الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة الثانية عشر

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2021 / 9 / 25
القضية الكردية


كنّا نتبضع من القرية بأمر خروج من المخيم، توقع من قبل طبيبة المخيم (شقيقتي)، تحيلنا للمعالجة في مشفى تازه آباد، وكان الضابط لا يسمح للخروج من المخيم لأي عذر الا بإذن الطبيبة او بالرشوة، وقد تمكنا الخروج بعذر احالة والدي ووالدتي للمشفى، وكنا نستقل سيارتي برفقة الاطفال الى تازه آباد، بحثنا في أسواق تلك الناحية عن حمام وتم استدلالنا اليه، قصدنا حمام الناحية، حمام للنساء وآخر للرجال، لم يقبلوا مرافقة ابني لوالدتها في حمام النساء، كان يبلغ من العمر تسع سنوات، بسبب ضخامته الذي يجعله يبدو اكبر من عمره، اغتسلنا بعد أسابيع لم تنعم اجسادنا بالماء والصابون، وقفت تحت دوش الماء لنصف ساعة بالتمام، ونسيت نفسي، وسبحت بالأحلام منقطعا عن العالم من حولي. كان الماء ينزل من جسدي رمادي اللون، لقد كدنا نتعفن من زحم الأوساخ التي تراكمت علينا خلال هذه الأسابيع التي كانت بمثابة سنوات من العمر. ورميت ملابسي الداخلية التي تحولت الى لون داكن، كنّا قد اقتنينا الملابس الداخلية من الناحية قبل دخولنا للحمام، وبعد ساعة كاملة طلب منا صاحب الحمام لمرات عديدة الخروج لانتهاء الوقت المخصص للاستحمام، و لكننا لم نخرج فقطع عنا الماء البارد، ولكننا استمرينا للاغتسال على الماء الحار، فاضطر الى إعادة الماء وتركنا نستمر في الاستحمام لنصف ساعة اخرى، فخرجت مع ابن خالتي (م) وقصدت السيارة وشغلت التدفئة فيها واشتريت بعض المشروبات الغازية وهيئتها لحين قدوم الأهل والأطفال، حيث جفف الجميع شعرهم بمكيف السيارة الحارة، وشربنا المشروبات وكانت حرارة ابنتي مرتفعة جداً، عالجتها زوجتي بالمضادات الحيوية والمسكنات. كان الحمام يتألف من صالة لنزع الملابس، يفضي الى قاعة بخار تحيطها الغرف الصغيرة ذات الأبواب الحديدية من الجوانب وكان يعلو كل غرفة أنبوب ماء معقوف للأسفل على شكل (دوش) ينزل منه الماء.. لقد سبحت كما لم أسبح بمثله في العمر!!
كنّا في الليل نجتمع ونتناقل اخبار الإذاعات ونشد بعزائمنا، ونحلل الأمور السياسية ونستنتج ما يمكن ان يسفر عنها الأحداث في المستقبل، ونتساءل هل نحن ضحايا مؤامرة دنيئة!
كنت اعود الى سيارتي فيما بعد للنوم، وكانت قدماي تؤلمني كثيراً، حيث انام جلوساً منذ ان تركت السليمانية. أخبرتني زوجتي بان الإيرانيين يسرقون الأدوية المخصصة للاجئين بالإضافة الى البطانيات والمدافئ النفطية والخيم والمؤن …
نزلت يوماً مع والدي الى قرية قلقلة للاغتسال في حمام القرية، وكنت أنسى كل أحزاني ساعة الاغتسال، وعند عودتي تقطع حزام المولد الكهربائي لسيارتي، وبحثت بين الأصدقاء ووعدني أحدهم بإعطائي حزاماً مستعملا، ذهبت اليه صباحاً ولكنني فوجئت بتركه المخيم وعودته الى كركوك، لان قراراً من الحكومة العراقية صدرت بالعفو العام عن الكورد اللاجئين، وبإمكانهم الرجوع دون محاسبة!! انشغلت بسيارتي لثلاثة ايّام متواصلة، كنت اركب في حوض سيارات (البك اب) واذهب الى تازه آباد للبحث عن قطع غيار، ووجدت مرادفاً وأجريت على المعشق بعض التحويرات بنجاح، الا ان البطارية كانت قد استهلكت. تعرفت على شاب كوردي إيراني في قرية قلقلة واسمه باختيار، يعمل مصلحاً لإطارات السيارات، وكان لطيفاً للغاية وأوصى أحد أقاربه في جوان روود لجلب البطارية، وأعطيته مائة دينار (ما كانت تسمى بالسويسري) حينذاك. دعاني الشاب للمبيت في داره مع اهلي، وأخبرته بصعوبة الامر لوجود تعداد صباحي ومسائي على اللاجئين في المخيم.
مرت بِنَا الأيام بين النوم ليلاً جلوساً، وجلب الماء والمؤن صباحاً، وكان الايرانيون من الاطلاعات (الأمن) يأتون لشراء سياراتنا، وكانوا يبتزون الأغنياء، يأخذون منهم الرشاوي، مقابل إطلاق سراحهم للعيش في القرى والنواحي والمدن، وكان لكل مكان من هذه الأمكنة الثلاثة تسعيرته الخاصة، وكانوا بعد ان يحصلوا على النقد اللازم من الأغنياء، يأتون لشراء سياراتنا! باع البعض سياراتهم ومنهم من رفض وتعرض للمضايقات، وهكذا كان اللاجئون يخسرون اموالهم وممتلكاتهم وبعض الأرواح الزكية، بحثاً عن الحرية ودفاعاً عن قضية الكورد العادلة، كما كان يجاهد أبنائهم دفاعا عنها منذ خمسون عاماً خَلَتْ، وتحملوا ظروفا قاسية قاهرة يصعب وصفها والخوض في تفاصيلها، وقلة منهم بقي على قيد الحياة ليروي قصته…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا


.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر




.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي