الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد المسرحي .. اشكالية عربية غالبا

فاضل خليل

2021 / 9 / 14
الادب والفن


لا اعرف تماما، لماذا ثقتي بالنقد المسرحي تكاد تكون شبه معدومة، وأعلم تماما وثقتي باخلاق النقاد عالية، وصدق ممارستهم لمهنة النقد المسرحي لاتعلوها شائبة. لكني اجزم من انهم جاءوها لاعتقادهم بانها المهنة الانطباعية الاسهل التي لاتحاج من كاتبها الا تنظيم وجهات النظر التي خرجوا بها من العرض الذي ينون الكتابة عنه، أي أن الأمر لا يعدو أكثر من وصف العرض كما هي ـ بالضبط ـ مهنة كاتب الريبورتاج الصحفي ، مع قليل من وجهات النظر الانطباعية. ولسوء الحظ أن ابناء مهنتي من الذين يعطون ثقتهم بالكتاب بالانطباعيين ـ النقاد باعتبار معظمهم ـ من الذين مارسوا مهنة الكتابة في المسرح عن العروض التي يشاهدونها، مسنفيدين في كتاباتهم من مجموعة المصطلحات الادبية التي نقلوها من النقد الأدبي الذي يمارسونه باتجاه المسرح، مراعين استخدام المصطلحات البسيطة الشائعة في المسرح، مطعمة بالمصطلحات الأدبية النقدية التي أثارت اعجاب المسرحيين، فأقاموا الدنيا احتراما لهؤلاء الذين مارسوا الكتابة النقدية البعيدة عن التكامل المهني في المسرح واعتبروا تلك الموضوعات مقدسة. فلم يكتفوا باعتبارهم، مسرحيين بل في الدرجة الأهم من السلم الأبداعي فيه، بل وفي ذات الاهمية التي يحملها المبدع الأول في المسرح ـ المخرج ـ وهي معادلة مستحيلة حتما.
يعاني المسرح العربي والعراقي بشكل خاص، من غياب الناقد الموضوعي البعيد عن وجهات النظر الانطباعية والجاهزة أحيانا في اعتمادها على رأي الآخر والتي تسبق المشاهدة في أحايين كثيرة. إن للناقد طريقه السالكة في الدخول إلى العرض بذكاء، ذلك الدخول الذي لا يتكئ فيه على رأي الآخرين. فهو وحده من يمتلك زمام المبادرة في إسناد العرض أو عدم إسناده. لأن مهمته كما يصفها برتولد بريخت: هي التي تستدرج الجمهور إلى المسرح .فهو يمتلك حق النصح والإرشاد بمشاهدة العرض أو عدم مشاهدته، أما النتائج التي تأتي أحيانا عكس المطلوب فستضيع ثقة المشاهد بالنقد وبالمسرح. بل هناك من يذهب أبعد من هذا حين يضعون اهتمام المخرج بجمهوره بنفس موقع اهتمام الناقد بجمهوره. في معرفة الجمهور ومعرفة اهتماماتهم وأذواقهم.
كلنا يعرف بأن النقد: نشاط فكري يطمح في إيصال المنجز إلى احسن حالاته ، بواسطة التحليل والتقيم البناء . فالنقد لايعني الكشف عن العيوب ولا عن الجوانب السلبية فيه فقط ، وانما هو فعالية فكرية هدفها الارتقاء بالظاهرة المسرحية التي يحملها المنجز الإبداعي . بل قل هي المعرفة الخالصة ، أو هي ابتكار المعرفة الجديدة . وكما يستحيل على النقد أن يوجد من دون إبداع يحركه ، كذلك يستحيل على الإبداع أن يسمو من دون نقد يحركه ويشاكسه ، ذلك لأن في النقد – كنتيجة - امتحان للإبداع الذي منه ينطلق السؤال التالي: وهو ، هل أن في النقد " طبقة واحدة ولذلك سرعان ما يموت ؟ أم هو على العكس طبقات ؟ تموت طبقة فتولد أخرى ؟؟ "(1) . من البداهة أن تكون الإجابة : على أنه عملية متداخلة ، أو قل مبطنة تتكشف عنها حقائق تتحمل الكثير من التأويل في كل جزء من أجزاء المنجز الإبداعي. وعلى الرغم من ان هذا لا يمنع من أن يكون لكل منا رأيه الشخصي الذي يختلف فيه عن رأي الآخر، أو الآخرين من اللذين يحملون ذات الوزن المعرفي الذي يحمله الرائي الأول الذي يتلقى النتائج – وهو (المتفرج) .
أن هذه التعددية في التأويل تذكرنا بقول [ وول ديورانت ] الوارد في كتابه ( قصة الفلسفة ) على (أن في الجمال آراء بقدر مافي العالم من رؤوس)(*)، وهي ذات المعادلة التي أطلقها ( أدونيس )، في طبقات النقد ، والقناعات التي يتولد منها الرأي والرأي الآخر. الذي ينشأ منه الرأي المتوالد بفعل التعددية الناقدة التي فينا والتي تحكمنا، والتي لا يحسمها إلا الرأي الناقد المتخصص الذي ربما يختلف عن كل الآراء التي ترد بفعل التخصصية التي يمتلكها وانعدام التخصصية عند غيره، ولا مانع من ان تتفق مع البعض من الآراء الأخرى غير المنخصصة. وانطلاقا من ثقة الآخرين برأي النقد القادم من ذلك المتخصص القادم الى النقد من المسرح، ترانا نتنازل عن بعض آراءنا التي لا تخلو من أهمية، لكنها لا تتجاوز التلقي الذي لايعني المساهمة في العملية الإبداعية القادمة من داخل المسرح. إلى هنا ويظل السؤال قائما: هل يمتلك المسرح العراقي أو العربي الناقد، الذي يوازي في امكاناته المهنية والمعرفية أهمية المخرج والمصمم أو أي من الناشطين في المؤسسة المسرحية؟؟ الذي يجعلنا نتنازل عن آراءنا؟؟ ممن نؤمن بهم، من القادرين على تغيير قناعاتنا؟ يدفعنا إلى تعديل رأينا وفقا لآرائه النقدية المتقدة المكتشفة للعيوب والحسنات معا والتي أشرت لنا ما هو زائد بحصافة الحكيم العارف باللعبة تماما؟؟ فنتفق على إزالتها من جسم العرض الراسخ في مخيلتنا؟ أم أننا لازلنا بانتظار ولادة الناقد الطموح التي يراها بعض منا مستعصية؟ أنا شخصيا لا أستبعد قيام هكذا نقد بشرط أن يكون الناقد الذي نطمح بهن قادم إلى المهنة من منطقة المسرح حاملا معه همومه وأسراره كي لا يقع في فخ الانطباعية المستهجن في النقد عموما وفي الناقد كصفة غير مرغوب بها بشكل خاص. بل يصل الاتصاف بها مساوللشتيمة التي لانحبذها من المعتقدين خطأ في أن النقد من المهمات السهلة التي لا يتطلب صناعها اكثر من المعلومات البسيطة المضافة الى خزين قراءآتهم لبعض النصوص المسرحية التي اعتقدوا بأنها كافية لأن يكتبوا في نقد المسرح. إذن هي ليست مهنة البطر الذي لا يحتاج الا إلى القليل من موهبة الذم والمدح. إن كان هذا فهو ليس من مكانة الناقد ولا أهميته في شئ، ولا يعطيه الدور الفاعل في المسرح، ولن يجعل منه هاما كمكانة الكاتب أو المخرج. ولن يكون له جمهوره مثل بقية العاملين في المسرح. أن لغة النقد في المسرح إنما تكمن في دقة التحليل: فالتحليل فيه يوصلنا إلى مكوناته وبالتالي إلى تركيبه، وصولا إلى معانية التأويلية المتعددة التي تكون منها،" فالنقد في افضل حالاته عملية إبداع يحركها إبداع آخر "(2) والتي تحتم على الناقد أن يتوجه إليها بقراءة العرض البصري المنبثق من النص فكر التأليف، بعيدا عن أحكام القيمة في إطلاق الجاهز من الآراء والمفردات: في أن يكون هذا العمل [ رديئاً] أو [جيداً]، إن في هذه الأحكام انطباعات، تدخل في مفهوم أحكام القيمة، التي ستبعدنا حتما عن النقد العلمي الذي نطمح إليه. ونطمح في الوصول من خلاله إلى النقد الموازي الذي لا يقلل من أهمية العرض على حساب النص بل يرتقي بها. وبما أننا نعرف أن في كل نص قراءتين هما:
• الأولى/ في الذي يقال ضمن الحوار.
• والثانية/ في ما يدرج بين الأقواس من إرشادات المؤلف للمخرج، وهي غالبا ما يغادرها المخرج ولا يلتزم بها.
لأن مهمة المخرج تكمن في تأليف العرض وفي مقدار احتفاظه بالخصوصية التي تميزه عن غيره . وفي ما يجعله حر التعامل مع المتفرج الذي من خلاله يستطيع الخروج بقراءته الخاصة المختلفة عن القراءات الأخرى المكونة للعرض، والتي نطلق عليها اصطلاحا [ نص المتفرج ]. ليصبح معها لدينا ثلاث نصوص أو قراءآت وهي: نص المؤلف أو قراءته، ونص المخرج أو قراءته، ثم نص المتفرج أو قراءته .
فالنقد إذن هو : تفسير وتحليل، وتعددية في تأويل الاستقبال، وفي حرية الرأي والتلقي. يدركها الناقد بعد اطلاع و معرفة جيدة لمكونات العرض التي بعكسها سيتحول النقد من خطاب علمي إلى خطاب [ مدرسي-إنشائي ] هدفه الوعظ والمديح أوالذم غالبا. إن" النقد كالفكر ، أو هو فكر لا يتغذى ولا ينمو إلا بالتساؤل المستمر"(3). انه يضع المنجز أمام تساؤلات مستمرة، وأمام مشروعية لاعادة النظر من قبل المبدع بمنجزه. وخاطئ من يرى في مهمات النقد غير ذلك، لأن النقد مشروط بثقافة الناقد وموقفه المنتمي إلى العمل. وكلاهما يولدان من رحم المسرح. فليس النقد مزاج شخصي، أو مصلحة فردية يحدوها أمل ناقد في الشهرة أو في الانتشار السريع بين الناس. فالناقد الذي تنقصه المزايا التي ذكرناها ، والذي لا يمتلك موهبة استقبال شفرات العرض بمكوناته من: نص، واخراج، وتمثيل، وأخرى، يصعب عليه تقديم الفهم المتقدم في العمل الذي يتصدى لتقويمه. والذي سيكون هداية للمتلقي يعتمدها في الوصول إلى قراءته الخاصة، التي تضاف للنص وتفاصيل العرض، وبها ستكون رأيا أو قراءة أخرى غير التي أرادها المؤلف. لكن قراءة المخرج ستبقى الأولى في تسلسل الاهميات من بين القراءات المتعددة بما في ذلك قراءة المتفرج. فلقراءة المخرج معناها الذي يقول أنها : حصيلة الجهود طويلة الأمد التي كونت خبرته التطبيقية التي تضاهي حصيلة استقبال الناقد الذكي الذي ينطلق من التجريد في إطلاق الرأي إلى التحديد فيه . فما بالك بالناقد الذي يسلك طريق النقد الكاشف للعيوب والسلبيات، الذي يقترب في قراءته من قراءة المتفرج مع شئ من الإضافة البسيطة غير المحسوسة.
إن من أولى مهمات الناقد تكمن في حرصه على متابعته للعمل المسرحي منذ اختيار النص وقراءته من قبل الممثلين وبقية العاملين في المسرح وحتى خروج آخر المتفرجين من صالة العرض ، وهو ما يلزمه بامتلاك حق القول في العرض الذي يكتب له نقدا ، وعليه يجب أن يقول فيه رأيا لابد أن يختلف عن الآراء الأخرى إن لم تكن اكثر أهمية منها جميعا . " إن الناقد قد يعلم المبدع ربما دون وعي منه ، الكثير من صنعته وقد ينبه المتلقي إلى ما ينبغي أن ينتبه إليه "(4) يمكن أن يكون قياسه بمقياس الآراء الكبيرة في العرض : مثل رأي المؤلف والمخرج وبقية العاملين . لأنه رأي عن قرب ، بل قل من داخل المسرحية ، لا رأيا انطباعيا جاهزا تكون من مشاهدة واحدة ولاول يوم من أيام العرض الذي غالبا ما يكون عاجا بالأخطاء . هذا الذي يتبعه النقاد في كتابتهم عن العروض المسرحية وهومايستهجنه المسرحيون ويجعلهم موقنين من أن النقد يشكل الحلقة الأسهل في عمل المسرح .
كل ما تقدم من اهميات في من يتولى مهمة النقد في المسرح . لكنه لا يمنع من وجود الناقد الذكي الذي نريد والذي استكمل عدته . فليس من كتب انطباعات مزاجية يرفضها منطق العلم يطلق عليه في المسرح نقدا . فهو ليس بالمتابعات الصحفية اليومية ، ولا هو التوثيق المسرحي ، رغم أهمية الاثنين في الحياة الثقافية لكنهما لا يدخلان في النقد المسرحي . أن النقد من يعني بإعادة الصياغة للعمل الفني ، هو يعني هداية المخرج إلى ما فات العرض من قيم جمالية ومن اكتمال موهبة وإيصال معنى راق ، لم يتمكن المخرج أن ينتبه إليها لانشغاله بخيوط العرض وتشعبات قنواته التي تصبو إلى التكامل . فلدى المخرج العديد من المخاوف التي يخشاها ومنها خوف الانزلاق بما هو استهلاكي يومي يبعده عن تحقيق الفعل الراقي في المسرح . بل خوفه من الانزلاق في المسرح التجاري الذي غزى مسرحنا العربي وبات هما يعاني منه كل المبدعين في المسرح . لقد اجمعوا فيه كونه لا يدخل ضمن اهتمامات النقد والمسرح ، حتى بلغت الشكوى منه اوجها حين شاع وأخذ الحيز الكبير من حجم الفعاليات المسرحية ، فلم يجد المبدعون عن ماذا يكتبون او يتحدثون . ولنا في شكوى الدكتور لويس عوض واحد من أهم نقاد العرب ، الذي قال عن اسباب غيابه عن ساحة النقد المسرحي :( ماذا أنقد ؟ للأسف أن ما يعرض حاليا لا علاقة له بفن المسرح ، لا من قريب ولا من بعيد )(‍5). هذا أنموذج لكثيرين انقطعوا عن الكتابة للمسرح في التأليف أو النقد والذين صاروا يبحثون عن المنقذ الذي ينهض ثانية بالمسرح الذي نريد ليعود من خلاله النقد الذي نريد. وكما أسلفنا في بداية الحديث عن استحالة نقد من دون إبداع يحركه . وقد نؤشر هذا لغياب سلبا على جمهرة النقاد بل وكل المهتمين بالمسرح ، الذين هم مدعوون من جديد للوقوف مع ظاهرة المسرح لتأخذ دورها الفاعل في النهوض به. كما كان دورهم في ستينات وسبعينات القرن الماضي الذي شهد نهضة نقدية أفرزت العديد من النقاد المهمين الذين ازدهرت بهم حركة المسرح. وقد نعطيهم العذر حين نؤكد بأن النقد يزدهر بازدهار الحركة المسرحية لكن العكس صحيح أيضا، ذلك لأن صاحب الرأي يعلم مسبقا " أنه دوما عرضة لخطأ ما، فتعود المحاولة رأيا ومعرفة بشأن النص الواحد ويبقى الإمكان قائما لاكتشاف جديد "(6)، وبداية جديدة فالرأي يولد المعرفة ويجعلها تنهض من جديد.


الهوامش
1) أدونيس: كلام البدايات ، دار الآداب ، بيروت 1989 ، ط1 ، ص190 .
*) أحفظها.
2) د.ماجدة حمود : علاقة النقد بالإبداع الأدبي ، منشورات وزارة الثقافة ، سلسلة (دراسات نقدية عربية ) ، دمشق 1997 ، ص 90 .
3) أدونيس : نفس المصدر السابق ، ص 190.
4) جبرا إبراهيم جبرا : معايشة النمرة واوراق أخرى ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1992 ، ط 1 ، ص 35 .
5) د . لويس عوض : أزمة المسرح المصري..ومثلث النص ، الممثل ، والنقد . جريدة الجمهورية ، الخميس26/4/1984 ، ص7 .
6) جبرا إبراهيم جبرا : تأملات في بنيان مرمري ، دار رياض نجيب الريس للكتب والنشر ، ط 1 ، بيروت 1988، ص 38 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في