الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقتباسات وسائل التواصل الإجتماعي وليدة الثقافة العامة الخادعة!

ردوان كريم
(Redouane Krim)

2021 / 9 / 20
الادب والفن


هل نحن بحاجة إلى هذا الكم الهائل من المقولات و الإقتباسات التي نلتقي بها يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي؟!
لو عدنا إلى ما قبل الثورة التكنولوجية و عالم الأنترنات لوجدنا أن في الماضي القريب كان الأدباء، الناشرين، و المحررين يلجئون إلى إقتباس مقولات شهيرة لعظماء الأدب لتوجيه القاريء قبل مقدمات كتبهم أو لإضفاء الحكمة و المغزى للجانب الجمالي لإهداءاتهم على تلك الكتب. كم من مرة إلتقينا بإقتباسات قليلة في خطابات سياسية و ثقافية أظافت جمالا و رونقا لها، مثلما عرفنا الإقتباس في الفلسفة و بعدها في الأبحاث العلمية و الدراسية لتأكيد فكرة ما كدليل أو حجة، دعما أو شرحا لها، أو حتى بناء فكرة أخرى جديدة إنطلاقا منها. و لعل أغلبنا سمع الطلاب يتخوفون من إرتفاع نسبة الإقتباس في مذكرات تخرجهم و الأصح أن يغلب إنتاجهم الفكري على العنعنة (أي الإقتباس عن فلان أنه قال). نسل بعد نسل رحل ذلك الجيل المفكر بنفسه لنفسه، المؤمن بشخصيته و قوة أفكاره. إكتسح العالم خريجي الجامعات المهذبين، الذين تم توجيههم و تكوينهم بالإعتماد على أقوال و أفكار الأجيال السابقة. متعلمين يعبرون عن أفكارهم و مشاعرهم بأقوال مأثورة معتقدين أنها البلاغة طالما أن الجامعات أخبرتهم أن الأدب المعاصر وصل إلى ذروة الإنتاج الأدبي. حينها طغى الفكر الأكاديمي العلمي و الأدبي على الخطابات اليومية حتى أصبحت الناس لا تحسن التفكير لوحدها دون اللجوء إلى أقوال عظماء البشرية، مهملين لواقع حياتهم الحاضرة، وعيهم المبني على تجاربهم، إدراك عقلهم و منطقهم الخاص.
لا يهم إذا كانت المقولة صحيحة أم سخيفة بقدر ما هو مهم من هو صاحبها. فيكفي أن تستدعي الكاتب الفلاني أو القائد التاريخي العلاني حتى يصدق قولك دون التحقق منه. مثلما تفعل بعض الطوائف الدينية المستغلة لنصوص دينية في مواضع غير محلها لإثبات صحة زور معتقداتهم، إذ لا تناقش الناس الرغبة الإلهية. و هنالك من يعتقد أن الإستدلالات الزائدة عن اللزوم هي درجة راقية من الوعي و التمكن من موضوع ما وعليه صاحبه يؤخد على أنه متعلم خبير في ذلك المجال، رغم أن ذلك يعد ضعف لغوي و فكري للخطاب المقروء أو النص المكتوب. و أحيانا كل ذلك الإستدلال بالإقتباسات يدل على قلة الحجة و ندرة الرأي و التبرير و الرضى المبني على الترديد و إهمال العقل.
نجد على وسائل التواصل الإجتماعي عدد هائل من الإقتباسات. أحيانا تنسب لغير أصحابها و بين الفينة و الفينة تستعمل في غير محلها، و في أغلب الأحيان تردد دون مصدر. في كل مجال تجد صفحات خاصة بالإقتباسات و هي تعبر عن الحالة النفسية و الفكرية لناشرها أو مجرد جمع و نشر لها من أجل ليكات و زيادة في عدد المتابعين. و لا تعبر أبدا عن المستوى الفكري لناشريها و لا تزيدهم معرفة أدبية. و في نفس الوقت لا تساعد و لا تدعو للقراءة طالما أن هذه الإقتباسات تلخص أجمل العبارات و الجمل و أكثرها قوة فكرية و عندما يعود القاريء إلى الكتاب لا يجد كل الكتاب بنفس قوة التعبير و الخيبة تبعده عن مواصلة القراءة و الحقيقة أن أهم ما يوجد في الكتب ليس تلك الجمل و الفقرات المقتبسة بل كل الفهم و المعرفة تكمن في ما يربط النص الكامل و حبكته المتناغمة.
في عهد الثورة التكنولوجية لم تعد الناس تهتم أكثر بالأدب مثل الماضي، ولم يعد الجيل الجديد يهتم بالأدب و الفلسفة، و أصبح فن الخطابة ضعيفا، و الإقتباسات في الحياة اليومية نادرة لإبتعاد الناس عن القراءة و إهمال الجانب اللغوي بسبب تسهيلات وسائل التكنولوجية للتعليم عبر تقنيات، إستخدامات، و خدمات و برامج الإنترنيت. و بالتالي الضعف اللغوي تم تعويضه على وسائل التواصل بتلك الإقتباسات.
الإقتباسات مهمة على وسائل التواصل الإجتماعي في بعض المجالات كالتعليم و تدريس اللغات، تطوير الذات و التشجيع لا أكثر و أما الذات الواعية تعود إلى الكتاب فهو الأصل و المصدر. الكم الهائل من المقولات و الإقتباسات يملأ دماغ القاريء بمعلومات غير منظمة و غير مؤكدة، متعارضة و غير موسعة. بحيث تجعل القاريء يملأ عقله بأفكار غير كاملة عن مواضيع متعددة و متشعبة و في نفس الوقت لا يتقن ولا موضوع، و عليه تكديس الإقتباسات تمنح صاحبها ثقافة عامة خادعة إذ يعتقد أنه يعلم شيئ عن موضوع ما و هو يجهل الكثير عنه عن غير دراية. يردد بعض المؤمنين مقولة للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه مفادها :
" في بعض الأحيان الناس لا تريد أن تسمع الحقيقة لأنها لا تريد أن تتحطم أوهامها"
طبعا هذه العبارة يمكن إستعمالها في عدة مواضيع كونها ذات طابع إنثنائي مثل العجينة تتصرف بها لتصنع ما تشاء، و لكن لو عدنا إلى مصدر هذه المقولة و الموضع الذي قالها نيتشيه فيه نجد أنه ذكرها في كتابه " ما وراء الخير و الشر " و يقصد بها أن كل المعتقدات الدينية الثابتة مجرد أوهام من خيال الإنسان، صنعها ليحتمي من فكرة الموت و العدم بعد ذلك. و لكونه لا يجد تعويض مادي و تفسير منطقي للألام التي يعيشها، خلق العالم الأخر و فكرة الخلق بحد ذاتها ، و منح كل الصفات الخيرة للخالق من قوة و رحمة و غيرها التي يتمناها و يفتقدها في شخصه، و مع مرور الزمن أصبح من الصعب إقناع المؤمن بأن ما يعتقده و يمنح له الطمأنينة و الراحة النفسية مجرد خيال و تصور. و يعتقد نيتشيه أن أغلب الناس ترفض سماع هذه الحقيقة كي لا تتحطم أوهامهم. و هذا الإقتباس تجده في كل مكان في غير موضعه و من قبل مؤمنين لا يدركون أصل العبارة هي فكرة ترفض الدين الذي يؤمنون به و يستمدون منه جل أفكارهم و أفعالهم. و عليه الإقتباس من غير مصدر و دون فهم سبب القول يضر بصاحبه أكثر من ما ينفعه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا