الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة اولية في فكر جوستاف لوبون 4/ 4

داود السلمان

2021 / 9 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(4) روح الاجتماع
في هذا الكتاب الذي اطلق عليه "حياة الاجتماع" يحدثنا لوبون عن الحالة النفسية للجماعات، ويشرح ذلك بالتفصيل. ويقول: تتكون روح كُل شعب من مجموع صفات وخلالٍ تتولد في أفراده بالتوارث، لكن إذا اجتمع عدد من أولئك الأفراد للقيام بعمل من الأعمال تولدت عن اجتماعهم هذا أحوال نفسية جديدة ترتكز على أحوال الشعب، وقد تختلف عنها في كثير من الأوقات اختلافًا كبيرًا.
ولوبون في هذا الكتاب حاول التقصي والبحث في موضوع الجماعات على صعوبته بالوسائل العلمية المحضة، كما عبّر، يعني أنه يريد أن يتبع فيه نسقًا مؤسسًا على قواعد العلم غير ملتفت إلى الآراء والنظريات والمذاهب الجارية مجرى الأمور المسلَّم بها؛ كونه يرى أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لاقتناص بعض شوارد الحقيقة. كما يوضح في مقدمة كتابه هذا.
ويقول، كما جاء في المقدمة إنّ الجماعات "تتجرد دائمًا عن الشعور بعملها، وقد يكون هذا هو السر في قوتها على أنا نشاهد في الطبيعة أن الذوات الخاضعة لمجرد الإلهام تأتي بأعمال دقيقة يحار الإنسان في معرفة جليل صنعها، ذلك أن العقل جديد في الوجود الإنساني وفيه نقص كبير، فلا قدرة لنا به على معرفة قوانين الأفعال اللاشعورية، فما بالك إن حاولنا وضع غيرها في مكانها أن نَصيب اللاشعور في جميع أعمال الإنسان عظيم وافر ونصيب العقل فيها صغير للغاية، والأول يعمل ويؤثر كقوة لا تزال معرفتها غائبة عنا".
ففي فصل له من هذا الكتاب بعنون "أفكار الجماعات" يقسّم لوبون الأفكار إلى قسمين: الأول الأفكار العرضية الوقتية التي تولدها بعض الحوادث لساعتها كولوع بفرد من الأفراد أو مذهب من المذاهب، والثاني الأفكار الأساسية التي تكتسب من البيئة والوراثة والرأي ثباتًا. ويعطينا مثال ذلك العقائد الدينية في الماضي والأفكار الدمقراطية والاجتماعية في الزمن الحالي.
ويقول إنّ الأفكار الأساسية أشبه بالماء الذي يجري الهوينا في النهر، والأفكار العرضية تشبه الأمواج الصغيرة المتغيرة على الدوام التي تضرب وجه ذلك الماء، وهي مع قلة أهميتها أظهر أمام العين من سير النهر نفسه.
لوبون يرى أنّه كيفما كانت الأفكار التي تلقى في نفوس الجماعات، فإنها لا تسود ولا تتمكن إلا إذا وضعت في شكل قواعد مطلقة بسيطة لتبدو لها في هيئة صورة تحسنها، وهو الشرط اللازم لأن نحل من نفوسها محلًّا كبيرًا. وليس بين هذه الأفكار المصورة أقل رابطة عقلية من التشابه أو التلازم، فيجوز أن يحلَّ بعضها محل بعض، كالزجاجات السحرية التي يستخرجها العامل واحدة فواحدة من صندوقها، ذلك هو السبب في قيام الأفكار المتناقضة بجانب بعضها عند الجماعات. وعلى حسب الأحوال تكون الجماعة تحت تأثير أحد هذه الأفكار التي اجتمعت في مدركتها، فتأتي بأشد الأعمال تناقضًا وتضاربًا.
ومع ذلك يرى لوبون أنه لا يمكن القول مطلقًا بأن الجماعات لا تتعقل ولا تتأثر بالمعقول، غير أن طبقة الأدلة التي تقيمها هي تأييدًا لأمر من الأمور أو التي تؤثر عليها منحطة جدًّا من الجهة المنطقية، فلا يصدق عليها اسم الدليل إلا من باب التشبيه.
إذ غني عن البيان، كما يوضح لوبون، أن عدم قدرة الجماعات على التعقل الصحيح يذهب منها بملكة النقد، أي يجعلها غير قادرة على تمييز الخطأ من الصواب، وأن تحكم حكمًا صحيحًا في أمر ما. أما الأفكار التي تقبلها هي، فهي التي تلقى إليها لا التي يناقش فيها. والذين لا فرق بينهم وبين الجماعات في هذا الباب كثيرون، وسهولة انتشار بعض الأفكار وصيرورتها عامة آتية على الأخص من عدم قدرة السواد الأعظم على اكتساب الرأي من طريق النظر الذاتي.
ومُلخّص ما توصل اليه لوبون أنه "لا تتعقل الجماعات إلا بالتخيل ولا تتأثر إلا به، فالصور هي التي تفزعها وهي التي تجذبها وتكون سببًا لأفعالها".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار