الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسييس الجغرافيا

بوناب كمال

2021 / 9 / 17
السياسة والعلاقات الدولية


في اليونان القديمة؛ لم تكن كلمة "الجغرافيا" تحملُ مدلولاتٍ عدائية، إذْ كانت تُشير إلى كتابة / رسم الأرض؛ وتعاملت بشكل أساسي مع الخصائص الفيزيائية للكوكب، وفي عام 1845 أعطى الألماني فان همبولت (Van Humboldt) دفعة قوية لهذا الحقل المعرفي عبر نشر كتابه الذي يُعنى بـ الوصف المادي للكون؛ وعلى الرغم من أنّ الجمعية الجغرافية الملكية قد تأسست سنة 1830، فإنه لم يتم إنشاء أول كرسي كامل للجغرافيا في بريطانيا إلا بحلول سنة 1917؛ وإلى غاية ذلك الوقت كانت الجغرافيا لا تزال موضوعا نقيا خاليا من الأيديولوجيات السياسية؛ فكيف شقّ مصطلح "الجيوبوليتيك" طريقه إلى المعرفة العلمية؟
يُعتبر ضابط البحرية الأمريكية ألفريد ماهان (Alfred Mahan) من الدعاة الأوائل للتفكير الجيوبوليتيكي الحديث؛ وقد عاصر ماهان الثورة الصناعية وما ترتّب عنها من تكثيفٍ للاستعمار وتنافسٍ اقتصادي بحثًا عن الموارد؛ وأكّدَ على أنّ القوة البحرية هي أفضلُ طريقة لإبراز قوة دولة ما؛ وأنه من الضروري إعادة إحياء مقاربة بريطانيا في مقاومة روسيا، واتّباع نهج وليام بيت الأصغر الذي شجبَ تطلّع روسيا سنة 1791 إلى تقطيع أوصال الأناضول.
تركَ ماهان أثرًا في عالمِ الجيولوجيا والحيوان "فريديريك راتزل" (Friedrich Ratzel) والذي كان متأثّرًا بنظريات داروين، وصاغ مصطلح المجال الحيوي (Lebensraum)؛ ومتأثرًا بـ راتزل كان السويدي رودولف كيلين (Rudolf Kjellen) أول مستخدمٍ لمصطلح الجيوبوليتيك. يتّضحُ بأنّ النّهج الألماني ركّز بشكل خاص على أن تكون الدولة كيانًا عضويا، ما يعني ضمنيًا قدرتها على كسر الحدود في السعي للنمو، وفي خضمّ ذلك ستكون أجندة الحرب متداولةً في الكواليس.
عقبَ ذلك؛ دخلَ الجغرافي البريطاني المُسيّس هالفورد ماكيندر (Halford Mackinder) بقوةٍ إلى المضمار، وهو الذي كان مهووسًا بفوبيا قيامِ تحالفٍ بين روسيا وألمانيا، وقد حقنَ ماكيندر حقل الجيوبوليتيك بأفكار الأمبريالية البريطانية، وأشار إلى أهمية تلقين التفكير الإمبراطوري للجماهير البريطانية "محدودة الذكاء"، ووظّف ماكيندر في نظريته مصطلحات الدولة المحورية و أوراسيا وجزيرة العالم وقلب الأرض.
ظهر حقلُ الجيوبوليتيك في هذه الفترة على أنه نقاشٌ مُسيّس بين فكرة "الزحف نحو الشرق Drang nach Osten" التي تَعتقدُ في تفوقٍ طبيعي للعرق للألماني، وبين ادّعاءات الأنجلوساكسونيين بأنّهم سيُراهنون على قوتهم البحرية لتعليم العالم المعنى الحقيقي للحضارة؛ لذلك يُعتقد على نطاق واسع أنّ بريطانيا والولايات المتحدة ،في عالم اليوم، لم يتخلّصا بعد من رُهابِ حدوث تحالف بين ألمانيا وروسيا على غرار معاهدة بريست – ليتوفسك سنة 1918، وفي وقت لاحق بذلت الدولتان جهودًا لتقويض تزويد ألمانيا بالغاز الروسي.
بتصرّفٍ عن:
William Mallinson, Guicciardini, Geopolitics and Geohistory, Palgrave Macmillan, 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل