الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساهمة دول الجوار في تغيب نظام 14 تموز (1-6)

عقيل الناصري

2021 / 9 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ساهمت كل دول الجوار الستة في التعاون فيما بينها مع اختلاف النسب، أو بصورة منفردة في الحوادث الانقلابية في العراق 1963 بصورة خاصة، وحاولت إيجاد حجة للتدخل العسكري أو من خلال التبني للحركات الانقلابية والمساهمة في تموليها ماديا ومعنوياً، وبالأخص ساهمت الجمهورية العربية المتحدة بقيادة عبد الناصر، قبيل الانفصال وبعده، في عدة أنقلابات عسكرية. وفي جملة المؤامرة التي حكيت ضد العراق.
علما بأنه ابتداء من 23 كانون الأول ديسمبر 1958، شرع المخططون الأمريكيون يكثرون الحديث عن أمكانية التقارب مع عبد الناصر ودعمه في المحاولات اللاحقة لإسقاط قاسم وتنصيب حكومة معادية للشيوعية. وكان عبد الناصر قد فاتح عناصرهم في القاهرة وبدا أنه يريد استطلاع القضية. وخلال الشهرين التاليين كانت تجري تبادل المذكرات، وعُقدت الاجتماعات مع عبد الناصر ويبدو أن تفاهماً من نوع ما قد تحقق في التآمر على سلطة 14 تموز، بحجة أن النظام كان تحت سيطرة الشيوعيين.
"... وفي شتاء 1959 أخذت العلاقات بين العراق وجيرانه تتدهور وتزداد سوءاً وتزايد قلق هذه الاقطار بشأن تفاقم الوضع الداخلي بعد( فشل – الناصري) محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم وتحشد على حدود العراق من جهة الأردن وسورية وإيران ... وكان العراق يشعر بقلق بالغ بسبب الزيارات المتبادلة بين الرؤساء والسياسيين في الاقطار المجاورة وكذلك بسس التقارير التي تفيد بحصول تحشدات للقطعات العسكرية على الحدود العراقية الايرانية... وقال حديد أنه لا يميل إلى الأخذ بصحة ما ورد بتصرح الملك حسين (بشأن اضطراب الوضع في العراق واحتمال تدخل الأردن) بشكل جدي ، ولكن من الصعب جداً أن تجعل من العراق يصدق أن الملك حسين يدلي بشأن هذا التصريح دون أن يحصل على الموافقة المسبقة لبريطانيا، وقد أنكر السفير وجود تحشدات عسكرية على الحدود العراقية ... من الصراع الحاد والمرتجل حول شعاريْ الوحدة الفورية أو الاتحاد الفيدرالي، فقد كان المطلوب تعزيز وتقوية أواصر الثورتين إلى أبعد الحدود... ".
لقد انعكست ظروف الصراع داخل قمة السلطة في العراق، وبينها وبين كتل الضباط الأحرار، نزولا إلى الشارع السياسي وأحزاب جبهة الإتحاد الوطني، في تفكيك وتشتت عرى قوى {الكتلة التاريخية} للقاعدة الاجتماعية لنظام 14 تموز، كما اعتقد، والتي فجرها عوامل عديدة داخلية وخارجية اهمها تمحور حول الموقف من ماهية الصيغة التي يمكن تبنيها من مسألة الاتحاد بين العراق والعربية المتحدة، وحدة فورية أم اتحاد فدرالي، بحكم التباين في الآراء حول هذا الموضوع السياسي بإمتياز ولا نستبعد الرؤى الذاتوية والأنوية له للقيادة المصرية وبخاصة جمال عبد الناصر، والتي في بعض جوانبها كانت انعكاسا لموقف قوى خارجية.. لأجل القضاء على ثورة تموز. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية: فقد لعبت "... الناصرية، كإتجاه سياسي في الحكم، لعب دوراً سلبياً في موضوع الديمقراطية لا على مستوى مصر فحسب، بل على مستوى البلدان العربية كلها، وخاصة في العراق. إذ لم يترك هذا التيار أي مجال للشعب في التفكير بهدوء وشدد من طرحه لشعارات وحدوية غير ناضجة قادت إلى توترات شديدة في الساحة العراقية ودفعت بالآخرين إلى طرح شعار الإتحاد الفيدرالي، مما تسبب في معارك لم تكن مناسبة لتعزيز الحياة الديمقراطية في العراق... ".
وفي هذه الأثناء"... وصلت إلى الزعيم معلومات تؤكد وجود أتصالات مستمرة بين عبد السلام والرئيس المصري جمال عبد الناصر، فأدرك الزعيم أن المؤامرة على الثورة ستكون من خارج حدود الوطن، وكانت لدى الزعيم معلومات أكيدة عن وجود خطة يعدها عبد السلام مع ضباط مصريين الإنقلاب على الثورة، وبدأ الزعيم يشعر بأهمية التركيز على مواجهة هذا التحدي الخارجي وتحديدا من مصر... " الناصرية.
وكان عبد الناصر في نهاية الخمسينيات في قمة أنويته والذاتوية، وبخاصة بالنسبة لثورة 14 تموز وشخصية الزعيم قاسم. إذ لعب دورا سلبيا في إجهاض الديمقراطية والتدخل في الشؤون العربية وبخاصة في العراق. ولعل أخطر ما في الموضوع قد تعاونت وكالة المخابرات الأمريكية "... واستمروا في سياسة العمل من خلال عبد الناصر, ولعلهم بدأوا بتمويل المخابرات المصرية سراً في هذا الوقت. ويؤكد مراسل وكالة (يو بي أي) للشؤون الأمنية ريتشاد سيل أن وكالة المخابرات المركزية كانت تتعاون مع الاستخبارات المصرية قبل محاولة الإغتيال الفاشلة ضد قاسم في تشرين الأول/ اكتوبر 1959... ". وهذا ما أشار إليه الزعيم قاسم، بصورة غير مباشرة، في آخر مقابلة مع أدور صعب والذي نشر في جريدة اللموند الفرنسية يوم 5 شباط 1963.. بالتهديد من قبل سفارتين في بغداد وعني بالسفارتين التابعتين لكل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
أما دور العربية المتحدة في التآمر على العراق بحجة الشيوعية، فلم تكتفي على الدعم العسكري والمعنوي في كل: من مؤامرة رشيد عالي الكيلاني، وانقلاب الشواف، وفي عملية الإغتيال لعبد الكريم قاسم، كما سيأتي لاحقاً، وغيرها من المؤامرات، بل الأكثر من ذلك تحدث وصرح عبد الناصر اثناء محادثات الوحدة في آذار – نيسان سنة 1963وقال: "... اننا دفعنا من أجل القضية القومية في العراق 70 ألف جنيه من أواسط سنة 1958 إلى نهاية سنة 1958، دفعت الجمهورية هذا المبلغ لمساعدة عناصر قومية مناضلة تتحمل مسؤوليات نضالها... ".
وفي تطور آخر، يذكر هاني الفكيكي قائلاً: "... وذهبت فعلاً إلى القاهرة واخضعنا لدورة تدريب على اجهزة الارسال والبث والاستلام دامت اسبوعين. انزلنا خلالهما ضيفين في فندق هيليوبوليس في مصر الجديدة، ثم في أحد الشقق. بعد الدورة قابلت الرئيس عبد الناصر مرتين... والثانية عندما تسلمت مبلغ 30 ألف دينار من عبد المجيد فريد الذي بات مدير المكتب الخاص لعبد الناصر . يومها أعدّ لي فريد ايصالاً بتسلم المبلغ ينص على انني مثل حزب البعث في العراق ومندوب قيادته القطرية، وانني تسلمت ما تسلمته كمساعدة من قيادة العربية المتحدةللحزب في العراق. رفضت في الحال توقيع أي ايصال من هذا النوع مبديا استعدادي للتوقيع بصفتي الشخصية، فعندما سألني فريد عن السبب واعمني ان هذا ما اتفق عليه مع خالد علي الصالح، شرحت له انني لا اريد التوقيع على وثيقة يمكن ان يدان بها الحزب مستقبلاً في حال الخلافة مع القاهرة... ".
وفي الوقت نفسه "...كانت المخابرات المركزية لديها علم سلفاً بتمرد الموصل في آذار/ مارس 1959 في العراق. فقد ارسل أيزنهاور تقريراً إلى واشنطن في 28 شباط/ فبراير يشير إلى أنه من المقرر القيام بإنقلاب تنفذه عناصر في الجيش العراقي مدعومة من عبد الناصر في الفترة الواقعة بين 2 و5 آذار/ مارس. وخلال اجتماع مجلس الأمن القومي في 5 آذار/ مارس، قال مدير وكالة المخابرات المركزية دلاس أن: هناك تقارير تستمر في الوصول إلينا تحكي عن مؤامرات تحاك ضد رئيس الوزراء قاسم. وسواء أكانت هذه المعلومات صحيحة أم لا، فإن الوضع في العراق يتطلب أقصى درجات الاهتمام من الولايات التحدة يملي على الولايات المتحدة الاتصال بعبد الناصر لمواجهة النتائج المحتملة. ويتابع السيد دلاس قائلاً: يبدو إننا نواجه خيارا بين الشيوعية أو الناصرية وإن الأخيرة تبدو أهون الشرين ... " .
والطامة الكبرى "... كانت الولايات المتحدة على معرفة بمخطط الإغتيال (للزعيم قاسم – الناصري) والمؤامرة الانقلابية منذ 24 أيلول/ سبتمبر. وبحسب ريتشارد سيل، فأن أمريكا كانت أكثر من مطلع، فقد تعاونت وكالة المخابرات المركزية مع المصريين في تمويل محاولة الإغتيال وتنظيمها في 7 تشرين الأول/ اكتوبر 1959. وخولت الوكالة، بحسب رواية سيل، فريق الإغتيال يضم ستة من عناصر حزب البعث بينهم نصير شاب أسمه صدام حسين. وأسكن صدام في شقة في بغداد تطل على شارع الرشيد مباشرة مقابل مقر قاسم في وزارة الدفاع العراقية لرصد تحركاته.
وكان عميل السي آي أي، المكلف بالاتصال مع صدام طبيب أسنان يعمل لحساب المخابرات المصرية، التي كانت تتعاون مع الامريكيين لإسقاط قاسم بسبب وقوفه ضد الأماني القومية للشعب العراقي في الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة. وكان صدام يقبض الأموال من الرائد عبد المجيد فريد معاون الملحق العسكرية في السفارة المصرية، الذي كان يدفع ايجار الشقة من حسابه الشخصي.
حُدّد موعد الإغتيال بيوم 7 تشرين الأول/اكتوبر، لكن المحاولة باءت بالفشل. ويتفق غالبية المؤرخين على أن صدام أنفعل أو فقد أعصابه وبدأ يطلق النار قبل الآوان. فقد كان من المفترض إلا يطلق صدام الرصاصة الأولى وإن يقوم بدور الأسناد. قتل سائق قاسم، لكن قاسم نجا من الموت بالانبطاح على أرضية السيارة. وبحسب سيل، فإن صدام فر إلى تكريت بمساعدة وكالة المخابرات الأمريكية والاستخبارات المصرية، ثم عبر صدام إلى سوريا وقام عملاء المخابرات المخبارات المصرية بنقله إلى بيروت. وأثناء وجود صدام في بيروت كانت وكالة المخابرات المركزية تدفع ايجار شقته وعمدت إلى إدخاله في دورة تدريبة قصيرة، ثم ساعدته في الوصول إلى القاهرة... ".( التوكيد منا – الناصري).
ويؤكد ذات المؤلف ويليام زيمان القول: "... لقد كانت وكالة المخابرات الأمريكية ضالعة بصورة مباشرة في محاولات إغتيال استهدفت عبد الكريم قاسم عام 1960، وربما حتى في عام 1959، وجاء حزب البعث إلى السلطة في عام 1963، على حد قول أحد الوزراء على متن قطار أمريكي... ". ويضيف المصدر ذاته إلى نشر ويليام بلوم في كتابه: دليل إلى القوة العظمى الوحيدة في العالم. حيث يضيف فيه بلوم"... إضافة مهمة إلى التدوين التاريخي عن طريق ما ينقله من تقارير تتعلق بوثائق رسمية بريطانية تكشف عن دعم بريطاني للحكومة البعثية الجديدة في عام 1963... ".
وبهذا الصدد يشير حازم صاغية في كتابه بعث العراق، إلى أن "... البعث الذي في آب/ اغسطس أنتقد ذاتيا محاولة الاغتيال التي أقدم عليها، بل نقد نهج الاغتيال برمته، محملاً مسؤوليته إلى الركابي (بعد طرده من الحزب بسبب ميله إلى التيار الناصري - الناصري) وضمنا إلى قيادة الجمهورية العربية المتحدة، لم يتردد في اختيار الانقلاب العسكري بديلاً هكذا، بدل ان يطهر الجرح طهر السكين، فتمسك بأولويته المعطاة للمهارات التنظيمة والتآمرية ، مكتفياًبإحلال الانقلاب حيث حلت التصفية الفردية... " لكن في الحقيقة دللت الوقائع التاريخية، إن حزب البعث أتبع كلا الطريقتين.. الانقلابية العسكرية والإغتيال الفردي، وخير دليل نسوقه لقوى المعارضة، في السنوات الأخيرة من تربعه على السلطة. وقبل ذلك الاغتيالات الفردية التي جرت في الموصل وكركوك وبغداد.
وعلى سبيل المثال أن فؤاد الركابي في كتابه الحل الأوحد، يتهم القيادة القومية بشخص أمينها العام ميشيل عفلق، وكتب المقدمة هارون محمد ويقول:"... في وقت سعى الانقلابيون في بغداد، وبضغط من مرجعيتهم السياسية المتمثلة بقيادة ميشيل عفلق إلى التهرب من مسئوليتهم، والتمويه على أدوراهم، وتبرئة أنفسهم مما حدث. ووصل النفاق السياسي بكثير منهم إلى اعتبار الركابي وحده صاحب القرار في تلك العملية، في محاولة مكشوفة للإساءة إليه بعد أن تغيرت الظروف والأوضاع وتشويه مسيرة البعث ومنطلقاته وقياداته وكوادره وأعضاءه، عندما كان الركابي المسئول الأول فيه... ".


- تاريخ الوزارات في العهد الجمهوري، ج. 3، ص. 400، مصدر سابق.
2 - د. عزيز الحاج، ابو هريرة الموصلي- ذو النون أيوب وسيرته، ص. 78، الريس، لندن 1990.
3- د. كاظم حبيب، لمحات من عراق القرن العشرين، ص.163، مصدر سابق.
4 - على جاسم السواد، القائد المجهول لثورة 14 تموز 1958، ص. 127، النهضة العربية ودرابين الكتب،بيروت 2019.
5 - ويليام زيمان، التدخل السري، ص. 62، مصدر سابق.
6 - راجع كتابنا، ثورة 14 تموزوعبد الكريم قاسم في بصائر الآخرين، مصدر سابق، ص.369.
7- تاريخ الوزارات في العهد الجمهوري، ج.2، ص.112، مصدر سابق.
8 - هاني الفيكيكي، اوكار الهزيمة، ص.161، مصدر سابق.
9 - ويليام زيمان، التدخل السري ، ص. 55.مصدر سابق.
10- المصدر السابق، ص.63.
1 - المصدر السلق، ص. 17.
12- المصدر السابق، ص. 32.
13- حازم صاغية، بعث العراق سلطة صدام قياماً وحطاماً،ص.27، دار الساقي، ط.1، لندن 2003.
14 - الشهيد فؤاد الركابي، الاعمال الكاملة، ص. 27، المركز العربي الدولي للإعلام، القاهرة 2005.
15 - يكتب إسماعيل العارف بقوله "... اختمرت فكرة تصفية عبد الكريم قاسم في ذهن سكرتير حزب البعث العربي الاشتراكي فؤاد الركابي آنذاك بعد خروجه من الوزارة في 7 شباط/ فبراير 1959مع الوزراء القوميين والمعارضين لسياسة الزعيم عبد الكريم قاسم. وزاد التصميم على تنفيذ الفكرة بعد سحق حركة العقيد عبد الوهاب الشواف الذي اعقبه شن حملة عاصفة، من قبل الحكومة ضد القوميين والبعثيين بالرغم من عدم اشتراكهم في تلك الحركة. وقد أعتبر سكرتير الحزب اغتيال عبد الكريم قاسم (الحل الأوحد) ولا حل غيره. وأيد الفكرةالعقيد رفعت الحاج سري مدير استخبارات العسكرية في زمن عبد الكريم قاسم في اجتماع عقد بينه وبين فؤاد الركابي قبل حركة الشواف...". أسرار ثورة 14 تموز، ص. 385، مصدر سابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث


.. بوركينا فاسو تطرد دبلوماسيين فرنسيين في خطوات لتصفية الوجود




.. الرئيس الإيراني: عملية الوعد الصادق كانت خطوة ضرورية وتعتبر


.. لماذا غرقت دبي في الفيضانات؟




.. مقتل اليوتوبر العراقية الكردية غيروز أزاد في إربيل رميا بالر