الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 1/ 4

داود السلمان

2021 / 9 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقدمة
لا يخفى على المُطلع على ما قدّم، جوستاف لوبون، من منجز ابداعي في مجال السياسة وعلم النفس الجماهير والتاريخ، ولعل من اهم ذلك هو كتابه "سيكولوجية الجماهير" فضلا عن غيره من مؤلفاته الاخرى، والتي سنذكرها في هذا المبحث.
ثمة الكثير من تبنى افكار لوبون، سواء السيكولوجية أو السياسية، واعد تلك الافكار نضوج فكري وابداعي تصب في اروقة المجتمعات، سواء كانت تلك المجتمعات التي عاش في كنفها لوبون أو حتى في واقعنا المعاش اليوم؛ كما أن له اعداء، ومما لا شك أن العالم والفيلسوف والكاتب الناجح، بل وحتى الذي يتصدى للسياسة، سيخلق له اعداء، بغض النظر عن طبيعة هذا "العداء" وهو ما يسميه البعض بـ "ضريبة النجاح". فلوبون قد اتُهم بأنه كان فاشيا او يروّج للفاشية، وغير ذلك، وهناك من دافع عن الرجل، وتصدى لتلك الآراء والاقوال التي تعرضت له بالقدح.
نعم، لوبون كغيره من المفكرين الكبار تعرض الى النقد والانتقاد، لكن مع ذلك فقد ظلت افكاره ونظرياته التي طرحها مرجع لتبني تلك الافكار، وللاقتباس والطرح والمناقشة الجادة في معظم الاطر التي خاض فيها لوبون.
فمن المآخذ التي أخُذت على لوبون، هي أنه مال الى العرب، من خلال بعض كتاباته، ومنها كتابه "حضارة العرب" حيث اقر لوبون بأن للعرب حضارة لها تاريخ عريق، وانهم قدموا ما قدمو للفكر الانساني، والذين يميلون لغير هذا الرأي لا يقرون بذلك أو بمعنى آخر يشكون في ذلك؛ وبالتالي فالعرب اعدوا لوبون بأنه كاتب ومفكر منصف لا يميل ولا يزيغ عن جادة الحق، فضلا عن كونه مطلع على العديد من الحضارات والفلسفات الاخرى، اطلاع مدقق محقق، ومنها (تلك الحضارات) حضارة الهند وحضارة اليهود وحضارة اليونان، حيث كتب في هذا الخصوص كما كتب للعرب ولغيرهم.
وفي هذا البحث نحاول أن نسلط الضوء على شيء من فكر لوبون.
1: هل ثمة اوهام علمية؟
يرى لوبون وهو يعالج قضية ما اسماها بـ "الاوهام العلمية" أنه يتعذر تكرير جميع التجارب، ولذلك يبقى مبدأ نفوذ العالم وتأثيره مرشدنا الأساسي؛ فالناس يؤمنون بالعالِم الذي اكتسب من مقامه العلمي نفوذًا كبيرًا، فيظنون أنه لا يأتي بمزاعم مختلَّة يتعرض فيها للتكذيب. والمقصود ليس جميع الناس من يؤمن بذلك، لأنه الناس متفاوتين في الثقافة والمعرفة.
ويوضح لوبون السبب إن العالم لا يخبر بشيء يراه غير صحيح، غير أن الوهم قد يتطرّق إليه بتأثير التلقين، فيظن الأضاليل التي أملتها عليه مخيلته حقائق، وأكبر دليل على ذلك حكاية أشعة (N) التي كان أشهر علماء الطبيعة يقيسون انحرافها، مع أنه ثبت بعد ذلك أنه لا أساس لتلك الأشعة.
وعليه يفسر لنا لوبون السهولة التي تستحوذ بها الأوهام على النفوس إزاء حوادث لا تنالها يد التحقيق إلا قليلًا، ثم يختار أمثلة تشاهَد في العلماء وحدهم؛ لأثبت أنه بتأثير النفوذ والتلقين والعدوى يحدث في جميع الناس، ومنهم أولو المدارك السامية، معتقدات وآراء مختلة.
ومن هذه الامثلة التي يؤكد عليها لوبون في كتابه "الآراء والمعتقدات" يقول والأمثلة المؤثرة الضلالُ الذي وقع فيه أعضاء المجمع العلمي منذ أربعين سنة، وحمل (ألفونس دوده) على هجو ذلك المجمع في رواية سماها «الخالد»، فقد نشر هذا المجمع مئات من الرسائل التي نسبها أحد المزورين قصيري الباع في الأدب إلى (باسكال) و(غليله) و(كاسيني) وغيرهم، وحازت القبول مع ما فيها من الأغلاط الكثيرة والسقطات الكبيرة؛ نظرًا لنفوذ المؤلفين المنسوبة إليهم، ونفوذ المهندس العالم الذي عرضت بواسطته، ولم يشك أعضاء المجمع حتى سكرتيره في صحتها، وظلوا على ذلك حتى اعترف لهم المزوِّر بأنه هو الذي لفَّقها، وحينئذ زال النفوذ، وأعلنوا أن أسلوب الرسائل ركيك جدًّا بعد أن عدوه من أفصح الأساليب، وقالوا: إنه خليق بأولئك المؤلفين – بحسب تعبير لوبون.
ويضرب لوبون لنا مثل آخر، يقول ظن أحد أساتذة الحكمة الطبيعية المشهورين الموسيو (بلوندلو) أنه شاهد كثيرًا من الأجسام تنشر أشعة خاصة نعتها بأشعة (N)، يمكن قياس تموجها بضبط ودقة، وبما أن العالم المذكور ذو نفوذ كبير سلَّم أكثر علماء فرنسا بصحة زعمه غير مجادلين (وهذا خطأ كبير). وقد كرروا التجربة ذاتها بأنفسهم فرأوا صحة ما تلقنوه، ثم إن مجمع العلوم رأى أن يكافئ صاحب ذلك الاكتشاف الخطير فأوفد كثيرًا من أعضائه إلى المكتشف كي يحققوا عنده صحة مباحثه، فعادوا مشدوهين بما شاهدوه منه، ومنحه المجمع جائزة قدرها خمسون ألف فرنك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية