الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاعيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في المجتمعات النامية

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 9 / 15
الادارة و الاقتصاد


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: كيف تنظر إلى دور المؤسسات المالية العالمية وخاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في المجتمعات النامية؟

مصعب قاسم عزاوي: لقد كان من أهم مفاعيل الحرب العالمية الثانية تشكيل نظام مالي قائم على رتبتين؛ الأولى هي اقتصادات المنتصرين ومن لف لفهم والثانية هي كل الاقتصادات الأخرى على المستوى العالمي. والفرق فعلياً صارخ بينهما، حيث أن المجموعة الأولى تتمتع مراكز الثقل فيها، بميزة اقتصادية استثنائية في انعكاساتها الاجتماعية والسياسية تتمثل في اعتبار عملاتها عملات صعبة مقبولة للتبادل العالمي بحسب التعريف الاعتباطي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمدلول العملة الصعبة، خاصة في مرحلة ما بعد قيام الرئيس الأمريكي نيكسون بتهشيم اتفاقية بريتون وودز التي ظلت سارية المفعول منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى تاريخ تذريتها في العام 1971، و هي التي كان جوهرها يستند على أساس ربط قوة الدولار الأمريكي بالذهب، وتحديد سعر ثابت لصرف العملات الأخرى بالنسبة إلى الدولار الأمريكي بمعدلات ثابتة، وهو ما عنى في المآل الأخير ربطها جميعها بالذهب وقيمته التبادلية الحقيقية كثروة عيانية مشخصة. وعقب تفكك اتفاقية بريتون وودز تم فك ارتباط القوة الشرائية للدولار الأمريكي بالذهب، وإقالة كل معاملات الصرف الثابتة بين العملات بالنسبة للدولار الأمريكي، وهو ما تولد عنه اختلال عضوي عميق في الاقتصاد العالمي تم حله اعتباطياً بقوة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية باعتبار عملات محددة عملات صعبة صالحة للتبادل العالمي، وهي في الواقع حالياً الدولار الأمريكي، والجنيه الإسترليني، واليورو أساساً، وهو ما تم قوننته وتزويقه بشكل مؤسسي عالمي عبر معايير وتعريفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ومن الناحية النظرية فإن دور البنك الدولي هو ضمان عدم الاختلال في الاقتصاد العالمي بالشكل الذي سبق وأدى بشكل ظاهري لاشتعال الحرب العالمية الأولى، وما أدت له مفاعيلها الجهنمية من تأسيس للحرب العالمية الثانية. ويكمن دور صندوق النقد الدولي أساساً في إقراض الدول المتعثرة اقتصادياً لضمان استقرار الاقتصاد العالمي، وكلتا المؤسستين مسيطر عليهما وممولتان بشكل شبه مطلق من الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وخاصة الولايات المتحدة، و التي تسيطر فيها على مفاتيح الحل والعقد في توجهات تلك المؤسستين بناء على حجم التمويل الذي تساهم به في تمويل هاتين المؤسستين، و هما اللتان تعملان بشكل دائم لتحقيق مصالح تلك الدول القوية الغنية المتمحورة بشكل سرمدي حول أهداف الحصول غير المشروط على الموارد الأولية من كل المجتمعات النامية بشكل شبه مجاني، والاستفادة دون قيد أو شرط من قوة عمل أبناء المجتمعات النامية بأشكال لا تبتعد كثيراً عن توصيف العبودية المطلقة سوى أنها لا تربط أولئك العمال المستعبدين بسلاسل حديدية، والانفتاح الاقتصادي الذي يسمح بتحول كل تلك المجتمعات النامية إلى أسواق تصريف مفتوحة لا ضابط عليها أو رقيب أو حسيب لتصريف نتاج الشركات العابرة للقارات التي تعود أرباحها لصالح الفئات المهيمنة في دول الشمال الغني، بالإضافة إلى رفع كل القيود عن الاستثمار الأجنبي في تلك المجتمعات النامية، وعن تحويل الأرباح الناتجة عنه إلى مصارف وخزائن الدول الغنية بشكل يضمن عدم تراكم أي ثروة في المجتمعات النامية يمكنها من الاعتماد على نفسها لاحقاً.
وبينما تستطيع الدول الغنية التي تعتبر عملاتها صعبة إصدار أكداس هائلة من عملاتها دون أي سند حقيقي إنتاجي لها في المجتمع بقوة مصادقة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على ذلك، كما كان في سياق التراجع الاقتصادي العميم في العام 2008 والذي نتج عنه طباعة ما يوازي 14 تريليون دولار في اقتصادات الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوربي فقط بالاستناد إلى ذلك الخلل البنيوي في بنيان الاقتصاد العالمي القائم على شاكلة «الخيار والفقوس» بين مجتمعات السادة ومجتمعات العبيد المنهوبين المفقرين في الدول النامية التي لا يستطيع أي منها القيام بذلك، وإلا تم نبذه وتجريمه من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث أن طباعة أي عملة محلية غير صعبة سوف يؤدي إلى زيادة في معدل التضخم المالي محلياً، ويقود إلى اختلال اقتصادي في ذلك المجتمع النامي يجعله غير صالح للاستثمار فيه من قبل شركات مجتمعات الأغنياء. ولتلافي الوقوع في شر «أم الخطايا الكبائر» تلك عندما تكون الحاجة ملحة في المجتمعات النامية جراء هشاشتها الاقتصادية، فلا بد من اتباع وصفات صندوق النقد الدولي «العلقمية» الجاهزة، والمتمثلة في خفض الإنفاق العام، ورفع الدعم الحكومي عن أي سلع أساسية لا بد منها لدوام حيوات المفقرين في المجتمع، ورفع الحماية عن كل صناعة وطنية وترك أي منها لقمة سائغة لابتلاعها بشكل شبه مجاني سواء بشرائها أو بعد إفلاسها مالياً في منازلة غير منصفة مع الشركات العالمية العابرة للقارات، والتي تتخذ دائماً من مجتمعات الأقوياء الأثرياء مقرات رئيسية لها، وهي الأكثر قدرة على المنافسة بنتاجاتها المضاهية لنتاجات الشركات المحلية تلك، وبأسعار لا تستطيع جل الصناعات المحلية منافستها به، سواء كانت زراعية أو تصنيعية، وبغض النظر عما يعني ذلك من انتقال مئات الآلاف أو الملايين من البشر إلى حيز البطالة في المجتمعات النامية .
ودون الالتزام بتلك الوصفة «السمية» الجاهزة لا يتاح لأي دولة نامية الاستدانة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالعملات الصعبة التي قامت دول المنتصرين بإيداعها لدى تينك المؤسستين، وهي في الأساس أرقام قامت البنوك المركزية في تلك الدول بتوليدها دون سند إنتاجي حقيقي، وبالفعل تم تخليقها على حد توصيف العالم الاقتصادي الطليعي يانس فاريوفاكيس «من الأثير الذي لا وزن له» وليس سوى ذلك.
ويبرر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ذلك الحال المؤوف بقوة الواقع البائس الذي يُمَكِّن دول المنتصرين وخاصة الولايات المتحدة من إصدار سندات خزينة تمثل ديوناً على حكومة الولايات المتحدة تقوم بشرائها كل الشركات المعولمة التي راكمت فوائض ربحية هائلة جراء استغلالها للبيئة الاستثمارية التي قدمها لها من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على المستوى العالمي ولا تدري راهناً أين تذهب بتلك الأرباح الفلكية، بشكل لا يختلف كثيراً عن تقاطر سيول الأموال المنهوبة التي راكمها النواطير المكلفون بشؤون الاستبداد و الفساد و الإفساد، وحماية مصالح أصحاب الحل والعقد من المستعمرين القدماء الذين لم يرحلوا إلا شكلياً عن دول المستعمرات، و هم الذين ما فتئوا يقومون بتهريب أموالهم التي سطوا عليها بشكل غير شرعي على حساب مجتمعاتهم المنهوبة المفقرة لاستثمارها في سندات خزائن دول المنتصرين وخاصة الولايات المتحدة التي أصبح دينها السيادي على تلك الشاكلة يتجاوز 22 تريليون دولار.
والحقيقة أن نظام الاقتصاد العالمي الراهن المضبوط بضوابط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لا يمكن أن يقود إلا إلى أن يزداد الفقراء فقراً، ويزداد الأثرياء ثراءً، وهو ما يتبدى راهناً في حقيقة أن ثمانية أشخاص يمتلكون نصف الثروات في كوكب الأرض، وأن بضعة أشخاص فقط في العالم الغني يمتلكون ثروات تساوي ثروات 50% من كل البشر في أرجاء المعمورة، بالتوازي مع الحقيقة المرة بأن أياً من أثرياء «السحت المصفى» هؤلاء لا يدفع ضرائباً في أي مجتمع جنى ثرواته منه عبر أدوات للتهرب الضريبي المنظم والمدعوم سياسياً بقوة السياسيين المُصَنَّعين والمُمَوَّلين من قبل أولئك الأثرياء وشركاتهم العابرة للقارات، و هو ما لا يعيره انتباهاً أي من سدنة هيكل الاقتصاد العالمي الخبيث السقيم في صندوق النقد الدولي و البنك الدولي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة


.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام




.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با