الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم يحكمه الجشع

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 9 / 18
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


نهاد أبو غوش
كشفت جائحة كورونا عن هشاشة النظام الصحي المنبثق من النظام الاقتصادي الاجتماعي العالمي القائم على حرية راس المال في البحث عن الارباح، وحرية المراكز الرأسمالية الاستعمارية في نهب خيرات دول المحيط، ومن بينها الدول العربية والشرق أوسطية كافة، واستنزافها وإبقائها ترسف في قيود الجهل والتخلف والتبعية، وحرمانها من كل ثمار التقدم العلمي والتكنولوجي، مع الاستغلال المفرط لثرواتها الباطنية واتنزاف ما حبتها به الطبيعة وحرمان الاجيال القادمة من كل هذه الثروات وخاصة البترول، ثم استباحة اسواق هذه البلدان تحت العنوان الخادع ""حرية التجارة".
أدت سياسات النهب الرأسمالي إلى تدمير بيئة كوكب الأرض وتهديد مستقبل الحياة البشرية فيه، كما أدت إلى اتساع الفوارق المادية والعلمية والاقتصادية بين دول الجنوب والمستعمرات السابقة من جهة ودول الشمال الرأسمالي، وهو ما بدا بشكل فادح وفاضح عند انتشار جائحة كورونا حيث تبدو دول الجنوب عاجزة تماما عن توفير اللقاحات لسكانها.
صحيح أن الجائحة لا تفرق بين غني وفقير على مستوى الأفراد، وأنها اصابت دول الغرب الرأسمالي قبل غيرها، لكن انتشار الجائحة بات قابلا للسيطرة والاحتواء في الدول الرأسمالية الرئيسية، ويهدد بانفلات لا سابق له في دول الجنوب وخاصة في افريقيا.
يلخص مدير عام منظمة الصحة العالمية، الاثيوبي تيدروس ادهانوم جيبريسوس هذه المعضلة بالقول أن نحو 15 في المائة من دول العالم يحوزون أكثر من نصف اللقاحات المنتجة، بينما نصق سكان العالم يحصلون على 17 في المائة من اللقاحات، وما لم يقله جيبريسوس ونعرفه جميعنا أن دولة مارقة مثل اسرائيل حصلت على أكثر من حاجتها من اللقاحات من مختلف الاصناف والشركات، ثم عمدت إلى تقديم "عينات" وكميات رمزية من اللقاحات لأصدقائها من الطغم الحاكمة في العالم الثالث كإحدى أدوات السياسة الناعمة مقابل مواقف سياسية داعمة لسياسات الاحتلال.
من نافل القول أن غياب الديمقراطية والشفافية وحرية الإعلام فضلا عن غياب أجهزة الدولة الفعالية، غيّب حقيقة الإصابات الحقيقية وأعداد الوفيات نتيجة جائحة كورونا في العالم الثالث بما فيها معظم دول العالم العربي، وبالتالي فإن الأرقام المنشورة لا تعكس إلا مقدارا ضئيلا من الحقيقة.
حتى مبادرة كوفاكس التي اطقتها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا، لإتاحة اللقاحات باسعار رمزية او مجانا للدول الفقيرة، سرعان ما جرى التراجع عنها وتم تقليص حصة افريقيا بنحو 25 في المائة من الكميات المفترضة وهو ما يعني مزيدا من الوفيات في صفوف الفقراء والأشخاص الذين تعجز دولهم وحكوماتهم عن توفير اللقاحات.
المعضلة الرئيسية في الأنظمة الصحية السائدة في العالم تكمن في أن الطب والعلاج مثلها مثل سائر ميادين الحياة البشرية، كالرياضة والثقافة والسياحة والفن وحتى الدين والعبادات، باتت ميادين للاستثمار التجاري والربح، فالعلاج والطب متاحان لمن هو قادر على الدفع وليس لمن يحتاجهما، وهكذا تسخر كل إبداعات البشرية وإنجازاتها العلمية لخدمة الأغنياء ويحرم منها الفقراء ومحدودي الدخل.
تنطبق الحقيقة السالفة الذكر على مجالات استثمار وتطور قطاع الصحة، فالاستثمارات الرئيسية تأتي في تقنيات ومهارات العلاج والدواء والمستحضرات الطبية، وبناء المستشفيات مع خدمات الخمس نجوم الفندقية، بينما لا يتم استثمار الأموال والموارد الكافية على الطب الوقائي والحد من انتشار الأوبئة والأمراض، أو في تحسين البنى التحتية وإيصال مياه الشرب النظيفة وشبكات الصرف الصحي، وكأن المرض بحد ذاته هو نعمة من نعم المجتمع الرأسمالي يتيح للمستثمرين في هذا القطاع التربح منه.
كما أن الإستنزاف المفرط للبيئة والإخلال بتوازنها القائم منذ ملايين السنين، بالإضافة إلى الأساليب المصطنعة لزيادة الانتاج وتعظيم الربح بما في ذلك استخدام الهرمونات والمنشطات في الزراعة والانتاج الحيواني وتصنيع الأغذية، كل ذلك ادى إلى نشوء طفرات جديدة من الفيروسات التي لم يعرفها العالم من قبل.
ما زالت بعض الدول التي ترفض التقسيم الدولي الحالي القبيح للعمل والموارد والاسواق، ترفض صيغة الجشع والنهب الاستعماري السائدة في مجال الصحةن وقد اطلقت مؤخرا دول مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) نداء نيودلهي لتوفير لقاحات رخيصة للدول الفقيرة، اي للمستحقين وليس للقادرين على الدفعن ترافق ذلك مع قيام الصين بافتتاح مصنع لانتاج اللقاحات في صربيا لتغطية حاجة دول البلقان وهو ما يمكن ان يتكرر في دول عربية وشرق اوسطية فينقذ حياةمئات الملايين من البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال