الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين: لنحوّل الانتفاضة إلى حرب شعبيّة‏

حزب الكادحين

2021 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


‎ ‎‏ تتتالى الانتفاضات الشعبية في فلسطين المحتلة في مسعى لإيقاف غطرسة الكيان ‏الصهيوني المحتل والتصدي لمشاريعه الاستيطانية مقدمة في ذلك مئات الشهداء ‏وآلاف الجرحى والأسرى، غير أنّ هذه التضحيات لم تغير من واقع الاحتلال شيئا، ‏فالكيان الصهيوني يستمرّ في تنفيذ مخططاته عبر مصادرة المزيد من الأرض وتهجير ‏سكانها وبناء المستوطنات. فما هي الأسباب التي حالت دون تحقيق هذه الانتفاضات ‏لأهدافها خاصة فيما يتعلّق بتحرير الأرض وطرد الكيان الصهيوني المحتلّ ؟
‏ لقد انطلقت شرارة الانتفاضات الأخيرة من ردّة فعل جماهيريّة عفويّة. فانتفاضة ‏الحجارة اندلعت إثر تعمّد أحد الصهاينة وهو يقود شاحنة بدهس بعض العمّال ‏الفلسطينيين من مخيّم جباليا في قطاع غزّة عندما كانوا يستقلّون سيارتين بحاجز ‏‏"إيريز" وقد أسفر عن مقتل أربعة منهم وجرح تسعة آخرين، وإثر تشييع جنازة ‏الضحايا يوم 09-12-1987 خرجت الجماهير الشعبية في فلسطين المحتلة في ‏مسيرات عارمة وعفويّة منددة بالجرائم الصهيونيّة في حقها معبّرة عن رفضها لواقع ‏الاحتلال الذي تعيش في ظلّه متطلّعة لتحرير أرضها والعيش فيها في أمن وسلام ‏وقامت خلالها بإلقاء الحجارة على موقع للعدوّ الصهيوني بجباليا وسرعان ما تطوّر ‏هذا الاحتجاج العفوي ليشمل العديد من القرى والبلدات الفلسطينيّة ليتواصل عدّة ‏سنوات من 08-12-1987 إلى 13-09-1993 طرح من خلاله المنتفضون مسألة إقامة ‏دولة فلسطينيّة مستقلّة عاصمتها القدس - تمكين الفلسطينيّين من تقرير مصيرهم – ‏تفكيك المستوطنات الصهيونيّة – عودة اللاجئين دون قيد أو شرط – انفصال الاقتصاد ‏الفلسطيني عن الكيان الصهيوني – وقف المحاكمات العسكريّة الصوريّة والاعتقالات ‏الإداريّة وخاصّة النشطاء منهم مع لمّ شمل العائلات الفلسطينيّة. فهل كانت القيادات ‏الفلسطينيّة وفيّــة لمطالب وتطلعات الجماهير ؟ بالطبع لا، لأنّ أغلب القيادات ‏المرتبطة خاصة بحركة حماس وفتح هي قيادات رجعيّة لم تطرح على جدول أعمالها ‏مسألة تحرير الأرض الفلسطينية وطرد المستعمر بل كانت تبحث دائما عن تسويّات ‏تؤبّد واقع الاحتلال. فانتفاضة الحجارة رغم استمرارها لعدّة سنوات (1987- 1993) ‏ورغم تطور أسلوبها في مواجهة قوات القمع الصهيونيّة من استعمال الحجارة إلى ‏المقاومة المسلحة، ورغم أعداد الشهداء المرتفع (1300 شهيد) مقابل 160 قتيلا من ‏الصهاينة، ورغم المجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيّين العزّل ‏وسياسة تكسير العظام التي سلكتها في تلك الفترة أجهزته القمعيّة وتحت أنظار وسائل ‏الإعلام العالمية التي سجلت عديد المشاهد لعمليات كسر أيدي الفلسطينيين حتى لا ‏يتمكنوا مستقبلا من استعمال سلاح الحجارة للتصدي لهم، ورغم آلاف الأسرى ‏والجرحى والمهجّرين، فقد تمّت المتاجرة بكل تضحيات الفلسطينيين وبدمائهم ‏ومعاناتهم في إطار صفقة بين القيادات الرجعية الفلسطينية المدعومة بالأنظمة العربية ‏العميلة خدمة لمصالح العدو الصهيوني ومن ورائه الإمبرياليّة الأمريكيّة في إطار ‏اتّفاقيّة " أوسلو " التي تـــــــمّ توقيعهــــــا في 13-09-1993 بالحديقة الجنوبيّة ‏للبيت الأبيض الأمريكي وبحضور جورج بوش الإبن والتي انتهت بالمصافحة ‏المكشوفة بين ياسر عرفات والإرهابي إسحاق رابين وهو ما مثل اعترافا علنيّا ‏بالمحتل الصهيوني والقبول بتواجده على الأرض الفلسطينيّة . لقـد تضمّنت مقدّمة ‏اتفاقية الإذلال هذه مــا يلي: "تتّفق حكومة إسرائيل والفريق الفلسطيني في الوفد ‏الأردني الفلسطيني المشترك إلى مؤتمر السلام حول الشرق الأوسط ممثّل الشعب ‏الفلسطيني أنّه آن الأوان لوضح حدّ لعقود من المواجهات والصّراع والاعتراف ‏المتبادل لحقوقهما السياسيّة والشرعيّة ولتحقيق تعايش سلمي وكرامة وأمن متبادلين ‏والوصول إلى تسويّة سلميّة عادلة وشاملة ودائمة ومصالحة تاريخيّة من خلال ‏العمليّة السياسيّة المتّفق عليها، وعليه يتّفق الطرفان على المبادئ التاليّة "وأهمّ ما ‏تضمنته هذه الاتفاقية هو انسحاب الكيان الصهيوني من غزّة وأريحا واعتراف منظمة ‏التحرير الفلسطينيّة بقيادة عرفات بحـــقّ "إسرائيل" في الوجود مع تخليها عن ‏‏"الإرهاب" أي عن المقاومة المسلّحة للمحتلّ مع التزام العدوّ الصهيوني بإيجاد حلّ ‏سلميّ للنزاع واعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينيّة كممثّل للشؤون الفلسطينيّة، ‏كاعتـــرافه واعتــــراف الإمبرياليّة الأمريكيّة بسكان الضفّة والقطاع والقدس على أنّهم ‏جزء من الشعب الفلسطيني وليسوا أردنيين. ‏
‏ لقد كانت نتائج انتفاضة الحجارة مخيّبة لآمال وطموحات الجماهير الشعبيّة ‏ومتناقضة مع مطالبها التي رفعتها خلالها رغم ما قدّمته من تضحيات كبيرة منها ‏بالأساس 1300 شهيد من بينهم حوالي 241 طفلا وجرح وإصابة حوالي 90 ألفا ‏واعتقال حوالي 15 ألفا وتدمير ونسف حولي 1228 من منازلها واقتلاع حوالي 140 ‏ألف شجرة من حقولها ومزارعها بل لنقل أنّها لم تجن منها سوى المزيد من التقتيل ‏والتشريد والأسر ممّا دفع الكيان الصهيوني إلى افتتاح سجن جديد بصحراء النقب ‏لاستيعاب الأعداد الغفيرة من الأسرى الجدد . كما أنّ القدس لم تعد للفلسطينيّين ‏واللذين لم يتحقق لهم مطلب تقرير مصيرهم الذي بقيت تتحكّم فيه الصهيونيّة ‏والإمبرياليّة العالميّة بقيادة أمريكا بدعم من الرجعية العربية العميلة ، كما لم يتمّ ‏تفكيك المستوطنات بل تسارع نسق زرعها في عدّة أماكن من الأرض العربية ‏الفلسطينيّة مع ازدياد وتيرة المحاكمات الصورية.‏
‏ لقد نتج عن انتفاضة الحجارة تفويض العدو الصهيوني لجزء من سلطته وتقسيمها ‏بين ربيبته حركة حماس داخل قطاع غزّة وحركة فتح في الضفّة للقيام بدور الشرطي ‏لتأمين حــدوده ولإذكـــاء الصّـــراع "الفلسطيني الفلسطيني"، فاستغلت حركة حماس ‏هذا التفويض والدعم المالي الكبير الذي تتلقاه من عدّة جهات خاصّة الرجعيات ‏العربية في الإنتشار داخل غزّة عبر تقديم المساعدات العينية لعائلات الأسرى ‏والشهداء لضمهم لصفوفها وحشد الأنصار من خلال ما تروّجه عن تعارض مواقفها ‏مع مواقف منظمة التحرير الفلسطينية . كما استغلّت الشعور الديني لتحوّل الصراع في ‏فلسطين المحتلّة من قضية تحرر وطني ديمقراطي هدفه تحرير الأرض العربية في ‏فلسطين وطرد المحتل وجميع أعوانه إلى صراع ديني بين "اليهود والمسلمين" هدفه ‏الإبقاء على المعالم الدينية وبالأساس المسجد الأقصى بالقدس المحتلة تحت تصرفها ‏لا غير.‏
‏ وبالرغم من النتائج الكارثيّة لهذه الانتفاضة فقد تنصل الكيان الصهيوني حتّى من ‏أبسط التزاماته فعمّ الإحباط في صفوف الجماهير الشعبيّة التي حاولت الرجعيّة ‏الفلسطينيّة إيهامها "بالمكتسبات التي حققتها من خلال اتّفاقيّة أوسلو" واقتنعت وأنّ ‏ما ورد بهذا لا يعدو أن يكون سوى ذرّ الرماد على العيون أو لنقل هو حبر على ورق ‏لا غير لأنّ الكيان الصهيوني لم يسع لتطبيق "الحل النهائي" لأنّه لم يكتف " بالأرض ‏مقابل السلام " بل كان يطمح لتحقيق تنازلات أخرى فجمّد المفاوضات مع منظمة ‏التحرير الفلسطينيّة مع استمراره في ممارسة الاغتيالات والاعتقالات واالاجتياحات ‏للمناطق التي توجد تحت "سيطرة السلطة الفلسطينية"، كما رفض الإفراج عن ‏الأسرى واستمر في مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات بها. هذا الوضع العام ‏المتأزّم استغلته حركة حماس كما يجب في تطوير قواها الذاتيّة ولفّ المزيد من ‏الجماهير حولها تحت يافطة مناهضتها لاتفاقية أوسلو وعدم اعترافها بنتائجها ‏واختلافها مع منظمة التحرير حولها. ‏
‏ وفي ظلّ هذا الوضع المنبئ بالانفجار بين الفينة والأخرى، عمد الإرهابي أريل ‏شارون وفي خطوة استفزازيّة إلى اقتحام المسجد الأقصى والتجوال في ساحاته معبّرا ‏عن كونه سيبقى "منطقة إسرائيليّة" ممّا أثار سخط المصلّين الذين تصدّوا له فاندلعت ‏مواجهات بينهم وبين جنود الاحتلال في ساحات المسجد فاستشهد 07 منهم وجرح ‏حوالي 250 بينما أصيب 13 جنديا صهيونيّا، ومثّلت هذه المواجهات بداية انتفاضة ‏الأقصى التي اندلعت في 28-09-2000 لتنتهي في 08-02-2005 باتفاق هدنة ‏أبرمت في قمّة شرم الشيخ بين محمود عبّاس وأرييل شارون، كما مثّلت هذه الخطوة ‏التي خطاها الإرهابي شارون فرصة سانحة لحركة حماس لتقديم نفسها للجماهير ‏الفلسطينيّة بكونها المدافعة الأولى عن المسجد الأقصى ولتعمل ما في وسعها لقيادة ‏المنتفضين وتوجيههم الوجهة التي تختارها في مسعى لبسط سيطرتها على غزّة . ‏
‏ لقد مرّت انتفاضة الأقصى بعدّة مراحل من خلال تنوّع المواجهات مع العدوّ ‏الصهيوني وتطوّرها فمثّلت بدايتها هبّة شعبيّة في أغلب القرى والتجمعات السكانية ‏والمدن شارك فيها أغلب الفلسطينيّين ثمّ انتقلت إلى الاحتكاك المباشر مع جنود ‏الاحتلال على مداخل المدن والبلدات برمي الحجارة التي قابلها الصهاينة بقوّة الحديد ‏والنار ممّا أدّى إلى استشهاد العديد من الفلسطينيين العزل لتمرّ إثر ذلك إلى مرحلة ‏المواجهة بالأسلحة بين بعض عناصر المقاومة المسلحة والجنود الصهاينة خاصة مع ‏تدخّل بعض الفصائل الفلسطينيّة وعبر أجهزتها العسكريّة في عمليّات كرّ وفرّ بينها ‏وبين أجهزة القمع الصهيونيّة لتتّسع رقعة المواجه المسلّحة وتتطوّر أساليب المقاومة ‏لتطال الجنود الصهاينة والمستوطنين على الحواجز والشوارع الرئيسيّة، إلى جانب ‏اقتحام المستوطنات وتنفيذ عمليّات عسكريّة داخلها ممّا أدخل الخوف والرعب في ‏صفوف شاغليها نتيجة للخسائر البشريّة التي تكبدوها خاصّة مع استمرار الانتفاضة ‏وتمكّن الفصائل الفلسطينيّة من تشكيل مجموعات مسلّحة في معظم المدن الفلسطينيّة ‏مع تطوّر أدائها وتغيّر تكتيكاتها الميدانيّة من خلال العمليّات الاستشهادية التي طالت ‏الحافلات والمطاعم والفنادق وإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون إذ أطلق في 20-10-‏‏2002 أول صاروخ من نـــــوع "قسّام" من غزّة لتصل فيما بعد هذه الصواريخ إلى ‏جميع المستوطنات المحيطة بغزّة خاصّة وأنّ أغلب الفصائل الفلسطينيّة أصبحت لها ‏صواريخها الخاصة بها (القسّام لحماس، القدس للجهاد الإسلامي، صمود للجبهة ‏الشعبية وناصر للمقاومة الشعبيّة) . ‏
‏ ورغم تطور نهج المقاومة المسلحة في المرحلة الأخيرة من الانتفاضة وبروز بعض ‏التنظيمات الفلسطينيّة المرتبطة به (لجان المقاومة الشعبية) وتمكنها من تفجير دبابة ‏المركافا بوصفها أقوى دبابة لدى الصهاينة وفي الشرق الأوسط والقضاء على حوالي ‏‏58 جنديا صهيونيا وجرح 142 في معركة مخيم جنين واغتيال وزير السياحة رحبعام ‏زئيفي والقضاء على قائد وحدة الهبوط المظلّي الصهيوني ، فقد تمّ وأد هذه الانتفاضة ‏وإيقافها بجرّة قلم في قمّة شرم الشيخ برعاية النظام المصري العميل والتي تمّ ‏إمضاؤها في 08-02-2005 بين محمود عبّاس وشارون رغم كلّ تلك التضحيات التي ‏قدّمها الفلسطينيّون على مدى تلك السنوات الخمس والمتمثلة بالأساس في سقوط ‏حوالي 4412 شهيدا و48322 جريحا إلى جانب تصفية معظم الصف الأول من الكوادر ‏الفلسطينيّة (اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس وعبد العزيز الرنتيسي ‏القيادي بها وأبو علي مصطفى أمين عام الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين ورائد ‏الكرمي قائد الجناح المسلح لحركة التحرير) ومحاصرة مقر ياسر عرفات وتسميمه ‏واغتيال الشهيد محمد الدرّة الطفل البالغ من العمر 11 سنة تحت أنظار والده والذي ‏انتشرت صورته في جميع أنحاء العالم لتكشف لهم عن هول الفظاعات التي يرتكبها ‏الصهاينة في حقّ الفلسطينيين وكيفيّة تعاملهم مع العزل منهم وقتلهم بدم بارد مع ‏تدمير البنية التحتيّة وجلّ المؤسسات الفلسطينيّة مقابل "الانسحاب" الصهيوني من ‏غزّة ومصادرة أجزاء جديدة من الأرض العربية في فلسطين المحتلة لإقامة جدار ‏الفصل العنصري لتأمين المستوطنات ومزيد حمايتها .‏
‏ إنّ تطوّر أشكال المقاومة المسلّحة وتوصلها إلى تطوير أسلحتها بقدر ما أدخل ‏الرعب في صفوف المستوطنين والجنود الصهاينة، بقدر ما أرعب القيادات الفلسطينية ‏العميلة وكذلك الأنظمة العربية الرجعيّة لأنّ استمرارها أصبح يهدّد مصالحها ومصالح ‏حلفائها ممّا حتّم عليها ضرورة إيقافها. لقد بيّنت هذه الانتفاضة كسابقتها مدى ‏استعداد الجماهير الشعبيّة لمقاومة محتلّها وتطوير أساليب مقاومتها المسلّحة متى ‏ارتبطت بقيادة تنتهج هذا النهج، غير أنّ الرجعيّة الليبيراليّة والدينيّة التي تستغل ‏الانتفاضات كجسر للعبور لجرّ العدوّ للتفاوض معها وعقد الصفقات المشبوهة معه ‏برعاية الأنظمة العربيّة العميلة التي تتبارى فيما بينها في تطبيق إملاءات أسيادها ‏الإمبرياليين ضاربة عرض الحائط بكل التضحيات التي قدمتها ومازالت تقدّمها ‏الجماهير‎ ‎الشعبيّة في فلسطين المحتلّة ، فرضت هذه الحلول الاستسلامية على هذه ‏الجماهير التي زاد وضعها سوءا خاصة مع كثرة القيود التي تفرضها عليها السلطات ‏الرجعيّـة سواء في غزّة أو في الضفّة وذلك بتضييق الخناق عليها والحدّ من حريّة ‏تصدّيها للمحتلّ . ‏
‏ إنّ الجماهير الشعبيّة التي لم تفرز عبر نضالها المستمر قيادة ثوريّة تؤطّر تحركاتها ‏وتقودها نحو أهدافها المرسومة ، تظلّ عرضة للاحتواء من قبل الأطراف الرجعيّة التي ‏تحاول بكلّ الطرق الممكنة حرف نضالها عن وجهته الحقيقيّة واستغلاله في تنفيذ ‏مشاريعها ومخطّطاتها المتعارضة مع تطلّعاتها. لقد أدركت حركة حماس أنّ منسوب ‏الغضب الجماهيري ضدّ سياساتها المتبعة في قطاع غزّة وسياسة فتح في الضفّة في ‏ارتفاع جرّاء تردّي الأوضاع الاقتصادية والسياسيّة والاجتماعية فتحيّنت الفرصة ‏لتوجيهه نحو العدوّ الصهيوني ولو آنيّا لا لغاية مقاومة المحتلّ بل لدعوته للتفاوض ‏معها حول شروط رفع الحصار عن غزّة وهو ما أكّده هنيّة في المؤتمر الدولي لدعم ‏الانتفاضة الذي نظّمته "الهيئة الوطنيّة العليا لمسيرات العودة" بمناسبة يوم القدس ‏العالمي "أنّ حركته أي حركة حماس مستعدّة للتّعاطي إيجابيّا مع كلّ مبادرة حقيقيّة ‏تنهي الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزّة منذ أكثر من 10 سنوات" كما ‏أضاف بأنّ "مسيرات العودة هي الخيار الأمثل لهذه المرحلة". استغلّت إذن حركة ‏حماس الذكرى السنويّة لإحياء يوم الأرض الذي يوافق يوم الثلاثين من شهر مارس ‏من كل سنة وهو التاريخ الذي ارتكب فيه العدو الصّهيوني سنة 1976 مجزرة في حق ‏الفلسطينيين العزّل لإرغامهم على هجرة أراضيهم والتخلي عنها بقوّة السلاح لفائدة ‏المستوطنين، للزجّ بآلاف الفلسطينيين العزّل في مواجهة آلة القمع الصهيونيّة الذين ‏تظاهروا قرب الجدار العازل مطالبين بحقّ العودة إلى ديارهم ومزارعهم . وكان ردّ ‏الكيان الصهيوني كالعادة قاسيا إذ أعلن المناطق المتاخمة للحدود مع غزّة مناطق ‏عسكريّة مغلقة ونشر فيها تعزيزات كبيرة من الجيش مع تركيز 100 قنّاص على ‏السياج وتصدّى لمسيرات "العودة" التي عبّرت عن حلم ظلّ يراود الفلسطينيين ‏بالحديد والنار إذ سقط 16 شهيدا ومئات الجرحى ممّا زاد في تأجيج الأوضاع واتّســاع ‏رقعة الاحتجاجات انطلاقا من يــــــوم 31-03-2018 الذي أقرّ يوم حداد وذلك بانضمام ‏آلاف المنتفضين لهذه التحركات والتحاقهم بالاعتصامات قرب الجدار العازل أين تمّ ‏نصب الخيام وهو ما عبّرت عنه إحدى صحف الكيان الصهيوني في تعليق لها على ‏ذلك بالقول: "إنّه بدلا من أن يكون عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين رادعا ‏للمتظاهرين فقد شكّل عاملا دافعا لهم للانتقام وزيادة أعدادهم للتظاهر". لقد كان لزاما ‏على حركة حماس العمل على استمرار المسيرات أطول مدّة ممكنة إذ أعلن خالد ‏البطش رئيس الهيئة العليا لمسيرة العودة في مؤتمر صحفي : "نعلن أنّ اليوم هو يوم ‏البداية وسنواصل الاعتصام والتظاهر وندعو شعبنا إلى الاستمرار وصولا إلى يوم ‏الزحف العظيم في 15 ماي الذي يصادف الذكرى السبعين للنكبة". كما مثّل أيضا قرار ‏إدارة الإمبريالية الأمريكية نقل سفارتها في مرحلة أولى إلى القدس المحتلّة واحتفالها ‏في مرحلة ثانيّة بعمليّة النقل وتركيز السفارة في المقرّ الجديد دافعا إضافيّا لاستمرار ‏هذه المسيرات والمواجهات مع قوى القمع الصهيونيّة . ‏
‏ لقد دفعت حركة حماس بآلاف الفلسطينيين العزل للتصدي لآلة القمع الصهيونيّة ممّا ‏أسفر عن استشهاد حوالي 200 وجرح 22 ألف، هدفها في ذلك عقد صفقة جديدة مع ‏المحتل لتخفيف الحصار المفروض على غزّة لا لتحريرها وباقي الأرض الفلسطينيّة ‏وهو ما عبّر عنه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنيّة في خطبة عيد ‏الإضحى الفارط بقوله: "إنّنا نسير إن شاء الله في طريقنا نحو إنهاء الحصار الظالم ‏عن غزّة دون التخلّي عن الثوابت الوطنيّة.. أستشعر في هذا العيد أنّ هناك خيرا قادما ‏إن شاء الله لشعبنا ونحن بتنا قاب قوسين أو أدنى من طيّ صفحة هذا الحصار ‏الظالم..". لقد ارتبطت هذه الأماني التي عبّر عنها هنيّة بمباحثات تجري في تلك الفترة ‏في القاهرة بشأن تهدئة طويلة الأمد بين حركة حماس والاحتلال الصهيوني برعاية ‏وتوسّط النظام المصري ومنسق الأمم المتّحدة الخاص لعمليّة السلام في الشرق ‏الأوسط نيكولاي ملادينوف، الأمر الذي يؤكّده نائب رئيس الحركة بغزّة خليل الحيّة ‏بقوله: "الجهود المصريّة والأمميّة والقطريّة الرّاميّة إلى إتمام اتّفـاق تهدئة مع ‏إسرائيل وصلت إلى مراحلها النهائيّة" كما أضاف "الحديث في اتّفــــــــــــاق التهــدئة ‏قائم على تفاهمات العام 2014"، غير أنّ هذه المفاوضات توقّفت مع عطلة عيد ‏الإضحى وتعطّلت بتدخّل من حركة فتح وبعض الأطراف العربيّة التي أكّدت على ‏ضرورة تطبيق تفاهمات 22-04- 2014 التي تنصّ على إنهاء مرحلة الانقسام ‏الفلسطيني باتّفاق حركة حماس الإسلاميّة ومنظمة التحرير الفلسطينية فتح من حيث ‏المبدأ على تشكيل حكومة موحّدة وإجراء انتخابات رئاسيّة وبرلمانيّة قبل نهاية عام ‏‏2014 والتي لم تتمّ في تلك الفترة والتي تمّ طرحها حاليّا كشرط لتحقيق الهدنة . لقد ‏أعلم النظام المصري الذي كان يرعى جهود التهدئة بين حركة حماس والكيان ‏الصهيوني بشأن قطاع غزّة مسؤولي حماس بأنّه لا بدّ من إتمام المصالحة ‏الفلسطينيّة ( إقرأ المصالحة بين حماس وفتح ) قبل الحديث عن أيّ ملفّ آخر . ‏
‏ لقد بيّنت لنا الوقائع المذكورة وأنّ الرجعيّة الفلسطينيّة بكل تلويناتها بصدد التلاعب ‏بحقوق الفلسطينيين الذين تستنفرهم وتجندهم وقت الحاجة لا لغاية تحرير الأرض ‏المحتلة بل لعقد الصفقات المشبوهة. هذه الرّجعيّـــات التي أصبحت تتسابق لتقديم ‏جزء هام من الأرض العربية في فلسطين للعدوّ الصهيوني مقابل تكليفها من قبل ‏المحتل ببعض المهام القذرة المتمثّلة بالأساس في وأد نهج المقاومة المسلّحة ‏ومحاصرة كلّ نفس ثوري طرح أو يطرح مهامّ تحرير الأرض. لقد سعت الرجعيّات ‏الليبراليّة والدينيّة للترويج للحلول الاستسلامية المرتكزة بالأساس على مبدإ "الأرض ‏مقابل السلام" وحاولت طمس معالم الثقافة الثوريّة التي كانت تتغنّى بالمقاومة ‏المسلّحة وتشيد بمواجهاتها مع العدوّ واستبسالها في الدفاع عن الأرض خاصّة أواخر ‏الستينات وخلال السبعينات من القرن الماضي التي انتشرت فيها الأغاني الثوريّة في ‏أرجاء الوطن العربي مثل " لوّحنا على القواعد لوّحنا برصاصنا خذنا الموت وما هبنا ‏ونفذنا العمليّة وروحنا ... فدائيّه وكل الجماهير فدائيّه/ وتعوّدنا على الموت ‏والتضحيّة/ وهذه هيّ طريقنا وعنها ما نتوه...، طالعلك يا عدوّي طالع/ من كلّ بيت ‏وحارة وشارع/ بسلاحي وإيماني طالعل/ حربنا حرب الشوارع. وبقيادتنا الثوريّة ‏أعلنّا الحرب الشعبيّة...، كلاشنكوف/ خلّي رصاصك في العالي/ ما فيه خوف/ طول ما ‏رصاصك في العالي... إلى جانب العديد من الأغاني الأخرى، انتشار النار في الهشيم ‏ومثّلت طريقة مثلى للتعريف بقضيّة التحرّر الوطني الفلسطينيّة خاصّة لدى الشبيبة ‏ممّا دفع بالعديد منهم إلى الالتحاق بالمقاومة المسلّحة والقتال ضمن صفوفها . ‏
‏ و أثبتت لنا الوقائع أيضا أنّ الانتفاضات لم ولن تحقّق للمنتفضين مطالبهم عندما ‏ترتبط بقيادات رجعيّة همّها الوحيد تحسين شروط التفاوض مع الاكتفاء ببعض الفتات ‏الذي يجود به العدو أو ببعض التنازلات خاصة في المسائل المرتبطة بقضايا التحرّر ‏الوطني لأنّ الرجعيّة ستعمل بالضرورة على عرقلة أيّ مبادرة لتطويّر الانتفاضة ‏بالسعي لتخريبها من الداخل حين تشعر بأنّ قادتها خرجوا عن سيطرتها . ففي ‏فلسطين المحتلة ورغم كل هذه الانتفاضات ورغم زخمها الجماهيري واستمرارها لعدّة ‏سنوات لم تتحقق مطالب المنتفضين فلم تتوقف عمليّة مصادرة الأراضي وتشريد ‏أصحابها وتهجيرهم، كما لم تتوقف لا الاغتيالات ولا الاعتقالات اليوميّة للفلسطينيين ‏ولا انتهاكات حقوقهم، كما لم تتحرر أرضهم من الاستعمار الذي ما يزال جاثما فوق ‏صدورهم ممّا يحتّم البحث عن بديل آخرّ تنتهي معه معاناتهم اليوميّة ويحقّق لهم حلم ‏العودة إلى ديارهم وبساتينهم ويحرّر أرضهم بصفة نهائيّة. إنّ هذا البديل يكمن في ‏تجسيد الشعار الداعي لتحويل الانتفاضة إلى حرب شعبيّة طويلة المدى، غير أن ‏تجسيد هذا الشعار يقتضي وجود قيادة ثوريّة متسلّحة بالنظريّة الثوريّة وقادرة على ‏لفّ الجماهير حولها وتطوير قدراتها الذاتيّة وتصليب عودها وتكوين نواة لجيش ‏الشعب الثوري وإنشاء مناطق الارتكاز المتغيّرة في الأرياف والقرى الفلسطينيّة التي ‏تتّسم بضعف تواجد العدوّ الصهيوني والرجعيّة الفلسطينيّة لتكون منطلقا للهجمات ‏على العدو وملاذا للتخفّي ومصدرا لمدّ الجيش الشعبي بعناصر جديدة. إنّ تحرير ‏فلسطين لن يتمّ لا بالتفاوض ولا بالانتفاضات ولا بقيادات رجعية بل بحرب الشعب ‏طويلة الأمد بقيادة ثوريّة تسعى إلى تحصين أيّ شبر من الأرض العربية في فلسطين ‏المحتلّة حالّ تحريره وتدعيمه إلى حين تحقيق الهدف المنشود ألا وهو طرد الغزاة ‏وتحرير كامل الأرض وبناء سلطة الديمقراطيّة الشعبيّة ذات الأفق الاشتراكي، فحرب ‏الشعب أثبتت وتثبت حاليا جدواها في المستعمرات وأشباه المستعمرات وعن طريقها ‏تحررت الصين الشعبيّة بقيادة ماوتسي تونغ وتمارس الآن في الهند والبيرو ‏والفليبين وتحقق انتصارات مهمّة على أعداء العمّال والفلاحين فلنرفع إذن شعار ‏لنحوّل الانتفاضة الحاليّة في فلسطين المحتلّة إلى حرب شعبيّة طويلة الأمد ولتتخلّص ‏الجماهير الشعبيّة من القيادات الرجعيّة التي تتاجر بحقوقها المشروعة.‏
-------------------------------------
طريق الثورة، عدد 48‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام