الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


براءة القاتل

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 9 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
٨١ - الغريب بريئا

أهتم سارتر برواية "الغريب" عند نشرها لأول مرة وكتب عنها دراسة نقدية تبقى من خير ما كتب بهذا الخصوص، حيث يرى أن العنوان ذاته يشير إلى وحدة الإنسان في مواجهة العالم، بمعنى أن ميرسو يمثل بطريقة ما الإنسانية بكاملها، وليس فقط هذا الموظف اللامبالي. الإنسان المعاصر يعيش في هذا العالم بدون هدف وبدون أحلام وفقد حتى السراب، يعيش في ظلام دامس بدون إضاءة من أي نوع، بدون ذكريات وبدون أمل في عالم آخر وفقد الجنة والفردوس والأرض الموعودة. " لو كنت شجرة بين الأشجار، ربما هذه الحياة يكون لها معنى؛ حيث سأكون هذا العالم الذي يواجهني الآن. غير أن هذا الغريب الذي يواجهني في المرآة لعدة لحظات هاربة، هذا الإنسان العبثي لا يستطيع حتى أن ينتحر"، لأن هذا الإنسان يرفض أن يتخلى عن هذا الوهم - الحياة - فهو يريد أن يحيا وألا يتخلى عن أي شيء من معتقداته، ويؤكد نفسه من خلال التمرد على الموت، والإنبهار بهذا الموت هو الذي يحرره. رواية الغريب تبدو كأنها بحث أنطولوجي بخصوص الموت وكتجل للعبث. يقول كامو في أسطورة سيزيف " أن الموت والعبث هما مباديء الحرية المعقولة الوحيدة " الحرية التي يستطيع الإنسان أن يعيشها ويعانيها كتجربة تقود نحو عالم من الإنهيار والعدم، ولذلك لا حل سوى التركيز على الحياة الراهنة وعدم الإكتراث للمستقبل والشغف باستنفاد المعطى. فالعبث بالنسبة لكامو لكي يتدعم، لا قبل له بالحل. " إنه يفلت من الإنتحار، بمقدار ما هو في نفس الوقت وعي ورفض للموت .. إن نقيض المنتحر إنما هو على وجه التدقيق، المحكوم بالإعدام " شخصية ميرسو، المحكوم عليه بالإعدام هو إذا نقيض المنتحر، ولكن من الصعب القول بأنه شخصية عبثية أو حتى أن عملية قتله للعربي عبثية. ذلك أن هذا المحكوم عليه بلإعدام - ميرسو -، هو نفسه من نفذ بدوره حكم الإعدام على إنسان بريء وبدون محاكمة وهو يعلم بأنه لن يحكم عليه بالإعدام، لأن عملية قتل عربي لا تدخل في دائرة الجرائم التي تستحق هذا العقاب الهمجي، رغم أنه لم يفكر في هذا الأمر حين أطلق الرصاصة الأولى على الشاب البريء. ومن خلال غياب الله وغياب العدالة فيما يخص العربي والفرنسي وحضور الموت كحد نهائي لتجربة الفرد وكعامل يشيء هذه التجربة المستمرة ويحولها إلى قدر Destin متجمد، فإن كل شيء ممكن وكل التجارب الوجودية لها نفس القيمة ونفس المعنى - أو اللامعنى، تتساوى في الأهمية والضرورة. الهدف الوحيد الذي قد يكون مخرجا من هذا الفخ هو معايشة أكبر قدر ممكن من هذه التجارب وخوضها بنفس الدرجة من اللامبالاة وذلك لتمضية الوقت وجعل الحياة أكثر إثارة وأقل مللا. ويبدو غريب كامو كأنه يلعب دور " البريء " الأزلي الذي لا يطاله العالم بمخالبه الملطخة، فهو كجزيرة وكمحمية ميتافيزيقية من قذارة العالم. ويقارن سارتر غريب كامو بأبله دوستوييفسكي ميشكين Mychkine لإشتراكهما في نفس البراءة والحياة معلقا في الهواء طافيا فوق الأحداث وعيش " الحاضر الدائم " بدون إهتمام. ويكاد يعتذر من أن الإلتزامات الفيزيولوجية والتي لا يستطيع التحكم فيها والتي تتغلب عادة على أحاسيسه وتغيب إنفعالاته " لقد كنت أشعر بالنعاس أثناء شعائر تأبين أمي، ولم أكن أعي ما أفعله". وميرسو غريب لأنه لا يستسلم للقواعد والقوانين المتعارف عليها إجتماعيا، ولذلك يحبه البعض ويحقد عليه البعض الآخر لحريته المطلقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا