الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية المتحف المصري في عيد تأسيسه المائة والثالث عشر

زياد عبد المنعم عبيد

2021 / 9 / 21
كتابات ساخرة


كتبت هذا المقال ليس بهدف النقد أو الذم، إنما تم صياغته كصرخة أو استغاثة من هول الصدمة وحجم الفاجعة وعمق الحزن. ولا يمكن لأحد أن يقنعني بأن ما سيرد في هذا المقال يجب أن يوجه للسيد رئيس الجمهورية، ومن قبله رئيس الوزراء ومن قبله وزراء الآثار والثقافة والسياحة، ومن قبلهم رئيس قطاع المتاحف ومن قبله مدير المتحف ومن قبلهم جميعا رب هذه البلاد إنما هو إنذار حقيقي كي نتدارك سريعا الضرر الكبير والتدهور الذي لحق ومازال بأهم مقتنياتنا وأقيم ما يوجد من تراث إنساني وآثار أعظم وأهم الحضارات على كوكب الأرض.

منذ نعومة أظافري جذبني المتحف المصري وأسرني بنائه الرائع ولونه الملفت وموقعه المركزي، وعندما دخلت إليه سحرني محتواه الذي هو محتواي من آثار مصرية عريقة وتاريخ طويل من الإبداع والفن والتراث والخيال والعلم والإيمان والحرب والسلام والبناء والاختراع والقصص والحكايات التي تعبر عن آلاف السنين من تلك الحضارة التي هي مهد الإنسانية جمعاء. كنت أتلهف لرؤية كل تمثال وقراءة كل بطاقة تعريف وأقف أمام كل صندوق عرض حتى يحين موعد الإغلاق فأغادر المتحف وكأنني ظمآنا لا أكتفي فأعاود الكرة كلما أتيح لي الوقت. وقد ملأتني هذه الزيارات على مدار سنوات عمري بذخيرة حب لبلادي ومحتوى اعتزاز وكبرياء لا يمكن محوه أمام كل ما رأيت من تاريخ وتراث لثقافات وحضارات أخرى حول العالم، فلا شيء يضاهي هذه الحضارة مهما مر عليها الزمن واستجدت عليها الأحداث.

وبالرغم من وجودي بكنف المتحف منذ ما يقرب من عقد ونصف من الزمن، إلا أنني لا أمل من رؤيته يوميا بل أستمتع بالنظر إليه كلما أتيحت لي الفرصة، وأسعد بالتأمل في كل لحظة حظيت بها في أرجائه، ومن حين إلى آخر يناديني المتحف لزيارته فأهرول إليه بكل شغف وولع وكأنني ذلك الطفل الصغير الذي لم يره من قبل.

من أنت؟ الدخول إلى المتحف/الأمن/التذاكر/الاستقبال/المقارنة بالمتاحف حول العالم



منذ أيام قليلة كان الموعد السنوي لذكرى إنشاء وافتتاح هذا الصرح الحضاري العملاق الذي هو أحد أهم عناوين بلدنا المعاصر، والذي يعبر وجوده عن اهتمامنا وتقديرنا وفهمنا واستيعابنا لحاضرنا وماضينا وأصلنا وموقعنا من حضارات وثقافات وشعوب العالم. وبهذه المناسبة قمت بزيارة المتحف وأنا متلهف لرؤيته، فلم أقم بزيارته منذ عام 2010. وقد سمعت وشهدت أحداثا عديدة كان المتحف فيها هو المسرح وقلب الحدث. مع اقترابي لمبنى المتحف أخرجت تليفوني المحمول لأخذ بعض الصور للمبنى العتيق كما فعلت دائما، وعلى الفور لاحظت أفراد الأمن عند بوابة المتحف يرمقونني وكأني أرتكب خطأ جسيما، وقد ترجم هذا سريعا بأن طلبوا مني أن أبرز بطاقتي الشخصية (الرقم القومي) وسألني الضابط الصغير سنا ما هي وظيفتك ولماذا أتيت إلى المتحف؟ تعجبت كثيرا لهذا الاستجواب فلم أعهد على أفراد الأمن سؤال زوار المتاحف عن سبب الزيارة؟ وعن مهنة الزائر؟ خاصة وأنا كنت في أفضل هندام وكنت أرى أناسا آخرين يدخلون إلى المتحف بدون استيقاف. وبعد التعامل الأمني الوجيز دخلت إلى البوابة حيث كانت توجد بوابة الكترونية طلب مني أن أفرغ جيوبي من المعادن ثم طلب مني للمرة الثانية إبراز تحقيق الشخصية وهو ما وجدته مبالغا فيه ولكنني لبيت كل الإجراءات الفظة حتى أدخل إلى فناء متحفي المفضل. بعدها توجهت إلى شباك التذاكر لأشتري تذكرة دخول حيث توجد مجموعة من التذاكر بأسعار مختلفة تبعا لكونك مصري أو غير مصري، طالب أم زائر عادي الخ... ولقد رمقني الرجل خلف الشباك محاولا التعرف علي كي يبيع لي التذكرة المناسبة حتى تلفظت باللغة المصرية طالبا منه تذكرة واحدة وسائلا عن قيمة السماح بكاميرا تصوير حيث كان هذا النظام المتبع لسنوات عديدة في الماضي. أجابني موظف الشباك بأنه لا يسمح بالتصوير مطلقا الآن ثم طلب مني عشر جنيهات مقابل التذكرة لمصري. وقد أدهشني منع التصوير المطلق فرغبت في المزيد من الاستفسار حول أسباب المنع خاصة وأن جميع أجهزة الاتصال الحديثة أصبحت مزودة بكاميرات متطورة وأن غالبا ما يود معظم زوار المتحف من التقاط صورا مع أهم المقتنيات، فضلا عن رغبة الكثير منهم لالتقاط صور شخصية (سيلفي) مع التماثيل والقطع المشهورة كما هو الحال في كل متاحف العالم. (متحف اللوفر في باريس يسمح بالتقاط الصور حتى مع صورة الموناليزا الشهيرة للفنان ليوناردو دافينشي، والمتحف البريطاني يسمح بالتقاط الصور في كل أرجائه والمتاحف الكبرى في الولايات المتحدة كذلك!!!) أما نحن ومع تقلص السياحة والانخفاض الهائل في أعداد السائحين فقد قررنا التضييق أكثر ومنع التصوير وجعل زيارة المتحف مخيبة للآمال أكثر، وكأننا لا نريد للزوار حتى التقاط بعض الصور التذكارية ومساعدتنا من خلال الدعاية الشخصية التي ممكن أن نحظى بها على مواقع التواصل الاجتماعي مثلما يفعل زوار الأماكن التراثية والحضارية في شتى أنحاء العالم.

وقبل أن أدخل للقيام بجولتي في المتحف توجهت لأحد الإخوة المسئولين في المتحف وسألته حول أسباب منع التصوير، وقد أثارت إجابته دهشتي الواسعة، فقال لي أنه يمنع التصوير الآن لعدة أسباب منها أنه البعض قام بتصوير مقتنيات المتحف بشكل محترف لأغراض تجارية (كعمل كتيبات وأقراص مدمجة وغيرها من الوسائط الإعلامية) بدون إذن مسبق بالإضافة لأن بعض الزوار قد قاموا بتصوير أفلام إباحية في بعض المواقع الأثرية كسفح الأهرامات بالجيزة وأن هذا التصرف قد أزعج السلطات وأحرجها وهم غير مستعدين لتكرار تلك الأخطاء. تعجبت كثيرا لما سمعته وأبديت تفهمي للأسباب الغير منطقية والغير مفيدة حيث أن من المفروض أن المتحف مغطى بكثافة بكاميرات مراقبة في كل أرجائه وعلى كل معروضاته ومقتنياته الهامة وأن هذه المراقبة حثيثة وفعلية وقادرة على متابعة كل كبير وصغير وأي حادث قد يطرأ داخل وخارج المتحف. وفي كل الأحوال شكرت الأخ المسئول الذي سمح لي من وقته لشرح أسباب منع التصوير وهممت بالدخول للمتحف. وفي البوابة الداخلية للمتحف توجد بوابة الكترونية ثانية يجب المرور من خلالها قبل الدخول إلى البهو الرئيسي للمتحف، خلال اللحظات التي انتظرت فيها في طابور الدخول تذكرت بعض المتاحف التي أتيح لي زيارتها حول العالم وإجراءات الدخول إليها.






ما هذا الهراء؟
ممنوع التصوير الآن ولكنه سيسمح بالتصوير خلال فترة قصيرة
بالرغم من التشديد الأمني الذي توجد له مبررات كثيرة ومتنوعة، وما قد يشكله من استقبال بارد للضيوف المشتاقة للاستمتاع بكنوز مصر، إلا أنني قررت أن أكمل زيارتي دون أن تنغص هذه الإجراءات على جولتي داخل المتحف، فأنا أعرف أن ما بداخله يستحق كل العناء والجهد، ولكن موضوع منع التصوير هذا والمبررات التي قيلت شكلت لي نوع من الحيرة والريبة في ما آلت إليه الأوضاع داخل المتحف العظيم. عندما جاء دوري للمرور بالبوابة الثانية الداخلية دفعني حبي وشغفي للمتحف ومقتنياته إلى أن أكرر سؤالي للإخوة عند البوابة هل هو حقيقي أن التصوير ممنوع مطلقا داخل المتحف، ردت إحدى السيدات أنه سيتم السماح بالتصوير بحرية داخل المتحف بدءا من أول ديسمبر 2015، ولكنها لم توضح لماذا المنع الآن؟ ولماذا سيسمح بالتصوير بحرية بعد ثلاثة أسابيع على أكثر تقدير. ما هذا الهراء؟ لقد سمعت سائحا أجنبيا يستفسر أيضا عن نفس الموضوع فرغبت في تهدئة روعته وطمأنته أن هذا المنع مؤقت وأنه سيتم تعديل التعليمات قريبا ولكنه أشار لي أن القائمين على المتحف قد اخبروه أنه سيتم السماح بالتصوير في أواخر شهر ديسمبر وعندما أخبرته أنهم أكدوا لي أن تاريخ السماح بالتصوير سيكون في أول الشهر وليس آخره قال لي أنه لو كان كذالك فإنه مستعد لتغيير موعد مغادرته البلاد خصيصا ليحظى بهذه الفرصة الرائعة التي من الممكن ألا تتاح مرة ثانية، وقد طالبني بالرجوع للموظفين داخل المتحف للتأكد إن كان التصوير سيتاح في أول شهر ديسمبر أم آخره. وهكذا تعبر هذه المفارقة عن لغط وفير مما يحدث حولنا وعن تخبط وعدم وضوح للرؤيا وانعدام الشفافية والمنطق البسيط وأخيرا انعدام أساليب التواصل الأساسية، فلا يوجد إعلان أو ملصق يوضح الأمر، ولا يوجد موقع محدث على الانترنت تتوفر من خلاله المعلومات الهامة، كل شيء يحدث مفاجئة أو صدفة وبدون ترتيب أو تخطيط مسبق.


المعروضات وطرق العرض صناديق العرض الأقفال والأختام الرصاص الإضاءة
لكن بغض النظر عن كل المفاجئات الغير سارة التي من شأنها أن تقلل من بهجة زيارة أحد أهم متاحف الآثار على مستوى العالم يجب أن يتحلى المرء بالروح الرياضية ولا تدع المؤثرات السلبية أن تثنيك عن الاستمتاع بجوهر المتحف وكنوزه التاريخية والفنية والثقافية التي هي لا تقارن بشيء قط.

عند دخولك المتحف يبهرك معمار المتحف القديم من جهة سعة الأفق ورحابة القاعات الرئيسية ولكنك تفاجئ باكتظاظ المكان بالتحف الأثرية فلا يوجد لها تسلسل تاريخي أو منطقي، إلى اليمين توجد قاعة وضع فيها العشرات من التوابيت الجرانيتية المزخرفة والتي نقش عليها باللغة الهيروغليفية (لغة مليئة بالرموز والرسومات المتنوعة) لكن بالرغم من وجود هذه التحف لأكثر من قرن ويزيد إلا أن أحدا لم يحاول خلال العقود المتعاقبة أن يترجم ما كتب على هذه القوالب والأحجار ولم يحاول أحدهم ولو تفسير هذه النقوش الفريدة التي خطها قدماء المصريين بكل دقة وجمال ليرسلوا إلى المستقبل رسائل وخطابات يخبرونا من خلالها عن حياتهم ومماتهم ومعتقداتهم، وكأننا رفضنا استقبال ما أرسل وتجاهلناه ونظل نتجاهله رغم وجوده أمام أعيننا. ولو تكلف أحدهم العناء قد يتاح لنا يوما معلومة أو معرفة أو فكرة ظلت غائبة عنا طوال آلاف السنين، وفي أحد أركان المتحف يجلس تابوت خشبي رائع مزخرف بالألوان والنقوش وكتب علىه بطاقة تعريفه "تابوت ميامي" وتشير البطاقة إلى أن هذا التابوت قد تم مصادرته من قبل السلطات الأمريكية في مطار ميامي بولاية فلوريدا بعد أن حاول أحد تجار الآثار شحنه وتهريبه لبيعه لأحد زبائنه، وما أزعجني أن التابوت يقبع وحيدا ببطاقة تعريف لم يكتب فيها أصل التابوت ولا اسم صاحبه ولأي أسرة ينتمي ومن أين سرق!! ولكننا أكتفينا بتسميته تابوت ميامي. ولعل المتحف مليء بالقطع التي تم استعادتها من الخارج وقد أقترح أنه من الضروري أن تخصص قاعة بعينها توضع فيها القطع المعادة لنتعرف على حجم الجريمة التي تتعرض لها البلاد من جهة التنقيب وسرقة الآثار وتهريبها عبر المنافذ وبيعها بشكل مهين يدمر تراثنا التاريخي ويسيء إلينا جميعا بالإهمال والتسيب وقلة الحيلة وعدم القدرة حتى على ضبط المجرمين. أما باقي التوابيت فحدث ولا حرج، القواعد التي توضع عليها والفواصل المستخدمة في رفع الأغطية وحالة عدم الاكتراث واللامبالاة الشديدة التي أصابت كل القطع تظهر جليا للعيان ولا تحتاج لخبير للاستدلال عليها. الأسئلة كثيرة لما تركت هكذا؟ ولماذا لا يقوم المتحف بعمل اللازم نحو تنظيف المكان وصيانته والحفاظ على كل قطعة والاعتناء بالشكل والمضمون وأساليب العرض؟ لو كانت الإجابة أن الجميع في انتظار افتتاح المتحف الجديد فإن العذر أقبح من الذنب ولا تدل على أن الحال سوف يتحسن حتى ولو بنينا عشر متاحف جديدة، الإشكالية هنا هي المبدأ العام المتعلق بإظهار الحضارة والتراث والتاريخ المصري أينما وضع.



إن كانت ترجمة النقوش وتوضيحها يتطلب الكثير من العمل وبذل الجهد و الدقة فظني أن هذا المجهود لا يمكن أن يقارن بما تم لكتابة هذه النقوش من أصحابها الأصليين الذين أمضوا الوقت في النقش على الجرانيت والرخام والأحجار الصلبة بأبسط الآلات والمعدات وفي ظروف لم يتوفر فيها ولا الكهرباء ولا الميكنة، فكل ما تراه في المتحف قد صنع يدويا باستخدام القوة العضلية والفكرية والاستفادة من المهارة والابتكار والإبداع والحرفية الفريدة التي تعبر عن العظمة الحقيقية لهذه الحضارة الخالدة، مهما تجاهلنا أو أغفلنا أو أسئنا الحفاظ عليها، من كثرة ما هو معروض في المتحف تجلس المئات ويمكن آلاف القطع بدون تعريف أو أي إشارة لما تقع عليه عيناك، هل يمكن أن يكون المبرر قلة العاملين في مجال الآثار أو قلة عدد العاملين في المتحف أو يمكن عدم وجود ورق أو بطاقات تعريف كافية أو أقلام أو آلات طابعة لطبع بطاقات التعريف وشرح القطع؟ قد نجد آلاف المبررات لكنها لن تفي ونحن نخوض في القرن الواحد العشرين وتنفق الأموال في كل المجالات التافهة من حولنا في تغيير الأرصفة ودهان عواميد الإنارة وتشجير الميادين عند مرور المسئولين ولكن المتحف لا يجد من يتابعه عن كثب ويعطي كل قطعة فيه حقها من الاهتمام والرعاية والاحترام بالرغم من أن هذه القطع هي مصدر الدخل والمورد والفخر والهوية والأصالة.

ولو أن السياحة هي أحد أهم مصادر الدخل القومي فيجب علينا إثبات ذلك عمليا والتصرف بشكل يدل على أننا حريصين على السياحة وخاصة تلك المتعلقة بالولع والجنون بالحضارة المصرية القديمة التي هي عامل الجذب الأول والرئيسي وهي الميزة النوعية التي تفوق كل ميزات وعناصر الجذب الأخرى.

تتناثر القطع في المتحف بشكل لا يمكن الزائر من التركيز أو السير على خط زمني أو أن يتتبع مسار واضح فمعظم المعروضات التي وضعت بعناية منذ إنشاء المتحف صارت محاطة بمئات القطع الأخرى التي جيء بها في أوقات لاحقة، ووضعت بدون تفكير أو منطق، فبعض القطع الهامة توضع على رفوف مرتفعة لا يمكنك رؤيتها إلا لو كان هناك سلم وبعضها وضع مواجهة للحوائط والجدران وكأنها تعاقب على وجودها في هذا المكان، ناهيك عن حالة صناديق أو فاترينات العرض التي أصبحت مليئة بالأتربة ويشوه كل صندوق منها أقفال حديدية بالية والأختام الرصاصية القبيحة التي تعبر عن تأخر شديد حتى في أسلوب تأمين أهم المقتنيات وأثمنها. أما نظام الإضاءة في المتحف فهو موضوع يحتاج لإعادة تفكير وتخطيط وتطوير، فالإضاءة في المتحف لا يمكن وصفها إلا بأنها رديئة وقديمة وغير كافية وبلا أي نظام علمي أو تقني يبرز محتويات المتحف فائقة الروعة والأهمية. سوء الإضاءة تندمج مع قلة النظافة وعشوائية العرض لتضفي صورة غير لائقة بالمحتوى المعروض وتقلل من شأن الدولة المعاصرة والحكومات المتعاقبة التي فشلت في صيانة وتطوير وتحديث المتحف القديم حتى يضاهي كل متاحف الدول الكبرى في العالم.



الآثار في صناديق الشحن التنسيق/ النظافة
تملئ المتحف أيضا عشرات صناديق الشحن التي استخدمت لنقل الآثار لمعارض حول العالم أو لإعادته بعضها مما سرق أو هرب ولكن صناديق الشحن تقبع في أرجاء المكان في الطابق الأرضي وفي الطابق العلوي وترك عليها بطاقات الشحن حتى أن بعضها يوسم بسفرها من خلال حقائب دبلوماسية أو جهات الشحن الخ... ولا يمكن إيجاد مبرر لهذا النوع من الإهمال الجسيم ولا قبوله أو تركه من قبل المسئولين بدون حساب أو عقاب للمسئولين عن هذه الفوضى وحالة الارتباك وقلة النظام والعشوائية المفرطة التي ستتسبب في إهدار مواردنا وإضاعتها وتدميرها.

يحتوي الدور العلوي في المتحف على بعض أثمن وأهم القطع المصرية التي هي جزء من مقتنيات مقبرة الفرعون الذهبي "توت عنخ أمون"، وتملئ آثار مقبرة الفرعون الأوسع شهرة عدة ممرات وقاعات لما تتمتع به من روعة الألوان وتنوع الإبداعات ودقة الفن وجمال تفاصيله التي صنعت بفخر وبعناية أيدي أمهر الحرفيين، وتوضع بعض أهم كنوز مقبرة (الفرعون الصغير سنا العظيم قدرا) في قاعة جانبية غالبا ما يتردد عليها أكبر عدد من زوار المتحف لما تتمتع به مقتنيات الفرعون توت عنخ أمون من تحف ذهبية مزخرفة بالأحجار الكريمة وخاصة تابوت الملك الفائق الروعة والأهم وهو القناع الجنائزي الذهبي للملك الأكثر شهرة في العالم الذي تأثر بعد سنوات من العرض وسقطت لحيته تلقائيا كما قيل لي، وقد حاول بعض القائمين على المتحف إصلاحه بأنفسهم فأساءوا التقدير وأخطئوا في الترميم ولصقوا اللحية في القناع معوجة واستخدموا أنواع من اللاصق الذي لا يمكن تعديله بدون الإضرار بالقطعة الأصلية، وقد نتج عن ذلك تشويه القناع واضطرار المسئولين لنقله وطلب العون الدولي لإصلاحه ووضع شاشة الكترونية تعرض صورة رقمية للقناع حتى يعود للعرض في وقت لاحق لا أحد يعرفه بعد. أي أن أثمن مقتنيات المتحف تم معالجتها بشكل خاطئ وغير دقيق مما أثار موجات من السخرية والحنق والحزن، وأثار أيضا الخوف والرعب على باقي القطع في المتحف التي قد تكون أقل شهرة.

في الحقيقة أن بعض العاملين في المتحف بذلوا جهدا مضنيا في الترميم وفي الحفاظ على الكثير من القطع التي جاءت إلى المتحف مهشمة بفعل الزمن وعوامل التعرية أو حتى بفعل سارقي القبور، وقد برز دور هؤلاء المرممين بعد أحاث اقتحام المتحف في أثناء ثورة ال25 من يناير 2011، والذي تم خلالها تحطيم العديد من صناديق العرض وبعثرة محتوياتها وسرقة البعض منها وتكسير بعض القطع والإضرار بها، والتي حاول علماء المتحف ومرمميه أن يصلحوها ويعيدوها بقدر المستطاع إلى ما كانت عليه قبل هذه الأحداث المؤسفة.

وخلال تجوالي في أروقة المتحف الرائع الذي أصبح يعاني من العديد من المشكلات والتشوهات سمعت بعض الزائرات المصريات الشابات يسخرن من وضع بعض الشباب المتحذلق جرافيتي بأسمائهم وتاريخ زيارتهم على بعض صناديق العرض وكيف أن هذا العمل لم يقابل بصرامة أو أن رغم كثرة كاميرات المراقبة في أرجاء المتحف لم يتم كشف أو إيقاف هذا التعدي السافر على الآثار أو صناديق العرض!!!! وشاركت الفتيات بأن شبهت ما يحدث بالسماح لبعض هؤلاء أيضا باعتلاء التماثيل العامة مثل أسود كبري قصر النيل أو تمثال سعد باشا زغلول ووصم هذه الأعمال بكتابة أسمائهم وأسماء أصدقائهم وتاريخ وجودهم بكل بجاحة واستهزاء لكافة القوانين والمعايير بدون اكتراث المسئولين وبدون اتخاذ إجراء رادع يمنع هؤلاء وأمثالهم من إهانة التراث الحضاري المصري وتشويهه وتدميره باستخفاف وبجهل وفظاظة غير مقبولين وغير مبررين.

المشرفين والحراس والدليل
يعد موضوع العاملين في المتحف أمر معقد يطول شرحه، إلا أن ما لاحظته هو وجود العشرات من العاملين يجولون أروقة المتحف ويجلسون في مداخل القاعات ولكنهم لا يرتدون زيا موحدا يظهر أسمائهم أو يبين عملهم في المتحف، ولكنهم يرتدون جميعا ملابسهم الخاصة وأزيائهم الخاصة فلا يوجد نظام لزي العاملين وهو منطق غريب ويختلف عن كل متاحف العالم. ويضاف إلى هؤلاء المرشدين في المتحف، الذين هم أيضا لا يخضعون لأي نوع من النظام ولا يرتدون أي بطاقة تعريف تشير إليهم وهم بالقطع لا يرتدون زيا خاصا بالمرشدين، المتحف يظهر وكأنه منشئة عشوائية لا نظام لها والقائمون عليه غير مهتمين بالموظفين والموظفين غير مكترثين بالشكل العام أو الخاص.

بعد عدة ساعات من التجول في أرجاء متحفي المفضل ملأتني العديد من الأفكار والانتقادات والأسئلة الحائرة التي أصبحت تثقل أقدامي وتحبط من عزيمتي للاستمرار في الاستمتاع بالمتحف، ووجدت نفسي أتوجه نحو باب الخروج وعندها رغبت في شراء تذكار آخذه معي إلى المنزل لأحافظ على ذاكرة الزيارة. قالوا لي أنه يمكنني السؤال عن التذكارات في المحل المتخصص خارج البوابة الخلفية مباشرة، وأمام باب الخروج تجد محل يفترض أنه يبيع التذكارات من الأقراص المدمجة والكتب ودليل المتحف باللغات المتنوعة فسألت عن الدليل العربي فلم يكن متاح وسألت عن الدليل بأي لغة أخرى فلم يكن متاح ولكنه أشار لي بوجود بعض الكتب الأجنبية والتذكارات الصينية الرخيصة والتي تباع بأسعار باهظة، وفي جملة مختصرة كان محل بيع التذكارات فقير ولا يحتوي على ما يمكن شرائه برضا واقتناع وكان هذا يظهر جليا حتى على وجه البائعين.

بعد الزيارة سيطرت علي الفكرة أنه لا يمكن ترك المتحف حتى أن يندثر ويصبح أثرا من بعد عين، ويجب على القائمين على المتحف ومن قبله القائمين على اتخاذ القرار في الدولة، النظر إلى أن حالة المتحف هي تحدي كبير لوجودهم ولصدقهم وقناعتهم واهتمامهم الوطني والشخصي بالهوية المصرية والتاريخ والحضارة والتراث المصري الذي هو لب النشاط السياحي وميزته النوعية ومصدر قوته، وأن المتحف هو قلب وجوهر هذا المسار الذي يشكل أحد عناصر خروج الدولة من أزمتها الاقتصادية والمالية وهو أيضا أساسي في الحفاظ على هويتنا وأصلنا ورموز تميزنا بالمقارنة بكل حضارات وثقافات العالم. لو كنت رئيس الوزراء لأمرت وزراء السياحة والآثار والثقافة ومديري قطاع المتاحف ومدير المتحف والعاملين فيه أن يشمروا عن سواعدهم وكواحلهم ويذهبوا جميعا ويمسحوا ويكنسوا وينظفوا المتحف وكل صندوق عرض وكل قطعة أثرية وكل شباك وركن وشبر من المتحف الفريد، وإن لم يقبلوا أو لم يفعلوا إذن فعليهم الرحيل إلى أبعد الأماكن وترك هذه الوظائف لمن يريد المتحف أن يستعيد بريقه وأن يصبح قدوة لجميع المصريين وعنوان الدولة عن عزيمتها وإرادتها ورغبتها على النهوض والوقوف بكل فخر وكبرياء، لتعلن للعالم أننا لن نتهاون أو نستهين بأنفسنا.
أعلم أن مجلس الوزراء قد منح المتحف أرض مبنى مقر الحزب الوطني البائد الذي يتم إزالته الآن، وأعلم أن المتحف الجديد يتم العمل على إنجازه في أقرب أجل برغم الصعوبات وأعلم أن معدلات السياحة كسور مما كانت عليه لكننا المصريين لن نقبل بأن نفقد ثروتنا وكنوزنا وحضارتنا وثقافتنا مهما كان الأمر عصيبا. هذا هو التحدي الحقيقي لا يمكن أن نهزم أنفسنا بأنفسنا ولن يهزمنا أحد، فنحن بناة الأهرام والمدن وصناع الفلسفة والثقافة والحضارة ونحن من شيدنا وأبدعنا وبذلنا ونحن الجنود البواسل الذين لن نكل أو نمل أو نتراجع عن الدفاع عن الأوطان مهما كبرت المحن.

المتحف المصري هو أحد أهم واجهاتنا ونقاط التقائنا مع الزوار من شتى أنحاء العالم فلا تتركوه هكذا وإلا إن كنتم تقصدوا إهانة البلاد وإهانة المصريين؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا