الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- كنّا عايشين-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 22
المجتمع المدني


كنت سوف أكمل الكتابة عن نساء أمل ، و كالعادة رأيتني أكتب عن شيء آخر ، فقد حاولت على مدى عمر أن أضبط ذهني على ما أرغب بفعله دون جدوى، فبينما أكون ذاهبة إلى المكتبة أتوجه إلى السّوبر ماركت فأشتري قطعة شوكولاتة أسعد بتذوقها رغم أنّها ترفع نسبة السّكر في دمي. لا بأس بقرص دواء يخفّض السكّر. أتناوله و أنا أبتسم لي . . . تمرّدت على نفسي!
أحاول الآن أن أكتب في السّياسة، في النّسوية ، في حقوق الإنسان ، في تاريخ الظّلم ، يتوزّع ذهني، يتشتت، و أرحل إلى الكهوف لأحتمي من كلّ الأشياء التي أحاول أن أكتب عنها ، لأنّني ببساطة أجهلها !
في السياسة : حاولت أن أضع عنواناً لمقال: هل إيران صديق أمريكا أم عدوّتها؟ ثمّ غيّرته إلى عنوان آخر: هل السعودية مع الشعب السّوري؟ ثمّ غيرته : هل عليّ أن أقف ولو بعقلي الباطن مع المعارضة السورية؟
لم أنجح في الكتابة بأي من المواضيع السياسية السّابقة لسبب بسيط أن أسئلتي كانت تافهة مثل الحقيقة ، في مجال النّسوية التي حاولت أن أكتب فيها رأيت الشّابات في سورية يبحثن عن شاب للزواج ، ومعهن وثيقة تثبت أنهن يملكن عملاً بقدر خمسين ألف ليرة سورية في الشهر، وهو مبلغ يكفي للعيش عدّة أيام ، بينما الشباب مختبئ خلف أصبعه يختار بحرية ، ويطلب من الشّابّة أن تتقي الله فيه ، فتضع الحجاب إكراماً لله ، وتطيعه لأنّه قوّام عليها ، لكنه يقتل على حاجز مجهول ، تبكيه ، وتعيد المحاولة في إيجاد شريك جديد، فالشريك اليوم يشبه القطع النّادر!
أما حقوق الإنسان فقد كتبت عنواناً : ماذا يعني أن تكون إنساناً ؟
سخرت من نفسي ، لأنّ العنوان بحدّ ذاته سخيف، و أنا التي مارست إنسانيتي على مدى طويل في الاختباء ، في الخوف، في الجوع، ثم ظهرت إلى العلن ، و أنا أحمل يافطة كتب عليها : عاش سيد الوطن! صفعت نفسي ، أقسمت أمامها أنني لم أخرج من مخبئي، ولم أكتب تلك اليافطة، لم تصدقني . لماذا تصدقني و قد كانت اليافطات تملآ الأجواء ، هل أتجرّأ؟ في الحقيقة أنني لا أتجرأ سوى على الاختباء، على الندب ، على لوم الآخر ، على الصبّر ، فالخلاص قادم، أتى فعلاً على شكل سرطان!
الآن يمكنني التّحدث عن تاريخ الظّلم ، ليس في كلّ مكان ، بل في ذلك " الوطن الجميل" الذي تحدّثت عنه سابقاً عندما قلت لكم بأنّ حقيبة سفري كانت تهتزّ و أنا أودّع حديقتي ، كما تحدثت لكم عن داليتي المجنونة ، فإذ بي أرى الوطن لأوّل مرة هو سجن اسمه حديقة منزلي ، أمارس فيه فنّ تعذيب نفسي!
عن ماذا سوف أكتب إذاّ؟
سوف أكتب عن كلب أمّي المدلل" بيّوض" ، فأنا لا أملّ في الكتابة عن أخلاقه الحميدة ، لكن لم أكن أعرف أنّ أمي استعاضت به عن أولادها ، عندما فقدت الأمل بأنّ أحدهم سوف يقدّم لها " العرفان بالجميل " لأنه أنجبته إلى العالم. كانت الدنيا تضيق عليها في تلك القرية الموحشة ، فربّت كلباً، وقطّة ودجاجات ، تتحدّث لهم بلغتها، ويتحدثون معها بلغتهم . كانت لغة جديدة ابتكرتها أمي من أجل الاستمرار بعد أن يئست أننا سوف نفهم لغتها يوماً ، لكنها علّمت حياناتها الحبّ، فكلبها كان يبتسم لي ، ويمد يده ليصافحني، بينما أخاف منه ، و أخذله لأنّه" حيوان" ، رغم أن أمي نبهتني أكثر من مرّة أنّ مشاعره الحيوانية رائعة .
بينما ترقص الآلام في خاصرتي ، و أحاول تهدئتها ، تحضرني كل تلك الأشياء ، و أحنّ إلى " ياسمين الشّام" ، يصفعني الوجع، يسألني: أين رأيته ؟ أجيبه أنني في الحقيقة لم أره ، لكن الشعراءتغنوا به، حتى " عظيمهم نزار " !تهب رائحة البول على بعض الجدران في البرامكة حيث لا يستطيع الرجال الاتظار طويلاً ، ولم يجدوا مراحيض عامة ، فكانت الجدران قرب الجامعة هي البديل . . " كنّا عايشين على كل حال" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا


.. سكان غزة على حافة المجاعة خصوصاً في منطقتي الشمال والوسط




.. هيئة عائلات الأسرى المحتجزين: نتنياهو يمنع التوصل إلى اتفاق