الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربة ثورة ديسمبر ودروسها (9)

تاج السر عثمان

2021 / 9 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تراكم المقاومة الجماهيرية حنى موكب 6 أبريل 2019.
1
أشرنا سابقا الي أن ثورة ديسمبر امتداد لنهوض الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية من أجل تجديد حياة السودانيين ، وهي ثورة عميقة جاءت امتداد ا اوسع للثورات السابقة بعد الاستقلال ، و كانت نتاجا لتراكم النضال الجماهيري الذي خاضته مختلف فئات الشعب السوداني ضد نظام الانقاذ الفاشي الدموي ، حتى كانت لحظة الانفجارالجماهيري بعد الزيادات في المحروقات والخبز . الخ ، والذي بدأ من الدمازين في 13 ديسمبر 2018 ، وبشكل اقوي في مدينة عطبرة، وبعدها استمرت المواكب والوقفات الاحتجاجية والعرائض والمذكرات حتى موكب 6 أبريل الذي كان نقطة تحول مهمة في ثورة ديسمبر ، أدي للاعتصام أمام القيادة العامة، ولسقوط البشير ونائبه ابنعوف في 11 أبريل 2019 بعد انقلاب اللجنة الأمنية الذي قطع الطريق أمام وصول الثورة لأهدافها ، استخدام المجلس العسكري تكتيكات ومناورات وخداع ، وعنف وحشي ضد الاعتصام أمام القيادة العامة ، كما حدث في أحداث 8 رمضان ومجزرة القيادة العامة في 29 رمضان التي كانت إبادة جماعية وجريمة ضد الانسانية ، لا زالت المعركة تدور حول كشف نتائجها بعد تكوين لجنة نبيل أديب والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين، ما أوضحنا في الحلقات السابقة.
2 .
جاء موكب 6 أبريل نتاجا لتراكم نضالي خاضه شعب السودان منذ انقلاب الإسلامويين في يونيو 1989، ولم يكن صدفة، أو حسب ما ذكرت لينا يعقوب " الجموع تتدافع أمام مباني القوات المسلحة، ومدير جهاز الأمن الأسبق صلاح قوش بالتنسيق مع قيادات التغيير يفتح شارع القيادة لعبور الثائرين"!!!، ( صحيفة الراكوبة: 6 أبريل 2020 )، ولا كما في حديث محمد وداعة " إن غالبية اللجنة الأمنية كانت علي قناعة بضرورة وصول الثوار الي محيط القيادة وانهاء المظاهرات التي استمرت ثلاثة أشهر" - صحيفة الراكوبة مرجع سابق.
كان ذلك بعد أن تطور واتسع الحراك الجماهيري في السودان المطالب باسقاط نظام البشير وشمل أكثر من 80 مدينة وقرية وحي في أنحاء البلاد المختلفة، ولم يقتصر علي المدن بل امتد حتي اصقاع الريف السوداني الذي تم افقاره تماما ، إضافة للحراك خارج السودان والتضامن الواسع مع شعب السودان.
جري ذلك رغم القمع المفرط وانتهاك الدستور والحقوق والحريات الأساسية باطلاق الرصاص الحي علي المظاهرات والمواكب السلمية مما أدي إلي استشهاد واصابة واعتقال أعداد كبيرة من الثوار ، والأحكام بالسجن علي بعض المتظاهرين لمدة 6 شهور، ورمي البمبان في بعض المنازل كما حدث في حي بري..
3
بعد ذلك ،أصبح النظام في حالة هلع من مصيره المحتوم، وقام باغلاق مواقع التواصل الاجتماعي والجامعات والمدارس وإعلان حظر التجول و حالة الطوارئ أو تمديدها في بعض الولايات " عطبرة ، دنقلا ، كريمة ، الأبيض . الخ " ، والهجوم علي دور الأحزاب لاعتقال قادة قوى الاجماع كما حدث في داري حزب البعث في العرضة والسجانة ، والهجوم علي دار الحزب الشيوعي لاختطاف قيادات الحزب الشيوعي كما في حالة مسعود محمد الحسن بطريقة فظة، واعتقال الصحفيين ومراسلي القنوات الفضائية وتعطيل المباريات الرياضية بسبب مشاركة جماهير الرياضة في الحراك الجماهيري، ومصادرة بعض الصحف مثل "الجريدة" التي تمت مصادرتها ثلاث مرات.
استمرت المواكب والمظاهرات في المدن والأحياء واتسعت حتى تكوين المركز الموحد للمعارضة المهنية والسياسية والمطلبية ، والتوقيع علي ميثاق " الحرية والتغيير" في يناير 2019 ، وارتفعت رايات الوحدة والوطنية السودانية التي تنبذ العنصرية ، وتكرس دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو الثقافة أو العرق أو اللغة.
4
من الجانب الآخر اصبحت تناقضات النظام الداخلية عميقة ، وصار عاجزا عن تقديم أي حلول للأزمة الاقتصادية والمالية ، ولا يملك غير الوعود الكاذبة وسلاح القمع الذي تجاوزته الجماهير وكسرت حاجزه، و تصدعت الحكومة بخروج (22) حزبا منها.
كما اتسعت حملات التضامن مع شعب السودان ، كما واضح من استنكار الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والوطنية ومنظمات حقوق الانسان ، والاتحاد الأفريقي والاتحاد الاوربي وأمريكا للقمع المفرط للمظاهرات السلمية واستخدام الرصاص ضد المتظاهرين السلميين مما أدي لاستشهاد وجرح العشرات وضد حملات الاعتقال الواسعة ضدهم.، إضافة لمظاهرات السودانيين في الخارج التي حاصرت بعض السفارات وفضحت جرائم النظام في الداخل.
توفرت الظروف الموضوعية والذاتية لاسقاط النظام ، فقد اصبحت الحياة لا تطاق في ظل هذا النظام ، وحدث شرخ فيالنظام الحاكم الذي عجز عن تقديم أي حلول للمشاكل الاقتصادية والمالية التي تواجهها البلاد ، ولم يعد يملك غير ترسانته العسكرية وممارسة القمع ضد المتظاهرين السلميين ، وواجهت الجماهير ببسالة الرصاص والقمع ، وأصبح لايرهبها شئ ، وليس لديها ما تخسره غير بؤسها وأغلالها.
تزامنت مع المواكب الاضرابات والوقفات الاحتجاجية للعاملين والموظفين والمهنيين والمعلمين ،مثل الاضراب المفتوح للاطباء واضراب معلمي ولاية النيل الأبيض.الخ. .
وكان ذلك امتدادا للاضرابات العمالية والمهنية ضد منذ انقلاب الجبهة الاسلاموية المشؤوم ، كما جربت الجماهير العصيان المدني المحدود كما حدث مثلا في : اعتصامات المناصير و التي استمرت لشهور وتجربة مواطني الجريف شرق الذين أعلنوا العصيان المدني في منطقتهم وأغلقوا المحلات التجارية والحرفية والأسواق والمدارس، وتجربة مدينة لقاوة والتي قدمت مثالاً فريداً في إمساك الجماهير بقضاياها ومتابعتها، وعصيان نوفمبر 2016 ، واضرابات وعصيان التجار واغلاقهم لمحلاتهم التجارية ضد الجبايات كما حدث في عطبرة والحصاحيصا ، وانتفاضات المدن.
5
كما تواصلت مواكب المدن كما في أم درمان في 9 يناير 2019 الذي سجل ملحمة بطولية والذي جاء في اليوم نفسه بعد الحشد الذي دعا له النظام في الساحة الخضراء الذي كال بمكيالين ، وأكد لا أخلاقية النظام الذي دعم وحمي موكبه ، ومارس القمع المفرط ضد موكب المعارضة ، وأعاد للأذهان موكب الردع الفاشل لنظام نميري في أيامه الأخيرة لمواجهة انتفاضة أبريل 1985، وموكب نظام القذافي ، ونظام هتلر النازي في أيامهما الأخيرة ، التي حاولت أن تؤكد التأييد والعظمة الزائفة، وبعد ذلك كما هو معروف ذهبت تلك الأنظمة الشمولية والفاشية إلي مزبلة التاريخ..
كما جاء بعد حديث علي عثمان محمد طه الذي ظهر في حالة رعب وفزع ، و قلل من شأن الاحتجاجات ، وهدد بقثل المتظاهرين حين قال لقناة ( اس 24 ) بأن " النظام تحرسه مجموعات وكتائب ظل أفرادها مستعدون للموت في سبيل بقاء النظام " ، مما أكد الحقيقة المعلومة أن مليشيات النظام أو المؤتمر الوطني هي وراء عملية القتل والضرب بالرصاص الحي للمتظاهرين السلميين ، مما أثار غضب الجماهير واستنكار الرأي العام المحلي والعالمي ، مما أدي إلي أن يدعو القضاة السابقون والقانونيون لرفع قضية ضده هو ويونس محمود الذين دعا للقتل والضرب حتي تسيل الدماء " للركب"، إضافة لخرق قانون الأحزاب الذي يمنع الأحزاب من تكوين مليشيات مسلحة.
كما جاء موكب الرحيل الخامس الذي دعا له تحالف المعارضة السياسية والمهنية في الخرطوم بحري الذي خرج فيه الالاف تهدر في الشوارع كالسيول في عدة مواكب باغتت ترسانة النظام العسكرية الضخمة التي حشدتها في المحطة الوسطى بحري بعد أن أغلقت كل الشوارع المؤدية اليها ، لتخرج المواكب القوية من كل فج عميق من أحياء وأزقة وحواري المدينة ، استمرت المظاهرات لساعات ابدي فيها المتظاهرون بطولة وبسالة وشهامة نادرة هزت أجهزة النظام القمعية ، وأعطت الجماهير الثقة في مواصلة المقاومة والمظاهرات، وتمهيد الطريق لإعلان الاضراب العام والعصيان المدني حتي اسقاط النظام.
كما خرجت مواكب مطالبة بالرحيل في 7 مدن أخرى هي : الفاشر ونيالا ومدني والفاو والدويم وبورتسودان وأمري، والتي تعرضت للقمع المفرط بالهراوات والغاز المسيل للدموع واطلاق الرصاص الحي ، إضافة لحملة اعتقالات واسعة لمتظاهرين وصحفيين.
6
عجز النظام عن مواجهة الثورة
كما فشل النظام في تفتيت وحدة المعارضة بالخطاب العنصري الذي أحبطه وعي الجماهير والحركات في دارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق ، التي أكدت علي رفض الخطاب العنصري البغيض كما جاء في الشعارات التي رددها المتظاهرون : يالعنصري المغرور .. كل البلد دارفور" وردد المتظاهرون في دارفور " يا عطبرة الطيبة يامنجم الثورات كل البلاد أم در والشعب حي ما مات"..الخ من الشعارات التي أكدت علي وعي الشباب والجماهير وضرورة دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين او اللغة أو الثقافة او اللون، لقد مارس النظام سياسة "فرق تسد " بين قبائل السودان وتفتيت وحدة الأحزاب والحركات ، واستخدام سياسة "سيف المعز وذهبه " طيلة الثلاثين عاما بهدف البقاء علي الحكم، ولكن ثورة ديسمبر أكدت فشل تلك السياسة ، وأكدت علي تقاليد الحركة الوطنية السودانية وشعار الوطنية السودانية ، كما أكدت فشل سياسة " غسل مخ" الجيل الذي نشأ في السنوات الثلاثين الماضية ،وفشل سياسة القمع ونشر المخدرات وسط الشباب ، وواصل الشباب والطلاب مقاومته في الجامعات والمدارس للنظام كما حدث في انتفاضات الطلاب في جامعة الخرطوم في ديسمبر 1989 ، وطلاب جامعة الجزيرة في 1991 ، وانتفاضة الطلاب في سبتمبر 1995 ، إضافة لهبة سبتمبر 2013 ، وهبة يناير 2018 ،..الخ، وجاءت ثورة ديسمبر بكل قوتها امتدادا لذلك التراكم النضالي لشعب السودان بشبابه وشيبه ونسائه في كل أنحاء السودان.
كما حاول النظام تصوير الثورة مؤامرة من الشيوعيين والبعثيين ، ونتيجة لأعمال مرترقة وتآمر خارجي، وغير ذلك مما سمعناه في أيام الديكتاتور النميري الأخيرة عندما قامت انتقاضة مارس- أبريل 1985 . ولكن الجماهير لم تعر اهتماما لتلك الأكاذيب ، وكلما يزداد النظام قمعا وكذبا تتصاعد وتائر الثورة.
كما حاول ايضا تفتيت وحدة المعارضة والتشكيك في تجمع القوى المهنية والسياسية التي وقعّت علي " ميثاق الحرية والتغيير" بخلق تنظيمات شبابية ، في محاولة يائسة لعزل الشباب عن الأحزاب والثورة الحالية ووضعه في تناقض مع مجموع قوي المعارضة الهادفة لاسقاط النظام وقيام البديل الديمقراطي ، ومحاولة تصوير قضية الشباب بأنها قضية زواج أو ناتجة بسبب إغلاق شارع النيل ومقاهي الشيشة وغير ذلك من التصوير السطحي لنهوض وصمود الشباب في الثورة الحالية ضد هذا النظام الذي صادر الحريات والحقوق الأساسية ، واشعل الحروب ، وأورث شعب السودان الافقار وتدمير المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية مما أدي لازدياد العطالة وانخفاض قيمة الجنية السوداني، ونهب ثروات البلاد وبيع أصولها وأراضيها والتفريط في السيادة الوطنية. إضافة لنشر الاشاعات الكاذبة ونفيها ، كما حدث في نشر خبر استشهاد الطفل محمد عبيد، والتشكيك في حجم المظاهرات ضد النظام، والدعوة للحوار مع الشباب، وعدم تحويل البلاد الي سوريا أو ليبيا أخري وتحويل السودانيين إلي لاجئين ، علما بأن هذا النظام حول الملايين للخارج مهاجرين أو مغتربين ، واباد حوالي 300 ألف في دارفور ونزح أكثر من مليون ونصف من أراضيهم حسب احصائيات الأمم المتحدة، مما جعل رأس النظام مطلوبا للعدالة الدولية، إضافة للملايين من الضحايا والنازحين في حرب الجنوب، مما أدي لفصل الجنوب ، وحروب جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وما نتج عنها من مأسي إنسانية ، وكون المليشيات التي أعلن عنها علي عثمان التي تقتل
7
استمر تصدع وترنح السلطة كما في إعلان الرئيس البشير في خطابه الجمعة 22 فبراير 2019 حل مجلس الوزراء القومي، وإعفاء ولاة الولايات ، وحل الحكومات المحلية ، وإعلان حالة الطواريء لمدة عام ، جاء ذلك نتيجة لثورة شعب السودان التي استمرت لأكثر من شهرين في محاولة للالتفاف علي مطالب الشعب بتنحي البشير ونظامه الشمولي الفاشي الدموي ، وقيام حكومة قومية إنتقالية باعتبار ذلك هو المخرج من الأزمة ، كما جاء في وثيقة قوي" الحرية والتغيير " .
لكن كان يوم 21 فبراير معلما بارزا في تطور الثورة السودانية ، عكس عمقها والمزيد من اتساع قاعدتها وصلابة وجسارة المتظاهرين ، فبرغم الاعتقال الاستباقي لقادة "قوى الحرية والتغيير " الذين كانوا من المفترض أن يكونوا أمام الموكب لتسليم مذكرة الرحيل إلي القصر، انطلقت مواكب الرحيل واستمرت لفترة طويلة بين كر وفر وإعادة تنظيم المظاهرات، رغم القمع الوحشي المفرط باستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع وحملة الاعتقالات الواسعة، استطاع الموكب أن يصل إلي أقرب نقطة للقصر، وتواصلت المظاهرات في المدن والأحياء والقرى حيث بلغت حوالي 40 موكب ومظاهرات ومعارك وتظاهرات ليلية عكست جسارة المتظاهرين كما حدث في بري وشمبات . الخ.
كما شكل يوم 21 فبراير نقطة تحول مهمة لمسار الثورة بانضمام قوى جديدة حية ومؤثرة في قطاعي الخدمات والانتاج بالوقفات الاحتجاجية التي نظمها العاملون في شركات الاتصالات " زين ، و أم . تي .ان" ، وصيادلة شركات الأدوية ، وشركة صافولا ، وشركة اريكسون بالسودان. وتواصل إضراب عمال الميناء الجنوبي ليومه الثالث ، وأضرب معهم عمال الميناء الشمالي في أكبر معركة ضد الخصخصة وتشريد العاملين ودفاعا عن السيادة الوطنية وموانيء البلاد الذين هتفوا بأن تكون إدارتها " سودانية مية المية".
8
رفض حالة الطوارئ
خرجت الالاف من الجماهير في مواكب التحدى يوم الخميس 28 فبراير 2019 تعبيرا عن رفضها لحالة ومحاكم الطوارئ التي الهدف منها المزيد من القمع لوقف مسيرة الثورة، لكن الجماهيرتجاوزت حالة الطوارئ ، وسارت قدما نحو الانتصار باسقاط النظام وقيام البديل الديمقراطي.
تتيجة للضغوط المحلية والعالمية والرفض للعودة للحكم العسكري الإسلاموي، وإعلان حالة ومحاكم الطوارئ التي تتعارض مع الدستور والمواثيق الدولية ، صرح النائب الأول عوض ابوعوف أن " حالة الطوارئ التي فرضت مؤخرا في السودان لا تستهدف إنهاء المظاهرات ضد الرئيس عمر البشير، بل التصدى للتهريب"، لكن الواقع غير ذلك فقد تم تقديم حوالى أكثر 870 متظاهر أمام محاكم الطوارئ تعرضوا لعقوبات السجن والغرامة ، وهذا يتعارض مع الدستور الذي يكفل حق التجمع والتظاهر السلمي ، ومع المواثيق الدولية التي تكفل حق الشعوب في تغيير حكوماتها التي تسومها سوء العذاب ، وتهدد الأمن الدولي مثل نظام الحكم الاسلاموي الفاشي الدموى الحاكم في السودان.
رفض التشكيل الوزاري
كانت مواكب الخميس 14 مارس التي دعا تحالف قوى" الحرية والتغيير " ردا حازما علي التشكيل الوزاري الذي كان متوقعا أن يعيد الحكومة السابقة ، فالذي خبث لا يخرج الا نكدا ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، ولا يصلح العطار ما أفسده الدهر ، وكل خطوة يتخذها النظام في مواجهة الثورة الشعبية التي كانت قد دخلت شهرها الرابع، تصبح حلقة جديدة في سلسلة أزماته تمسك بخناقه . وهذا ليس غريبا من نظام فاشي فاسد أدمن الكذب والمراوغة منذ انقلابه الإسلاموي المشؤوم في يونيو 1989.
9
تنوع أشكال المواكب:
تنخذت المواكب اشكالا متنوعة مثل : موكب العاطلين عن العمل الذي دعا له تجمع قوى " الحرية والتغيير" ليكشف تهافت وأكاذيب النظام في اطلاق الحريات ، وليسلط الضوء علي قضية العاطلين عن العمل التي كانت من الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة ديسمبر2018 ، كما أنها ايضا من المشاكل التي فاقمها نظام الطفيلية الإسلاموية الذي دمر الإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني والخدمي ، وقام بخصخصة السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوبة والبحرية ، وتدمير مصانع النسيج والزيوت والمحالج والأسمنت والمدابغ..الخ ومشروع الجزيرة والمشاريع الزراعية الأخرى، مما فاقم البطالة بتشريد الالاف من العاملين، حتى أصبح عدد العاطلين عن العمل 2,5 مليون عاطل حسب إحصائيات وزارة تنمية الموارد البشرية ، أما عدد الخريجين العاطلين فبلغ 800 ألف عاطل عام 2017 ، إضافة لتدمير التعليم الفني والصناعي في البلاد، وفتح عدد كبير من الجامعات دون تخطيط لاستيعاب الخريجين ، وبدون توفير مقوماتها من اساتذة ومكتبات ومعامل وميادين رياضية ، وسكن واعاشة، وحرية تكوين الاتحادات الطلابية والنشاط السياسي والثقافي والابداعي الأكاديمي. إضافة إلي الجامعات الخاصة أصبحت مصدرا من مصادر تراكم الثروة للاسلامويين.
كما خرجت الالاف من جماهير شعبنا في مواكب العدالة الخميس 21 مارس ، في وقت ازدادت فيه الحركة الجماهيرية أكثر تلاحما وتنظيما، وتفاقمت أزمة النظام التي وصلت لطريق مسدود بعد فشل الحلول القمعية في احتواء الأزمة، وفشل حالة الطوارئ ومحاكم الطوارئ التي مثل أمامها أكثر من 900 متظاهر في وقف المد الثوري ووجود الجماهير في الشارع ، رغم أكاذيب النظام بعد محاصرته داخليا وخارجيا مثل: حديث وزير العدل أمام عضو مجلس الكونغرس الامريكي أن المعتقلين " لم يتعرضوا لأي معاملة غير انسانية " ، وكأن الاعتقال التحفظي نفسه الذي يتعارض مع حقوق الانسان والدستور معاملة انسانية!! ، ناهيك عن المعاملة السيئة التي يعانوا منها.
موكب 6 أبريل
وهبت مواكب شعب السودان في 6 أبريل في العاصمة ومدن السودان ومعسكرات النازحين التي توجهت الي القيادة العامة في العاصمة والاعتصام أمامها، وفشلت المحاولات اليائسة لفضه، وإعلان الاضراب العام من تجمع المهنيين، إضافة للتوجه إلي الحاميات العسكرية في الولايات والمواكب خارج السودان.
جاءت المواكب هادرة ومهيبة لتؤكد أن الشعب هو المعلم و الذي يقرر ختام المهزلة ، وأنه مثل طائر الفينيق ينهض من الرماد والأنقاض ، ليعيد الوطن الذي اختطفته العصابة الإسلاموية الفاسدة التي أذلت شعب السودان ونهبت ثرواته وأصوله، وفقدت البلاد سيادتها الوطنية، وأجزاء عزيزة منها ، وأغرقته في ديون وحروب لثلاثين عاما.
خرجت الجماهير لتصفية النظام الفاسد ومليشياته الاسلاموية الدموية ، ولتؤكد قومية الجيش والقوات النظامية، واستعادة كرامته لحماية الوطن لا الزج به في حروب خارجية ، لا مصلحة لشعب السودان فيها، ولتؤكد قومية الخدمة المدنية التي نسفها الاسلامويون بما يسمي "التمكين".
جاءت مواكب 6 أبريل لتؤكد أن شعب السودان قادر علي استمرار تقاليده الثورية في تفجير الثورات مثلما قام بها في ثورة أكتوبر 1964 ، وانتفاضة مارس- أبريل 1985 ، التي قرر فيها الشعب نهاية ديكتاتورية نظام النميري في 6 أبريل ، وصادفت المواكب ذلك اليوم التاريخي. واستطاعت الحشود الهادرة من كل فج عميق أن تصل القيادة العامة للجيش في العاصمة والأقاليم، ووجدت التضامن والتعاطف والحماية من قوات الأمن والمليشيات، كما أكد موكب 6 أبريل أن ثورة ديسمبر عميقة الجذور ، ورغم العثرات سوف تشق طريقها نحو الانتصار وقيام الحكم المدني الديمقراطي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024