الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسرى الستة حفروا عميقا في وعينا

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 9 / 20
أوراق كتبت في وعن السجن


نهاد أبو غوش
لم يكتف الأسرى الستة بحفر نفق في المستحيل لكي يتمكنوا من تنسم هواء الحرية ولو لفترة محدودة، ولكنهم حفروا أسماءهم عميقا في سجل المجد وفي الذاكرة الوطنية الفلسطينية ولدى كل أحرار العالم، محمود العارضة، ومحمد قاسم العارضة، وزكريا الزبيدي، ويعقوب قادري، ومناضل انفيعات، وأيهم كممجي، وأضيف لهم سابع هو العريس عبد الرحمن أبو جعفر الذي آوى مناضل ويعقوب في منزله لأيام، فاعتقل مع زميليه.
على المستوى الوجداني والفردي، أصيب ملايين الناس بالخيبة وانتابتهم مشاعر الاحباط والسلبية من انتهاء هذه القصة البطولية على هذا النحو، وانتشرت تفسيرات شتى لكيفية القاء القبض على الاسرى الذين اجترحوا عملية إعجازية من خلال اجتيازهم المراحل الأكثر صعوبة، ولكنهم أخفقوا في اجتياز المراحل التي يفترض أنها الأسهل. ومن التفسيرات التي طرحت قضية التنسيق الأمني مع السلطة ( مع عدم وجود اي دليل عن علاقة هذا التنسيق بإعادة اعتقال الأسرى) وانتشار العملاء والجواسيس ( مع ميل للمبالغة الشديدة وهو ما ينسجم تماما مع ما يروجه المحتل)، إلى افتراض سيطرة إسرائيل المطلقة على الأرض والجو، وخذلان الفصائل والتنظيمات وعدم وجود حاضنة شعبية. لا شك ان إسرائيل تملك سيطرة كاملة على الأرض ولديها وسائل تكنولوجيا متطورة، وقد جرى الكشف عن بعض الأشرطة التي تسجل حركة الأسرى اثناء تنقلهم، وهنا لا بد من الإشارة ألى وجود أخطاء بشرية واضحة ومعلنة، ومنها اجتماع الأسيرين انفيعات وكممجي في منزل واحد ليلة القبض عليهما، وقيام واحد من الأقارب بزيارتهم ويفترض أن كل الأقارب كانوا قيد المتابعة والمراقبة، بالإضافة إلى بقائهما في مدينتهما ومحافظتهما (جنين) ، وغياب اي مساعدة خارجية ذات شأن، إلى ذلك لا ننسى أن دولة الاحتلال جندت عشرات آلاف جنود والأجهزة الأمنية والوحدات الخاصة والتكنولوجيا والاستخبارات لتعقب الأسرى ومطاردتهم بينما اعتمد الأسرى على قواهم الذاتية ومداركهم الشخصية للجغرافيا واتجاهات الطرق.
المصير الفردي مهم، كما هي مهمة حياة كل إنسان على هذا الكوكب، ولكن من المهم أيضا الإشارة إلى أن ما حفره الأسرة الستة في الوعي العام وفي مصير قضيتهم هو الأهم، فهم أعادوا بكل قوة طرح قضية الأسرى على رأس جدول أعمال شعبهم وحركتهم الوطنية وقياداتههم وعلى جدول أعمال العالم، كما اثبتوا مقدار ما يمكن للإرادة والإبداع الإنسانيين أن يفعلاه في مواجهة منظومة الأمن والعسكر والجبروت المدججة بكل أدوات القمع والتكنولوجيا والتي سخرت لها موازنات هائلة وموارد بشرية لا حصر لها وعتاد متقدم. كما أن هروبهم الأسطوري الكبير منح خيار المقاومة قوة دافعة ورفع معنويات الشعب، وكسر المعادلة التي يريد الاحتلال تكريسها وهي معادلة القوة المطلقة والتفوق المطلق للاحتلال مقابل ضعف الفلسطينيين الذين لم يبق أمامهم اي قدر سوى التسليم بدونيتهم وبهزيمتهم، والإذعان لإملاءات الاحتلال وشروطه السياسية.
واللافت أن 28 عاما من مسيرة المفاوضات والتسوية لم تفلح في زحزحة قضية الأسرى العامة ولا في تحريكها كما فعل أسرى نفق الحرية الذين هربوا من سجن جلبوع الحصين، فاتفاقيات أوسلو لم تأت على ذكر قضية الأسرى على الإطلاق، ولم تشر لها أدنى إشارة من قريب أو بعيد، وكل اللقاءات وجولات التفاوض والاتفاقيات اللاحقة تعاملت مع الموضوع باعتباره شأنا داخليااسرائيليا، وأمنيا بالتحديد، ولم تأت بالحرية لهؤلاء الأسرى الذين ظلت قضيتهم رهنا للحسابات والاعتبارات العنصرية الإسرائيلية ( من قبيل وضع معايير محددة من بينها رفض الإفراج عن أسرى على ايديهم دم يهودي) ، وظلت قضيتهم ورقة ابتزاز تسعى من خلالها إسرائيل إلى انتزاع تنازلات سياسية من القيادة الفلسطينية عن قضايا جوهرية وتحديدا في ملفات الاستيطان والقدس واللاجئين والوضع النهائي للأراضي الفلسطينية المحتلة. وما زال يرزح في السجون الإسرائيلية نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني بينهم أربعون امرأة ومئتا طفل وأكثر من خمسمائة معتقل غداري وعشرات الأسرى ممن قضوا ثلاثين عاما فاكثر. فقط عمليات تبادل الأسرى ( بواسطة حزب الله وحركة حماس وقبلها عمليات التبادل بواسطة الجبهة الشعبية القيادة العامة وحركة فتح نفسها) وكذلك عمليات التحرر الذاتي والهروب هي التي حركت الملف، بينما فشلت كل الوساطات والجهود الدولية وخطوات بناء الثقة، وهكذا أعاد الأسرى الستة، وهم مناضلون من اجل حرية شعبهم بالأصل، الملف الكبير والمعقد إلى مكانه الطبيعي وسياقه المنطقي وهو أن حرية الأسرى جزء لا يتجزا من حرية الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا