الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس/جوائح الأمّيّة السّياسيّة

الطايع الهراغي

2021 / 9 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"ألقينا الحَبّ على العلماء فلقطوا إلاّ ما كان من سفيان[سفيان الثّوري]فإنّه أعيانا فرارا".
-- أبو جعفر المنصور --
"الإنسان دائما يبحث عن الأوهام لأنّه أجبن من أن يواجه الحقائق ".
--فولتيــر—
"أسوأ أشكال انعدام المساواة هو محاولة المساواة بين الأشياء غير المتساوية ".
-- الفيلسوف اليوناني أرسطو--
الظواهر تًقاس بمكوّناتها التّاريخيّة، وستظلّ كذلك،لا بأوهام النّاس عنها.
حذّرنا ابن خلدون (1332/ 1406)منذ أكثر من ستّة قرون من مغبّة الرّكون إلى السّطحيّ في تناول الأحداث التّاريخيّة ونبّهنا إلى أنّ التّاريخ "في باطنه نظر وتحقيق وتحليل للكائنات ومبادئها دقيق،علم بكيفيّات الوقائع وأسبابها عميق".ما أبعدنا بعد ستّة قرون عن عقل صاحب المقدّمة الذي تفصلنا عنه مسافة ضوئيّة.العقليّة الاختزاليّة تلغي مبدأ السّببيّة والعلّيّة،أصحابها مفتونون بإلغاء الظّاهرة والاستعاضة عنها بتثبيت الرّغبة وإسقاط الأماني المحبَطة من باب الإشباع الذّاتي .التّحليل، فما بالك بالتّحليل الموضوعيّ، وهو في درجاته الدّنيا فهم ما يجري من أحداث، لا مكان له في جدول أعمالهم .
ما تعيشه تونس منذ "زلزال" 25جويلية2021 فرض على أوسع الطّيف السّياسيّ أمرا واقعا، لا احد
- لاعتبارات وعوامل متعدّدة متعلّقة بطبيعة الطبقة السّياسيّة التّونسيّة- توقّعه.فكيف يمكنه أن يعرف متى ينتهي نفقه ولا عمّا سيسفر؟. صانعو الحدث(سلبا وإيجابا) موزّعون بين الانتشاء والذّهول،أنصا الرّئيس في هوس بما سلّموا بأنّه "يندرج ضمن مواصلة انتفاضة 17ديسمبر2010"[وليس 14جانفي 2011] إن لم يكن ثورة،ولا زال شغلهم الشّاغل مناشدة الرّئيس الإيغال في عمليّة الإنقاذ بالاستفراد بكلّ السّلطات تمهيدا لفرض نظام رئاسيّ يعتقدون أنّه السّبيل الأوحد المنقذ من الضّلال والوصفة السّحريّة للتّخلّص من عذابات النّهضة وحزامها الدّاعم بإحياء عقليّة المستبدّ العادل في زمن باتت فيه الأنظمة السّلطويّة شذوذا في التّاريخ، أنظمة ولّى زمانها وتبيّن محدوديّة أفقها، نظّر لها روّاد النهضة العربيّة لمّا كانوا يتلمّسون سبل أقوم المسالك لتدبّر أحوال الممالك، ترجمها الشّيخ محمد عبده (1845 / 1905) في قولة شافية كافية "إنّما ينهض بالشّرق مستبدّ عادل" مستبدّ "يمكن به العدل أن يصنع في 15سنة ما لا يصنع العقل وحده في 15 قرنا"،في حين هجّنها فلاسفة الأنوار منذ القرن الثّامن عشرفعرّفوا المستبدّ المستنير بأنّه "واحد وحيد بلا قانون ولا قاعدة"(مونتسكيو/ 1689/ 1755). إنّه الاختزال لرهانات المجتمع التّونسيّ والثورة التّونسيّة في غاية وحيدة: تخطّي عقبة الإسلام السّياسيّ، مع أنّ طيفا واسعا من الحشد الذي يهلّل
لـ"ثورة"عيد الجمهوريّة"نزل عليه وحي إدراك مخاطر"آيات الله"على عباد الله وامتطى صهوة الفرقة النّاجيّة بعد أن باتت الإجراءات الرّئاسيّة أمرا واقعا .
معارضو الرّئيس الحاليّين، إذا صدّقنا آخر طبعة منقّحة ما دامت السّياحة الحزبيّة أقرب إلى القانون في تونس ما بعد الثّورة ،البعض منهم لا زال في ذهول من ظلم ذوي القربى (قيس سعيّد) فالعصفور النّادر الذي راموا ترويضه طلّقهم بالثّلاث،طلاق إنشاء،هجر القفص وطار،فكيف لهم أن يهضموا كيف ينقلب السّحر على السّاحر لتلتهمه نيران صديقة وتصيبه في المقتل ويُجلد بـ"خير دستور أخرِج للنّاس"؟ دستور فصوله قُـدّت على المقاس لكي لا يُبطل ولا يُدحض ولا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه،ولا يطاله تبديل ولا تحريف.البعض الآخر[إلاّ من رحم ربّك]متخرّج من مدرسة أخرى، مدرسة عريقة في تفريخ الأحزمة المساندة بغلاف شفّاف شكّل دوما رأسمال المعارضات الرّسميّة، إسمه المعارضة النّقديّة[يحلو للبعض نعتها بالمعارضة الكرتونيّة ].مهمّتها تبييض شناعات الأنظمة الحاكمة وعقلنة سلوكاتها وتهميش أيّ فعل احتجاجيّ والتّشكيك في صدقيّة القائمين به والمساندين له. ........................................................................................................................................................................................................................................
التّأسيـس لسياسـة الانفعــال

خفت الضّجيج الذي صاحب "ملحمة" الثّورة الدّستوريّة .استردّت الفرق أنفاسها.عادت "الجيوش" إلى قواعدها، بعضها مثخن بالجراح ما دام قد بات مهيض الجناح، وبعضها الآخر يمنّي النّفس بأنّ
الرّئيس مكبّل بوعود قطعها على نفسه وعنها لن يتراجع.ولن يقف في منتصف الطّريق وسيمضي في رحلة الإنقاذ التي عجز سابقوه عن مجرّد التفكير فيها، ولسان حالهم يردّد:كيف لرئيس من خارج السّيستام أن يحيي منظومة هو في حِلّ منها؟. البعض الآخر ممّن لا يعنيهم من الثّورة غير مجال الحرّيّات يطمئنون أنفسهم بما يردّده الرّئيس عن استحالة المسّ من الحرّيّات فرديّها وجماعيّها.
" لطخــة "جويلية هي بروفة (تمرين)أوّليّة للنّزال الرّسميّ:القطع مع النّظام البرلمانيّ وفرض النّظام الرّئاسيّ كما ارتسم في ذهن الرّئيس،والدّوافع جاهزة،فالخطرالدّاهم،القادح الرّئيسيّ لتجميد المؤسّسات بالنّسبة لسعيّد هو"تنطّع" البرلمان - وأساسا رئيسه - ومروقه عن الصّراط المستقيم بشقّ عصا الطّاعة والتّطاول على القائد الأعلى للقوّات الحاملة وغير الحاملة للسّلاح ،وبالنّسبة للأنصار فظاعة المشهد البرلمانيّ.
عمليّا العودة إلى ما قبل 25جويلية أمر مستحيل وانتحار سياسيّ لقيس سعيّد والحزام الدّاعم له.
وموضوعيّا،وأيّا كان موقفنا من حيثيّات الإجراءات الرّئاسيّة فلا مناص من الإقرار بأنّ ما حدث أضاف أزمة أخرى إلى ما هو جاثم ،متراكم ومتناسل من أزمات .دونكم هذه الآراء التي قد نختلف مع آراء أصحابها ومواقعهم وتحالفاتهم،ولكنّنا معنيّون بدلالاتها:"الدّستور لا يُلغى إلاّ بثورة أو بانقلاب"، "يبقى المشكل في أنّ قصر قرطاج لا يسمع ولا يناقش ومنغلق" (القاضي أحمد صواب) /"إعلان نوّاب استقالتهم من البرلمان وهو معلّق الاختصاصات يُعدّ محاولة شعبويّة رديئة وحملة مزيّفة" (النّائب لسعد الحجلاوي)/"مسار تغيير هذه المنظومة يجب أن يكون تشاركيّا بالصّيغ التي تضمن مساهمة كافّة القوى الوطنيّة الحقيقيّة "(من بيان مشترك لأحزاب حركة مشروع تونس ،بني وطني ،الائتلاف الوطني)،"يؤكّد على وجوب تحديد نهاية الفترة الاستثنائيّة وتحديد معالم الإجراءات الضّروريّة اللاّحقة للخروج من الأزمة السّياسيّة ومن حالة الشّلل العامّ"(من بيان المكتب التّنفيذي لاتّحاد الشّغل بتاريخ 15/09/2021 ).

من التّجريب إلى التّجريب
ا
نتعشت من جديد بورصة المبارزات الفقهيّة القانونيّة والتّراشق بالفصول والنّصوص حول المخارج الدّستوريّة لمرحلة ما بعد الإجراءات الرّئاسيّة. وتبدو السّاحة السّياسيّة مهيّأة ومقبلة على سجال بلا نهاية حول طبيعة النّظام السّياسيّ . جدل تشدّه وشائج قربى عديدة إلى ما ساد في تونس طيلة عشريّة الظلمات،عشريّة العذابات،عشريّة الفرص المهدورة والمواعيد الضّائعة من نقاشات تكشف طبيعة نّخبنا. نخب لا تصنع الحدث ويغلبها الحدث،تنفعل بما يُملى عليها فتسايره.فكيف لا نتذكّر ما اكتوينا به من نقاشات حول هويّة 14جانفي2011، ثورة /انتفاضة/انقلاب في وقت كانت فيه قوى الرّدّة قديمها وجديدها تتصيّد الفرص لاسترجاع الأنفاس؟ وكيف ننسى الصّخب الذي أثِيـر حول مسألة الهويّة وطبيعة المجتمع التّونسيّ والنّمط المجتمعيّ المنشود، موضوع جُرّت إليه القوى المدنيّة والتّقدّميّة جرّا؟ وكيف ننسى الصّورة الأسطوريّة التي أصبِغت على المجلس التّأسيسيّ الذي قدِّم على أنّه إنهاء مع مرحة، مرحلة الانتقاليّ والمؤقّت، بوّابة القطع مع مداخل الاستبداد،طريق النموّ والتّنمية. فإذا به يتحوّل إلى معضلة بإطالة الأزمة وإدامة المؤقّت؟ لمّا طارت السّكرة (سكرة الانتشاء) وحضرت الفكرة أصبح المجلس التّأسيسيّ ،من باب التندّر، المجلس التّنسيسيّ . كيف لا نستحضر الاحتفالات الكرنفاليّة
بولادة دستور 2014 في "طبعته" الثّانيّة كــ"خير دستور أخرِج للنّاس" في شبه إجماع،إن لم يكن
إجماعا؟ كيف ننسى ما قيل عن مناقبه ومن رجالات القانون الدّستوريّ بالذّات؟ وكالعادة لمّا زالت التّخميرة - لسبب ما- انقلبت المناقب مقالب ومثالب وكشِفت كلّ عوراته، فبات دستور الألغام والفخاخ. كيف ننسى بدعة الائتلاف الثّوريّ(ماركة تونسيّة مسجّلة)، الذي أرِيد له أن يكون حزاما متشيّعا للرّئيس، ائتلاف ما يجمع بين مكوّناته أكثر ممّا يجمع بين الضّرائر؟
ومن جديد نعود إلى التّجريب،طبيعة النّظام السّياسيّ الذي يصلح لتونس( تونس ما بعد الثّورة)؟.
ومن جديد نعود إلى ساحة المقارعات النّصّيّة والإبحار في عالم الفتاوى الفقه دستوريّة، في مسألة
سياسيّة أوّلا وبالأساس . موقفنا نصوغه في قالب أسئلة.
لماذا هيمن، وبإجماع، هاجس المخاوف من النّظام الرّئاسيّ على أشغال المجلس التّأسيسيّ حتّى عُـدّ دستور 2014 من قبل بعض أساتذة القانون الدّستوريّ وجلّ الفاعلين السّياسيّين دستورالمخاوف؟
والأزمة التي تتخبّط فيها البلاد،على فداحتها،هل يتمثّل حلّها بالضّرورة في استبدال النّظام السّياسيّ؟
وما عاشته تونس من ضياع (في عشريّة للنّسيان).هل هو فعلا شهادة إثبات فساد النّظام البرلمانيّ؟
أليست فظاعة المشهد البرلمانيّ التّونسيّ إدانة لأوسع مكوّنات الطّبقة السّياسيّة قبل أن تكون حكما بالرّجم على النّظم البرلمانيّة؟
هل العلّة فعلا في النّظام السّياسيّ ؟ أم في المنظومة الحاكمة - رئاسة وحكومة وبرلمانا - ؟
هل تمّ اعتماد دراسات لمختلف تجارب الانتقال الدّيمقراطيّ حتّى يكون الحكم لهذا الاختيار أو ذاك ترجمة لواقع عينيّ، وليس خضوعا لنزوع ذاتيّ أو ردّ فعل (يُفترض أنّه غريب عن الفعل السّياسيّ)؟
وما عن الذين يذهبون (من الفاعلين السّياسيّين) إلى أنّ النّظام البرلمانيّ أقلّ الأنظمة شرورا وأصلحها في المراحل الانتقاليّة، خاصّة في البلدان التي لا زال عود الدّيمقراطيّة فيها طريّا؟
ألا تعني الدّعوة إلى مناقشة النّظام السّياسيّ تزكيّة (ومفضوحة) للنّظام الرّئاسيّ؟
وما إذا كانت الجهة المتحمّسة،وبشكل مريب، للإنهاء مع العمل المؤسسّاتيّ –جمعيّات ومنظّمات وأحزابا- هي المعنيّة مباشرة وبوضوح بفرض النّظام الرّئاسيّ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري