الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تروتسكي و نيتشه : الماريشال و الإنسان المتفوق و زرادشت

مازن كم الماز

2021 / 9 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


يرى تروتسكي أن فلسفة نيتشه كانت رد فعل على ألمه و مرضه لذلك سماها بفلسفة "عبادة الألم" , لكن كلام تروتسكي لا يكفي لتفسير نيتشه , أن يتألم الإنسان أو أن يصاب بالمرض لا يعني شيئا في الواقع , و الناس يختلفون , جدا , أمام المرض و الألم , عدا عن أن الألم و صديقه المرض من الأشياء القليلة جدا في العالم التي تستفز الإنسان حتى قعر ذاته و الوجود و التي تكشف فعلا عن معدن البشر الحقيقي و تضعهم وجها لوجه أمام أسئلة الكون و الحياة الكبرى الأبعد من الكفاح اليومي من أجل البقاء و ليس مرض الإنسان داع كاف للرفع من شأنه أو بالعكس , الحط من هذا الشأن كما أراد تروتسكي .. سيتألم تروتسكي فيما بعد لكن فقط كماريشال سابق و كولي عهد أو حتى كقيصر مخلوع , هذا نوع مختلف جدا من الألم و قد استدعى من الماريشال السابق رد فعل مختلف جذريا عن ما فعله نيتشه الذي أراد أن يغتصب الحياة و يمجد الوجود و البطولة فيم بقي الماريشل المخلوع مسكونا برغبته العارمة بالعودة إلى القصر الذي طرد منه .. يعترف تروتسكي بأن "عبادة الألم" ليست الجزء الأهم من فلسفة نيتشه الذي كان يصارع شبحه و يحاول أن يقتله مرة واحدة و إلى الأبد .. يؤكد تروتسكي محقا أن "المحور الاجتماعي لنظام ( نيتشه ) ... هو ... الامتياز المعطى لبعض "المختارين" بأن يتمتعوا بحرية بكل خيرات الوجود , هؤلاء المختارون السعداء متحررون لا من العمل الإنتاجي فقط بل أيضا من حمل التسلط . "لكم أن تؤمنوا و أن تخدموا" هذا هو المصير الذي يقدمه زرتدشت للفانين العاديين ... فوق هؤلاء نجد طائفة الآمرين , حراس القانون , المدافعون عن النظام , المحاربين , في القمة نجد الملك ..... أعلى الطوائف هي تلك الخاصة بالأسياد , خالقي القيم , المشرعين , الرجال المتفوقين . هذه الطائفة تلعب على الأرض نفس الدور الذي يلعبه الرب ... في السماء" .... كتب تروتسكي ذلك عام 1900 .. بعد 38 عاما سيعود تروتسكي ليتحدث عن الأخلاق مرة أخرى , "أخلاقنا و أخلاقهم" , سيدافع الماريشال المخلوع عن قيامه هو و رفاقه , السادة الجدد , بالخداع و القمع الجماعي و اختطاف الرهائن و قتلهم و عن القتل بالجملة , و عندما يواجهه صديقه السابق فيكتور سيرج الذي اختلف معه بعد عودة النقاش حول سحق تمرد كرونشتادت بأن انهيار البلاشفة يعود إلى مركزيتهم المفرطة و "انعدام الروح المحبة للحرية" عندهم مطالبا تروتسكي ب"مزيدا من الثقة بالجماهير , مزيدا من الحرية" , يرد الماريشال السابق بأن الجماهير "ليست متشابهة على الإطلاق فهناك جماهير ثورية و جماهير سلبية و جماهير رجعية" , "و لهذا السبب يبدو وجود منظمة مركزية للطليعة أمرا لا غنى عنه" , "فالحزب الواحد فقط و الذي يستخدم السلطة التي فاز بها قادر على التغلب على تذبذب الجماهير" .. و عندما يتساءل صديقيه السابقين سيرج و سولافين , هل من المعقول أن يكون القتل و الخداع و القمع غير أخلاقي إذا أمر به ستالين و أخلاقيا و مبررا إذا أمر به تروتسكي , يجيب الماريشال السابق بنعم مباشرة , صريحة , دون أي مداورة كما يليق بقيصر روسي و بماريشال عسكري .. و ردا على "البكاء و العويل" على بحارة كرونشتادت الذي كان الماريشال قد أمر بذبحهم , لا يحتاج الماريشال المخلوع لأكثر من أن يصف أولئك البحارة الذين أراق دماءهم و دماء حراس نظامه الحمر فوق ثلوج كرونشتادت بأنهم ليسوا إلا "برجوازيين صغار" أو "فلاحين" عدا عن قصات شعرهم الغريبة ( قال تروتسكي ذلك قبل ظهور داعش بعقود طويلة ) .. بالنسبة للماريشال , هذا يكفي للحكم عليهم بالموت .. إن دماء بحارة كرونشتادت أمر تافه بالنسبة للماريشال الذي لم بشعر حتى بضرورة إبلاغ كرونشتادت بالسياسة الاقتصادية الجديدة التي كان المؤتمر العاشر لحزب السادة البلشفي الحاكم قد أقره للتو , حكم الماريشال حاسم و لا يقبل النقض : كان البحارة معادون للثورة و كان الحوار معهم مضيعة للوقت , كان يجب فقط قتلهم ... يقر الماريشال المخلوع بأخطائه هو و رفاقه من السادة الجدد في السياسات التي أدت لتفجير كرونشتادت لكنه يعلق بلا مبالاة : هل كان على السادة الجدد "أن ينتحروا" بسبب أخطائهم تلك , إن كل أخطائه هو و رفاقه من السادة الجدد لا يمكن أن تبرر مقاومة الكرونشتادتيين أو تذمر العمال و الفلاحين و خاصة "البرجوازية الصغيرة" من ظروف الحياة التي أصبحت لا تطاق .. بقي الماريشال المخلوع يكتب و يتحدث على أنه الرجل الوحيد في العالم المخول بتحديد من يستحق الحياة و من يستحق الموت , من يجب أن يقلى في السجون و من سيقضي في المنافي و استمر حتى آخر لحظة من حياته يشتم كل من ينتقده و يكيل لهم التهم التي كانت تكفي بالأمس ليصدر الأمر بقتلهم , بقي الرجل حتى النهاية ماريشالا , قيصرا , ملكا أو صورة الملك الذي كان و الذي يجب أن يكون و الذي سيكون , الذي يلعب على هذه الأرض نفس دور الإله في السماء .. بقي المتاح هو امتداح السادة الجدد فقط مهما كانت قسوة الحياة التي يعيشها الفانون العاديون أو الصمت , أن يؤمنوا و أن يخدموا ... لا مشكلة لي مع تروتسكي فالرجل قد مات , مشكلتي هي مع من يريدون "تحريرنا" بناء على وصفات الماريشال المخلوع لبناء مجتمع هرمي توليتاري يقوم على القمع و القهر و الأمر و النهي و السمع و الطاعة , سجن كبير بعسس و سادة جدد .. من المفجع أن يردد تلاميذ الرجل هلاوس ماريشالهم المخلوع و أن يهددوننا بنفس التهم التي رددها أستاذهم و التي استحل بها دماء العمال و الفلاحين الروس و دماء كل مخالف و معارض , كل من جرؤ على التفكير المستقل أو على معارضة الرجل .. لا شك أن نيتشه لم يقصد أبدا هذا الصنف التروتسكي من "البشر المتفوقين" و لا شك أن تروتسكي على الرغم من الصلاحيات المطلقة التي مارسها و ادعاها لنفسه حتى آخر لحظة في حياته , لا يمكن اعتباره "إنسانا متفوقا أو أعلى" , ليس إنسان نيتشه الأعلى ماريشالا و لا قيصرا . إنه أكبر بكثير من ذلك , و أقوى ... عصا الماريشال و بذلته و رتبته التي منحت تروتسكي حقوقا مطلقة في قتل و قمع الجميع يحتاجها فقط التافهون الذين سخر منهم نيتشه و فضحهم الذين يحتاجون السجون و العسس و القصور والأسوار و السجون و الذين يختبؤون خلف حراسهم و عسسهم , تلك التي يستعيض عنها الإنسان الأعلى بجنونه و شجاعته و تهوره في مواجهة المستحيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طالبان ستالين و داعش تروتسكي!
عامر سليم ( 2021 / 9 / 19 - 06:37 )
كتب صحفي روسي ( دميتري كوزوروف) في صحيفة (كومسومولسكايا برافدا) الروسيه , مقاربة ديالكتيكيةً ظريفة وصادقة , حين شبه ستالين بــ طالبان و تروتسكي بــ داعش!.
طالبان مثل ستالين تريد بناء خلافة اسلامية في بلدها كما كان يريد ستالين بناء شيوعيته الروسيه , اما داعش مثل تروتسكي تريدها خلافة عالمية! .
من هذه المقاربة نستنتج ان ستالين كان ارحم من تروتسكي فالأول قمع وقهر وجوّع الشعوب السوفيتية ,في حين الثاني يريد ان يفعل ذلك بكل شعوب العالم!.
ومن هذه المقاربة ايضاً نستنتج ان الفكر الشمولي الأقصائي لايختلف سوى كان سماوي أو ارضي في الممارسة والتطبيق. فالكتاب المقدس موجود والأنبياء المخلصون موجودون والأختلاف فقط بالأسماء.
https://arabic.rt.com/press/1273832-%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%86/

اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر