الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمازون في مصر: هكذا تجني شركة أغنى رجل في العالم أرباحها

سيد صديق

2021 / 9 / 15
الحركة العمالية والنقابية



في 31 أغسطس الماضي، شارك رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في افتتاح مستودع شركة أمازون بمدينة العاشر من رمضان، فيما دخلت أمازون السوق المصرية رسميًا بعد ما يقرب من خمس سنوات من استحواذ عملاقة التجارة الإلكترونية في العالم على منصة سوق دوت كوم.

رغم ما يمثِّله ذلك من تهديدٍ مرجَّح على البائعين الصغار في مصر، كما سنتناول بعد قليل، احتفت الحكومة ووسائل إعلامها بدخول أمازون، لمؤسسها جيف بيزوس، أغنى رجل في العالم، إلى السوق المصرية. كيف إذًا وصلت أمازون إلى هذه المكانة العالمية (واحدة من أصل 5 شركات تتخطَّى قيمتها السوقية تريليون دولار)، وكيف تحقِّق أرباحها الطائلة عالميًا؟ الإجابة على هذا السؤال قد تقدِّم لنا صورةً لممارسات الشركة مستقبلًا في مصر.

البائعون الصغار
تدخل أمازون السوق المصرية للاستفادة من عددٍ من المزايا المهمة. أولى هذه المزايا هي التوسُّع في حجم التجارة الإلكترونية في مصر. فبحسب جهاز التنمية والتجارة الداخلية، بلغ حجم السوق التجارة الإلكترونية في مصر 40 مليار جنيه عام 2020 (2.5 مليار دولار)، بينما تفيد إحصاءاتٌ أخرى من شركات أبحاث السوق بأن هذا الحجم قد وصل إلى 4 مليار دولار في ظل جائحة كورونا. وهناك العديد من البائعين الصغار على الإنترنت الذين يشكِّلون هذه السوق. ومن المرجَّح أن يتوسَّع هذه السوق في مصر بشكلٍ أكبر، بالأخص أن نصف السكَّان تقريبًا من الشباب، وهذه هي الفئة التي تنتشر بينها التجارة الإلكترونية أكثر من غيرها.

الأمر الثاني المهم بالنسبة لأمازون هو أن السوق المصرية تمثِّل فرصةً للتوسُّع في شرق وشمال إفريقيا في حال عزمت أمازون إنشاء مخازن ونقاط تجميع في مصر.

لكن دخول أمازون للسوق المصرية يمثِّل تهديدًا خطيرًا، ربما يكون وشيكًا، على صغار البائعين في السوق الإلكترونية في مصر، الذين لن يتمكَّنوا من منافسة الشركة العملاقة، الشهيرة أيضًا بممارساتها الاحتكارية.

الاحتكار
من أجل تعظيم الأرباح، يصبح كلُّ شيءٍ مباح أمام كبار الرأسماليين، وتحت ضغط المنافسة المتواصلة، لا تقوى المشروعات الصغيرة في الأغلب على إيجاد متنفَّسٍ في ظلِّ سيطرة الكبار، فتخسر وتسقط وتهوى أمام الشركات الكبرى التي تستحوذ عليها في نهاية المطاف. وهذا هو المسار الذي يزداد فيه تمركز رأس المال في يد قلةٍ من هذه الشركات الكبرى، ناهيكم عن أساليب التلاعب التي تسمح بها السوق نفسها، والتي تبرع فيها شركة أمازون.

على سبيل المثال، في نوفمبر 2020، وجَّه الاتحاد الأوروبي تهمًا لأمازون باتباع ممارساتٍ احتكارية غير مشروعة وانتهاك قواعد المنافسة، وتشمل التهم استخدام البيانات غير العامة للبائعين الآخرين عبر الإنترنت، مثل عدد المنتجات المطلوبة وإيرادات هؤلاء البائعين، في خوازميات البيع بالتجزئة، وذلك لمساعدتها في تحديد المنتجات الجديدة وسعر كلِّ عرضٍ جديد. وقال الاتحاد الأوروبي إن مثل هذه الممارسة، ضمن العديد من الممارسات الأخرى، تسمح لأمازون بتهميش البائعين الآخرين والحدِّ من قدرتهم على النمو.

ينبغي أن نضيف هنا أن النتيجة من هذه الممارسات هي بالطبع الاستحواذ على شركات البائعين الآخرين، فقد استحوذت أمازون بالفعل في الولايات المتحدة، كما في العالم، على مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة. وهذا من شأنه أن يدمِّر الوظائف لا أن يخلق المزيد من الوظائف. على سبيل المثال، في نهاية العام 2015، وظَّفت أمازون 146 ألف عامل في الولايات المتحدة، لكن ذلك كان على حساب 295 ألف وظيفة في مشاريع أخرى للبيع بالتجزئة أُجبِرَت على الخروج من السوق نتيجة ممارسات أمازون الاحتكارية.

التهرُّب الضريبي
أحد أساليب التلاعب التي تتبعها شركة أمازون أيضًا هي التهرُّب من الضرائب. على سبيل المثال، سدَّدَت الشركة في العام الماضي، 2020، ضريبةً على الدخل لأول مرةٍ منذ ثلاث سنوات، وصرَّح جيف بيزوس، الذي تبلغ ثروته 201 مليار دولار، أن الشركة دفعت 162 مليون دولار ضرائب على دخلٍ قُدِّرَ بـ13.3 مليار دولار، ما يعني أن الضرائب المُسدَّدة بلغت فقط 1.2% من قيمة الدخل، بينما يفرض القانون الأمريكي للضرائب أن تدفع الشركات 21%، بعد أن خفَّضها ترامب من 35% (يسعى بايدن إلى نسبة 28%).

وفي عاميّ 2017 و2018، لم تدفع أمازون أيَّ ضرائب على أرباحٍ قُدِّرَت بـ5.6 مليار دولار و11.2 مليار دولار على التوالي. وفي بريطانيا أيضًا، لم تدفع أمازون ضرائب أكثر من 3% فقط في عام 2019، رغم ارتفاع أرباحها بمقدار الثلث تقريبًا عن العام السابق.

ليست هذه إلا مجرد أمثلة، وغيرها الكثير سواء في حالة أمازون أو غيرها من كبرى الشركات العالمية. هذا ليس أمرًا عارضًا، بل أن النظام نفسه مُصمَّمٌ بناءً على إتاحة الكثير من الثغرات أمام مثل هذه الشركات من أجل مراكمة الأرباح، تحت ضغط المنافسة المتواصلة، في أقصر مدة ممكنة.

اعتصار العمال
القسم الأكبر من الثروات التي تحقِّقها أمازون يأتي عن طريق استغلال العمال -أكثر من 800 ألف عامل- إلى درجاتٍ شديدة القسوة، سواء من خلال الأجور الهزيلة، أو ساعات العمل الطويلة، أو الحرمان من عقود العمل، علاوة على الوقوف بصرامة ضد أيِّ محاولاتٍ لتأسيس نقابة يدافع بها العمال عن حقوقهم ضد كلِّ هذه المظالم.

في حين أعلن جيف بيزوس العام الماضي تأييده لحركة حياة السود مهمة في الولايات المتحدة، يعمل عماله -75% منهم من السود- في ظروفٍ أقل ما توصَف به أنها سيئة للغاية. ما يقرب من 40% من عمال مخازن أمازون عمالة مؤقتة دون أمان وظيفي، ولا توظِّفهم الشركة مباشرةً بل عن طريق شركات توظيف وسيطة تتعاقد معها الشركة.

بالنسبة للأجور، يتقاضى عمال مخازن أمازون بشكلٍ عام أجورًا أقل من عمال المخازن في شركاتٍ أخرى. في أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية، على سبيل المثال، تنخفض أجور عمال مخازن أمازون بنسبة 19% عن الأجور السائدة في المخازن، و29% عن متوسط الأجور في المدينة.

ويعمل عمال أمازون لفتراتٍ طويلة (10 ساعات يوميًا) دون استراحات كافية، أحيانًا لا تكفي للذهاب إلى دورات المياه والعودة منها، بحسب الكثير من شهادات العمال الموثَّقة، إلى درجة أن الكثير من السائقين وعمال المخازن يضطرون للتبوُّل في زجاجاتٍ فارغة أثناء العمل حتى يتمكَّنوا من إنجاز “كوتة” العمل في كل ساعة.

تخشى الشركة من محاولات تنظيم العمال لأنفسهم للدفاع عن حقوقهم، ومن المعروف عنها تصديها بقوة لعدة محاولات سابقة وصلت إلى الفصل التعسُّفي من العمل. آخر محاولات تأسيس نقابة كانت في أبريل الماضي في مخازن ولاية بيسمير الأمريكية، التابعة للشركة. وهي المحاولة الأولى بعد سعي فنيي التصليحات في مخازن ولاية ديلاوير الأمريكية في العام 2014. أطلقت الشركة حملةً دعائيةً كبرى موجَّهة لعمال مخازن بيسمير للتصويت بـ”لا” على تأسيس النقابة، وعقدت اجتماعاتٍ إلزامية للعمال لتحريضهم على عدم مساندة جهود إنشاء النقابة، وتلقَّى العمال رسائل يومية من مدرائهم. حتى أن الشركة أنشأت موقعًا إلكترونيًا خاصًا لذلك، ودعت فيه العمال إلى إنفاق الرسوم النقابية على اللوازم المدرسية لأبنائهم أو الهدايا لأقاربهم، ونشرت شائعاتٍ بين العمال عن احتمالية إغلاق المنشأة وخسارة العمال وظائفهم.

وفي العام الماضي، تحوَّلَت عدة مخازن للشركة في الولايات المتحدة العام الماضي إلى بؤرٍ لتفشي فيروس كورونا، نتيجة استمرار العمل بالشركة، بنفس طاقتها ودون إجازاتٍ للعمال، أثناء ذروة الجائحة. أقرَّت الشركة، في نوفمبر الماضي، بأن نتائج اختبارات ما يقرب من 20 ألف عامل منذ اندلاع الجائحة جاءت إيجابية، ويظلُّ عدد الوفيات غير معلوم. وخلال الفترة نفسها، تربَّعَت الشركة على عرش المستفيدين من الجائحة، إذ شهدت في 2020 ارتفاعًا في إيراداتها بنسبة 38%، لتبلغ 386.1 مليار دولار، مقابل 280.5 مليار في 2019.

هذه فقط لمحةٌ سريعة من ظروف العمل في أمازون، في بلدٍ المفترض أنها أكثر احترامًا لحقوق العمل من مصر. مع انبهار الكثيرين في مصر وترحيبهم بدخول أمازون السوق المصرية، ينبغي أن نتساءل كيف ستبدو مثل هذه الممارسات في مصر؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس