الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأقليات في الوطن العربي.. ما بعد الربيع العربي

حسن الشامي

2021 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


يعتبر موضوع الأقليات من الموضوعات الهامة والقديمة الحديثة المتجددة مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحدث في الحقب التاريخية المختلفة.. وهو موضوع تداخل تخصصات عديدة مثل علم الاجتماع والسياسة والتاريخ ودراسة الحضارة وعلم الوراثة.
كما أن هذه المشكلة تخفي بداخلها صراعات حقيقية أخرى مثل الصراعات الطبقية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة والتي تظهر كصراعات عرقية وأثنية.
ويعتبر إثارة منطق الأقليات من أخطر الأمور على الأمن القومي العربي ومن المداخل التي تتدخل فيها القوى الاستعمارية لتحقيق أهدافها ومآربها وتخترق الأمن القومي العربي وتحقق استراتيجياتها ومصالحها.
فلا تخلو دولة في العالم من الأقليات.. ولكن مفهوم الأقليات في ظل مشاريع تفكيك الأرض والهوية والشعب بات يحتمل في بلادنا الكثير من المعاني المتناسلة، وكأن الوطن كله قد أمسى حيزاً لتداخل أقليات بلا هوية جامعة، يطغى فيها الخاص دوماً على العام.

وتعريف الأقلية :
إما أنها أقلية عددية كبعض المجموعات العرقية أو الدينية كالأفارقة الأمريكيين أو الكاثوليك في الولايات المتحدة مثلاً، وإما أنها أقلية بحكم وضعها الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي المهمش بفعل طغيان الأغلبية المهيمنة، ولذلك، تعتبر المرأة في الغرب مثلاً أقلية مع أنها أكثر قليلاً من نصف المجتمع.
وهكذا تصبح الأقلية أية مجموعة ترى بأنها تتلقى معاملة غير متساوية مع باقي المواطنين بسبب صفات جسدية أو ثقافية أو اجتماعية خاصة بها، حسب التعريف السائد للأقلية كما وضعه عالم الاجتماع الأمريكي اليهودي لويس ويرث.
وسواء اعتمدنا مقياس الأقلية العددية أو مقياس التهميش، فإننا يمكن أن نشتق عدداً لا نهائياً من الأقليات عملياً من أية مجموعة تعتقد بأن لديها قضايا مشتركة تميزها عن غيرها. فالطلاب بهذا المعنى أقلية، وكذلك المتقاعدين... ومن يزاولون أية مهنة من المهن يبقون أقلية في المجتمع، وفي الغرب يعتبر المثليون جنسياً أقلية، وكذلك يعتبر المعاقون حركياً أو ذهنياً، وهناك أقليات اقتصادية مثل العاطلين عن العمل أو (الفقراء من العمال تمييزاً لهم عن العمال غير الفقراء)، وهذا ناهيك عن الأقليات العرقية أو الدينية، وهكذا، حتى تصبح كل جماعة أقلية وكل فرد جزيرة!.
وينشط اليهود في أمريكا بالترويج لاستنساخ الأقليات من كافة الأنواع في مواجهة شريحة اجتماعية محددة تُقدَّم بأنها المالك الفعلي لمفاتيح الثروة والسلطة : فئة الرجال البيض البروتستانت ذوي الأصل الأنجلوساكسوني من الفئة العمرية المتوسطة (أي لا شباب ولا عجزة ولا نساء ولا أقليات عرقية أو دينية أو اقتصادية)، ويعتبر أغنياء هذه الفئة وممثلوها السياسيين ومثقفوها هدفاً مفضلاً لنقمة الأقليات الحقيقية والمفبركة ووسائل الإعلام والترفيه المسيطر عليها يهودياً.
ويفيد هذا النمط من تهجين وتناسل الوعي الأقلوي إلى ما لا نهاية في تفكيك وحدة الأكثرية وتحقيق أفضل الشروط لهيمنة النخبة الحاكمة على الشعب، وبالأخص، لتعزيز وضع اليهود ككتلة متماسكة في المجتمع الأمريكي إزاء الشرائح الأخرى من النخبة الحاكمة الأمريكية.
هو ما خلق ردود فعل عنيفة ضد اليهود في أمريكا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، خاصة أنه ترافق مع نزعة العولمة لتفكيك السيادة الوطنية والهوية القومية.

تعريف الأقلية :
هي جماعة بشرية تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من المتغيرات التالية(الدين، اللغة، الثقافة، السلالة).
واستنادا لذلك فإننا نعتبر جماعة الأقلية هي جماعة أثنية بالأساس أيا كان المتغير الذي يحدد أثنيتها فهي أقلية إما مادية (العدد أو الحجم)، أو أقلية معنوية من حيث (ضعف الوزن الاجتماعي)، وتنتمي غالبية الأقليات في الوطن العربي إلى النمط الأول أي الأقليات المادية
أ ـ الأقليات والاضطهاد : يتفق دعاة الحريات إنه إذا كان هناك تمييز منظم ضد فرد أو جماعة تقوم به حكومة ما، أو تتستر عليه، أو تتواطأ مع منفذيه، أو تنكر وجوده، أو تخلق المناخ الذي يشجع عليه، أو لا تتعهد بمقاومته والتخفيف منه، فإن هذا يعني اضطهاد هذه الحكومة لذلك الشخص أو تلك الجماعة.
ب ـ الأقليات والتهميش : يقصد به فئات اجتماعية بعينها تجمعها صفات عامة في مختلف المجتمعات البشرية (التهميش) وهذه الفئات هي المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى الأقليات القومية والدينية والعرقية
وأشارت الدراسات أن حوالي 80 % من سكان الوطن العربي هم يتحدثون اللغة العربية كلغة أصلية ويدينون بالإسلام ويعتنقون المذهب السني، وينتمون سلاليا إلى العنصر (السامي الحامي) وأن الأقليات الأثينة في المجتمع العربي تختلف مع الأغلبية في واحد أو أكثر من هذه المتغيرات الأربعة، الأمر الذي يجعلنا نؤكد عليها فقط كأقلية أثنية متبلورة.
ومن الأقليات المعروفة في الوطن العربي (الأكراد، البربر، الزنوج، المسيحيون، الشيعة).
تعتبر قضية العمالة الآسيوية الوافدة إلى مجتمعات الخليج من الظواهر التي أصبحت مؤثرة وفيها تهديد للأمن العربي، ذلك أن العمالة الوافدة وإن كانت تتركز في مجتمعات الخليج، إلا أنها بدأت تنتشر بهدوء في الأقطار العربية الأخرى ذات الكثافة السكانية العالية ن والتي تمتلك قوة بشرية فائضة كمصر مثلا، غير أنها في مجتمعات الخليج أصبحت تمثل خطورة قائمة ومؤثرة.

مصطلح «الأقليات» ليس دقيقا ولا يجوز اعتماده في دراسات علمية جادة :
فليس هناك تعريف علمي واحد لأية أقلية في الوطن العربي. وهناك جماعات تصنف في خانة الأقليات وتعد بعشرات الملايين. ومنهم، على سبيل المثال لا الحصر، الأكراد على المستوى العرقي وهم يتوزعون ما بين تركيا والعراق وإيران وسورية.. ويقدر عددهم بحوالي 25 مليون كردي. وهناك الأقباط في مصر على المستوى الديني ويقدر عددهم بعشرة ملايين أو أكثر. وهناك الأمازيغ في دول شمال أفريقيا، ويقدر عددهم باكثر من عشرين مليون، ويطالبون باعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية.
يضاف إلى ذلك أن خارطة «الأقليات» في الوطن العربي تضم عددا كبيرا من الطوائف المسيحية، والإسلامية، واليهود، والصابئة، وجماعات العبادات المحلية في جنوب السودان. كما ان هناك أقليات عرقية كالأرمن، والشركس، والتركمان، والشيشان، وبقايا الجاليات الأوروبية، وغيرهم. وإجمالا يشكل المسلمون العرب السنة (بمدارسهم الفقهية الأربع)، والشيعي غير الباطني (بفرعيه الجعفري والزيدي) غالبية سكان العالم العربي البالغ عددهم اكثر من 200 مليون نسمة.

ملف الأقليات في العالم العربي :
تبدأ أولا بوضع ظاهرة الأقليات في سياقها التاريخي والسياسي، ثم تعالج بشكل أكثر تفصيلا الحالات العربية التي شكلت فيها مسألة الأقليات قضية إشكالية بالتركيز علي لبنان، والعراق، والسودان، والجزائر.
بعد أن وضعت بعض الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وروسيا السلطنة العثمانية تحت رقابة مشددة وعملت على تفكيكها واقتسام ولاياتها، برزت مشكلة الأقليات بصورة حادة في المنطقة العربية والبلقان. وكانت السلطنة العثمانية تميز بين الطبقة الحاكمة والرعايا، وتقسم الرعايا على أساس نظام الملل العثماني الذي أعطى لكل طائفة حق إدارة شؤونها الدينية بنفسها، وبناء مؤسساتها التربوية، والثقافية، والاجتماعية، وإدارة أوقافها عبر مجلس ملي لكل منها دون تدخل مباشر من جانب السلطنة. لكن نظام الملل العثماني الذي شكل نموذجا متطورا للتعايش بين المذاهب والطوائف والجماعات الدينية والفرق الصوفية وغيرها في مرحلة القوة التي امتدت طوال القرنين السادس والسابع عشر، تحول إلى عبء عليها في مرحلة الضعف. فقد أضعفت الهزائم العسكرية السلطنة منذ أواسط القرن الثامن عشر. وتجرأ الأوروبيون عليها بإرسال حملة نابليون بونابرت إلى مصر في أواخر ذلك القرن، وتحديدا في سنوات 1798. وكان نابليون قد خطط لاحتلال مصر وبلاد الشام في طريقه لاحتلال الأستانة وإنهاء السلطنة العثمانية. إلا أن صمود الجزار في عكا أحبط مخططه العسكري قبل أن يتلقى أسطوله البحري هزيمة كبيرة أمام الأسطول الإنكليزي في معركة أبي قير قرب الإسكندرية. يلاحظ في هذا المجال أن نابليون قد زلد من إصدار البيانات الموجهة إلى طوائف بلاد الشام ومصر بهدف استمالة زعمائها إليه تحت ستار إنقاذهم من الحكم العثماني الاستبدادي ومساعدتهم على إقامة أنظمة ديمقراطية على النمط الغربي تحمي الأقليات الدينية والعرقية واللغوية. ورغم فشل مشروعه السياسي والعسكري بات على السلطنة العثمانية أن تواجه مطالب تلك الأقليات في طلب الديمقراطية، والحريات العامة والفردية.

المشكلة الكردية والأمن القومي العربي :
إن التحليل العلمي الموضوعي لواقع وتطورات المشكلة الكردية في ارتباطاتها بقوى غير عربية إقليمية "شرق أوسطية" كإيران وتركيا، وقوى دولية كبرى، كالولايات المتحدة، وأوروبا، يكشف عن حقيقة ما تمثله هذه المشكلة واستغلالها من قبل هذه القوى الأجنبية من ثغرة في الأمن القومي سواء بالمعنى القطري (العراق) أو القومي (العربي)، لاسيما أنه من الوارد أن تكرر هذه القوى الدولية بعض سياساتها إزاء تلك المشكلة في الآونة الأخيرة (مثل خطة المنطقة الآمنة للأكراد في شمال العراق بعد حرب الخليج الثانية) في دول عربية أخرى، أو مناطق معينة مثل جنوب السودان.
وفي محاولة لاستقراء واقع واحتمالات المستقبل للمشكلة الكردية وتأثيراتها في الأمن القومي العراقي والعربي، يمكن القول، إن هذه المشكلة بالغة التعقيد، فإضافة إلى تمسك الأكراد بهويتهم نتيجة التمايز العرقي واللغوي، والتنظيم الاجتماعي القبلي، فإن العمليات التمردية الكردية المدعومة إقليمياً وخارجياً، والأساليب الحكومية في التعامل معها، وخصوصاً القمع، والعنف الواسع النطاق، والمفتقر في كثير من الحالات للتمييز بين المتمردين المسلحين وغيرهم من المدنيين الأكراد ـ تؤدي إلى خلق حالة من عدم الثقة من جانب الأكراد إزاء الوعود الحكومية، ويزيد المشكلة تعقيداً ارتباطها بسعي قوى مجاورة غير عربية، وقوى دولية كبرى إلى استخدام الأكراد كأداة للضغط على العراق (وسياسته الإقليمية).
وتبرز هذه الناحية الأخيرة بدرجة أكبر في حالات معينة مثل سعى العراق إلى أداء دور إقليمي أكبر، لاسيما في الخليج، كما رأينا بصدد تحالف ودعم إيران للأكراد العراقيين، سواء في عهد الشاه في منتصف السبعينيات، أو في عهد الخميني خلال حرب الخليج الأولى أو في حالة دخول العراق في حروب واسعة النطاق، سواء مع إحدى البلدان المجاورة (حرب الخليج الأولى) أو غيرها.
وبلا شك فإن عدم التوصل حتى الآن إلى تسوية دائمة للمشكلة الكردية في العراق ـ نتيجة عوامل تعود إلى الأكراد أنفسهم، وإلى السلطة العراقية الحاكمة، وخصائصها، وأساليبها في التعامل مع الأكراد وغيرهم من العراقيين، ولا يقل عن ذلك أهمية ارتباطات الأكراد بقوى مجاورة غير عربية، وقوى دولية كبرى ـ يشكل ثغر للأمن القومي العراقي، وللأمن العربي، لما يعنيه استمرار وتفاقم هذه المشكلة من تهديد للتكامل الإقليمي للعراق، الذي يمثل ركيزة مهمة للأمن العربي، وخلل بالتوازن في مواجهة أطماع قوى "شرق أوسطية" كإيران وتركيا وإسرائيل.
والواقع القائم حالياً في شمال العراق بعد الحرب الأنجلو أمريكية، واحتلال العراق يكاد يدعم احتمالات تحول السلطة الكردية في المنطقة إلى دولة كردية، قد يتم إعلانها في المستقبل القريب، ولكن هناك عدداً من الباحثين يرون أن هذا الاحتمال يتسم بالضعف بالنظر إلى :
أ‌) عدم وجود مصلحة حقيقية للدول المجاورة، وتحديداً تركيا وإيران، في قيام مثل هذه الدولة، والتي قد تنقل عدواها إلى الأكراد في كل من البلدين، لاسيما وأن وضع أكراد العراق يظل أفضل نسبياً من وضع الأكراد، سواء في تركيا أو في إيران.
ب‌) هذا الواقع رغم أنه أكثر خطورة من وجهة نظر عراقية، عما شهدته المناطق العراقية الشمالية في منتصف السبعينيات خلال تمرد مصطفى البارزاني اعتماداً على شاه إيران بالأساس، وخلال حرب الخليج الأولى عندما سيطر المتمردون الأكراد بالتحالف مع الإيرانيين على مساحات واسعة من هذه المناطق، لا يختلف سوى في درجة خطورته عن هذين التمردين السابقين، وفي كل من هذين التمردين انتهى الأمر (التمرد الكردي) عندما قررت القوى الإقليمية (إيران) الداعمة للأكراد العراقيين أن مصالحها وظروفها تقضي بالتضحية بالأكراد مقابل تحقيق بعض المكاسب من العراق (اتفاقية الجزائر مارس 1975م)، أو لصعوبة إلحاق هزيمة بالعراق (وقف حرب الخليج الأولى).
ومن هنا يصير من المحتمل ـ ربما في فترة مقبلة غير بعيدة ـ أن ينتهي الواقع القائم حالياً في شمال العراق في غير صالح الأكراد، إذا رأت القوى الغربية، لاسيما الولايات المتحدة، أن مصالحها تتطلب إعادة قنوات الاتصال والعلاقات مع العراق.
جـ) إضافة إلى العاملين السابقين فإن ما يعزز أيضاً احتمالات تغير الواقع القائم في شمال العراق في غير صالح الأكراد، هو الصراع الحالي على زعامة الحركة الكردية، ولاسيما بين "جلال طالباني"، "مسعود البارزاني" بجوانبه القبلية، وكذا التاريخية.

التركمان في العراق :
من الصعب تناول مشكلة التركمان في العراق ومطالبهم السياسية، وآثارها على الأمن القومي العراقي والعربي بمعزل عن تركيا، واهتماماتها بأوضاع التركمان، ولاسيما في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية خصوصاً في ظل ارتباط هذه المشكلة من وجهة نظر تركيا بالمشكلة الكردية وتطوراتها في العراق بعد الحرب.
إن اهتمامات تركيا بأوضاع الأقلية التركمانية في العراق، وانتقاداتها لما يتعرض لها أبناء هذه الأقلية من "اضطهاد وقمع وتمييز وسوء معاملة" ظاهرة ليست بالحديثة، إذ أنها سبقت زمنياً حرب الخليج الثانية بأكثر من عشر سنوات، ولكن لم تكن تركيا آنذاك قادرة على إثارة هذه المسألة مع العراق في ظل توازن القوى والمصالح المتبادلة آنذاك بين البلدين.
وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أن التطورات الداخلية في العراق أتاحت فرصة تاريخية لتركيا للتعبير عن اهتمامها بوضع ومستقبل التركمان في العراق، ومن أبرز جوانب هذا الاهتمام الدعم التركي السياسي والمعنوي للحزب القومي العراقي التركماني الذي تأسس أصلاً في 11 من نوفمبر 1988م بغرض العمل من أجل قضية التركمان الخاضعين "للظلم والقهر والاستعباد في العراق"، علاوة على أن تركيا لن تقبل مطلقاً إقامة أي نظام جديد في العراق ـ خاصة في فترة ما بعد احتلال العراق ـ بشكل متحيز ضد أي جماعة، وخاصة التركمان الذين ترغب تركيا في أن يشغلوا مكانتهم في النظام الديمقراطي، كأحد العناصر الرئيسية في العراق، وأن يتمتعوا بالحقوق والحريات.
من ناحية أخرى؛ أثار الجانب التركي مسألة ضمان أمن وحقوق التركمان في إطار الإصلاحات السياسية في العراق بعد احتلال العراق.
ويمكن التأكيد على أن إثارة تركيا لقضية التركمان في المرحلة الدقيقة من مراحل تطور الأحداث في العراق ـ رغم قلة أهميتها في مشكلة العراق ـ إنما تعكس رغبتها في خلق دور إقليمي مؤثر في المنطقة لتحقيق أهداف قومية غير خافية، ومنها الحصول على مكاسب من العراق بالضغط عليها في المسألة التركمانية، بالإضافة إلى الكردية، ومن ناحية أخرى استغلال القضية في كسب ود الأحزاب المعارضة داخل تركيا نفسها، الأمر الذي يتطلب جهوداً عربية مشتركة لوقف هذا التحرك التركي المهدد للأمن القومي العراقي.

الأقلية العلوية في سوريا :
تمثل الطائفة العلوية في سوريا ظاهرة فريدة؛ حيث لا تخضع هذه الأقلية العددية لسيطرة الأغلبية، بل تسيطر هي على النظام منذ عام 1966م، أي أنها تحظى بنصيب من السلطة يفوق نسبتها العددية على حساب كل من الأغلبية السنية، والأقليات الأخرى، وقد تسبب هذا الصعود العلوي في انتشار ظاهرة عدم الاستقرار السياسي في سوريا؛ حيث أدى الاحتكار العلوي للسلطة إلى معارضة إسلامية قوية للنظام، سنية بالأساس، لا سيما في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات، واستخدام النظام سياسة قمعية عنيفة في مواجهة التنظيمات الإسلامية المعارضة، كان أبرزها قصف مدينة حماة عام 1982م.
ويتهم النظام السوري النظام العراقي بتأييد الجماعات المعارضة، كما اتهم الأردن أيضاً بدعم هذه الجماعات عن طريق التسامح مع قياداتها المقيمة في الأردن.

الأقليات الشيعية في العالم العربي والأمن القومي العربي :
إن هناك تأثيراً سلبياً للأقليات الشيعية في العالم العربي على الأمن القومي العربي، ويتمثل هذا التهديد فيما يلي :
أ‌) إعاقة عملية التكامل القومي، وتهديد الاستقرار السياسي، ويتضح هذا في كل من دول الخليج، والعراق، وسوريا، ولبنان، حيث تقوم الأقليات الشيعية بأنشطة عنيفة في مواجهة النظام (العراق ـ لبنان ـ الكويت ـ السعودية ـ الإمارات ـ البحرين)، وتؤدي سيطرتها إلى قيام الطوائف الأخرى بأعمال عنف تهدد الاستقرار السياسي (سوريا).
ب‌) إعاقة تتبنى موقفا عربياً واحداً، ويتضح هذا من السلوك السوري في لبنان، ومن السلوك السوري خلال الحرب العراقية الإيرانية؛ حيث تأثر الموقف السوري بالتحالف مع إيران.
جـ) تيسير السبل أمام قوى إقليمية ودولية معادية للتدخل في الشئون العربية، ويتضح هذا من العلاقة بين حزب الله اللبناني، والنظام الإسلامي في إيران، ومن دعم إيران للقوى المعارضة الشيعية في العراق.
ويتضح هذا أيضاً من التحالف بين الكتائب اللبنانية وإسرائيل، لاسيما خلال زعامة بشير الجميل للقوات اللبنانية، والدعم الأمريكي والفرنسي للطوائف المسيحية اللبنانية.
د) عرقلة حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ويتضح هذا من خلال التأثير السلبي للخلاف السوري ـ العراقي على تكوين جبهة شرقية في مواجهة إسرائيل خلال مرحلة الصراع المسلح، ومن خلال الأداء السيئ للجيش السوري في حرب 1967م بسبب حالات الطرد التي كانت تتم لأسباب طائفية،... ودعم إيران للمنظمات اللبنانية (حزب الله) والفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) لعرقلة عملية السلام العربي/ الإسرائيلي لأسباب تخص المصالح الإيرانية. إن دولا عربية ومسلمة أخرى وكذلك العديد من دول العالم الثالث وحتى الدول الغربية تعاني هي الأخرى من مشكلة الأقليات

لكن مشكلة حقوق البربر لا تعني الجزائر وحدها بل تؤثر على المغرب وتونس أيضا إلى حد ما. إن دولا عربية ومسلمة أخرى وكذلك العديد من دول العالم الثالث وحتى الدول الغربية تعاني هي الأخرى من مشكلة الأقليات ولكن من نواح مختلفة. والحقيقة أن العالم العربي محظوظ لأنه لا يحتوي الكثير من الأقليات العرقية على الرغم من وجود الكثير من الأقليات الدينية كالمسيحيين والشيعة. ومن بين الأقليات العرقية الموجودة في العالم العربي هناك البربر والأكراد (وهؤلاء يعيشون أيضا في تركيا وإيران)، وهي أقليات ذات تعداد كبير جدا وخصوصا الأكراد الذين يعتبرون أكبر مجموعة عرقية في العالم تعيش دون دولة خاصة بها.
كانت المجتمعات العرقية في زمن الإمبراطوريات السابقة التي تضم أعراقا مختلفة مسؤولة في العادة عن إدارة نفسها مثلما كان عليه الحال في عصر الإمبراطورية العثمانية. ولكن مع ظهور ما يسمى بـ"دولة الأمة" في الغرب دخل هذا المفهوم إلى الدول العربية المستقلة. وكانت أولوية هذه الدول الجديدة مثل الجزائر والعراق إنشاء دولة قوية ذات هوية وطنية. لكن مسألة الهوية الجزائرية أو العراقية اصطدمت بمسألة الهوية العربية، إذ كانت القومية العربية طاغية على كثير من الحركات السياسية العربية كالبعث والقومية العربية الناصرية.
ولكن أين مكان السكان غير العرب في الدولة القومية؟ إن هذه مازالت تعتبر مشكلة للجزائر والعراق اليوم، فالقوميون العرب أو القوميون العراقيون والجزائريون على وجه الخصوص يريدون دولة بهوية قومية واحدة ويعتبرون وجود الأقليات بينهم دليل ضعف في دولتهم، وخصوصا أن القوى الاستعمارية في الماضي استخدمت كثيرا من هذه الأقليات العرقية أو الدينية في تقسيم الوطن العربي أو غزوه وفي إضعاف مقاومة الحكم الاستعماري. وكثيرا ما كان ينظر إلى الأقليات العرقية في دول العالم النامي باعتبارها تهديدا لقوة ووحدة الدولة المستقلة والمتحررة من الحكم الاستعماري.

ومع ظهور أفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير في النصف الثاني من القرن العشرين أصبح من الصعب إنكار حق الأقليات العرقية أو الدينية في المساواة. وقد بدأت هذه الأقليات تطالب بالاعتراف بهويتها وحقوقها. لكن القيادة المتسلطة تخشى من ضعف قوة الدولة إذا ما اعترفت بحقوق الأقليات لديها أو إذا طلب منها تنفيذ إصلاحات ديمقراطية أكبر.

فالظهور السياسي للأقليات ليست مشكلة عربية فقط، ولكن ظاهرة عالمية، إذ أن هذه الأقليات في جميع دول العالم النامي أصبحت أكثر تصريحا ومطالبة بحقوقها وتسعى للاعتراف بوجودها المستقل ولغاتها وعرقيتها وثقافتها وحقوقها التعليمية
وحتى الغرب ليس محصنا من هذه الاتجاهات، إذ إننا نجد في بريطانيا على سبيل المثال أن الويلزيين والاسكتلنديين حصلوا على حكم ذاتي وأصبحت لهم برلماناتهم الخاصة بهم خلال العقد الأخير. كما أن الكتالونيين في إسبانيا يطلقون اسم الدولة على إقليم كاتالونيا. وتواجه فرنسا ضغوطا لمنح البريتانيين والكورسيكيين حقوقهم الثقافية. أما في الولايات المتحدة التي يعتبر كل مواطن فيها تقريبا مهاجرا فلا توجد فيها أقلية عرقية متركزة في منطقة واحدة، ولذلك فإنه من غير المحتمل مطالبة أي مجموعة عرقية فيها بحكم ذاتي أو حتى بالانفصال على الرغم من أن المكسيكيين المتمركزين في جنوب غرب الولايات المتحدة قد يطالبون يوما ما بالاستقلال الثقافي. إن الأقليات العرقية الأمريكية تمارس الحياة السياسية وتبحث عن نفوذ، واللوبيات العرقية في كل مكان، فهناك الكوبيون والإيطاليون واليهود والعرب والصينيون والكوريون والمكسيكيون وغيرهم.
إن النشاط السياسي للأقليات العرقية سيكون مألوفا في كل العالم في المستقبل ويعكس الاتجاه نحو الديمقراطية وحقوق المجتمعات العرقية والدينية، والأقليات المسلمة على سبيل المثال تبحث عن حقوقها وعن المساواة في الهند وروسيا والصين.
إن جميع الدول ذات الأعراق المتعددة تواجه اليوم أزمة الدمقرطة وحقوق الأقليات وضعف الدولة المركزية، فكيف تتعامل الدول ذات الأقليات العرقية والدينية المختلفة في عالم متعدد الثقافات؟ وحتى الدول العربية الآن يوجد فيها أعداد من الأجانب أكثر مما كان قبل، سواء عرب من دول عربية أخرى أو عمال غير عرب.
ماذا تفعل الجزائر بخصوص مطالب البربر بالاعتراف بهم وبحقوقهم في تعليم اللغة الخاصة بهم وبإنشاء وسائل إعلام ومحطات إذاعية باللغة الأمازيغية؟ هناك أيضا مسألة من هم البربر؟ فوفقا لموسوعة البريتينيكا فإن البربر يمثلون من حيث العرق 80% من سكان المغرب والجزائر وأكثر من 60% من سكان تونس وليبيا مما يجعلهم أكثر من 50 مليون شخص. وتلاحظ الموسوعة نفسها أن "التعريب قضى على اللغة الأصلية للسكان في عدة مناطق إضافة إلى القضاء على هوية البربر، كما أن كثيرا من الناس الذين ينتسبون لأجداد من البربر يدعون الآن أنهم عرب".
إ
ن عملية التخلي عن هوية الأقلية لصالح هوية الأغلبية كانت أمرا شائعا خلال القرن الماضي، لكن الأقليات، في كل أرجاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، ترفض اليوم التخلي عن هويتها.
لكن الموسوعة تشير أيضا إلى أنه "من ناحية الهوية، يمثل البربر 40% فقط من سكان المغرب جميعا، و30% فقط من الجزائريين، و5% من التونسيين و10% من الليبيين وهو ما يجعل عددهم أكثر من 20 مليونا. وهذا يوضح أن الهوية ليست مجرد مسألة الدم وإنما أيضا مسألة خيار، هل تستطيع الدولة أو هل يجب عليها إرغام الأقليات فيها على تقرير أنهم ليسو بربرا أو أكرادا ومن ثم التخلي عن هويتهم ولغتهم وحقوقهم الثقافية ليصبحوا عربا؟

ومع تزايد الاتجاه نحو الديمقراطية فإن الأقليات تسعى لأن تجاهر بالمطالبة بحقوقها وتنظم المظاهرات لهذا الغرض وتخلق مشكلات للدولة وتؤثر على نتائج الانتخابات، فكيف سيتعامل العالم العربي مع هذه القضية؟
من المرغوب فيه من حيث المبدأ رؤية جميع الأقليات تنصهر في مجتمعاتها التي تعيش فيها. ولكن حتى في الولايات المتحدة نفسها لا نجد هذه الأقليات منصهرة في المجتمع الأمريكي بكل ما في الكلمة من معنى. وفي دول كالجزائر والعراق فإن الأقليات فيهما تبدي استعدادا أقل للتخلي عن هويتها.

ومع تزايد الاتجاه نحو الديمقراطية فإن الأقليات تسعى لأن تجاهر بالمطالبة بحقوقها وتنظم المظاهرات لهذا الغرض وتخلق مشكلات للدولة وتؤثر على نتائج الانتخابات، فكيف سيتعامل العالم العربي مع هذه القضية؟ وهناك دول إسلامية أخرى مثل إيران وأفغانستان وباكستان تعاني من مشكلات الأقليات العرقية بشكل أكبر مما تعانيه بعض الدول العربية. كما أن الدول الأفريقية تواجه مشكلات معقدة هي الأخرى تتمثل في تنافس المجموعات العرقية داخل الدولة الواحدة.

ولذلك على الدول العربية أن تفكر في معنى هوية الأقلية من أجل مستقبل أكثر ديمقراطية. إن هذه أيضا واحدة من القضايا التي تواجه اليوم المعارضة العراقية وهي تبحث عن عراق المستقبل ومكان الأقليتين الكردية والسنية العربية فيه.

التنوع الإثني والديني في العالم العربي (لأقليات) :
هذا نقاش قديم جديد يعود إلى واجهة الجدل مجدداً في زمن الثورات العربية البطريرك الماروني بشار الراعي أثار زوبعة من ردود الأفعال مؤخراً في تصريحاتٍ صور فيها نظام الأسد في سوريا بأنه ضامن للوجود المسيحي في الشرق وهذه أيضاً وزارة الخارجية الأمريكية تحذر في تقريرٍ حديث مما سمتها مخاطر تهدد الأقليات في العالم العربي بسبب التحولات التي يمر بها العالم العربي، وبعيداً عن هذه المواقف فليس خافياً أن التنوع العرقي والديني في الوطن العربي تحول خلال العقود الماضية إلى أزمة أقليات وغدا واحداً من أخطر بؤر التوتر التي تهدد نسيج مجتمعاته ومنظومة أمنه القومي، اليوم إذن يعود هذا الملف ليطرح نفسه كتحدٍ وكاختبار للنخب الحاكمة المتشكلة في الوطن العربي بعدما أطاحت الثورات العربية ببعضٍ من نُظمه الاستبدادية التي لطالما استخدمت ورقة الأقليات لإقصاء خصومهم ردحاً من الزمن.
بين سيءٍ موجود وأسوأ قد يأتي نختار السيئ، مفاضلة خلص إليها البطريرك الماروني في لبنان بشارة الراعي عندما تحدث عما يجري في سوريا، فجر الكلام عاصفة من ردود الفعل، انتقده كثيرون بينما دافع عنه البعض ورأوا فيه مكاشفةً صريحة لمخاوف أثارتها هيلاري كلينتون نفسها، يفترض الرجل أنه إذا ذهب نظام بشار الأسد وأتى نظام كالإخوان المسلمين فإن المسيحيين سيدفعون الثمن قتلاً وتهجيراً، تبلغ الصدمة ذروتها حين يخلص البطريرك إلى معادلة قوامها أنه إذا انتصر السنة في سوريا كما قال فإنهم سيتحالفون مع السنة في لبنان مما يحيق خطراً بالمسيحيين والأقليات، كثيرون ومنهم مسيحيون لمسوا في كلامه ما يشبه تحالف أقليات في وجه أغلبيةٍ ثائرة لا يرى منها غير هويتها الدينية ويستبطن الموقف كما قد يفهم تسامحا مع الاستبداد، وتقع هذه الإرهاصات في خضم ثوراتٍ ما كانت تقع لولا أنظمة من الحكم ابتلعت في سبيل بقائها حقوق الجميع ولعبت على وتر التخويف مما تعرف بفزاعة الإسلاميين.

فالثورات التي فجرها تونسي فقير وضعت الجميع أمام حقيقةٍ مختلفة فلا ثورة انطلقت بعناوين دينية ولا أهدافها قومية كبرى ويصادف أن الواقع العربي الذي تفجرت فيه الثورات هو فسيفساء دينية ومذهبية واثنيه، مسيحيون وشيعة وعلويون وأكراد وأرمن بين غالبيةٍ عظمى من المسلمين السنة العرب شكلت بالتالي غالبية الثائرين على حكامها بدءاً من تونس وصولاً إلى ليبيا وإلى اليمن.. وفي تلك البلدان المكون الجهوي القبلي هو الطاغي، والأخطر كان الواقع الطائفي.
ففي مصر طلبت كنائس قبطية من أتباعها عدم المشاركة في الثورة عند اندلاعها، لكن في ميدان التحرير كان يمكنك أن تلحظ وجود شبابٍ أقباط إلى جانب المسلمين، بعد الثورة أكدت الكنيسة وقوفها إلى جانب شباب الثورة وتمسكها بدولةٍ مدنية ديمقراطية ويعبر بعض الأقباط عن مخاوفهم من وصول تياراتٍ إسلامية إلى السلطة.
ويبقى المشهد الأكثر تعقيداً في سوريا امتداداً إلى لبنان، يصر السوريون على نبذ الطائفية لكن الواقع ليس حالماً إلى هذه الدرجة إذ لا يخفى تنفذ الطائفة العلوية التي تشكل 12% من عدد السكان في مواقع القرار، النظام السوري تحدث من اللحظة الأولى لاندلاع الانتفاضة عن مؤامرةٍ طائفية يقودها سلفيون وإرهابيون مع استمرار الثورة والقمع وقف معظم ممثلي الأقليات إما إلى جانب النظام أو على الحياد وهو واقع ينذر بانفجارٍ كبير إذا لم يستدرك وذلك بالضبط ذهب إليه رئيس وزراء تركيا حين حذر من حربٍ أهلية إذا لم يوقف الأسد ما يجري، مخاوف تدركها نخب الأقليات التي تصدر بين حينٍ وآخر بياناتٍ تؤكد دعمها مجيء نظامٍ ديمقراطي تكون فيه المواطنة هي الضمانة بدل التمسك بتلابيب استبدادٍ لا ينتج غير اضطهادٍ ومخاوف تتسلل منها مفاهيم عجيبة لا ترى بأسا مثلاً في أن تبيد الأغلبية كي تبقى الأقلية وتطمئن.

في الواقع لا ندري إن كان توصيف أو وصف الربيع يليق بالثورات العربية في نظر الأقليات الدينية وأتحدث عن الأقباط في مصر، هل هذه المخاوف التي تثيرها الأقليات لها ما يبررها ؟
بالطبع لها ما يبررها، لكن لابد أن نؤكد على حقيقة في البداية أننا نتحدث عن نموذج مصري ربما يكون مختلفاً عن بعض النماذج العربية الموجودة، لدينا دولة موحدة، لدينا دولة مركزية، لدينا حالة من الاندماج الإسلامي المسيحي الموجود داخل المجتمع المصري على مدار عقود وعلى مدار قرون وإن كان اختبر بعض اللحظات من التوتر، ما نريد أن نقوله أن المسيحيين في مصر كانوا من أشد المنتقدين للنظام وعدم حصولهم على حقوق المواطنة كاملةً وهذا لا يعني أنهم في خصومة مع المسلمين ولكن مشكلتهم كانت مع النظام، ومشكلتهم أيضاً لم تكن مع الحركة الإسلامية لأن الحركة الإسلامية لم تكن في الحكم، فمشكلتهم الحقيقة كانت مع النظام الذي لم يكن يمنحهم الوظائف، لم يسمح بتمثيلهم السياسي الملائم، لم يسمح بتوليهم مواقع قيادية، فرض بعض القيود عليهم في مسألة بناء دور العبادة، إذن نحن نتحدث عن حالة كان المجتمع المصري كله كان يعاني منها، كان هناك إسلاميون يعانون وكان هناك مسيحيون يعانون وكان هناك تيارات سياسية إلى آخره..

لابد أن نفرق ما بين الكنيسة القبطية وما بين الأقباط.. فالكنيسة القبطية بوصفها مؤسسة كانت تتفاعل مع هذا النظام وكانت تتعامل معه ولم يحدث أن خرجت الكنيسة القبطية على أي نظام كان في مصر، على مدار قرون.. ، فالكنيسة القبطية إنما تتعامل مع هذا النظام، أما الأقباط أنفسهم فكانوا يعبرون عن حنقهم، عن غضبهم ونزلوا في المظاهرات بالرغم مما ذكر من جانب الكنيسة في هذا الصدد، الأمر الأساسي في هذا الموضوع أننا كنا نحلم ولازلنا نحلم بدولةٍ مصرية جديدة تقوم على المواطنة والديمقراطية ولكن هناك كثير من الهواجس أعقبت هذه الثورة مثلما أعقبت أيضاً ثورة 1919 م.. والتلاحم الإسلامي المسيحي تعرض أيضاً لبعض التصدعات في أعقاب ثورة 1919 م.. واليوم هناك العديد من المشكلات تتعلق ببعض القضايا ببناء وترميم كنائس، تتعلق بكنائس مغلقة وعد رئيس الوزراء أن تفتح ولم تفتح، قانون لبناء دور العبادة أيضاً وعد به منذ شهور ولم يصدر، هناك قضايا كثيرة يضاف إلى هذا أيضاً أن الخطاب الإسلامي في بعض عناصره هو خطاب غير واضح وأحياناً يحمل إنكارا للمواطنة بالنسبة للمسيحيين، الخطاب الإسلامي ليس خطاباً واحداً من جانب الإخوان المسلمين ربما يكون الخطاب وسطي ويتحدث أيضاً عن المواطنة ويتحدث عن الاندماج وإن كان الأمر يحتاج إلى إجراءات وسياسات عملية على أرض الواقع ولكن من جانب قوى جديدة دخلت على المجتمع السياسي مثل القوى السلفية، لو نظرنا إلى الخطابات التي تصدرها والمواقف التي قامت بها هي تنزع عن المسيحيين المواطنة وتتحدث عن الذمة وتتحدث عن الجزية وتتحدث عن أمور من قبيل الماضي في الدولة القديمة، لم تعد في دولة حديثة نحلم بها مثلما خرجت وثيقة الأزهر وطالبت بدولة حديثة تقوم على المساواة والمواطنة لكل المصريين.
طبعاً هذا الموضوع لا بد أن يثير قلقاً ولاسيما أن يصدر عن قيادي سلفي في حديث تليفزيوني مذاع ومصور أن يقول أن الأقباط كفرة فهذا الأمر بالطبع لابد أن يصيبهم بالقلق على بلد هم يريدون أن يكونوا طرفاً أساسياً في صناعة النظام الجديد الديمقراطي جنباً إلى جنب مع المسلمين مثلما نعرف في تاريخ مصر أن الأقباط لم ينفصلوا عن المسلمين في بناء الدولة الحديثة، هذا الكلام كلام خطير لا يعبر عن الوجدان المصري. فقط أشير إلى أنه ليس فقط البابا شنودة الذي كان مؤيداً للرئيس السابق حسني مبارك أو الكنيسة القبطية وإنما أيضاً جامع الأزهر أيضاً كان مؤيداً للرئيس السابق حسني مبارك، الآن فهمنا المخاوف، مخاوف الأقباط في مصر أيضاً المسيحيين في لبنان عبر عن قلق المسيحيين في لبنان البطريرك بشارة الراعي والسؤال هل القلق الذي عبر عنه البطريرك بشارة الراعي هو محاولة لتصوير الأسد، واضح في كلامه ما لمسه الجميع من محاولة لتصوير الرئيس بشار الأسد على أنه ضامن لحماية المسيحيين في لبنان، هذا الطرح هل هو واقعي ومعقول ومنطقي؟
أن موقف البطريرك الراعي كان نتيجة تراكمات عبر التاريخ ربما، ولكنها الآن جاءت في غير سياقها الصحيح هو يعبر عن تخوف من أن تأتي أصولية ما إلى الحكم بعد نظام بشار الأسد، نظام بشار الأسد ليس مؤبداً حكماً وهو سينتهي في يومٍ أو آخر، إذن الخوف مما سيأتي بعد الأسد، بعد نظام الأسد هو خوف مشروع من جهة ولكنه مبالغ فيه من جهة ثانية، لأن من يقول مثلاً أن الأصولية هي التي ستخلف الأسد في حكم سوريا، لدينا ثلاث تجارب على الأقل في العالم العربي والربيع العربي في ليبيا، في تونس، في مصر، لم نلمس حتى الآن أن الأصولية أقوى مما كانت قبل هذا الربيع، إذن في سوريا حيث هناك تعدداً وتنوعا وهناك كثير من التفاعل الاجتماعي أكثر من سواه من الدول العربية، نحن لا نتوقع أبداً أن تأتي الأصولية كذا بذهنية متخلفة وأن تحكم على الأقليات، المشكلة هي في الأساس عند الأقليات نفسها في نظرتها إلى نفسها، هي تصنف نفسها أقلية، المسيحيون عبر التاريخ منذ الأمويين والعباسيين مروراً بالمماليك والعثمانيين كانوا منخرطين في صلب الدولة، دولة الأكثرية، دولة السنة، كانوا في الإدارة في المال، في الاستشارة، والمسيحيون حين ينكفئون يتحولون إلى أقلية ويؤدي بهم هذا الشعور إلى مثل هذا الكلام الذي سمعناه وأنا في تقديري كان مبالغاً فيه وقد ذهب بعيداً في التخوف، الخوف لأي أقلية مسيحية أو سواها يزول حين تنخرط هذه الأقلية في إعادة بناء المجتمع، المسيحيون في القرن التاسع عشر أطلقوا وساهموا مساهمة أولى في إطلاق النهضة العربية الأولى في القرن التاسع عشر بين بيروت ودمشق والقاهرة خصوصاً واليوم هم مدعوون إلى خوض غمار التغيير العربي والربيع العربي بدون تردد ولا وجل ولا أي خوف ولا أي نظام دكتاتوري يضمن الأقليات، هو يحتمي بالأقليات، هو يستخدمها يوظفها من أجل أن يبقى وهذا دليل نموذج بسيط استعمله بشار الأسد في الإتيان بوزير مسيحي إلى الدفاع، متى، منذ شهرين كي يغرقه ويغرق الأقلية المسيحية في هذا الولوغ في الدم السوري وإذن هذه الأقلية الأقوى تبتلع الأقلية الأضعف وتصبح بالنسبة للأقلية الأضعف كأنها أكثرية، إذن حلف الأقليات الذي يتحدثون عنه وقد ألمح إليه البطريرك الراعي هو حلف يقتل الأولويات ويدمرها قبل سواها وقد رأيناه في لبنان مرتين في التاريخ الحديث.
أن هذا الخوف مبالغ فيه، لكن هناك من يرى أن البطريرك بشارة الراعي يخشى حقيقةً على مسيحيي سوريا من مصير مماثل للمصير الذي آل إليه أيضاً وضع مسيحيي العراق، قتل تشريد إحراق كنائس تفخيخ أديرة وربما القوى التي فعلت ذلك في العراق لها من يمثلها أيضاً في سوريا، ترى هل ذلك منطقياً وواقعياً؟
إن النموذج العراقي لا ينسحب على النموذج السوري طبيعياً، ولكن حتى في النموذج العراقي دعونا نرى بشكل واقعي الأمر، الحكم في العراق اليوم، هو حكم بطبيعة إيرانية بميل إيراني، هو حكم الشيعة وليس السنة، السنة هم الأكثرية في العالم العربي والمسيحيون حل بهم منذ ست أو سبع سنوات ما حل بهم تحت ظل هذا الحكم الجديد الشيعي الإيراني في العراق، في سوريا حين جاء نظام حافظ الأسد نظام البعث كان في سوريا حوالي مليوني ونصف مليون مسيحي، الآن هم دون المليون، كان هناك أسماء لامعة كثيرة تحكم سوريا مثل فارس الخوري حتى ميشيل عفلق الذي أسس حزب البعث، كانوا أسماء مسيحية لامعة في الإدارة في السلطة في السياسة، يجب ألا ننخدع كثيراً ونذهب إلى القول إن نظاماً دكتاتورياً يحمي أي أقلية مسيحية أو سواها، في لبنان هذا النظام نفسه منذ أربعين سنة دمر لبنان، دمر المناطق المسيحية قبل سواها، هجر المسيحيين والأطراف، سلبهم صلاحياتهم التي كانت قبل الطائفية، هو الحكم نفسه الذي يدمر سوريا اليوم هو دمر لبنان ودمر المسيحيين في لبنان، كيف يحمي الأقليات مثل هذا النظام ولماذا نخاف من أي بديل وأي تغيير يجب علينا أن ننخرط من أجل هذا التغيير كي لا يأتي التغيير على حساب ما يسمى الأقليات وسواها.. وكي لا يأتي هذا التغيير على حساب الأقليات، إلى ماذا يستند الخطاب الإسلامي لطمأنة الجميع.

والنظام الاستبدادي يستخدم ورقة الأقليات لتشطير المجتمع وإضعافه وإحكام القبضة والسيطرة عليه، ولا يمكن بحالٍ من الأحوال أن نتوقع مزيداً من التهميش أو الإضعاف للأقليات، إن جاز التعبير لبعض المواطنين أنهم أقليات، المسيحيون في مصر ليسوا أقلية وكذلك المسيحيين في كل الدول العربية ليسوا أقليات وإن كانوا من حيث العدد قلة، لكنهم مواطنون كاملي المواطنة، الخطاب الإسلامي يقوم على أسس ثابتة راسخة من كاتب الله وسنة رسوله وعلى التطبيق العملي في نظرية الإسلام عن الدولة وعن الحكم وعن النظام السياسي، الدولة في الفكر الأساسي تقوم على ركيزتين أساسيتين، الركيزة الأولى هي مبدأ المواطنة ذلك أن أول وثيقة في التاريخ الإنساني عرفت مبدأ المواطنة ووضعت له محتوى ومدلول هي وثيقة المدينة، ميثاق المدينة الذي أبرمه النبي صلى الله عليه وسلم حينما أراد أن يهاجر فانتقل من مكة إلى المدينة ولم يدخل المدينة ومكث بقباء هناك ثلاث ليال يقدم عليه فيها غير المسلمين من ساكني المدينة وأبرم لهم ميثاقا كان النص الأول فيه، هو نص لم تكن تعرفه الحضارات القانونية قبل الإسلام ولم تعرفه الدول قاطبةً قبل الإسلام، وهو أن المسلمين واليهود في المدينة أمةٌ واحدة، هذه هي الوثيقة الأولى في التاريخ القانوني التي تعرف مبدأ المواطنة التي توجد معنى للأمة مختلفا عما كانت تعرفه البشرية أنها جماعة من الناس تلتقي على أمر مشترك قد يكون في الدين أو العرق أو الأصل أو غيره من مما تجتمع عليه البشرية، لكن لم تكن تعرف معنى الإجماع على إقليم محدد وأن تخضع لسلطة سياسية وأن تنشأ رابطة قانونية بين من يقيم على هذا الإقليم وهذه السلطة السياسية، تكون هذه الرابطة هي المعيار الوحيد في اكتساب الحقوق والتمتع بالحريات التعامل بالالتزامات، ومضى هذا الاتفاق من بعد يبين الحقوق والحريات فيقرر حرمة النفس وعصمة الدم حرمة العبادة، وحرية الاعتقاد وحرية الشعائر الدينية والعبادة وقداستها، وحرية التملك والتصرف وحرية الرأي والتعبير وغير ذلك.
هذا الخطاب وهذه ثوابته وهذه أطره النظرية التي لا يملك لا الإخوان ولا غير الإخوان أن يخرجوا عليها أو أن يخرجوا عنها إن خرجوا عنها فهم خاطئون، هذه ثوابت أصلية في الخطاب الإسلامي ثابتة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، لا يملك كائناً من كان أن يخرج عليها، وبالتالي فهو ذات الخطاب، لا نتحدث عن فترات زمنية إنما نتحدث عن أصول ثابتة في النظرية الإسلامية في الحكم وفي الفكر السياسي وفي النظام السياسي، تتحدث عن المواطنين باعتبارهم يتمتعون بالرابطة القانونية بينهم وبين الدولة والسلطة السياسية، هذه الرابطة هي المعيار الوحيد في التحمل باكتساب الحقوق والتمتع بالحريات والتحمل بالالتزامات لا يوجد معيار آخر لا دين ولا جنس ولا أصل ولا غيره، وبالتالي نقول نحن أصحاب السبق في تأسيس مبدأ المواطنة وتعريف هذا المبدأ وإعطاء الحقوق والتحمل بالالتزامات بناء عليه، في هذا الميثاق تحمل واجب الدفاع وأمانته تحملاُ عينياً بعض غير المسلمين عن أماكن في المدينة وده تطبيق عملي وبعضهم لم يرغب في ذلك بحرية واختيار وقدم أداءً مالياً لتحمل عبء الدفاع عن الدولة، وبالتالي أن المسيحيين لا يخافون من خطاب الإسلام ولا يخافون من الإخوان المسلمين، إنما يخافون من الاستبداد والقهر والإقصاء الذي يقصي الجميع، الكارثة الكبرى سيدتي على المجتمعات العربية على كل مكونات الشعوب وهي إقصاء الشعوب وهي إلغاء مبدأ مصدرية الشعب، هي إلغاء مصدرية الشعب للسلطة، هي إلغاء وجود الشعوب كصاحب مصلحة أصيلة في إدارة الحياة وفي تطوير الحياة، وفي بناء حضارة جديدة وفي تصدير القيم الإنسانية للعالمين بل وفي صناعة الحياة على هذا الأرض وفي هذا المكان.
حينما يأتي الاستبداد يكون الإضعاف وتستخدم هذه الأوراق أوراق الأقليات للتشطير وللتبغيض لمزيد من الإضعاف كي لا يقوى المجتمع كي لا يجابه الاستبداد ويسقطه، وتستخدم هذه الورقة أيضاً في مخاطبة ومداعبة ومغازلة القوى الخارجية التي ستكون إقليمية وعالمية لكي تكرس الاستبداد وتكرس وجوده ويضمن هذا وجوده لأبعد مدى، الحل الوحيد لكي يتمتع كافة المواطنين باعتبارهم مواطنين هو نظام قانوني يفرز الدولة القانونية الصحيحة التي تحترم الحقوق والحريات وتقوم على أساس المواطنة وعلى أساس مبدأ سيادة الشعب ويندرج كل ذلك في دستور مكتوب واضح يضمن الفصل بين السلطات ويضمن الحقوق الحريات والأمن بنطاق واسع ويضمن الرقابة القضائية الشاملة على ممارسة الحقوق والحريات ويضمن معايير تكريس القاعدة القانونية التي هي في وجهة نظرها في النظام الإسلامي أن الشريعة الإسلامية بما ضمنته من أصول وثوابت مستقرة تضمن حقوق الناس كافة بغض النظر عن أجناسهم أو أديانهم أو ألوانهم أو عقائدهم أو.
ربما ما يراه البعض ربيعاً قد تراه الأقليات العرقية والدينية في الدول التي حدثت فيها ثورات خريفاً لهم، ارتباط لكن هذا الارتباط الذي أو على الأقل بعض الارتباط بهذه الأقليات هو النظم الحاكمة عبر التاريخ، إلى أي مدى ساهم في تكريس هذا الواقع الذي تعاني منه الأقليات في العالم العربي.
إن ثورات العالم العربي اليوم هي ليست انقلابات وليست ثورات عقائدية أو أيديولوجية أنها ثورة أطلقها شابٌ فقير انتفض لكرامته ومن أجل حريته وحق العمل أي أنه ثار على هذا النظام العربي السائد والذي أصبح له عشرات السنين يمسك بخناق المجتمعات يخنق الرأي، ألغى المجتمع، ألغى مؤسسات المجتمع المدني، خلق لنفسه بؤراً يعتاش منها، وهذه الأنظمة التي سادت هي التي ألغت المجتمع وألغت الحياة السياسية وحرية الرأي والكرامة، اليوم الشعوب تثور من أجل استرداد أوطانها ومجتمعاتها من دولة الاستبداد. بغض النظر عن انتماءاتها الدينية.
حقيقةً الشباب الذين قادوا هذه الثورات لا يستطيع باحثٌ واحد أن يجد فيها أو يتقدمها أو يتقدم خطابها انتماءاً دينياً أو عرقياً أو قومياً عربياً، هؤلاء نطقوا تماماً ما عبر عنه شباب سوريا، الحرية الكرامة المواطنة ضد الاستبداد ضد الفساد القطع مع هذه النظم السائدة والتي تشبه بعضها بدرجات متفاوتة ألغت المجتمع، هؤلاء الشباب، شباب عصري واعي، ودعيني أقول في كل هذه الثورات تخلفت الأحزاب السياسية سواءً الدينية أم القومية أم اليسارية عن الالتحاق بالثورة وتحاول جاهدةً أن تلتحق بالثورة الشبابية، بثورة الحرية والكرامة وأن تجد لها مكاناً في هذا التسارع الذي يحدث من أجل استعادة المجتمع والوطن من الاستبداد من الذي ألغى التنوع الثقافي والتنوع الاجتماعي لمكونات المجتمعات العربية، في البلاد العربية، الاستبدادية التي حاولت أن تبني لها أعشاشاً أو أوكاراً يستفيد منها مجمل النظام العربي الأيديولوجي هؤلاء من أعوانهم من أتباعهم، هم الكهنوت هم الأكليروس سواءً كان المسيحي أم الإسلامي السلفي في سوريا حافظ أسد سنة 82 حين قضى على الانتفاضة الشعبية وتدمير مدينة حماه، هو الذي قرب (مؤسسة الإفتاء وهو الذي قرب البوطي كلية الشريعة وهو الذي أوجد مدارس حفظة القرآن وهو الذي أنشأ منظمة ومؤسسة الرشيخات القبيسيات الذي أشاع السلفية، قوى السلفية ترتبط بالأنظمة، مثل ما الأزهر يرتبط بمبارك مثل ما البطريركية القبطية ترتبط بالسلطة لأن الكنيسة المسيحية على مدى التاريخ من يوم أن تبنت بيزنطة المسيحية كديانة رسمية مثلها مثل المؤسسات الدينية الوقفية الأخرى تحاول أن تستفيد من علاقتها بالسلطة واضح العلاقة بين هذه الأقليات والسلطات الحاكمة في العالم

نحن نريد مصطلحاً منضبطاً مصطلحاً عرفه العلم، وعرفته التجربة ومصطلح حقيقي صادق للتعبير عن مضمونه ومحتواه في الواقع نعني الدولة القانونية، هي الدولة التي تقوم على مبدأ المواطنة باعتبارها ركيزة أساسية وعلاقة واحدة بين المواطن والدولة في التعاطي مع الحقوق والحريات العامة، والترجمة العملية له مبدأين مبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص بين كل المواطنين بغض النظر عن الجنس أو الأصل، أو العرق أو الدين أو غير ذلك مما يميز بين الناس، والركيزة الثانية مبدأ سيادة الشعب وله ترجمة كما قلت، دستور مكتوب يحدد شكل الدولة ونظامها السياسي، ويقوم بنظام الحكم فيها على مبدأ الفصل بين السلطات.
المرجعية الإسلامية لا تخيف الأقليات، المواطنين المسيحيين في مصر ولا في غير مصر من بقاع العالم العربي، بل هذه المرجعية الإسلامية هي الضمانة الحقيقية للحقوق الحريات للمسلمين وغير المسلمين، هذا التنوع الكبير وهذا البقاء للتنوع على مستوى العقائد على مستوى العبادات على مستوى التنوع الحضاري بين مختلف أصحاب العقائد والديانات لم تضمنه ولم يضمنه نظام قانوني ولم تضمنه حضارة بمعناه العام الشامل كما ضمنته الحضارة الإسلامية ونظام القانون الإسلامي المسبب بالشريعة الإسلامية، النظام الإسلامي السياسي حينما يقوم على الثوابت والأصول الموجودة بنصوص قطعية السلوك قطعية الدلالة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله، هي الضمانة الحقيقية لكل حق، لكل إنسان بغض النظر عن معتقده أو جنسه أو لونه أو لغته أو عرقه أو غير ذلك، هي الضمانة الحقيقية التي تتمتع بحقوقه وحرياته ليس على مستوى النص فقط بل على مستوى الواقعية في واقع الحياة بحيث تتمتع بهذه الحقوق والحريات بلا كلفة وبلا إعاقة وبلا حاجة إلى اللجوء إلى سلطة الإدارة، وبلا معوقات وبانتظام وباطراد، وبالتالي الضمانة الحقيقية في الإسلام وفي مرجعية الإسلام وليس في النظم التي تبتدع من اليمين واليسار ولا تتفق ومقومات المجتمع المصري أو العربي أو مقومات المجتمع الإسلامي ثم تصطدم معه وتوجد مساحات كبيرة لمن يريد أن ينحرف أو يستبد فينحرف ويستبد وهو في حلٍ من المجتمع ومن يقظة الفكرة القانونية في وجدان وشعور ومقومه الأساسي كشخصية إنسانية فتفتح مناخ واسع للاستبداد فتفتح مناخ واسع للاستبداد، فبتعصب بالحقوق وبالحريات، فيسقط المجتمع كله في هوة التخلف، فيفسد الاجتماع ويفسد الاقتصاد وتفسد السياسة وتفسد الحقوق وتفسد الحريات، بل تفسد الإنسانية في الإنسان، وينقلب المواطن كأنه كما وتراثا يباع ويشترى، ولذلك قامت الثورات قديما وقامت الثورة حديثا، لا لشيء إلا لأن نضع حدا لأن نورث، أو أن نكون عقارا أو متاعا وأن نستعيد حريتنا ونستعيد كرامتنا، جميعا مسيحيين ومسلمين، وغير ذلك من أصحاب الديانات، حتى لو كانوا يهودا في المجتمعات العربية والإسلامية الذي يضمن لهم بقاء عقائدهم، الذي يضمن لهم بقاء دور عبادتهم سليمة، وأن يضمن لهم بناءها وتعميرها وإعمارها الذي يضمن حرمة العدوان عليها، وحرمة الانتقاص منها، أو حرمة العدوان على حقوقهم أو حرياتهم.

بالإضافة إلى حقوقهم العامة كافة، حق التملك والتصرف، حق التنقل حق حرية الرأي والتعبير، حرية التجمع السلمي في الأحزاب والحريات، والتجمع المهني النقابي والتجمع الأهلي، بكل فروعه ومشتقاته وألوانه وروافده، بحيث يضمن حد الكرامة الإنسانية بعيش كريم، بحيث إذا سقط بالمواطن بأي كان أيضا جنسه أو دينه أو لغته، دينه أو عن حد الكرامة الإنسانية، تضطلع الخزينة العامة بتحمل هذا الدين عنه، وكذلك في مسألة الرعاية الصحية وغير ذلك من أنواع الرعاية في المجتمع.لكل المواطنين طبعا، هل إذن تفكيك النظم الاستبدادية وإقامة نظم ديمقراطية بديلة نظم تعددية، هل تحل مشكلة المجموعات الدينية والعرقية تلقائيا ؟
طبيعيا التغيير الذي سيحصل سيكون نحو الأفضل وليس الأسوأ نحن نتجه نحو حالة اجتماعية جديدة تؤسس للانفتاح على الديمقراطيات الأخرى، حتى الإسلام الحديث يختلف عن الإسلام منذ أربعين سنة مثلا، الجماعة الإسلامية في لبنان وسواه، والإخوان المسلمون هم اليوم يختلفون كثيرا عما كانوا عليه قبل أربعين سنة أو نصف قرن، إذن هناك تفاعل حدث بين قيادات هذه الجماعات والمجتمعات الأخرى الأوروبية وغير الأوروبية، وقد اختزنوا تجارب جديدة ونحن نسمعها، صدر بيان عن الجماعة الإسلامية في لبنان يتحدث عن رفض الذمة، أي فكرة الذمة التاريخية المعروفة، رفضوها أي هم الأخوان المسلمون، ورفضوا أيضا أن يكون المسيحي إلا شريكا، بمرتبة شريك وليس بمرتبة تابع، في سوريا النظام استغل الأقليات هو أقلية ويستغل الأقليات هو الأقلية الأقوى، لا أخشى من أصولية ستأتي، في العالم العربي جميعا ستأتي مرحلة الوطنيات أو الحالات الوطنية أو الوطنيات، حتى ليس الحالات القومية العمياء التي كانت هكذا تلتهب بمشاعر حادة، الاتجاه نحو الوطنيات بمعنى أن لبنان وطن، سوريا وطن، الأردن وطن، مصر وطن، إلى آخره، ويتعاملون هذه القوى هذه الدول تتعامل على أساس خلفية وطنية وليس على أساس خلفية أصولية، أو خلافة إسلامية أو عالم إسلامي، أو على خلفية قومية متزمتة ومقفلة.
إذن المسألة تتجه باتجاه تصاعدي نحو التفاعل مع المجتمعات الحديثة والأصولية بلغت ذروتها وهي لم تعد في مرحلة ازدهار، بل في مرحلة انحسار، فظاهرة بن لادن هي بلغت ذروتها والآن هي في اتجاه تراجعي، إذن لماذا هذا الخوف من أن نتجه نحو القيم، هناك حلا أسمه حلف الأولويات وليس حلف الأقليات طبعا، ردا على حلف الأقليات المدمر للأقليات.
والأولويات بمعنى الأهداف الديمقراطية المواطنة العدالة حقوق الإنسان الاعتراف بالآخر التفاعل الحياة الحديثة القيم الإنسانية، نتفق عليها، ذروة حلف الأولويات في هذا التعبير السياسي، بين مسلمين ومسيحيين، بين السنة والمسيحيين والدروز وأقلية شيعية، إذن المسألة تتجه باتجاه واضح نحو مصلحة المجتمعات العربية، وليس خطوة إلى الوراء إلى عهد الحشاشين مثلا، أو حتى عهد ابن تيمية وسواه.
كيف يمكن جعل الربيع العربي ربيعا لكافة المجموعات الدينية والعرقية، وهل ثمة مسؤولية على عاتق هذه المجموعات؟

أن ربيع الثورات الذي سيؤدي إلى أنظمة ديمقراطية سليمة قائمة على أسس مواطنة، ودولة مدنية عصرية بدستور أربعين خمسين سنة غابت عن مجتمعاتنا، دستور ينظمها، وقانون يفصل في أمورها، ليس لمن يرى في نفسه أقلية أو ضعفا أو تميزا، ليس له من حماية غير دولة الديمقراطية، غير الديمقراطية كنظام يفصل بين السلطات وتتقدم حقوق المواطنة، على الامتيازات التي تعطى هبات لهذا التابع أو ذاك، كان على البطريرك الراعي أن يتمثل بفارس الخوري لا أفهم هذه الهدية المجانية التي قدمها للسلطة السورية التي أرادت منه أن تخردق سوريا مكونات الشعب السوري اضطهدت بالكامل، وأكيد في مصر كذلك، من كان يعرف إذا في محمد بو عزيزي أمازيغيا الحصار الدولي المتواضع الذي يحاول أن يمنع قتل السوريين، يعني هذا الكلام أعيده لإخوتنا الموارنة، في أم عربيا، صحيح في دولة الاستبداد يقرب الاستبداد بعض الناس، ويبعد بعض الناس.
ولو كان محمد البوعزيزي في الغرب، لكان مصدر تنوع عرقي وديني ومذهبي، طبعا هناك فرق كبير بين النظر إلى الأقليات في الغرب وفي العالم العربي، لأنها في الغرب مصدر تنوع وثراء وغنى، وفي الواقع في العالم العربي يختلف الواقع عن ذلك، لأنها مصدر أزمات ومشكلة، كيف يمكن تحويلها تحويل هذا التنوع إلى مكون أصيل في المجتمعات العربية، وربما لعلها هي الآن من أقدم المجموعات؟

التنوع قيمة إنسانية كبرى :
وهذا يعني عنصر أساسي من عناصر الحياة في المنطقة العربية، المشكلة عادة تأتي ليست من التنوع ولكن في إدارة التنوع، يعني إدارة التنوع التي عرفناها على مدى عقود كانت إدارة رديئة أحيت الأحقاد وعمقت الفجوة ما بين المجموعات المتنوعة المختلفة ووجدت مساحة من الهواجس الكثيرة بينهم، وأحيانا وجدت ذاكرة محملة بمشكلات كثيرة ومشاعر سلبية تجاه بعض المواطنين داخل المجتمعات، اللحظة الحالية هي لحظة فارقة في المنطقة العربية، عندما نبني دولة جديدة، دولة نستعيد بها مفهوم المواطنة، دولة وطنية حديثة تقوم على إدارة التنوع، إدارة التنوع تحتاج إلى عدد من المتطلبات، المتطلب الأول، حكم كامل للقانون ومساواة الكاملة لكل المواطنين بصرف النظر عن أي اختلاف في اللون أو الدين أو الجنس أو العرق، مساواة في الفرص والوصول إلى مراكز اتخاذ القرار، مشاركة لا تحمل المغالبة ولا تحمل الإقصاء لأي طرف من الأطراف، نقطة ثالثة حرية ثقافية وحقوقا ثقافية داخل المجتمعات العربية، هذا العنصر غائب الثقافة العربية هي ثقافة غنية بتنوعها، والحقوق الثقافية للأفراد وللمواطنين المختلفين هي التي تعمق وتثري الثقافة العربية بنوع من أنواع التنوع وبلون خاص بها، القضية إذن تحتاج إلى منظومة شاملة من الحقوق والواجبات تحتاج إلى دولة مواطنة ودولة قانون ولكنها أيضا تحتاج إلى دولة ترعى المختلفين، وتنص على هذا الاختلاف وتجعل هذا الوطن، ليس وجود المسيحي فيه وجودا رمزيا أو وجودا استدعائيا أو وجودا هامشيا، ولكنه وجود حقيقي لمواطنين، ولا أمل إلا في الاندماج، لا أمل بالنسبة للمسيحيين إلا في الاندماج داخل نسيج المجتمع العربي، وان يصبحوا عنصرا فاعلا من عناصر ما أطلقت عليه الإسلام الحضاري.

فالدول الغربية في القرون الوسطى جربت دول القوميات الأثنية والدينية.. وخاضت حروباً عدة فيما بينها أزهقت ملايين الأرواح وأهدرت الأموال الطائلة.. وفي النهاية اقتنعوا أن الدولة المدنية التي لا تقوم على أساس النعرات القومية أو الدينية، هي أفضل الحلول. وتقدمت أوربا وأصبحت منارة للعلم وحقوق الإنسان؟
وقد جربنا في القرن العشرين دولة القومية العربية في سوريا والعراق. فماذا كانت النتيجة؟ تركيز القوة والمال في أيدي رجالات الحكم مع قمع المواطن العادي وإفقاره، بغض النظر عن مرجعيته الأثنية أو الدينية.
فقد اضطهد صدام حسين الشيعة والأكراد والأيزدية والتركمان وغيرهم. وحتى السنة الذين لم ينتموا لحزب البعث عانوا من الاضطهاد والتهميش والقتل لأن الدولة كانت تفتقر إلى المؤسسات القانونية.
وحدث نفس الأمر في سوريا. وإيران مثال على الدولة الدينية التي تعتمد على تشريعات إلهية وتفتقر إلى مؤسسات القانون. فالدولة المدنية هي خير ضمان لاحتفاظ الإنسان العربي بكرامته ولمساواته مع الآخرين بغض النظر عن معتقداتهم أو إثنيتهم أو المواقع التي يحتلونها في دولة القانون.

إن الشباب الذين فجروا الثورات العربية ينادون بقيام دولة مدنية يحكمها القانون وتساوي بين مواطنيها رغم اختلاف معتقداتهم.. والشعوب لا تتعلم الديمقراطية بين ليلةٍ وضحاها. لا بد من مرحلة انتقالية قد تستمر عقدين أو ثلاثة ليعرف الناس، وخاصة الأميين، التعامل مع الديمقراطية. وإلى أن نبلغ تلك المرحلة سوف تعاني الأقليات في الوطن العربي اضطهاداً وتهميشاً أكثر مما عانته تحت الأنظمة البائدة.

تعريف الأقليات في العالم العربي أو في العالم :
هناك مثلاً النَوَر أي الحلبة أو الجبسي Gypsy كما يسميهم الغرب. هذه الشريحة من الناس تمتد من الشرق الأوسط إلى أوربا الشرقية مثل رومانيا وألبانيا، ودول أوربا الغربية. هؤلاء يسافرون في الكرافانات ويستقرون في كل موقع عدة شهور ثم يرحلون إلى موقع آخر. وأعدادهم بالملايين، ولغاتهم مختلفة لكن يُقال إن أصلهم واحد. فهل نعتبرهم أقلية؟ ونفس الشيء ينطبق على الطوارق المقيمون بين الجزائر وليبيا وومالي والنيجر وبوركينا فاسو. فجميعهم يتحدثون الأمازيغية مع لهجات محلية حسب البلد الذي يعيشون فيه.

وماذا عن الأقليات الدينية في البلاد العربية والإسلامية؟ هل نعتبر الشيعة في السعودية أقلية لها حق تقرير المصير، والشيعة في البحرين مع أنهم يمثلون غالبية السكان، والعلويين في سوريا، والهزارى الشيعة في أفغانستان، والشيعة في اليمن (الحوثيون)، والأيزدية والتركمان وغيرهم في العراق. وماذا عن الأمازيغ في شمال إفريقيا، والأقباط في مصر؟ وماذا عن السود في موريتانيا؟

إن جنوب السودان كان وضعاً يختلف كثيراً عن أقليات الدول العربية الأخرى، فسكان جنوب السودان أفارقة لم يختلطوا بالعرب أبداً ولهم لغاتهم المحلية ولا يدينون بالإسلام كالشماليين. وقد همشتهم حكومات شمال السودان منذ أن استقل السودان عن الحكم الإنكليزي. فهم لم يكونوا جزءاً أصيلاً من السودان الكلي. ولذلك لا يمكن قياس الأقليات الأخرى بمقياس جنوب السودان الذي قد انفصل الآن بعد إجراء استفتاء ساندته أمريكا وأوربا والأمم المتحدة.

وفي الغرب الآن محاولات لدمج البلاد الأوربية في دولة واحدة كبيرة تكون بمثابة الولايات الأوربية المتحدة لتقوى في مواجهة الولايات المتحدة والصين وروسيا. وكلما كبرت الدولة سكانياً ومادياً كلما تحسنت أحوال ساكنيها. إذا وافقنا على إجراء استفتاء للأقليات في العالم العربي فسوف تتفتت تلك البلاد إلى دويلات، كما حدث للعرب في آخر عهدهم بالأندلس.

والأفضل هو إقامة الديمقراطية ودولة القانون التي تساوي بين المواطنين وترفع الظلم عن أي فئة مستضعفة وتعطيها نفس الحقوق والواجبات. ففي بريطانيا العظمى مثلاً نجد إقليم ويلز وإقليم اسكتلندا وإقليم إنكلترا مجتمعة في بلد واحد رغم اختلاف إثنياتهم، ولكنهم متساوون تحت القانون البريطاني ولكل فرد في المجتمع نفس الحقوق التي يتمتع بها رئيس الوزراء البريطاني. وهذا هو الحل الأمثل بدل تفتييت الدول العربية.

والأقليات الدينية والإثنية واللغوية في العالم العربي قلما يتم تناولها من قبل النخبة الفكرية والسياسية العربية، وعندما يثير موضوعها أحد الكتاب المنتمين إلى هذه الأقليات أو غير المنتمين إليها، فإنه يواجه بسيل من الكتابات التشكيكية والاتهامات والاستفهامات، وتصل هذه الكتابات إلى حد اتهام هذا الكاتب بالتواطؤ مع القوى الغربية و”الإمبريالية” وحتى الصهيونية!.

ويتم تجاهل قضية الأقليات وطمسها، بحيث لا تظهر كقضية ديمقراطية تحتاج للمعالجة والحل، وذلك بدوافع أن هذه الأقليات عليها أن تخضع لإرادة الأغلبية العربية والمسلمة، فالأقليات القومية يتم الالتفاف عليها بمقولة أن من تكلم اللغة العربية فهو عربي، وهذا بحد ذاته نوع من المراوغة والهروب من الواقع الحقيقي، فهل يمكن اعتبار كل فرنسي أو أمريكي أو روسي يتحدث العربية من العرب والقومية العربية، هذه نظرة تدخل في سياق صهر الأقليات القومية في البوتقة العربية، أما بالنسبة للأقليات الدينية فهي أيضا تطمس إذ تغيب عن المشاركة السياسية، وتغفل حقوقها الدينية والثقافية إلى حد كبير في العديد من الدول العربية والشرق أوسطية.

إن طريقة الحكم في الدول ذات النمط الشمولي الاستبدادي وغياب مناخ الديمقراطية والحريات ومفهوم المواطنة والعدالة الاجتماعية، هو الذي أدى ويؤدي إلى طمس حقوق الأقليات سواء الأثنية أو الدينية أو اللغوية. والاستشهاد بحالات واقعية ملموسة في العالم العربي.

فالشعب الكردي في العراق الذي تعرض للظلم والتشويه والإلغاء عبر العديد من أنظمة الحكم العراقية، أثر على مستقبل العراق وكبل العراق العديد من الخسائر والضحايا.. من مجازر وأنفالات (القصف الكيماوي) وتدمير أكثر من (450) قرية كردية، ناهيك عن خسارة أرواح المئات والألوف من أبناء الشعب العراقي بعرب وأكراد وأقليات الأخرى..
وهذا ما حدث ما يشبهه بجنوب السودان وإقليم دارفور، إذ كبدت الحرب بالجنوب السوداني الخسائر الهائلة للدولة السودانية وللشعب السوداني، ويتم تجاهل حقوق البربر في الجزائر ودول المغرب العربي الأخرى.. لإن إلغاء القوميات والأقليات والأثينيات المتعايشة في الوطن العربي، ليس من شأنه حل أي مشكلة بل يفاقم المشكلات الموجودة أساسا في البلدان العربية ويزيدها تعقيدا.

لقد أثبتت التجربة التاريخية عقم التعامل الصهروي / البوتقي – إن جاز التعبير ـ مع الأقليات، وضرورة حل مشكلة الأقليات بإفساح المجال أمامها لممارسة ثقافتها وحقوقها وخصوصيتها ضمن الدولة العربية، وكذلك المشاركة في الشأن العام للدولة والمجتمع. إن التعدد بحد ذاته إغناء وإثراء للوحة الديموغرافية في الدولة العربية، وليس عامل تنافر وحقد واقتتال وإلغاء بين القوميات أو الأديان المتعايشة ضمن هذه الدولة.

ويخطئ النظام السياسي إذا اعتقد أنه بإلغاء الأقليات يساهم في حل مشكلتها، بل إنه يساهم في تآكل الدولة بالكامل عبر زيادة الاحتقان الداخلي. لأن هذه الأقليات تختزن ثقافة وفلكلورا وطقوسا متمايزة وجميلة، إلا أنه يتم تجاهلها عن عمد بسبب النظر إليها كحالات سياسية وليس كحالات تعددية وثقافية وفلكلورية وتراثية ومناطقية، وهذا ما يؤدي إلى زيادة الاحتقان والرغبة في الخروج عن الطوق وضرورة إبراز المكبوت تحت السطح واختراق قشرة السطح بصورة قوية وشديدة ومفاجئة (تحويل الجدران اللامرئية إلى جدران مرئية بشكل واضح).

إن المطلوب من النخبة العربية هو اتخاذ موضوع الأقليات كمحور هام من محاور الانفتاح الديمقراطي الداخلي، والمصالحة الداخلية بين فئات الشعب في المستوى العمودي للخروج من أزمة الأقليات واستفحالها وخروجها عن السيطرة إلى مجال التدخل الخارجي قبل فوات الأوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف