الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض الحقائق عن أفغانستان (2)

خليل اندراوس

2021 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



لم يكن أعضاء حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني الوحيدين الذين تعرضوا لطغيان حفيظ الله أمين عميل المخابرات المركزية الأمريكية، فقد راح بالدسائس والخداع كل من كان يعترض تنفيذ أهدافه الاجرامية واستخدم أشد وسائل القمع ضد أوسع فئات المجتمع الأفغاني وضد تلك الفئات التي شكّلت ركيزة للثورة.

وحتى في ذلك الوقت الذي لم يكن فيه أمين قد أصبح رئيسًا للدولة بعد، فقد كانت الكثير من عمليات الاعتقال والاعدام تجري بناء على أوامر منه شخصيًا.

لقد كان من ضحايا حفيظ الله أمين الكثير من المثقفين الذين حملوا إلى جماهير الشعب الأفغاني الأمية نور المعرفة. وهذا ما استمر بعد ذلك في أفغانستان خاصة بعد احتلال الولايات المتحدة حيث تم تحطيم البنية التحتية لهذه الدولة وزادت نسبة الفقر والأمية. وهنا نذكر أيضًا أن من ضحايا حفيظ الله أمين في ذلك الوقت أي عام 1978 الكثير من القادة العسكريين الذين ساهموا مساهمة فعالة في ثورة نيسان مثل الجنرال عبد القادر. ومن ضحايا حفيظ الله أمين عميل المخابرات الأمريكية في ذلك الوقت المئات من رجال الدين الأفغان والفلاحين والعمال. وقد أدت أعمال العنف والقمع هذه إلى هروب الكثير من الأفغانيين البسطاء إلى الخارج حيث وقعوا فريسة لنشاط أنصار حفيظ الله أمين المعادي للثورة الديمقراطية في افغانستان في ذلك الوقت، وضحية للسياسة والاعلام الغربي وخاصة الأمريكي حينها. وكان نشاط هذا المأجور يتجه ويعمل من أجل تدمير الحركة الثورية في أفغانستان في ذلك الوقت ومن أجل زعزعة الثقة بثورة نيسان وخلق جو من الارهاب في البلاد وضرب أسس السلطة الشعبية الديمقراطية. وهذا ما فعله الاحتلال الامريكي لأفغانستان على مدى عشرين عامًا.

ومع تطور الأحداث تجمعت أدلة كثيرة تُثبت بأن حفيظ الله أمين كان مأجورًا للإمبريالية الأمريكية وعميلاً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية. الكثير من الأفغانيين الذين كانوا يدرسون في الولايات المتحدة ما بين عام 1962 و 1964 يؤكدون أن حفيظ الله أمين، الذي كان حينئذ في أمريكا، كان على علاقة وطيدة بأمريكيين معروفين بكونهم عملاء لوكالة المخابرات المركزية أو متعاونين معها. وهناك اثباتات حصل عليها حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني في ذلك الوقت أي عام 1979 تُبين من كان يوجه نشاطات هذه العمل الذي وصل إلى عضوية المكتب السياسي لحزب الشعب الديمقراطي في أفغانستان، ما بين سنوات 73-78 من القرن الماضي ومَن من مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الذين كلفوه بمهمة ضرب حزب الشعب الديمقراطي في افغانستان في ذلك الوقت.

ومن المعروف بشكل مؤكد أن حفيظ الله أمين استمر في تعاونه مع الامبريالية الامريكية بعد ثورة نيسان عام 1978 هذه الثورة الوطنية الديمقراطية المعادية للإقطاعية في أفغانستان، ولدى عودته من رحلة إلى الولايات المتحدة عام 1978 حيث شارك في دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة أخذ يتباهى ويتشدق بالهدايا الثمينة التي حصل عليها هناك. (وكم من "زعماء" دول العالم يتلقون الهدايا الثمينة من أصحاب رؤوس الأموال وطبقة رأس المال بهدف أن يصبح نشاط هؤلاء الزعماء كخدمة لهذه الطبقة. والهدايا التي يتلقاها زعماء اسرائيل وخاصة رئيس الحكومة السابق نتنياهو أكبر مثال على ذلك. د. خ).

وفي أعقاب رحلة حفيظ الله أمين هذه أخذ ينكل بشدة بالحزبيين الشرفاء وسار في طريق الحصول على السلطة الفردية في افغانستان خدمة للإمبريالية الأمريكية والغرب الامبريالي. والتنكيل بالشرفاء داخل الأحزاب اليسارية من قبل عملاء المخابرات الأمريكية والاسرائيلية أسلوب وممارسات منتشرة في كل أرجاء العالم. وإلا كيف يمكن تفسير ممارسات من يحمل ألقاب "الشرف" أو ألقاب "دبلوماسية" ويقوم بالكتابة عن هذا الشخص الشريف الذي خدم مجتمعه من خلال التضحية بوقته وماله بدون أي مقابل ويقوم هذا العميل بالكتابة إلى هذه المؤسسة أو تلك، إلى هذه السفارة أو تلك بأن هذا الشخص المخلص والشريف يتلقى المال من هذا وذاك، ورغم معرفة البعض بهذه الممارسات العميلة والخيانية من قبل هؤلاء يبقى من يسكت عنهم لا بل ويعانقوهم "عناق" الأصدقاء، لا بل عناقات يهوذا الاسخريوطي. ألا يعني هذا بأن هذه المجتمعات تعاني من فساد أخلاقي وسياسي وانساني.



اغتيال نور محمد تراكي



في شهر أيلول عام 1979 بدأ حفيظ الله أمين يمهد التربة للتقارب مع الولايات المتحدة وأجرى لقاءات سرية مع شخصيات أمريكية مسؤولة وأرسل مبعوثيه إلى الولايات المتحدة محملاً إياهم رسالة شخصية شفوية للرئيس كارتر. وأفدح الجرائم التي ارتكبها حفيظ الله أمين هي قتل نور محمد تراكي، الذي قتل بصورة وحشية على يد ضباط حرسه بناء على أوامر شخصية منه. (تراكي زعيم حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني ومؤسسه). ولقد بينت التحقيقات في مقتل تراكي بأن المجرم الرئيسي في هذه الجريمة الدموية هو الخائن حفيظ الله أمين عميل المخابرات الأمريكية.

بعد السابع والعشرين من كانون الأول سنة 1979 وعلى أثر انهيار ديكتاتورية أمين بدأت واشنطن وبعض العواصم الأخرى غربية وعربية، تذرف الدموع على عميل المخابرات الأمريكية الديكتاتور أمين. وفي ذلك الوقت أي كانون الأول عام 1979 بعد انهيار نظام الديكتاتور العميل أصدرت الحكومة الافغانية، التي تكونت بعد سقوط هذا العميل بيانًا جاء فيه: ان الرئيس الأمريكي كارتر لا يخجل من الدفاع عن حفيظ الله أمين معتبرًا إيّاه الرئيس الشرعي للبلاد. ان ذلك هو أبعد ما يكون عن الحقيقة فأمين هو الذي اغتصب السلطة وهو الذي هيأ وقام بانقلاب حقيقي ضد تراكي وأقام نظامًا ديكتاتوريًا دمويًا، وكان يقضي على كل من لا يتفق معه. فأين كانت الإدارة الأمريكية حين كان حفيظ الله أمين يقتل دون محاكمة آلاف المواطنين الأفغانيين الشرفاء الأبرياء من مثقفين ورجال دين وشغيلة. وعندما نعود إلى ذلك التاريخ في أفغانستان نصل إلى حقائق تاريخية مؤلمة وهي أن زرع عميل الامبريالية الأمريكية حفيظ الله أمين وشركائه في صفوف حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني الحق أضرارًا فادحة بأفغانستان الوطن والشعب. ولكن استطاع الشعب الأفغاني من خلال القوى الشريفة والخيرة في حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني في ذلك الوقت وبالتعاون مع جيش أفغانستان الوطني التحرري طرد حفيظ الله أمين العميل الامريكي وعصابته الارهابية من السلطة، ولو لم يحدث ذلك لحلت في أفغانستان في ذلك الوقت مصائب لا يمكن تقديرها أو تصورها.

وهناك العديد من الوثائق التاريخية التي تثبت بأن حفيظ الله أمين ومعاونيه كانوا عملاء مأجورين للقوى الامبريالية المعادية لأفغانستان وعملاء لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وهذه الوثائق تؤكد بأن حفيظ الله أمين قام تنفيذًا لتعليمات وكالة المخابرات الأمريكية بالتواطؤ مع المعادين للثورة العلمانية الديمقراطية التقدمية المتمرسين في باكستان بتدبير مؤامرة مع قادة "حزب أفغانستان الاسلامي" الرجعي للقيام بانقلاب في أفغانستان بتاريخ 29/12/1979. واستهدف الانقلاب تصفية جميع القادة والنشطاء الحزبيين المخلصين لقضية الثورة الديمقراطية، تصفية جسدية واقامة نظام ديكتاتوري رجعي في البلاد بالتنسيق مع الولايات المتحدة ومخابراتها المركزية.





تمزيق الجمهورية الافغانية الفتية

لقد وضعت على كاهل الشعب الأفغاني محن قاسية، فقد تعرضت جمهورية افغانستان الديمقراطية التي ولدت بإرادة الشعب ونتيجة لثورة نيسان 1978 إلى هجمات شرسة من الامبريالية العالمية وقد شرع الإمبرياليون الأمريكيون بالعمل مباشرة بعد ثورة نيسان بالتعاون مع مصر وباكستان على حبك المؤامرات ضد الجمهورية الافغانية الفتية. وقد تصاعد النشاط التآمري ضد أفغانستان واتخذ طابعًا عنيفًا منذ ربيع 1979 عندما فقد الامبرياليون مواقعهم في إيران.

وهذا الدور الارهابي الرجعي الذي مارسته الولايات المتحدة في أفغانستان ومارسته خلال العشرين سنة من احتلالها لأفغانستان، هو المسبب الأساسي لتدهور الوضع الانساني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي للشعب الأفغاني. وكذلك انتشار الأمية والفقر والتمزق والتعصب الديني والاثني للشعب الأفغاني. وما زالت الولايات المتحدة واسرائيل تمارسان هذه السياسات العنصرية عالميًا وفي منطقة غرب آسيا بما في ذلك أفغانستان.

ففي اسرائيل درجت ثقافة الكراهية في الحياة الاجتماعية، وكما كتب ابراهم بورغ في كتابه "لننتصر على هتلر" يقول: "نسمح لنفسنا (أي للمجتمع الاسرائيلي د.خ) العيش براحة كبيرة مع ورثة الشرير الألماني، المريح النوعي، الجمالي، والتمتع بالفلسطيني ككيس ضربات الملاكم للتنفيس عن شحنات العدوانية والغضب والتاريخ المخزونة فينا أكثر مما ينبغي"، وما زال هتلر يقرر مسار الامبريالية العالمية وربيبتها اسرائيل. فماضي المحرقة بالنسبة لأمريكا والغرب الامبريالي هو حاضر. فهتلر لم يمت بل ترك من يستمر بطريقه. وهنا أذكر بأن وزير خارجية اسرائيل السابق أبا ايبان أطلق اسم "حدود أوشفيتسش" على حدود عام 1949.

فالولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل، ناصبتا العداء ضد حركات التحرر والتقدم في منطقة غرب آسيا. لذلك حاربت الولايات المتحدة النظام العلماني الديمقراطي الشعبي في أفغانستان، ودعمت الحركات الرجعية السياسية والدينية، في افغانستان ومنطقة الشرق الأوسط.

منذ قيام اسرائيل اختطت لنفسها وبدعم أمريكي نهج الاغتراب والعدوان في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا، فمنذ قامت أصر بن غوريون على اتباع سياسة العداء للعرب عامة والتحالف الاستراتيجي مع الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة. وللأسف هناك رجال دين يروجون الدعايات الرجعية التكفيرية ضد حركات التحرر الوطني في العالم العربي وغرب آسيا بما في ذلك افغانستان، لدعم السيطرة الكولونيالية للإمبريالية العالمية، وربيبتها اسرائيل – القاعدة الأمامية للإمبريالية والصهيونية العنصرية الشوفينية.

منذ عشرينيات القرن الماضي روجت الامبريالية العالمية وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة ثقافة معاداة حركات التحرر الوطني والشيوعية. وهنا نذكر بأن لينين قائد ثورة أكتوبر عام 1917 أعلن عن تحالف ثورته مع حركات التحرر الوطني للشعوب التي تستعبدها الامبريالية وقال لا يمكن أن تنتصر الاشتراكية في دولة أوروبية واحدة إلا بدعم وانتصار حركات التحرر الوطني لشعوب الشرق.

ولذلك قام الاتحاد السوفييتي بدعم الشعب الأفغاني بعد الاطاحة بنظام حفيظ الله أمين بهدف تحقيق أهداف ثورة نيسان عام 1979 من أجل السلم والحرية، الاستقلال والديمقراطية، العمل والنضال، الرفاهية والتقدم، الأخوة والمساواة من أجل العدالة والشرف والوحدة الكاملة والحقيقية لأفغانستان وشعبها. ومن أجل الانتصار النهائي للثورة الوطنية الديمقراطية المعادية للإقطاع والامبريالية ومن أجل بناء افغانستان الجديدة والحرة والمستقلة. وهنا أذكر بأن افغانستان تشغل موقعًا استراتيجيًا هامًا في أواسط آسيا. وقد كان ذلك سببًا لتعرضها باستمرار للعدوان من جانب الدول الاستعمارية والامبريالية العالمية.

ومنذ القرن التاسع عشر عمل المستعمرون البريطانيون بحجة حماية الممتلكات الاستعمارية في الهند على اخضاع الدولة الأفغانية المستقلة، قام الجيش البريطاني الهندي عام 1838 بغزو أراضي أفغانستان وانتهت هذه الغزوة بتحطيم كامل للجيش الغازي وطرده من أفغانستان. والهروب الأمريكي من أفغانستان الآن يذكرنا بهروب بريطانيا من أفغانستان عام 1838. لقد قابلت القوى الرجعية الامبريالية، ثورة الشعب الأفغاني في ذلك الوقت بامتعاض وعداء سافر.

وكان جواب الامبريالية التي ارتعشت خوفًا على مصالحها في الشرق الأوسط كله، الشروع بتنظيم المؤامرات والعدوان ضد أفغانستان، ومن أجل اعاقة تنفيذ التحولات الثورية الرامية إلى تحسين وضع الجماهير الكادحة وكل الشعب الأفغاني.

وفي ذلك الوقت أي نهاية سبعينيات القرن الماضي تولّت واشنطن التي تدعي بأنها تدافع عن الأنظمة الديمقراطية والتي على أرض الواقع تدعم أنظمة الاستبداد عالميًا وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، تولت قيادة جوقة العداء لأفغانستان. الولايات المتحدة كانت وحتى الآن تبدي حساسية خاصة تجاه أي تغير ايجابي في أي منطقة من مناطق العالم، إلا أن حساسيتها العدائية ترتدي طابعًا شرسًا عندما يحدث التغيير الايجابي في بلد تقع على حدود الاتحاد السوفييتي سابقًا وروسيا في عصرنا الحاضر. فانسحاب الولايات المتحدة السريع من أفغانستان وسيطرة طالبان على السلطة تعتبره دول الغرب الامبريالي وخاصة الولايات المتحدة أمرًا ايجابيًا قد يؤدي إلى انتشار نشاط الحركات الارهابية كالقاعدة داخل آسيا الوسطى، الباب الخلفي لروسيا.



تحديات كبيرة ومعقدة ستواجه طالبان



وهنا نذكر ما قاله لينين عن أفغانستان عام 1918، حول الوضع في الشرق فأشار إلى أن الانجليز "بفرضهم السيطرة الكاملة على افغانستان، أوجدوا لأنفسهم نقطة ارتكاز لتوسيع مستعمراتهم ولاستبعاد الشعوب والاعتداء على الاتحاد السوفييتي". وهنا لا بد وأن نذكر بأن الدولة السوفياتية كانت أول دولة في العالم تعترف رسميًا باستقلال أفغانستان وذلك في 27/3/1919. لكن الهروب الأمريكي من أفغانستان أفقدها نقطة ارتكاز لتوسيع هيمنتها وسيطرتها على غرب آسيا.

وبداية هذه المؤامرة الامبريالية كانت المؤامرة على سوريا بهدف تقسيمها إلى أربع دويلات، علوية في غرب سوريا، كردية في شمال شرق سوريا، سنية في وسط سوريا، ودرزية على الحدود مع اسرائيل، بهدف دعم تفوق اسرائيل الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هذه المؤامرة فشلت، ولكن لو نجحت لانتشرت الحركات الارهابية كالقاعدة وداعش داخل الباب الخلفي لروسيا، آسيا الوسطى.

فمنذ سبعينيات القرن الماضي تحيك الولايات المتحدة المؤامرات وترسم الخطط والسياسات بهدف اسقاط أي نظام ديمقراطي في أفغانستان، واحتلال أفغانستان على مدى عشرين سنة، تم خلالها تدمير البنية التحتية لأفغانستان وتدمير اقتصادها وتمزيق شعبها على أساس ديني واثني، وانتشار الأمية، كل هذا الواقع يمنع قيام نظام ديمقراطي تقدمي في أفغانستان وهذا في النهاية يعود ويعزز مصالح الامبريالية العالمية وخاصة الأمريكية في المنطقة.

والامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة ستسعى دائمًا حتى بعد هروبها من افغانستان إلى تحويل البلد إلى بؤرة للعدوان على روسيا وآسيا الوسطى.

وهنا أذكر ما قاله ماركس في اجتماع اللجنة المركزية لعصبة الشيوعيين بتاريخ 10 أيلول سنة 1850 ما يلي:

"ان الأقلية تضع الدوغماتية بديلا للرؤية النقدية، والمثالية بديلا للمادية. وبدلا من العلاقات الحقيقية جعلت الأقلية قوة الثورة المحركة هي الارادة وحدها. (ان ماركس هنا وبكل حدة يعارض الدوغماتية والمثالية وارادية الشيوعية اللا علمية، بالشيوعية العلمية، التي تكون أساسها نظرية المادية الديالكتيكية) بينما نحن نقول للعمال: انه الممكن ان تضطروا لمعاناة 10، 20، 50 سنة أخرى من الحروب الأهلية والاصطدامات الدولية، ليس من اجل تغيير الظروف الموجودة وحسب، بل من أجل تغيير أنفسكم ذاتها وجعلها قادرة على السيادة السياسية، وأنتم بالعكس تقولون: "يجب علينا الوصول إلى السلطة فورًا أو الانصراف للنوم على الأفضل"، هذا المقطع المهم جدًا من خطاب ماركس يثبت إطلاقًا عبث كل التصورات الشائعة عن ماركس وإنجلس، بتصويرهما مغالين في التفاؤل أو أنهما انتظرا وقوع ثورة البروليتاريا بين ليلة وضحاها. إن هذه الكلمة تشهد بإقناع تام على أنه آنذاك وبعد الأخذ بالاعتبار تجربة ثورة 1948 – 1849 عرض ماركس بمزيد من الوضوح وبكل وعي كامل امتداد وتعقيد وتناقضات، بل وحتى الميزة المؤلمة للتحول الثوري المقبل في المجتمع. إن ماركس، حتى من قبل، أي قبل ست سنوات من ذلك، في "المخطوطات الاقتصادية الفلسفية" قد أخذ بعين الاعتبار كامل عملية التحول الشيوعي في المجتمع، فتنبأ أن هذه ستكون "عملية صعبة وطويلة تمامًا" (ك. مارس وإنجلس، من المؤلفات المبكرة، موسكو 1956).

وهنا أستطيع أن أقول بأن الشعب الأفغاني وبعد الانسحاب بل الهروب الأمريكي من أفغانستان قد يعاني من حروب أهلية وصراعات، لكن في النهاية عندما تتغير الظروف الاقتصادية والبناء التحتي للمجتمع، لا بد وأن يجري تغيير في البناء الفوقي للمجتمع، "تغيير أنفسكم ذاتها" لكي تكون قادرة على السيادة السياسية الديمقراطية التقدمية للشعب الأفغاني.

وفي الوقت الحاضر، هناك تحديات كبيرة ومعقدة ستواجه حركة طالبان المقاتلة، والتي أصبحت المسيطرة على دولة أفغانستان، ويمكن إجمال أبرز التحديات في الوضع الراهن في النقاط التالية:

المصالحة الوطنية: مشروع المصالحة الوطنية يلزم طالبان بالعمل على التفاهم مع الخصوم، وبناء الدولة والقضاء على احتمال نشوب حرب أهلية، والعمل على قيادة البلاد نحو الاستقرار السياسي. وبدون إعادة إعمار أفغانستان والتنمية الاقتصادية لا يمكن تحقيق الاستقرار في أفغانستان.
تعيش أفغانستان الحروب منذ 40 سنة، ولذلك من المهم جدًا العمل على الاستقرار والقضاء على الأسباب التي من الممكن أن تؤدي إلى الحروب المحلية، وهذا لا يمكن تحقيقه دون مصالحة وطنية صادقة وشاملة، ويهدف إلى وصول البلاد إلى الاستقرار الدائم.

الملف الأمني: الأمن أهم الأولويات بالنسبة للمواطن الأفغاني، فقد حرك الشعب الأفغاني من الأمن على مدى أربعة عقود، ونجاح طالبان في هذا المجال سيكون المفتاح والطريق نحو نجاحات أخرى، منها زيادة ثقة الشعب بسلطة طالبان، وسيؤدي إلى ترسيخ أقدام حركة طالبان في حكم أفغانستان.
الحكم الانتقالي: إقامة حكومة تدير البلاد في المرحلة الانتقالية وتتمتع بقبول الشعب الأفغاني وتمثل المجتمع الأفغاني بتنوعه العرقي والثقافي والجغرافي والمذهبي، وتعتمد على أهل الاختصاص والكفاءات، ولا تكون الوظائف فيها حكرًا على أعضاء وعناصر حركة طالبان. من المهم جدًا بناء حكومة عصرية تتمتع برضا الشعب الأفغاني، وتعمل على قبول المجتمع الدولي لنظام طالبان الجديد، وتعمل على رعاية التوازن بين الحفاظ على قيم الشعب الأفغاني الدينية والثقافية والوطنية، والالتزام بقيم التعايش العالمي السلمي.
الدستور: تهيئة الظروف والمناخ المناسبين لتدوين دستور لأفغانستان، بحيث يشكل الإطار المناسب لبناء الدولة، مع العمل على تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.
تغييرات المجتمع الأفغاني: التعامل المناسب والحذر مع الواقع الجديد الذي ظهر في أفغانستان خلال العشرين سنة الأخيرة، حيث يختلف المجتمع الأفغاني اليوم عما كان عليه خلال فترة حكم طالبان الأولى في التسعينيات من القرن الماضي. وتشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن الشباب يشكلون نحو 60% من مجموع سكان أفغانستان البالغ عددهم 35 مليون نسمة، وقد نشأ هذا الجيل في عصر الإنترنت والهواتف الذكية والحاسوب، والتلفاز والفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، خلافًا للجيل السابق أيام حكم طالبان الأول، حيث كان المجتمع الأفغاني يفتقد كل هذه المظاهر الحديثة، وهذه التطورات لا بد وأن تساعد على تغيير الذات للإنسان الأفغاني.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف