الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الثقافة العربية المعاصرة بين الحداثة و التحديث ( 1 )

آدم الحسن

2021 / 9 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


خلال النصف الأول من القرن الماضي جلبتْ الرياح الآتية من الغرب الى البلدان العربية مصطلح ثقافي جديد هو ( الحداثة ) و مَنْ يَتَمعنْ بتحليل ما تحويه هذه الحداثة فسيجد انها عبارة عن محاولة لفصل الثقافة العربية المعاصرة التي يتم اعادة تَشْكِيلها في عصرنا الحالي عن الأصل الثقافي لها من خلال رفض الكثير من ما يحتويه الموروث الثقافي من ايجابيات أو من سلبيات قابلة للتصحيح .
تَشَكَلتْ الحداثة في عقول طيف واسع من المثقفين العرب على انها ضرورة للتقدم الحضاري من خلال الانفصال عن الأصل الحضاري لشعوب البلدان العربية , هذا الأصل الحضاري الذي يمتد في عمق التاريخ الى الاف السنين .
دعت الحداثة الى الانفصال عن بعض جوانب اللغة العربية بحجة انها عائق لمواكبة الأدب العالمي دون مراعات الى أن اللغة هي الوعاء الذي في داخله تنمو الشخصية الأصيلة للفرد من خلال اسلوب التعبير عن فرحه و انفعاله و حزنه و بإرثه في الموعظة و الحِكْمة .
امتدت يد الحداثة لجعل بعض جوانب الأغنية و الموسيقى السائدة بعيدة عن الأغنية و الموسيقى التراثية الأصيلة المتناغمة مع طبيعة المكان المناخية و التضاريس الطبيعية و البيئة المجتمعية , فصار الشباب يرقصون على انغام الروك اند رول الصاخبة و كأنها محاولة لارتداء لباس غربي لا ينتمي لا لهم و لا لطبيعة بيئتهم الاجتماعية .
فالحداثة المطلقة تعملْ على الغاء كل انواع الغناء الشعبي و الرقص الشعبي و حذف الأمثلة الشعبية حتى يتم تصفير المخزون الثقافي و الاستعاضة عنه بما هو غريب .
أما التحديث فهو التمسك بالأصل الحضاري و الموروث الثقافي و البحث عن سبل ممكنة لإضافات جديدة و البناء على الأسس القديمة في الأدب و الفن و الموسيقى و الشعر و الغناء و الفلسفة من خلال الاستفادة من إنجازات العقل الإنساني الذي ينتمي اليه إرث كافة الثقافات المختلفة و منها الثقافة العربية .
ليس الأدب و الثقافة العربية وحدهما من تعرضا للهجمة الحداثية التي تدعو الى التشبث الغير واعي بمخرجات الأدب القادم من الغرب نتيجة الانبهار بمنجزات العقل الغربي فقد تعرضت ثقافات و ادب شعوب أخرى عديدة لهذه الهجمة و يمكن تناول امثلة على ذلك :
الصراع بين الحداثة و التحديث في الثقافة اليابانية المعاصرة :
بعد الحرب العالمية الثانية و استسلام اليابان للمحتل الأمريكي تعرضت اللغة اليابانية و الثقافة اليابانية ذات العمق التاريخي الذي يمتد لآلاف السنين لهجمة حداثية غربية و تحديدا تلك الهجمة القادمة من امريكا حيث طالت أولى موجات تلك الهجمة الكتابة اليابانية , اذ كان الانبهار بالأحرف الصوتية الغربية سببا دعا عدد ليس بالقليل من المثقفين اليابانيين للتخلي عن الرموز الصورية و الأحرف الصوتية اليابانية و اللجوء الى الأحرف الصوتية الغربية في الكتابة بحجة أن الكتابة بالرموز الصورية و بالأحرف الصوتية اليابانية لا تتناسب و متطلبات المكننة الحديثة في الطباعة و النشر و نقل المعرفة العلمية و التكنولوجية لكون أن الكتابة اليابانية تعتمد على ثلاث اساليب مختلفة منها اثنان تعتمد على الرموز الصورية , عدد الرموز المهمة في كل واحدة منها هو بالآلاف , و اسلوب آخر للكتابة يعتمد على الأحرف الصوتية اليابانية .
مقابل هذه الهجمة الحداثية التي شنها الحداثيون اليابانيون على الكتابة اليابانية كانت هنالك مقاومة شرسة من قبل طيف آخر من الأدباء و المثقفين اليابانيين تحت شعار الحفاظ على الهوية اليابانية الأصيلة و قد تلقت هذه المقاومة دعما شعبيا عظيما قاده الكهنة البوذيون , لقد كان التمسّك بالجذور الثقافية اليابانية عبارة عن مقاومة شعبية لرفض أي نوع من انواع القطيعة المعرفية مع التراث الأدبي و الروحي الياباني كما طالب به الحداثيون اليابانيون .
لقد رافقت تلك المقاومة احتفالات جماهرية في معظم المدن اليابانية حضرها , نساء و رجال , اطفال و شيوخ , أدباء و فنانون و لم يغب عن ذلك المشهد الكهنة البوذيون , جميعهم باللباس الياباني التقليدي في احتفالات تخللها رقص و غناء ياباني و قرع للطبول في مشهد تراثي ياباني أصيل .
و الان . يمكن القول أن الحداثيين اليابانيين قد فشلوا في تهشيم الهويّة اليابانية و ساعدهم في ذلك عمل الكوادر الهندسية اليابانية الذين انجزوا تطوير اساليب حديثة لطباعة الرموز الصورية للكتابة اليابانية .
هنالك من يستغرب من شدة تمسك اليابانيين بأسلوب الكتابة بالرموز الصورية لكن سبب ذلك هو انه مع مرور الاف السنين اصبحت هذه الرموز الصورية جزء من ثقافة و أدب و حتى في اسلوب تفكير اليابانيين .
قد يساعد تناول المثل البسيط التالي في فهم سبب تمسك اليابانيين بأسلوب الكتابة اليابانية :
الرمز الصوري لكلمة الضوضاء يتشكل من دمج ثلاثة رموز صورية لكلمة المرأة ... ! اذا اجتمعت ثلاث نساء تحدث ضوضاء ...؟
فالرجل في الثقافة اليابانية القديمة يحب التأمل و المرأة تحب الكلام لذلك فأنهما يكملان كل منهما الآخر .. !
للرموز الصورية في الكتابة اليابانية تاريخ و فلسفة و معنى و روح و فكاهة لا يمكن لليابانيين التخلي عنه لكونها جزء أصيل من تاريخ حضارتهم الذي يمتد لفجر التاريخ .

(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا