الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة الشخصيّة في المُجتمعات الحشريّة

ازهر عبدالله طوالبه

2021 / 9 / 19
المجتمع المدني


يسعى كُلّ فردٍ منّا، نحنُ أبناء المُجتمعات التي تحشُر أنفها في كُلّ ما يتعلَّق بحياتنا الفرديّة، إلى أن يكونَ لهُ عالمُه الخاص به، عالمه الذي يكون حيثمَا تكون راحته ؛ حتى لو كانَت هذه الرّاحة مُتوافِر في أوديةٍ بعيدة، أو على سفوحِ جبالٍ لا تُرى إلّا بالمنظار . كما أنَّهُ يُحاول جاهِدًا لأن يكونَ إنسانًا يعيش في حياةٍ تليق بالإنسان، وتليق بإنسانيَّته، مُتجاهِلا كُلّ المصاعِب التي ستُواجههُ، راميًّا إيّاها في بحرِ حياتهِ الواسِع، مُستسّهِلًا حجمَ كُل التحدِّيات الجمّة، التي عليهِ أن يخوضها مِن أجلِ الوصولِ إلى ما يصبو إليه.

يُدرِك كٌل مَن يُريد أن يكونَ مِن ضمنَ قائمة مَن "يعيشونَ" لا مِن ضمِنَ قائمَة مَن يُريدونَ أن يكونوا "أحياءً" فقَط، بأَّن مشاق الحياة أصبَحت كثيرة، وأنَّها تهطل عليهِ بغزارةٍ أشبَه بغزارةِ مطرٍ ينهَمر مِن سحابةٍ تتجوَّل في السّماء . لكن، الفرقُ بينهُ وبينَ السّماء، هو أنَّ السماء تشعُر بثقلِ هذه السّحابة وهي تتجوَّل في أرجائها، أمّا هو، فتراهُ ما عادَ يشعُر بثقلِ أيِّ شيءٍ في داخلِه، وإن شعَر، فيكون شعورَه هذا، بسببِ ما يُلقى عليهِ، ويُوجَّه لهُ مِن الخارِج، أي مِن مُجتَمعهِ، وعدَم كفّ المُجتمَع عن إطلاق رصاصات الأحكام عليه .

فعلى الرُّغمِ مِن أنَّهُ يواجِه ما هو أثقَل مِن نظرات المُجتمَع له، ويرتطِم بجُدرانٍ أكثر قساوةً مِن جُدرانِ المُجتمَع، إلّا أنَّهُ ما زالَ لا يجِد الطريقة المُناسبة، التي تجّعلهُ يتخلَّص مِن مُلاحقَة المُجتمَع لهُ، والتي تُمكِّنهُ مِن وضع حدٍّ لقيامِ المُجتمَع بتقفّي أثَره في كُلّ شيء، وإصدارِ الأحكام المُسبَقة عليه .

لذا، أقول دائمًا، بأنَّ كُلّ فردٍ منّا، لا يطمَح إلّا لأن يُفهِم المُجتمَع الذي نعيش فيه، بأنَّهُ لا يُريد أكثَر مِن يُتركَ لوحدِه، ليتسنّى لهُ نسجَ خُيوطِ حياتهِ بالطريقةِ التي يُحِب، وبالطريقةِ التي يرى فيها أكثر راحةً لهُ .

نعَم، قَد قلتُ في بدايةِ المقال، بأنَّ الفردَ مِنّا، ولشدَّة مَا مرَّ ويَمُر بهِ مِن ضيقٍ مُجتمَعي، يستَسهِل التحدّيات كُلّها، إلّا أنّ هُناكَ تحدِّيًا واحِدًا، ليسَ مِن السّهولة أن يتمَّ التّساهُل معهُ، ولا أن يتمَّ التّعاطي معهُ دونما أيّ اكتِراث لما سيترتَّب عليه بسببهِ . فهذا التحدّي، هو التحدّي الوحيد الذي على الإنسانِ ألّا يخوضهُ إلّا حينما يُدرِك بإنَّهُ قَد أعدَّ نفسهُ لهُ، جيّدًا، وألّا يُقدِم عليهِ، دونما أن يُدرِك بأنَّ ما سيترتَّب عليهِ جراء تحدّيهِ لهذا التحدّي، سيكون ثمنهُ قاسٍ في حياتِه.

وهذا التحدّي هو ما يتمثَّل بمخاوفِ الإنسان مِن عدمِ قُدرتهِ على النّجاة مِن أنيابِ الخوف الحادّة، البارِزة، والتي تسّكُن في أعمقِ عُمقٍ مِن نفسهِ المُتخوِّفة مِن كُلّ ما يُحيط به، ومِن كُلّ ما يلتفّ حولَ عُنقِ حياتهِ، ومِن كُلّ ما يتضخَّم أمامهُ، مُستغلًّا ضُعفِه، أو لنقُل عدَم قُدرَته على فهمِ مُحريات الحياة بعِد، وللحقيقة، لا أعتَقد بأنَّ هناكَ عقِل بشريّ، إلى الآن، تمكَّنَ مِن فهمِ الحياة، واستطاعَ أن يفهمَ آليّة سير الحياة.

إنَّ هذا التحدّي المتمثِّل بأنيابِ الخَوف السّاكِن في قلبِ كُلّ فَرد، يصّعُب على المُجتمَع أن يُدرِكَه، كما يَصّعُب عليهِ أن يتمكَّن مِن أن يُمرِّرَ عليهِ مُقدِمَة أفكارِه المنطقيّة، العقلانيّة، التي ما تلبُث إلّا وقَد أعانَت مَن تسكنهُ هذه الأنياب، وأخرجتهُ مِن نفقِ مخاوفهِ، المُظلِم، الذي لا يكون النّور في نهايته، وبكُلّ أسف وحُرقة أقول بأنَّهُ لَن يكونَ في نهايتهِ نور ؛ وذلكَ لأنَّ المُجتَمع يُبدِع في عقابِ أبنائه، لمُجرَّد أنَّهم يخشونَ مخاوِفهُم، وينظرونَ لها بعقلانيّة واتّزان . فتراهُ -أي المُجتمَع- يقذِف التُهمة تلوَ التُّهمةِ على مثلِ هؤلاء، فتارةً يقول عنهُم "عجَزة عن تحمُّل الحياة" وتارةً يقول عنهُم " أصغَر مِن أن يواجهوا تحدّياتِ الحياة" وثالِثة يقولون عنهُم " ليسوا جديرينَ بأن يعيشوا الحياة لا بالعرضِ ولا بالطّول " .لكن، نسيَ هذا المُجتَمع، المُنغلِق على ذاته، القابِع على العرشِ، دونما أيّ رقيبٍ ولا حسيب، أنَّ ما دخول أحَد أفراده في حالَة الخوف مِن الأنياب الحياة، التي لا تُرى، والتي لا يشعُر بها إلّا الفَرد نفسه، ما هي إلّا حالَة تمخَّضَت عن حالتهِ النفسيّة، وعن أوضاعِه المعيشيّة التي يعيش فيها، والتي رفضَ أن يبوحَ/يُصرِّح بها لأحَد ؛ لأنّهُ يعلَم بأنَّ هذا المُجتمَع قاسٍ في أحكامِه، ولا يُجيد فهم النفسِ البشريّة، بالشكلِ الصّحيح .


الخُلاصة: المُجتمَع ليسَ مسؤلًا عن كيفَ يعيش الفَرد حياته، وأنا هُنا لا أنكِر دور المُجتَمع بالمُطلَق، وإنّما أقصُد بأنّهُ ليسَ مِن حقّ المُجتَمَع أن ينتَقدَ حياة الأفراد، الخاصّة، وعليهِ أن يضعَ حدًّا لتدخُلهِ في تأسيسِ العقلِ الفرديّ، وعليهِ أن يستوعِب بأنَّهُ ثمّة أفرادَ يعيشونَ بكبتٍ نفسي، بسببِ المُجتمَع ونظرته القاصِرة، التي تُريد أن يكونَ الكُلّ قالِبًا واحدًا، ولا تقبلَ الإختلاف في المُجتمِع الواحِد، وعليه أن يَعي أيضًا، بأنَّهُ ثمةَ فجوات في نفسِ كُلّ فردٍ من أفراده، لم ولن يراها النّاس، وعلى الرّغمِ مِن مُحاولة هؤلاء الأفراد بالبحثِ عمَّن يُعينهُم لردمِ هذه الفجوات، إلّا أنَّهُم بقوا كالمُشرّدينَ على أرصفةِ المُجتًمع، ولا يلقونَ أيّ اهتمام .

وعليه، فيجب علينا عدم التدخُّل في شؤونِ الآخرين، ولنفهَم أنَّهُ ليس علينا تقيّيم بعضنا، فيما إذا كُنّا صالحينَ للحياةِ أو غير صالحين . وإذا لم يكُ بوسعنا أن نُقدِّم المُساعدة، فمِن الواجب علينا أن نكُفّ عن الأذى ؛ لأنَّ الأذى النفسيّ، فيهِ مِن التأثيرِ النفسيّ على الشخص، الكثير .
لنُسانِد ببعضنا، ولنتوقَّف عن التصيُّد لبعضنا، ولنتوقَّف عن إلتهامِ بعضنا البَعض، ولنضَع حدًّا لإطلاق الأحكام الجاهِزة على مَن يُحيطونَ بنا، ولنُكسِّر بنادِقنا التي توجِّه رصصات اللّوم والنّقص لمَن خذلتّهُم الحياة، ونحنُ لا نعلَم عن ظروفهم أيّ شيء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة -هيومن رايتس ووتش- توثق إعدام 223 مدنيا شمال بوركينا ف


.. بعد فض اعتصام تضامني مع غزة.. الطلاب يعيدون نصب خيامهم بجامع




.. بينهم نتنياهو و غالانت هاليفي.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة


.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا




.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د