوات مواطنيها على الرغم من احتساب قيمة ما تم تصنيعه من محركات في المقام الأول في ناتجها القومي، وهو ناتج مُسْتَنزِفٌ في المقام الأول للخدمات العامة التي يقدمها المجتمع الصناعي من طرق وخدمات صحية وتعليمية ومرافق عامة ضرورية لعمل العمال الذين قاموا بإنتاج المحركات في المعمل المخصص لإنتاج المحركات في المجتمع الصناعي، والذي سوف يتم تحميل أعباء الإنفاق العام والجبايات الضريبية الضرورية لأجل تحققه على كاهل الاقتطاعات المهولة من دخول أولئك العمال، وهو ما ترتب عنه الحقيقة بأن الدخل الحقيقي للطبقات العاملة في المجتمعات الصناعية المتقدمة آخذاً بعين الاعتبار معدلات التضخم السنوية، لمَّا يتجاوز معدلات الدخول التي كانت سائدة في منتصف سبعينيات القرن العشرين، وهو ما يعني بشكل عياني مشخص عوار كل مشعرات إجمالي الناتج القومي في الإيماء إلى مستوى حيوات البشر في العالم المتقدم، حيث أن الغالبية شبه المطلقة من الشركات العابرة للقارات للمجمعات الصناعية العسكرية التقانية في تلك الدول لا تقوم بدفع أي ضرائب فعلياً عن كل إنتاجها وأرباحها عبر ترتيبات استثنائية تجريها مع الحكومات التي تسيطر عليها، أو عبر التفافات وحذلقات محاسبية تستند إلى ثغرات مقصودة في النظم الضريبية في الدول المتقدمة يتعامى المشرعون عن كشفها وإيجاد حلول لها لتعارضها مع مصالح الشركات التي قامت بتصنيعهم سياسياً وتمويل حملاتهم الانتخابية، وهو ما يعني في المآل الأخير خلبية إجمالي الناتج القومي في تقديم أي تصور حتى لو مبدئي عن مستوى تطور المجتمع في سلم ترقي مستوى حيوات البشر المعاشة يومياً في العالم الصناعي المتقدم.
و النقطة الثانية تتجلى في حيز الدول النامية حيث أن نفس المعادلة تجري، وإن بشكل مقلوب، ففي مثال شركة السيارات العابرة للقارات، يتم إدخال مجمل السيارات التي تم تجميعها في تلك الدولة النامية في إجمالي الناتج القومي، دون أن ينتج عن ذلك أي جبايات ضريبية لتلك الدولة عن ذلك الإنتاج سواء عبر الحذلقات المحاسبية التي تقوم بتسعير المحركات التي تم استيرادها نظرياً من دولة أخرى، وهي في الواقع حركة نقل لأجزاء عملية إنتاجية في شركة واحدة تقع معاملها في دولتين أو أكثر، بسعر متفق عليه داخلياً بين الشركتين الأم والفرع، ينتج عنه أرباح شبه صفرية للشركة الفرع لا تنتج أي جبايات ضريبية فعلية، بينما كانت الشركة الفرع تمتص كل مزايا تشجيعات الاستثمار التي تقدمها الدول النامية عبر تقديمها للأراضي، والخدمات العامة للموقع الذي تم بناء معمل تجميع السيارات عليه، وفي بعض الأحوال نفقات إنشاء المعمل وخطوط إنتاجه أيضاً، ونفقات تصريف النفايات والتلوث البيئي الناجم عنه، ونفقات تعليم وصحة العاملين فيه بشكل مجاني ودون أن تحصل من ذلك على أي مقابل، سوى الجبايات الضريبية التي سوف يمكن لها اقتطاعها من دخول العمال البسطاء الذين سوف يعملون في فرع الشركة في الدولة النامية، والذين غالباً لا تتجاوز دخولهم عُشر دخول العمال في الدول المتقدمة، وهو ما يسهم في تعزيز أرباح الشركة العابرة للقارات الأم دون أن ينتج عن أرباحها أي خدمات اجتماعية سواء في بلدها الأساسي أو في البلد النامي الذي قامت بالاستثمار فيه.
وعلى الرغم من المحاولة المتعمدة لتبسيط المثال السالف، فهو صحيح وواقعي في الغالبية المطلقة من حالات الإنتاج المعولم الذي تسيطر عليه الشركات العابرة للقارات على المستوى الكوني، والذي يقتضي دائماً النظر بعين الريبة والشك إلى أي خطاب يحاول قرن إجمالي الناتج القومي في أي دولة بمعدلات التنمية البشرية فيه لعدم اقترانهما بذلك من الناحية العملية قليلاً أو كثيراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة