الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المجتمع المدنى وحرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد
منى نوال حلمى
2021 / 9 / 19العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
----------------------------------------------------------------------------------
كان الاعلان الرسمى للرئيس السيسى منذ أيام ، أن 2022 ، هو عام المجتمع المدنى ، بعد مبادرته بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان ، احدى الضربات الأخرى القاتلة ، الموجهة ، ضد أعداء المجتمع المدنى ، والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ، فى مصر . وهم كثر .
ونجد أن حديث الرئيس السيسى ، مؤخرا ، عن " حرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد " ، أمر متسق ، مع اقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة . و كان حريصا على أن يختم به قائلا :
" كل واحد حر .. يؤمن بالعقيدة أو لا يؤمن ".
أليس هذا اصابة فى مقتل ، للوصايا الدينية ، المفروضة علينا ، منذ زمن طويل ؟؟. أليس هذا هو معنى " المواطنة " ؟؟. أليس هذا هو ، الترجمة الواقعية لمبدأ وشعار ثورة 1919 ، " الدين لله والوطن للجميع "؟.
وأنا أعتقد أن رفع الوصايا الدينية ، ورفع الوصايا العقائدية ، عن أديان موروثة،
لم تعطنا فرصة للاختيار ، هو النافذة المغلقة التى لابد أن نفتحها ، لكى نتخلص من التعصب ، والارهاب الدينى من جذورهما .
ماذا يعنينى أنا ، كمواطنة مصرية ، اذا كان عم ابراهيم ، صاحب السوبر ماركت ، الذى أشترى منه ، الشاى ، والبسطرمة ،و الجبن الأبيض ، والزيتون الأسود المخلى ، والبن المحوج الفاتح المخصوص ، مسلما ، أو مسيحيا ، أو يهوديا ، أو لا يتبع ديانة أرضية مثل البوذية أو الهندوسية ؟؟.
كل حقوقى ، على عم ابراهيم ، هى أن يبيع لى ، الشاى ، والبسطرمة ، والجبن الأبيض طازجا ، والزيتون الأسود المخلى ، من برميل نظيف ، والبن المحوج خاليا من الشوائب ، بالأسعار المعتمدة فى السوق . وهى حقوق ، ليس لها علاقة ، على بالديانة ، التى ورثها ، أو اختار التحول لها ، أو بعدم الانتماء لديانة معينة .
والمواطنة المصرية ، التى تعمل بالطب ، مثلا ، عليها أن تلتزم بقسم أبقراط ، الذى يلزمها بتقديم الطب ، كرسالة سامية ، وليس كمهنة للتجارة ، والربح ، على جثث المرضى . وهذا واجب وطنى انسانى ، لا ينقصه أو يزيده ،أن تكون الطبيبة ، مسلمة شيعية ، أو مسلمة سنية ، أو لا دين لها .
وماذا يفيدنى أنا ، لو كانت جارتى ، ملحدة ، أو يهودية .
كل ما يهمنى ، ألا تنتهك أخلاقيات الجيرة ، فلا تلقى بالقمامة والنفايات أمام شقتى ، ولا تزعجنى بالأصوات العالية ، ولا تتطفل على خصوصية بيتى بالبحلقة ،والنميمة ، ولا تكون عقبة أمام التعاون ، لصالح العمارة ، اذا لزم الأمر .
اذن فى المجتمع المدنى ، وبين جميع المواطنات ، والمواطنين ، نحن لا نحتاج ، فى كل المجالات ، الا لمعايير " الكفاءة " ، و " الالتزام بالقانون " ،
و" حقوق الانسان " ، و " النزاهة " ، و" الأمانة " ، و " الذوق " ، و" الأدب " ،
و" حسن المعاملة " .
منذ أيام ، سألت احدى معارفى ، عن طبيب أسنان " كويس " . قالت :
" كان فيه واحد شكرولى فيه شاطر هايل ممتاز نابغة عصره .. مش جشع زى الدكاترة التانيين ... مواعيده مضبوطة بالثانية ... وعيادته فى منتهى النضافة ، والترتيب .. بس مصيبته انه ملحد ملوش مِلة ولا دين .. يا خسارة الحلو ميكملش ".
قلت لها : " أريد عنوانه "؟. قالت : " ده ساب البلد وهاجر ".
يؤسفنى القول ، بأن الارهاب ليس فقط ، الذى يحمل أسلحة ، ويسفك الدماء ، ويذبح وهو يردد : " الله اكبر ". . لكن هناك ارهابا ، مغروزا فى الوجدان ،
وفى النفوس ، وهو فعلا الأكثر خطورة .
واذا كانت احدى معارفى ، " القاهرية " ، قد واصلت التعليم ، حتى درجة الدكتوراة ، وكل سنة تسافر الى الخارج ، وتقول : " مصيبته انه ملحد ملوش دين "،
فما هو حال الألآف ، بل الملايين ، غير المتعلمين ، فى القرى ، وفى الأقاليم ، والمدن ، المنغلقة ، والذين يتابعون الفتاوى الدينية المتعصبة المتطرفة السلفية الاخوانية ، التى تريد تمهيد الأرض لمجتمع دينى ، ودولة مدنية ؟؟.
ما معنى " مصيبته انه ملحد ملوش دين ؟ " . لقد أعطت هذه المرأة نفسها الحق فى محاكمة الطبيب ، " النابغة " ، " غير الجشع " ، " النزيه " ، " الهايل "، فى مهنته . وبعد محاكمته ، تقول : " مصيبته أنه ملحد ملوش دين ".
وهى تناقض نفسها ، لأنها تقول : " مصيبته " . اذن الحاده ، أو لا دينيته ، " مصيبته " هو وليست مصيبتها هى ، أو مصيبتنا نحن المرضى الذين نذهب للعلاج عنده ، للاستفادة من نبوغه ، ومهارته ، ونزاهته ، وحسن معاملته . وهو حر تماما فى الأفكار، والفلسفة ، والعقائد ، التى يريد الانتماء لها . طالما أنه لا يؤذينى ، ولا يضرنى ، ولا يستغلنى ، ولا يتعدى على أفكار ، وفلسفة ، وعقائد الآخرين . كل انسان حر تماما ، فى أى " مصيبة " ، يؤمن بها ، طالما أنها " محبوسة " داخله ، لا يسمح لها بالتدخل فى حياة الناس ، وافساد حرياتهم ، ومحاكمتهم أخلاقيا ، ونبذهم اجتماعيا ، وثقافيا ، واعلاميا .
الأمر الآخر ، أن هذه المرأة ، جاهلة تماما ، ولا تميز الفوارق بين الأشياء ، مثل الكثيرين ، حتى الذين يعملون فى مجال الثقافة ، والاعلام ، ويعتقدون أنهم جهابزة الفكر ، ورواد التنوير .
ان " الالحاد ، أو " اللادينية " ، ليست تهمة دينية ، وليست ادانة ثقافية ، وليست جرما جنائيا ، وليست اضطرابا نفسيا كما قالت احدى الباحثات ، وليست اعوجاجا فى الفكر كما قالت احدى الاعلاميات ، وليست وصمة عار تستحق الاهانة أو السخرية .
" اللادينية " ، أو " الالحاد " ، موقف فكرى ، وسياق فلسفى ، وطريقة مختلفة ، لفهم الوجود ، وتفسير الظواهر الكونية ، واعادة صياغة التساؤلات ، وعلاقة الانسان بالحياة ، وبنفسه ، وبالعالم المحيط به ، ومرجعية الفضائل والأخلاق ، و الحرية الانسانية .
و كم أندهش ممنْ يعملون فى المجال الاعلامى ، الذين يجهرون بمفاهيمهم المغلوطة ، عن " الالحاد ، أو " اللادينية . بل ويعطون أنفسهم دون مبرر ، الحق العلنى لسب ، واهانة ، والسخرية من غير المؤمنين مثلهم ، وينظرون اليهم كأنهم كائنات فضائية غريبة شاذة ، نزلت الأرض لاشاعة الفساد ، والضلال ، و الفتنة ، والبلبلة ، وازدراء الأديان ، والاساءة الى الايمان . ويتمادون أكثر ، فيطالبون المجتمع ، بالتخلص منهم بأى شكل ، ومحاكمتهم ، وابادتهم ، وتصفيتهم ، قبل أن يبثوا سمومهم ، وينجح مخططهم الشيطانى .
ليس هناك أسوأ ممنْ يتصور أنه " على حق " ، وأنه بالديانة الموروثة ، أفضل ، وأصلح ، من ناس لهم أديانهم الخاصة المختلفة ، أو آخرين اختاروا الفكر اللادينى ، بل ويحاكمهم دينيا ، وأخلاقيا ، ومجتمعيا .
أحلم أن يأتى عام 2022 ، وقد تخلصت مصر ، من المرض العضال المزمن ، وهو الوصايا الدينية ، والتربص العقائدى ، والمطاردة الاسلامية ، والتلصص على تفاصيل حياة الناس باسم الدين ، و الشرائع السماوية ، وتقديس " القهر " منذ الميلاد وحتى الموت ، باسم ثوابت الاسلام .
أتمنى أن تتحول حرية العقيدة ، الى أفعال مثل ازالة خانة الديانة ، واقرار قانون أحوال شخصية مدنى للجميع ، زواج وطلاق ومواريث ، وأن نمحو كل الممارسات
غير العادلة ، ذات الجذور الدينية مثل " شهادة المرأة نصف شهادة الرجل " ، وأن نتنفس هواء الدولة المدنية ذات المواطنة الشاملة .
ولا يجوز مع هذه الدولة ، الابقاء على قوانين للعقوبات تميز بين الرجل والمرأة ، لصالح الرجل ، مثل عقوبة فعل الزنا ، وعقوبة فعل الدعارة .
لنبدأ فعلا فى هجر الحلول الترقيعية ، وامساك العصا من المنتصف ، واتخاذ قرارات مرتعشة جزئية ، لا تؤدى الا الى اعادة انتاج أفكار الدولة الدينية ، بأشكال ترتدى أزياء عصرية ، لكنها هى صلب وجوهر المنظومات الدينية .
ولهذا السبب أنا أفضل أن نستبدل تعبير " المجتمع المدنى " ، بتعبير
" الدولة المدنية ". فالدولة هى المحيط الأكبر ، والعنوان الرئيسى ، للوطن ، والتى يجب أن يتوافر فيها الثبات والاستقرار ، على " أساسيات " الحركة والتوجه .
لكن المجتمع يمكن التحول ، والتغير من فترة لأخرى . فيمكن أن يحدث المجتمع الدينى ، أو مجتمع نصف الدينى نصف المدنى ، ويمكن أن تطرأ تغيرات اجتماعية وثقافية ، من فترة الى أخرى ، حسب الظروف السياسية والاقتصادية ، ووفقا للمناخ الثقافى العام ، وتوازنات القوى المختلفة .
ولهذا فان " المدنية الديمقراطية الحديثة " ، و" المواطنة الكاملة " ، و " تحقق حقوق الانسان والانسانة المدنية " ، و" ممارسة حريات البشر الشخصية " ، كلها
أمور ، نريد لها الثبات والاستقرار للدولة المصرية على مدى عصورها ، وألا تمس بأى حال من الأحوال ، و ألا تصبح " ريشة فى مهب الريح " ، تحت أى حكم سياسى ، أو ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية معينة .
-------------------------------------
-
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - الدين شان شخصي والوطن للجميع!!
ابو علي أل ثآئر
(
2021 / 9 / 19 - 04:58
)
شكرا لك ايتها الاخت الفاضلة. نعم الدين شان شخصي والوطن للجميع:ـ
ما دمت محترما حقي فانت اخي *** آمنت بالله ام آمنت بالحجر.
كلنا ورثنا ادياننا من البيئة التي ولدنا فيها ولا شيء غير ذالك. فلو ولد شيخ الازهر في بيئة هندوسية لاصبح هندوسي ولو ولد المهاتما غآندي في بيئة مسلمة لاصبح مسلما وهكذا دواليك ومن يدعي ان دينه هو الحق ودين غيره هو الباطل هو واهم ولا دليل لديه.انا مسلم واتغنى بامجاد افراد بيني وبينهم مئات السنين وليس هناك اي اثر يدل على عمل مفيد قدموه للبشرية الا اقوالا مقتبسة ممن سبقوهم وبعضها لا قيمة لها في ميزان العقل والمنطق. ان الحروب التي وقعت بينهم تدل على اتهم اتخذوا الدين وسيلة للسيطرة فقط وهذا ما حصل والى وقتنا الحاظر. نعم الدين يجب ان يكون شان شخصي والوطن للجميع.
2 - الجد في بناء مجتمع مدني
عبد الفادي
(
2021 / 9 / 19 - 05:12
)
برأيي تصريحات الرئيس المصري ليست سوى فقاعات ومسكنات للتهدئة لأن من يريد بجد ان يبني مجتمع مدني يبدأ اولاً بتعديل الدستور المصري وذلك بألغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص (ان الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع) ، هذه المادة لو الغيت ستتحقق العدالة بين افراد الشعب وستخفف اعباء مالية كثيرة عن الدولة لأن المؤسسات الدينية ستتحول تدريجيا الى التمويل الذاتي وستكسب الدولة ما لا يقل عن عشرون مليار جنيه سنويا وهي ميزانية مؤسسة الأزهر السنوية من خزينة الدولة ، فهذه الأموال يمكن صرفها على تحسين الخدمات للشعب بدلاً من صرفها على طبع كتب صفراء وتخريج طلاب مغسولة ادمغتهم وبعلم الرئيس السيسي نفسه ، انا بأعتقدي السيسي يعمل بالمثل القائل (اياكِ اعني وأسمعي ياجارة ) اي يريد ان يُسمع منظمات حقوق الإنسان انه ماضي بالطريق الصحيح لكي تطلق امريكا المساعدات المالية لمصر اما الواقع فهو للأستهلاك المحلي ، أأمل ان اكون مخطئ في تحليلي للموضوع ، تحياتي للجميع
3 - تحليل الامر
على سالم
(
2021 / 9 / 19 - 19:52
)
فى تقديرى ان مصر سيئه الحظ جدا , لقد ابتلتها الاقدار بكوارث ومحن ومصائب سوداء على مر العصور السوداء , لاشك ان اكبر كوارث مصر على الاطلاق هو نظام لواءات العسكر او حكم العسكر الجائر لمصر على مدى سبعين عام سوداء وهو وليد ثوره يوليو المشؤومه , هذه عصابه سيئه منحطه من المجرمين والبلطجيه واللصوص والقتله الانذال الرعاع , هذا حكم ظالم ديكتاتورى استبدادى متوحش اراد ان يستعمر مصر ويعامل المصريين مثل العبيد والفئران ويسحقهم تماما , هدفهم اساسا هو البلطجه والسرقه والعربده والهبر , ايضا نظام سادى يقمع ويذل ويسجن ويعذب ويقتل اى فرد يحاول ان يعرى هذه العصابه ويفضحها , اى يقترب من عش الدبابير , مخطأ تماما من يظن ان عصابه العسكر المستعمره تختلف عن عصابه الدين المجرمه , العصابتين سمن على عسل وهم فى شراكه بزنس وعمل منذ عقود طويله , كل مافى الامر هو تقسيم ادوار بينهم واستعباط واستهبال الشعب الساذج , العصابتين يريدوا الشعب جاهل وساذج وعبيط لكى يسهل حكمه وقمعه
.. كيف نفذت المقاومة الإسلامية في لبنان بعملية في عرب العرامشة؟
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تصعد عملياتها النوع
.. ما قصّة قبائل الإيغبو التي يعتبر أفرادها أنفسهم يهودا لكن إس
.. 22222222222222
.. VODCAST الميادين | مع وئام وهاب - رئيس حزب التوحيد العربي |