الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك -الأداة الثالثة عشرة

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2021 / 9 / 18
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


احصل على اسم الكلب


ابحث عن الملموس والمحدد ، عن التفاصيل التى تستميل الحواس


ذات مرة ، وصف الروائى جوزيف كونراد عمله بهذه الطريقة :


" اريد " بقوة الكلمة المكتوبة أن أجعلك تسمع ، أن اجعلك تشعر ، وقبل كل شيىء ، أن أجعلك ترى " .


وعندما كان جين روبرتس – وهو من اعظم محررى الصحف الامريكية ، وكان قد بدأ حياته المهنية محررا مبتدئا فى ولاية كارولينا الشمالية – يقرأ قصصه بصوت مرتفع على محرر أعمى ، كان يعنف روبرت الشاب لانه لم يستطع ان يجعله يرى .



عندما تستميل تفاصيل الشخصيات والمكان الحواس ، فانها تخلق خبرة لدى القارى تجعله يفهم ، عندما نقول " أنا ارى " فنحن غالبا ما نعنى " أننا نفهم " قد يختار الكتاب قليلو الخبرة التفصيل الاوضح ، على سبيل المثال : الرجل ينفث دخان السجائر ، والمرأة

تقضم ما تبقى من أظافرها .


هذه التفاصي تفشل فى أن تخبرك بأى شيىء – ما لم يكن الرجل ينازع بسبب سرطان الرئة ، والمرأة تعانى من فقدان الشهية العصابى .


فى صحيفة سان بطرسبورج كان المحررون ومدربو الكتابة يحذرون المراسلين من العودة الى مكاتبهم دون الحصول على أسم الكلب .


هذه المهمة التقريرية لا تعنى أن يستخدم الكاتب هذا التفصيل فى القصة ، بل تذكره بأن يبقى عينيه وأذنيه مفتوحتين على الدوام .


عندما كتبت كيللى بنهام قصة الديك الشرس الذى هاجم طفلا ، لم تذكرقط اسم الديك ( روكادول الثانى )، بل وأسمى أبويه أيضا : روكادول .


وهينى بينى ذات الساق الواحدة ( لا أستطيع شرح سبب أهمية أن تكون أم الديك المعتدى بساق واحدة ، لكن ذلك مهم إ) .


قبل اعدام السفاح ، ذهب المراسل كريستوفر سكانلان الى ولاية أتاوا لزيارة عائلة احدى الضحايا المفترضة للسفاح .

قبل ذلك بأحدعشر عاما ، خرجت امرأة شابة من بيتها ولم تعد أبدا .


لقد وجد سكانلان التفصيلة التى تحكى قصة الحزن الدائم للاسرة ، فقد لا حظ وجود شريط لاصق على مفتاح الاضاءة بجانب الباب الإمامى .


" مدينة باونتيفل ، أوتاوا – كانت ، بلفا كينت دائما ما تترك مصباح الشرفة الأمامية مضاءة، عندما يخرج أطفالها ليلا.



وكان على من يأتى اخرا أن يطفأه ، حتى كان يوم من أيام العام 1974


عندما قالت السيدة كينت لعائلتها : " سوف أترك المصباح مضاء حتى تعود ديب الى البيت وتطفئه هى ".


مصباح شرفة السيدة كينيت الأمامية ما زال مضاء ، ليلا ونهارا.


وبالقرب من الباب الأمامى ، وضع شريط لاصق لتغطية مفتاح الاضاءة .

لم تعد ديب الى البيت قط ."


هذا هو بيت القصيد : لقد رأى سكانلان الشريط اللاصق يغطى مفتاح الاضاءة ، وسأل عن ذلك . لقد التقط هذه التفصيلة العظيمة بفضل فضوله ، وليس خياله .


ان السعى وراء تفاصيل كهذه يحدث منذ قرون ، كم تبين أنطولوجيا التقارير عبر التاريخ .


ويصف الباحث البريطانى جون كيرى ، أمثلة على ذلك فى مجموعته " شاهد عيان على التاريخ ":


" هذا الكتاب ... مملوء بالصور الغريبة أو الوقحة أو العابرة ، التى تطبع نفسها بقوة فى عين العقل : السفير يطل أسفل مقدمة فستان الملكة اليزابث الأولى ، ويشير الى التجاعيد ...


اللص التاميلى فى خريف كوالالمبور يقلب صندوقا مملوءا بكرات التنس الثلجية من ماركة سلازنجر ...

بلينى تشاهد اناسا يغطون رؤسهم بالوسائد لحماية انفسهم من رماد البركان ....

مارى ، ملكة اسكتلندا ، شاخت فجأة فى موتها ، بينما كلبها الأليف يرتعد بين تنانيرها ورأسها معلقة بقطعة غضروفية عنيدة .


الايرلنديون الجياع بأفواههم الخضراء من فرط أكل العشب ".


لم أجد أى سجلات باقية تشير الى اسم كلب الملكة مارى ، لكنى عرفت أنه كان كلبا للصيد من سلالة سكاىتيريور الاسكتلندية المشهورة بالولاء والشجاعة .


وفيما بعد ، أرسلت الى القارئة العزيزة أنيتا تايلور رسالة من نيوزيلندا تخبرنى فيها بأن اسم الكلب هو " جيدون " كانت تفصيلة تذكرتها القارئة حينما كانت تساعد ابنتها لانجاز ورقة عمل دراسية .



الكاتب الجيد يستخدم التفاصيل الاخبارية ، ليس فقط للتبليغ ، بل للاقناع .


فى العام 1963 كتب جين باترسون مقالا يرثى فيه قتل أربع فتيات فى تفجير كنيسة فى بيرمنفهام بألاباما .


" ناحت امرأة زنجية صباح الأحد ، فى الشارع أمام الكنيسة البابوية فى بيرمنغهام ، كانت تمسك بيدها فردة حذاء ، فردة واحدة فقط ، من قدم طفلتها الميتة .


ونحن نمسك بذلك الحذاء معها " ( من صحيفة ذا أتلانتا كونستتيوشن).


لن يسمح باترسون للجنوبيين البيض بالتنصل من مسؤلية قتل هؤلاء الاطفال .


لقد ثبت أعينهم وآذنهم ، وأجبرهم على سماع نواح الأم الثكلى ، وعلى رؤية الحذاء الصغير الوحيد . الكاتب يجعلنا نتعاطف ونحزن ونفهم . انه يجعلنا نرى .


ا التفاصيل التى تترك أثرا ، هى تلك التى تحفز الحواس . ولك أن تحس كيف بدأ كورماك مكارثى روايته " كل الخيول الجميلة ":


" كان لهب الشمعة ، وصورة لهب الشمعة ، يظهران على صفحة مرآة الحائط وهما يميلان ويعتدلان عند مدخل الصالة ، ومرة ثانية عندما أغلق الباب .


خلع قبعته وتقدم ببطء . كانت ألواح الأرضية تصر تحت حذائيه . وقف ببزته السوداء أمام الزجاج المظلم حيث الزنابق الشاحبة تنحنى على حواف المزهرية المخضرة . وعلى طول الممر البارد خلفه .


علقت صور لأسلافه الذين يعرفهم بصعوبة ، وقد وضعت فى براويز وغطيت بالزجاج، وعلقت اضاءة خافته فوق اطارها الخشبى الهزيل . نظر الى كعب الشمعة الذائب. ضغط بابهامه على الشمع الدافىء المتكتل فى القاعدة الخشبية .

وأخيرا نظر الى الوجه المجوف المسحوب من بين طيات أقمشة الجنازة ،الشارب المصفر، الجفون الرقيقة كالورق ، لم يكن هذا نوما، لم يكن هذا نوما ".



يتطلب هذا النوع من النثر الاهتمام نفسه الذى نوليه للشعر .


ابتداء بتلك المجموعة البراقة من الأسماء المركبة ( لهب الشمعة ، مرآة الحائط المرآة ، اناء بلورى ، كعب الشمعة ، بصمة الابهام ).


والأقوى من ذلك ، كان مخاطبة مكارثى للحواس ، فهو لم يعطينا لونا لأعيننا فقط – أسود وأصفر ، بل أعطانا هدايا لحواسنا الأخرى : رائحة الشمع المحترق ، صوت صرير ألواح الأرضية ، وملمس الشمع والخشب .


والى الاداة الرابعة عشرة فى المقال القادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة