الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة الحادية عشر

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2021 / 9 / 24
القضية الكردية


كنا نحاول اللجوء الى انكلترا، ونتأرجح بين عالمين، عالم ميت، وعالم اخر ليست له القدرة على الولادة. عالم لا تفهم معنى سعادة العالم الاخر. في ليل حالك السواد، كانت الكلاب تنبح بلا انقطاع والامم الحية ترقب، والاثنان ممتعضان ويضيقان على الكره. الرجل الذي يشب في سنوات، قد يشيخ في ساعات عندما لا يخسر شيئاً من الوقت. وكنا عاطلين ليس للزمن عندنا اهمية ومعنى.
سمعنا صباحاً بان طائرة هليكوبتر قد حطت قرب المخيم، وخرجت مع الجموع البشرية الى حيث حطت تلك الطائرة، ورأيت وزير الداخلية، كما قدم نفسه الى اللاجئين، يتحدث الى اليهم مستفسراً عن احتياجاتهم ، فطلب الجمع الغفير الأدوية والأرزاق والبطانيات و الخيم، وقد فتح الجمهور المجال امامي وتقدمت للتحدث مع احد مرافقي الوزير، وكان رئيس تحرير صحيفة ايران أوبزرفر، تحدثت معه باللغة الانكليزية ، وأخبرته بان اغلب اللاجئين في المخيم من حملة الشهادات، بالإمكان الاستفادة منهم، والسماح لهم بالسكن في المدن الإيرانية مقابل اجور يومية، في هذه الاثناء، تقدم نحوي بعض الصحفيين الأجانب يسألونني عن اوضاعنا، فشرحت لهم حالنا الراهن التي تفتقد الى ابسط الاحتياجات الانسانية، حيث نزامل الحيوانات البرية في عيشها للبقاء حيا، ونقضي حاجاتنا مثلهم، ولم يبق للحياء الاجتماعي مكان في تصرفاتنا، وقلت لهم بان غالبية من هم في المخيم من الكورد المتعلمين اصحاب شهادات، ولا يستحقون المعاملة الغلظة معهم كما هي الحال عليها، او معاملتهم كمعتقلين او رهائن، ناهيك عن انتشار الأمراض بيننا، وعيشنا على الأدوية اكثر من الغذاء. تغير وجه مرافق الوزير واستشاط غيظاً، وقال ان إيران تعاني من البطالة والعوز المادي، فكيف نأوي هذا الجمع ونترك مواطنينا؟
عدنا ادراجنا بعد اللقاء المخيب، وتحدثت مع نخبة من المثقفين في المخيم كانوا على اصرار الصمود، حيث كنّا نسمع مداولات الامم المتحدة بشأننا، واتفقنا ان نؤجج الحماسة في النفوس، ونستنهض الهمم لرفع المعنويات الخائرة، لحين استدراك الأمم لحال الكورد، فإما العودة لاراضينا معززين، او الموت على سفوح الجبال، لم يبق لنا خيار ثالث. ونرى في جانب اخر، صعوبة الحال وزيادة عدد المرضى وحالة القذارة، حيث لا تخلو بقعة في المخيم من الروائح النتنه، بسبب قضاء الحاجات في العراء وفي مساحات ضيقة، ما العمل؟ هذا قدرنا.
في الْيَوْمَ التالي علمنا بان وفداً من الامم المتحدة (منظمة الصحة الدولية) تتفقد احوال اللاجئين في المخيم، كنت مع زوجتي امام مخيم الطبابة، اتحدث مع افراد من المنظمة عن احوالنا، وبينما كنت اتحدث مع طبيبة شقراء سويسرية في العقد الخامس من عمرها، كانت ضمن الوفد المتفقد للمخيم، تقدمت امرأة كوردية من اللاجئات مني وقبلت يدي! تترجى مني ان استفسر من الوفد مصير عائلتها وهم 18 شخصاً، تحمل صورهم وجنسياتهم كانوا قد اختفوا في احداث الإبادة الجماعية التي سميت بالأنفال، وبقيت هي وحدها مع ثلاثة من بناتها الصغار، وكانت تبكي بحرارة تدمى لها العين، وتطالب العدالة الدولية للبحث عنهم لدى السلطة العراقية، وافادت بان الجيش الشعبي العراقي رحلتهم من قريتهم بالشاحنات، ثم تم تفريقهم في مدينة توبزاوا. وقبلت يدها وترجمت معاناتها، تألمت الطبيبة وادمعت عينيها، وقالت وهي تمسك بيدي بقوة وانا أترجم لها الحال، وهي ترى اطفالها في حالة يرثى لها، نحن معنيين بالصحة، ولكنها ستعمل ما بوسعها للبحث عنهم، وقامت بتصوير الوثائق بعناية. قلت لها، "ان حكومات العالم المختلفة، حين تعتقل إنساناً اقترف جريمة يعاقبه بالسجن، ان نظام صدام اعتقلت الآلاف من هؤلاء الأبرياء في سجونها لأنهم كورد! جريمتهم هي طلبهم للهوية القومية! فمن المفارقة والغرابة ان يطلق سراح المجرمين في بلادنا، ويعتقل الأبرياء لتنفسهم الحرية! اقولها لكم لأنكم تمثلون ضمير الإنسانية، وعزاؤنا الوحيد في ظل ما نعيش عليه من حال، المجرم في بلدي حر طليق، والابرياء في السجون والبراري! نناشد عدالتكم بان ينقذ ما يمكن انقاذه من هذه الملايين، وترفضوا ابادتهم، لأننا لن نرضى بغير حريتنا وكرامتنا وحقنا في العيش كبشر، ونفضل الموت على الذلة والمهانة على ارض اجدادنا". ثم جاءني أحد المصورين ليصورني، لكنني رفضت، وطلبت منه ان يسمع لما اسرده من معاناة، الا انه استسمحني عذراً لاستكمال تصوير الأطفال، وقال انه يعدني بان يجعل الصور تتحدث عن مأساتنا، بما يعجز اللسان عن وصفه، فودعته وقلت لأصدقائي انهم يصوروننا الْيَوْمَ وكأن كوردستان لم تزهر بدماء شهدائها منذ عقود! … وكأن مراعيها لم تسقى بدموع الثكالى، وكأن القضية بدأت الْيَوْمَ!!
تم تقسيمنا الى مناطق (بلوك)، وأصبح أحد الأشخاص من حلبجة مسؤول البلوك الذي يخصنا، ليؤمن توزيع الارزاق علينا. كان المسؤول واسمه (ف) ينادي باسم رب الأسرى ليعطيه الخبز بحسب عدد عائلته، وهكذا للمؤن الاخرى كالبطاطس، وأحياناً المعلبات الفاسدة الذي يعود تاريخها الى عام 1988، كانت إيران قد تلقتها كمساعدات دولية في زلزال ذلك العام، وقد تسبب في تسمم الكثير من اللاجئين، ولكن من ذَا الذي يسمعنا ويشفع لنا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا


.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د




.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر